عقيدة الشيعة حول القرآن الكريم
يعتقد الشيعة أن : ( القرآن هو الوحي الإلهي المنزل من الله تعالى على لسان نبيه الأكرم في تبيان كل شيء ، وهو معجزته الخالدة التي أعجزت البشر عن محاربتها في البلاغة والفصاحة وفيما احتوى من حقائق ومعارف عالية ، لا يعتريه التبديل والتغيير والتحريف ، وهذا الذي بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ومن ادعى فيه غير ذلك فهو مخترق أو مغالط أو مشتبه وكلهم على غير هدى ، فإنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) (۱) .
ويقول شيخ المحدثين محمد بن علي القمي الملقب بالصدوق: ( اعتقادنا في القرآن الذي أنزل الله تعالى على نبيه محمد ( صلى الله عليه وآله ) هو ما بين الدفتين ، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، ومن نسب إلينا أنا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب (۲) .
ويؤكد ذلك ما يقوله الأستاذ البهنساوي وهو أحد مفكري الإخوان المسلمين: ( … إن الشيعة الجعفرية الاثني عشرية يرون كفر من حرف القرآن الذي أجمعت عليه الأمة منذ صدر الإسلام … ، وإن المصحف الموجود بين أهل السنة هو نفسه الموجود في مساجد وبيوت الشيعة ) .
ويواصل قوله في مجال رده على ظهير والخطيب ، فينقل رأي السيد الخوئي: ( المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن ، وأن الموجود بين أيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) (۳) .
وأما الشيخ محمد الغزالي فيقول في كتابه دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين : ( سمعت من هؤلاء يقول في مجلس علم : إن للشيعة قرآنا آخر يزيد وينقص عن قرآننا المعروف . فقلت له: أين هذا القرآن ؟ ولماذا لم يطلع الإنس والجن على نسخة منه خلال هذا الدهر الطويل ؟ لماذا يساق هذا الافتراء ؟ … فلماذا هذا الكذب على الناس وعلى الوحي ؟ ) (۴) .
وأما الروايات غير الصحيحة والتي قد يستند إليها البعض والتي تقول بتحريف القرآن والموجودة في كتب الحديث عند الشيعة ، فإنها مدانة ومرفوضة يوجد مثيلها في كتب صحاح الحديث عند أهل السنة ، وقد أخرج البخاري بسنده عن عائشة أنها قالت : ( سمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رجلا يقرأ في سورة بالليل فقال : يرحمه الله لقد أذكرني آية كذا وكذا كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا (۵) .
وبالطبع فإنه لا يمكن لأحد أن يصدق بما يعنيه الحديث أعلاه والذي يشير إلى عدم حفظ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) للقرآن كاملا أو نسيانه لبعض الآيات منه ، وفيما يلي ما يشير إلى أن جزءا من سورة التوبة لم يجدوه إلا مع خزيمة الأنصاري أثناء جمع القرآن ، وذلك على حد ما أخرجه البخاري في صحيحه ، فعن زيد بن ثابت قال : ( لما نسخنا الصحف في المصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقرؤها ، لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة الأنصاري الذي جعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) شهادة رجلين من المؤمنين – ( رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه )- (۶) .
وفي رواية أخرى عن زيد بن ثابت قال : ( … فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره ) (۷) .
فأين هذه الرواية من الحقيقة القائلة بنقل القرآن بالتواتر ؟!
ومن ضمن الروايات الكثيرة التي أخرجها البخاري وغيره من رجال الحديث من أهل السنة في صحاحهم ومسانيدهم ، والتي تقول صراحة بتحريف القرآن الكريم ما يروى عن الخليفة عمر بن الخطاب بالسند عن عبد الله بن عباس قال :
( خرج عمر بن الخطاب فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل : ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف . فأنكر علي وقال : ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله ؟ ، فجلس عمر على المنبر . فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد ، فإني قائل لكم مقالة قدر لي أن أقولها ، لا أدري لعلها بين يدي أجلي ، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي .
إن الله بعث محمدا ( صلى الله عليه وآله ) بالحق، وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها .
رجم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : ( والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء ، إذا قامت البينة أو كان الحمل أو الاعتراف ) (۸) .
