ذكرى ميلاد السبط الإمام الحسين (ع)
قال تعالى :ـ { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }((۱)).
قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):( هبط الي جبريل فأخبرني أنكم قتلى وان مصارعكم شتى ، فحمدت الله على ذلك وسألته لكم الخيرة) .
قال : فقال له الحسين (عليه السلام) : يا أبه فمن يزورها ويتعاهدها على تشتتها ؟
فقال : طوائف من أمتي يريدون بذلك بري وصلتي ، أتعاهدهم في الموقف فآخذ أعضادهم فأنجيهم من أهواله وشدائده )) .
و عن الامام علي (عليه السلام) : ((يوكل الله سبحانه بقبر الحسين بن علي أربعة آلاف ملك شعثا غبرا يستغفرون له ويدعون لمن جاءه) .
ورسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول : يأتي قوم في آخر الزمان يزورون قبر ابني الحسين ، فمن زاره فكأنما زارني ، ومن زارني فكأنما زار الله سبحانه وتعالى ، ألا من زار الحسين فكأنما زار الله على عرشه )).
وعن الامام الحسين بن علي (عليه السلام) (( من زارني بعد موتي زرته يوم القيامة ، ولو لم يكن الا في النار لاخرجته منها )).
لقد كانت ولادة الامام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)في عام غزوة الخندق (الأحزاب) وبعد ولادة أخيه الامام الحسن بعشرة أشهر وأيام .
وذلك في يوم الثالث من شهر شعبان سنة ۴ للهجرة المصادف يوم الخميس .
وكانت مدة الحمل ستة اشهر ..وعندما استقبل النبي الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم ) حفيده كان عمره ۵۶ سنة وأربعة أشهر و۱۶ يوما .
وعمر الامام علي (عليه السلام) ۲۶ سنة و۲۰ يوما تقريبا …وعمر والدته البتول الزهراء (عليه السلام) ۱۲ سنة.
وكان السبط أشبه الناس برسول( الله صلى الله عليه وآله)، ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، واسع الجبين، كث اللحية، واسع الصدر، عظيم المنكبين، ضخم العظام، رحب الكفين والقدمين، رجل الشعر، متماسك البدن، أبيض مشرب بحمرة .
وعندما سئل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عن ولادات اصحاب الكساء الخمس قال: إن الله تعالى خلقني و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام .
قيل : فأين كنتم يا رسول الله ؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : قدام العرش نسبح الله و نقدسه و نمجده .
قيل : على أي مثال ؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : أشباح نور ، حتى إذا أراد الله أن يخلق صورنا فصيرنا عمود نور ، ثم قذفنا في صلب آدم ، ثم أخرجنا إلى أصلاب الآباء و أرحام الأمهات ، لا يصيبنا نجس الشرك و لا سفاح الكفر ، يسعد بنا قوم و يشقى آخرون .
فلما صيرنا إلى صلب عبد المطلب ، أخرج ذلك النور ، فشقه نصفين ، فجعل نصفه في عبد الله ، و نصفه في أبي طالب ، ثم أخرج النصف الذي لي إلى آمنة بنت وهب ، و النصف الآخر إلى فاطمة بنت أسد ، فأخرجتني آمنة ، و أخرجت عليا فاطمة.
ثم أعاد عز و جل العمود إلي فخرجت مني فاطمة ، و أعاده إلى علي ، فخرج الحسن و الحسين ، يعني من النصفين جميعا ، فما كان من نور علي صار في ولد الحسن ، و ما كان من نوري صار في ولد الحسين ، فهو ينتقل في الأمة من ولده إلى يوم القيامة((۲)).
وفيه إشارة لقول : حسين مني وأنا من حسين . في معناه العالي ، وإن كان توجد أحاديث بأن : الحسن مني وأنا من الحسن ، وعلي مني وأنا من علي ، وهم نور واحد في المرتبة العالية.
فهو الامام الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، الإمام الشهيد سيد شباب أهل الجنة كنيته أبو عبد الله .
