شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

مأساة الشام على سبايا أهل البيت عليهم السلام

0 المشاركات 00.0 / 5

مأساة الشام هي المأساة التي جرت على سبايا أهل البيت (ع) في بلاد الشام، من صلب الرأس الشريف للإمام الحسين (ع) في دمشق، وإطافته في مدائن الشام، ووفاة يتيمة الحسين (ع) عند رؤية رأس أبيها الحسين (ع)، والخرابة التي سكنوا فيها، ومدة بقائهم في الشام.

رأس الحسين (ع) في دمشق

الجسم منه بكربلاء مضرج ** والرأس منه على القناة يُـدار

إن للرأس الشريف دوراً هاماً في استمرار رسالة النهضة الحسينية، فالرأس الشريف تلا القرآن وتكلّم في دمشق، وهذه هي من أكبر الحجج وأحسن الأدلة على منزلته الرفيعة وعلوّ مقامه عند الله تبارك وتعالى.

ولم تنحصر معجزة الرأس الشريف بما ذكر، بل هناك أمور وشواهد أخرى:

روى البيهقي بإسناده عن أبي معشر قال: «وقتل الحسين رضي الله عنه وجميع من معه رحمهم الله، وحمل رأسه إلى عبيد الله بن زياد، فوضع بين يديه على ترس، فبعث به إلى يزيد، فأمر بغسله وجعله في حريرة وضرب عليه خيمة ووكّل به خمسين رجلاً.

فقال واحد منهم: نمت وأنا مفكر في يزيد وقتله الحسين (ع)، فبينا أنا كذلك إذ رأيت سحابة خضراء فيها نور قد أضاءت ما بين الخافقين، وسمعت صهيل الخيل ومنادياً ينادي:

يا أحمد اهبط، فهبط رسول الله (ص) ومعه جماعة من الأنبياء والملائكة، فدخل الخيمة، وأخذ الرأس، فجعل يقبله ويبكي ويضمه إلى صدره، ثم التفت إلى من معه، فقال: انظروا إلى ما كان من أمتي في ولدي، ما بالهم لم يحفظوا فيه وصيّتي، ولم يعرفوا حقي؟! لا أنالهم الله شفاعتي.

قال: وإذا بعدة من الملائكة يقولون: يا محمد الله تبارك وتعالى يقرئك السلام، وقد أمرنا بأن نسمع لك ونطيع، فمرنا أن نقلب البلاد عليهم.

فقال (ص): خلّوا عن أمتي، فإنّ لهم بلغة وأمداً.

قالوا: يا محمد إن الله جل ذكره أمرنا أن نقتل هؤلاء النفر.

فقال: دونكم وما أمرتم به.

قال: فرأيت كل واحد منهم قد رمى كلّ واحد منا بحربة، فقتل القوم فـي مضاجعهم غيري، فإني صحت يا محمد.

فقال: وأنت مستيقظ؟

قلت: نعم.

قال: خلّوا عنه يعيش فقيراً ويموت مذموماً.

فلما أصبحت دخلت على يزيد وهو منكسر مهموم، فحدثته بما رأيت، فقال: امض على وجهك، وتب إلى ربّك!!.
صلب الرأس الشريف في دمشق

روى الذهبي عن حمزة بن يزيد الحضرمي أنه قال: «وقد حدثني بعض أهلنا أنه رأى رأس الحسين مصلوباً بدمشق ثلاثة أيام»[1].

وقال الشبراوي: قال أبو الفضل: «وبعد أن وصل الرأس الشريف إلى دمشق وضع في طست بين يدي يزيد وصار يضرب ثناياه الشريفة بقضيب، ثم أمر بصلبه، فصلب ثلاثة أيام بدمشق»[2].

وذكر الباعوني أن الرأس نُصب بدمشق ثلاثة أيام ثم وضع بخزانة السلاح.

ونقل العلامة المجلسي أن رأس الحسين الصلب بدمشق ثلاثة أيام، ومكث في خزائن بني أُمية[3].