والرواية التالية التي أخرجها البخاري أيضا تبين أن عمر بن الخطاب كان يود أن يضيف تلك الآية التي أسقطت ( على حد زعمه ) بنفسه ، ولكنه كان يخشى كلام الناس : ( قال عمر : لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي وأقر ما عز عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالزنا أربعا فأمر برجمه ) (۹) .
وأما الآية المزعومة فهي : ( والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ) (۱۰) .
كما روى ذلك ابن ماجة في صحيحه : وبما أن القرآن الذي بين أيدينا نعتقد جزما بعدم تعرضه لأي نقصان أو زيادة ، فإنه لا بد وأن يكون الخليفة عمر قد التبس عليه الأمر ، وقد يكون مصدر هذا الالتباس وجود آية الرجم فعلاً ، ولكن في توراة أهل الكتاب وليس القرآن الكريم كما يظهر من رواية ابن عمر الذي قال : ( … أتي النبي ( صلى الله عليه وآله ) برجل وامرأة من اليهود قد زنيا ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) لليهود : ( ما تصنعون بهما ؟ ) .
قالوا : نسخم وجوههما ونخزيهما ، قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ) ، فجاءوا فقالوا لرجل ممن يرضون أعور – : اقرأ ، فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها فوضع يده عليه ، قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( ارفع يدك ) ، فرفع يده فإذا فيه آية الرجم تلوح ، فقال : يا محمد ، إن عليهما الرجم ولكننا نتكاتمه بيننا ، فأمر بهما فرجما ) (۱۱) .
وما يقوي احتمال وقوع التباس عمر بين كتاب الله الحكيم وتوراة أهل الكتاب ما ذكره الجزائري في كتابه ، وهذا نصه :
(… وكيف تجوز قراءة تلك الكتب المنسوخة المحرفة والرسول ( صلى الله عليه وآله ) يرى عمر وفي يده ورقة من التوراة فينتهره قائلاً : ألم آتيكم بها بيضاء نقية ؟! ، إذا كان الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لم يرض لعمر مجرد النظر في تلك الورقة من التوراة … ) (۱۲) .
ويروى عن عمر أيضا قوله : ( ثم إنا كنا نقرأ من كتاب الله – أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم – أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) (۱۳) .
ولا يخفى على أحد أن هذه الآية كسابقتها ليس لها وجود في كتاب الله .
وأما عبد الله بن مسعود ، فقد روي عنه أنه كان يضيف كلمتي (الذكر والأنثى ) على الآية الكريمة : ( والليل إذا يخشى ) ، فعن علقمة قال : … كيف يقرأ عبد الله – والليل إذا يخشى – فقرأت عليه – والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى ، قال : والله لقد أقرأنيها رسول ( صلى الله عليه وآله ) من فيه إلى في (۱۴) .
وهكذا يوقعنا البخاري الذي أخرج هذه الرواية في صحيحه بتناقض جديد، ذلك إنه يروي أيضا أمر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) للمسلمين باستقراء القرآن من عبد الله بن مسعود .
فبالرواية عن ابن عمر قال : بأن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كان يقول : استقرئوا القرآن عن أربعة : عن عبد الله بن مسعود فبدأ به ، أو قال ( صلى الله عليه وآله ) : استقرئوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود ، وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل (۱۵) .
فكيف يأمرنا الرسول ( صلى الله عليه وآله ) باستقراء القرآن ممن لا يحسن حفظه ؟ ، نترك الإجابة على هذا السؤال بالطبع للبخاري ومن سار على منهجه باعتقاد صحة كل ما روي في صحيحه .
وأما صحيح مسلم ، فقد وجد فيه مثل ذلك أيضاً ، فعن عائشة أنها قالت : ( كان فيما أنزل من القرآن – عشر رضعات معلومات – فتوفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهن فيما يقرأ من القرآن ) (۱۶) ، وزعم عائشة هذا مما فيه رداً صريحاً على من يقول بأن أمثال هذه الروايات هو مما نسخ ، وإلا فما معنى زعمها استمرار قراءتها بالرغم من وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟! .
وعن أبي الأسود عن أبيه قال : ( إن أبا موسى الأشعري بعث إلى قراء البصرة وكانوا ثلاثمائة رجل ، فقال فيما قال لهم : وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة ، غير أني حفظت منها ( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ) ) (۱۷) .
وفي كتاب ( الإتقان في علوم القرآن ) للسيوطي ، يذكر بعض الروايات بأن القرآن ۱۱۲ سورة فقط أو بإضافة سورتي الحفد والخلع (۱۸) … وغير ذلك من أمثال تلك الروايات والتي نكتفي بالقدر الذي أوردناه منها .
وبعد ، فهل يجوز أن يقول الشيعي أن قرآن أهل السنة ناقص أو زائد لوجود روايات تقول بذلك في كتب الحديث عندهم ؟ ، بالتأكيد لا ، لأن إجماع أهل السنة هو القول بعدم تحريف القرآن .
وأما مسألة وجود هذه الروايات القائلة بالتحريف في كتب صحاح الحديث عندهم – لا سيما البخاري ومسلم منها والتي ألزم أهل السنة أنفسهم بحجة أن جميع ما روي فيها يعتبر صحيحا على رأيهم – فإن تفسير ذلك يكون بأحد أمرين لا ثالث لهما :
فإما أن تلك الروايات صحيحة ولكن فيها من الالتباس الذي حصل لرواتها كما هو الحال بشأن آية الرجم .
وإما أن تكون تلك الروايات غير صحيحة كما هو الحال بالنسبة لباقي الروايات التي ذكرناها ، وبذلك فإنه لا بد من إعادة النظر في تسمية كتابي البخاري ومسلم ( بالصحيحين ) .
فبماذا نفسر إذن تلك الحملة المسعورة التي يقوم بها بعض الكتاب أمثال ظهير والخطيب وغيرهم باتهام الشيعة بتحريف القرآن لمجرد وجود روايات ضعيفة في كتب الحديث عندهم تقول بذلك هي مرفوضة عندهم ، ويوجد ما يشابهها الكثير من الروايات التي أخرجها رجال الحديث من أهل السنة في صحاحهم ، فمن كان بيته من زجاج لا يرمي بيوت الآخرين بالحجارة !
الهوامش :
۱- عقائد الإمامية لمحمد رضا المظفر ص ۴۱ ط الثالثة .
۲- اعتقادات الصدوق .
۳- السنة المفتري عليها: ص ۶۰ .
۴- دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين .
۵- صحيح البخاري ج ۶ ص ۵۰۸ كتاب فضل القرآن باب نسيان القرآن .
۶- صحيح البخاري ج ۶ ص ۲۹۱ كتاب التفسير فمنهم من قضى نحبه .
۷- صحيح البخاري ج ۶ ص ۱۶۲ كتاب التفسير باب لقد جاءكم رسول من أنفسكم .
۸- صحيح البخاري ج ۸ ص ۵۳۹ كتاب المحاربين من أهل الكفر باب رجم الحبلى من الزنا .
۹- صحيح البخاري ج ۹ ص ۲۱۲ كتاب الأحكام باب الشهادة تكون عند الحاكم .
۱۰- سنن أبي داود .
۱۱- صحيح البخاري ج ۹ ص ۴۷۶ كتاب التوحيد باب ما يجوز من تفسير التوراة .
۱۲- هذه نصيحتي إلى كل شيعي لأبي بكر الجزائري .
۱۳- صحيح البخاري ج ۸ ص ۵۴۰ كتاب المحاربين من أهل الكفر باب رجم الحبلى من الزنا .
۱۴- صحيح البخاري ج ۵ ص ۶۳ كتاب الفضائل الصحابة باب مناقب عمار وحذيفة .
۱۵- صحيح البخاري ج ۵ ص ۷۱ كتاب فضائل الصحابة باب مناقب عبد الله بن مسعود .
۱۶- صحيح مسلم ج ۲ ص ۱۰۷۵، ط دار إحياء التراث العربي، كتاب الرضاع باب التحريم بخمس رضعات .
۱۷- صحيح مسلم كتاب الزكاة ج ۲ ص ۷۲۶، ط دار إحياء التراث العربي. باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثا .
۱۸- الإتقان في علوم القرآن للسيوطي : ص ۶۵ .