واسمه : الحسين وفي التوراة شبير ، وفي الانجيل طاب وكنيته : أبو عبد الله ، والخاص أبو علي وألقابه : الشهيد السعيد ، والسبط الثاني ، والامام الثالث . قال كمال الدين بن طلحة : كنية الحسين (عليه السلام )أبو عبد الله لا غير ,وأما ألقابه فكثيرة : الرشيد ، والطيب ، والوفي ، والسيد ، والزكي ، والمبارك ,والتابع لمرضاة الله ، والسبط ، وأشهرها الزكي ولكن أعلاها رتبة ما لقبه به رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) في قوله عنه وعن أخيه : أنهما سيدا شباب أهل الجنة فيكون السيد أشرفها وكذلك السبط فانه صح عن رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم)أنه قال : حسين سبط من الأسباط . وقال ابن الخشاب : يكنى بأبي عبد الله لقبه : الرشيد ، والطيب ، والوفي والسيد ، والمبارك ، والتابع لمرضاة الله ، والدليل على ذات الله عز وجل والسبط
يقول الرسول الخاتم ( صلوات الله عليه وآله): ( حسين مني وأنا من حسين، حسين وصي من الاوصياء ) ..
وقال الامام الحسين بن علي (عليه السلام )يقول : ما قطرت عين عبد فينا قطرة ولا دمعت عين عبد فينا دمعة الا أثواه الله بها في الجنة حقبا .
و عن ام سلمة قالت : قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : ان جبريل أراني مقتل ابني فسألت الله أن يريني تربة الارض التي يقتل بها . فقال هكذا بيده فوضعها في يدي . يقول : وضع التربة على يد أم سلمة . قالت : قلت : يا بأبي – وحالت العبرة دون الحديث .
وقال زيد بن أبي اسامة ، قال : سمعت جعفر بن محمد يقول : من زار قبر الحسين لم تزل الملائكة تحف به حتى يذهب ويرجع بحفظه من الشياطين والجن والانس حتى يرجع إلى أهله ، فإذا رجع إلى أهل فمات في ذلك اليوم أو بعده بجمعة حشر مع الشهداء يوم القيامة .
وكل مايتعلق بالامام الحسين (عليه السلام) في ولادته واستشهاده أمر رباني ورأينا على مر العصور كم ظالم وطاغي اراد أن يحارب ويقطع ذكر الامام ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) الا أن ذكر الامام الحسين (عليه السلام) يزداد علوا وارتفاعا , على العكس من مصيرالظلمة والطغاة الذي هو في طمس واخفاء .
أن ولادة جميع الانبياء والرسل والاوصياء هي بشارة للبشرية فهم ثورة تاريخية تسير بحركة تاريخية ربانية .
وولادة نبي الاسلام (صلى الله عليه واله وسلم ) وأوصياءه من الائمة الاثني عشر (عليهم السلام) تمثل منهج الحركة التاريخية في المستقبل الاسلامي .
ويلاحظ هذا المنهج في مولد الانبياء والاوصياء والديانات السالفة ,كولادة يحيي بن زكريا الذي كان مولدة بشارة للمعمورة ,فكذلك ولادة الامام الحسين (سلام الله عليه ) بشارة لكل العالم .
ويرى الفكر الاسلامي موقفا تفاعليا بين الحركة التاريخ مع المستقبل الاسلامي .
وان الله سبحانه وتعالى خط منهاج المستقبل الاسلامي بحركات تاريخية وسلسلة مطهرة واصطفاء لقادة تلك الحركة ,فكان سيد المرسلين الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم ) القائد العام للمنهاج الاسلامي ..وقد أوكل الائمة القادة من بعده ,و بأمر الله تعالى لساسة البلاد والعباد .
فولادة الامام سيد الشهداء وشباب اهل الجنة ابي عبد الله الحسين (عليه السلام ) بشارة مرتبطة ارتباطا وثيقا بمستقبل الامة البشرية ,ويتضح ذلك بصورة جلية في مواقف الامام (صلوات الله عليه )عندما كان وصي وخليفة لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم )بعد استشهاد الامام الحسن (عليه السلام).