هذا بالنسبة إلى أصل صلب الرأس الشريف في دمشق، وأما بالنسبة إلى مكان صلبه ففيه روايتان:
1ـ علی باب مسجد دمشق

روى الشيخ الصدوق وابن الفعّال قالا: «ثم أمر (يزيد) برأس الحسين، فنصب على باب مسجد دمشق»[4].
2ـ على باب دار یزید

قال العلامة المجلسي: وقال صاحب المناقب: «وذكر أبو مخنف وغيره: أن يزيد لعنه الله أمر بأن يصلب الرأس على باب داره»[5].
الرأس الشريف في بيت يزيد

قال البلاذري: «وبعث يزيد برأس الحسين إلى نسائه، فأخذته عاتكة ابنته، وهي أم يزيد بن عبد الملك، فغسلته ودهنته وطيبته، فقال لها يزيد: ما هذا؟ قالت: بعثت إلي برأس ابن عمي شعثاً، فلممته وطيبته»[6].
إطافة الرأس الشريف في مدائن الشام

قال القاضي نعمان: «ثمّ أمر يزيد اللعين برأس الحسين الالوان الطيف بـه في مدائن الشام وغيرها»[7].
أوّل رأس حمل في الإسلام

لقد حملوا رأس الحسين (ع)، وقد صرّح المؤرخون بأنه هو أوّل رأس حمل على رمح في الإسلام[8].
إسلام يهودي ببركة الرأس الشريف

قال الخوارزمي: «وروي أن رأس الحسين (ع) لما حمل إلى الشام، جن عليهم الليل، فنزلوا عند رجل من اليهود، فلما شربوا وسكروا قالوا له: عندنا رأس الحسين، فقال لهم: أروني إياه، فأروه إيَّاه بصندوق يسطع منه النور إلى السماء، فعجب اليهودي واستودعه منهم، فأودعوه عنده، فقال اليهودي للرأس ـ وقد رآه بذلك الحال ـ: اشفع لي عند جدّك، فأنطق الله الرأس وقال: إنّما شفاعتي للمحمديين، ولست بمحمدي.

فجمع اليهودي أقرباءه، ثمّ أخذ الرأس ووضعه في طست، وصبّ عليه ماء الورد، وطرح فيه الكافور والمسك والعنبر، ثمّ قال لأولاده وأقربائه: هذا رأس ابن بنت محمد، ثم قال: والهفاه! لم أجد جدّك محمّداً فأسلم على يديه، ثمّ والهفاه! لم أجدك حياً فأسلم على يديك، وأقاتل دونك، فلو أسلمت الآن أتشفع لي يوم القيامة؟ فأنطق الله الرأس، فقال بلسان فصيح: إن أسلمت فأنا لك شفيع. قالها ثلاث مرات، وسكت، فأسلم الرجل وأقرباؤه.

قال: أقول: لعلّ هذا الرجل اليهودي كان راهب قنسرين لأنه أسلم بسبب رأس الحسين، وجاء ذكره في الأشعار وأورده الجوهري والجرجاني في مراثي الحسين»[9].
الرباب ترثي الحسين (ع)

وعن تاريخ الفرماني أن رباب بنت امرئ القيس رثت الحسين (ع) في الشام بعد أن أخذت رأسه وقبلته ووضعته في حجرها وهي تقول:

واحسيناً فلا نسيت حسيناً ** أقصدته أسنّة الأعداء

غادروه بكربلاء صريعاً ** لا سقى الله جانبي كربلاء[10]

رأس الحسين (ع) عند يتيمته

روى عماد الدين الطبري عن كتاب الحاوية لقاسم بن محمد بن أحمد المأموني: «أن نساء أهل بيت النبوة أخفين على الأطفال شهادة آبائهم وقلن لهم إنّ آباءكم قد سافروا إلى كذا وكذا، وكان الحال على ذلك المنوال حتى أمر يزيد بأن يدخلن داره، وكان للحسين بنت صغيرة لها أربع سنين، قامت ليلة من منامها وقالت: أين أبي الحسين؟ فإنّي رأيته في المنام مضطرباً شديداً، فلما سمع النسوة ذلك بكين وبكى معهن سائر الأطفال، وارتفع العويل، فانتبه يزيد من نومه.

وقال: ما الخبر؟ ففحصوا عن الواقعة وقصوها عليه، فأمر لعنه الله بأن يذهبوا برأس أبيها إليها، فأتوا بالرأس الشريف وجعلوه في حجرها، فقالت: ما هذا؟! قالوا: رأس أبيك! ففزعت الصبية وصاحت فمرضت وتوفيت في أيامها بالشام»[11].