ويلخص لنا الفكرة والصورة الاستاذ انطوان بارا ,أذ يقول : واقعة كــربــلاء لم تكن موقعة عسكرية انتهت بانتصار وانكسار بـــل كانت رمزا لموقف اسمى لا دخل له بالصراع بين القوة والضعف ، بين العضلات والرماح بقدر ماكانت صراعا بين الشـك والايمان بين الحق والظلم …
ثانيا – آثــر الحسين (عليه السلام) صلاح أمــة جده ، الانسانيه الهاديه بالحق العادله به على حياته ، فكان في عاشوراء رمزا لضمير الاديــان على مَــر العـصــور ((۳)).
ويؤكد الاستاذ بولص الحلو على ذلك عندما تطرق في احدى كتاباته قائلا :ـ الحالة الحسينية ليست مقتصرة على الشيعة فحسب، إنما حالة عامة وشاملةولهذا فإننا نجد أن ارتباط الثورة الحسينية بمبدأ مقارعة الظلم جعلها قريبة جداً من الإنسان أيًا كانت ديانته وعقيدته لأنه ما دام هناك ظالم ومظلوم فلا بد أن يكون هناك يزيد والحسين كرمزين أساسيين لكل من الجهتين.
والاهداف المرسومة للقادة هي ليست نسيج خيال بل واقع الهي وضعه خاتم الاوصياء ليسيروا أوصياء وخلفاء الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) عليه من بعده .
فالعلاقة بين الامامة والمستقبل علاقة تفاعلية تبادلية التأثير، فاذ اكانت حركة التاريخ المستقبلية تؤثر في الانسان، فأن الانسان يؤثر هو الاخر في حركة التاريخ.
وولادة الامام الحسين (عليه السلام) الذي هو نور من نفس النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) , كانت الثورة في حركته نحو تحقيق الخلافة .وكانت عصمة الامام الحسين (عليه السلام) تستوعب حركة التاريخ الاسلامي .
فإستطاع الامام الحسين (عليه السلام) ومنذ ولادته أن يحرك بركة الصمت ,فقد عرف المجتمع الاسلامي من خلال احاديث وسلوكيات جده وابيه (عليهما السلام) ان الامام الحسين (عليه السلام) يمثل الشكل المستقبلي للاسلام.
وتعتبرأصل الولادة معجزة وبيان للامة من منبع رباني ..وكما اشرنا أن مدة الحمل كانت ستة اشهر ,فيقول الله سبحانه في محكم كتابه :{ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قال رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }((۴)). .
فيتضح من خلال هذه الاية الشريفة بأن الولادة في الظرف الطبيعي ثلاثون شهرا ..
وفي علوم الطب من المستحيل أن يعيش جنين يسقط في الشهر السادس من الحمل .
ولكن بما أن الامام الحسين (عليه السلام) وصي وخليفة بالنص, فلابد من معجزة في ولادته ,أو أمر مخصوص ليتميز به عن سائر الناس ,فلذلك كانت ولادته معجزة .
زهده(عليه السلام)
ومن زهد الامام الحسين (سلام الله عليه ) وعبادته وعشقه لله تعالى انه ساير أنس بن مالك فأتى قبر خديجة (رض) فبكى ثم قال اذهب عني ،
قال أنس فاستخفيت عنه فلما طال وقوفه في الصلاة سمعته قائلا:
يا رب يا رب أنت مولاه * فارحم عبيدا اليك ملجاه
يا ذا المعالي عليك معتمدي * طوبى لمن كنت انت مولاه
طوبى لمن كان خائفا أرقا * يشكو إلى ذي الجلال بلواه
وما به علة ولا سقم * أكثر من حبه لمولاه
إذا اشتكى بثه وغصته * أجابه الله ثم لباه
فجاء النداء من السماء :
لبيك لبيك أنت في كنفي * وكلما قلت قد علمناه
صوتك تشتاقه ملائكتي * فحسبك الصوت قد سمعناه
دعاك عندي يجول في حجب * فحسبك الستر قد سفرناه
لو هبت الريح في جوانبه * خر صريعا لما تغشاه
سلني بلا رغبة ولا رهب * ولا حساب اني أنا الله
وانه قيل له (عليه السلام): ما اعظم خوفك من ربك ؟
فقال (( لا يأمن يوم القيامة إلا من خالف الله في الدنيا ))
وعن عبد الله بن عبيد أبو عمير : لقد حج الامام الحسين بن علي (عليهما السلام ) خمسة وعشرين حجة ماشيا وان النجايب تقاد معه .
وكان نقش خاتمة (عليه السلام) كما في الوافي عن الامام الصادق (عليه السلام) :ـ حسبي الله..
وله (عليه السلام) خواتم اخرى نقش فيها … لكل أجل كتاب، و أن الله بالغ أمره.
زوجاته
شهربانويه (شاه زنان) بنت كسرى يزدجرد ملك الفرس أم زين العابدين السجاد (عليه السلام) وعلي الأوسط، ليلى أو برة بنت أبي عروة بن مسعود الثقفي أم علي الأكبر، وقضاعية أم جعفر وأم اسحاق بنت طلحة بن عبيدالله التميمي، أم فاطمة , والرباب بنت أمرئ القيس بن عدي أم محمد وعبدالله.
أبنائه
وأما أبناؤه (عليهم سلام الله) علي الأكبر الشهيد وعلي الإمام وهو علي الأوسط وعلي الأصغر ومحمد وعبدالله الشهيد من الرباب وجعفر، وبناته سكينة بنت أم الرباب وفاطمة وزينب ورقية، وأعقب الحسين (عليه السلام) من إبن واحد وهو زين العابدين وإبنتين عليهم رضوان الله تعالى.
وشاعره :ـ يحيى بن الحكم.وبوابه اسعد الهجري .
ومن اصحابه
عبدالله بن يقطر وعمرو بن ضبيعة ورميث بن عمرو وزيد بن معقل وعبدالله بن عبدربه الخزرجي وسيف بن مالك وشبيب بن عبدالله النهشلي وضرغامة ين مالك وعقبة بن سمعان وعبدالله بن سليمان والمنهال بن عمرو الأسدي والحجاج بن مالك وبشر بن غالب و عمران بن عبدالله الخزاعي وأنس بن الحارث الكاهلي وأسعد الشامي .
من اعمال يوم ولادته الميمون
في يوم ولادته (عليه السلام) صيام و ورد فيه هذا الدعاء : اللهم ! إنى أسألك بحق المولود في هذا اليوم الموعود بشهادته قبل استهلاله وولادته ، بكته السماء ومن فيها والأرض ومن عليها ، ولما يطأ لابتيها قتيل العبرة وسيد الأسرة الممدود بالنصرة يوم الكرة والمعوض من قتله أن الأئمة من نسله والشفاء في تربته والفوز معه في أوبته والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته حتى يدركوا الأوتار ويثأروا الثار ويرضوا الجبار ويكونوا خير أنصار صلى الله عليهم مع اختلاف الليل والنهار ، اللهم ! فبحقهم إليك أتوسل وأسأل سؤال مقترف معترف مسيء إلى نفسه مما فرط في يومه وأمسه ، يسألك العصمة إلى محل رمسه ، اللهم ! فصل على محمد وعترته واحشرنا في زمرته ، وبوئنا معه دار الكرامة ومحل الإقامة .
عن الامام علي بن الحسين (عليه السلام) في زيارة الحسين (عليه السلام) فقال : زره كل يوم ، فان لم تقدر فكل جمعة ، فان لم تقدر فكل شهر ، فمن لم يزره فقد استخف بحق رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) .
وعن أبي الجارود ، قال : قال لي أبو جعفر (عليه السلام) : كم بينكم وبين قبر أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) ؟ قال : قلت : يوم وشئ . قال : فقال : لو كان منا على مثل الذي هو منكم لاتخذناه هجرة ، كم بينكم وبين قال : قلت له فقال : لو كان منا مثل الذي هو منكم لسرني أن لا يأتي علي يوم الا أتيته .
ــــــــــــــــــــــ
1ـ الاحزاب/۳۳٫
2ـ علل الشرائع ج۱ص۲۰۸ب۱۵۶ح۱۱ ، و في دلائل الإمامة ص۵۹٫
3ـ كتاب الحسين في الفكر المسيحي .
4ـ الأحقاف۱۵۴٫