وفي “الإيقاد” للسيد الجليل السيّد محمّد علي الشاه عبد العظيمي عن العوالم وغيره ما ملخصه:

«إنه كان للحسين بنت صغيرة يحبها وتحبّه، وقيل كانت تسمى رقية، وكان لها ثلاث سنين، وكانت مع الأسراء في الشام، وكانت تبكي لفراق أبيها ليلاً ونهاراً، وكانوا يقولون لها: هو في السفر[12]، فرأته ليلة في النوم، فلما انتبهت جزعت جزعاً شديداً وقالت:

ايتوني بوالدي وقرة عيني، وكلما أراد أهل البيت إسكاتها ازدادت حزناً وبكاء، ولبكائها هاج حزن أهل البيت، فأخذوا في البكاء، ولطموا الخدود، وحثوا على رؤوسهم التراب ونشروا الشعور، وقام الصياح فسمع يزيد صيحتهم وبكاءهم فقال: ما الخبر؟

قيل له: إن بنت الحسين الصغيرة رأت أباها بنومها، فانتبهت وهي تطلبه وتبكي وتصيح، فلما سمع يزيد ذلك فقال: ارفعوا إليها رأس أبيها وحطوه بين يديها تتسلى، فأتوا بالرأس في طبق مغطى بمنديل، ووضعوه بين يديها.

فقالت: يا هذا إنِّي طلبت أبي ولم أطلب الطعام، فقالوا: إن هنا أباك، فرفعت المنديل ورأت رأساً فقالت: ما هذا الرأس؟! قالوا: رأس أبيك، فرفعت الرأس ووضعته إلى صدرها وهي تقول:

يا أبتاه من ذا الذي خضبك بدمائك؟ يا أبتاه من ذا الذي قطع وريدك؟ يا أبتاه، من ذا الذي أيتمني على صغر سنّي؟ يا أبتاه من لليتيمة حتّى تكبر؟ يا أبتاه مـن للنساء الحاسرات؟ يا أبتاه من للأرامل المسبيّات؟ يا أبتاه من للعيون الباكيات؟ يا أبتاه من للضائعات الغريبات؟ يا أبتاه من للشعور المنشورات؟ يا أبتاه من بعدك واخيبتاه، يا أبتاه من بعدك واغربتاه، يا أبتاه ليتني لك الفداء، يا أبتاه ليتني قبل هذا اليوم عمياء، يا أبتاه ليتني وسدت التراب ولا أرى شيبك مخضباً بالدماء.

ثم وضعت فمها على فم الشهيد المظلوم وبكت حتى غشي عليها، فلما حركوها فإذا هي قد فارقت روحها الدُّنيا، فارتفعت أصوات أهل البيت بالبكاء، وتجدد الحزن والعزاء، ومن سمع من أهل الشام بكاءهم بكى، فلم ير في ذلك اليوم إلا باك أو باكية، فأمر يزيد بغسلها وكفنها ودفنها»[13].
کلام حول السيدة رقية

إن قيل: إنه ما كان للإمام الحسين (ع) إلا بنتان، وهما سكينة وفاطمة.

نقول: المروي وإن كان ذلك، ولكنّه ليس بمتفق عليه، فهناك بعض الروايات تدل على أن الإمام الحسين (ع) كان له بنات ثلاث بل – على قول – أربع.

قال الطبري الإمامي: «وله – أي للإمام الحسين ـ مـن البنات زينب، وسكينة، وفاطمة»[14].

وممن ذكر القول الآخر العلّامة الأربلي وابن الصباغ المالكي، فإنهما قالا – واللفظ للأخير ـ: «قال الشيخ كمال الدين بن طلحة: كان للحسين من الأولاد ذكوراً وإناثاً عشرة، ستة ذكور وأربع إناث، فالذكور عليّ الأكبر، وعلي الأوسط وهو زين العابدين، وعلي الأصغر، ومحمّد وعبد الله، وجعفر.. وأما البنات فزينب وسكينة وفاطمة، هذا قول المشهور»[15].

ولم يصرح الأربلي وابن الصباغ باسم البنت الرابعة، فلعلها هي التي عرفت باسم رقية في أوساط الناس.

إن قيل: لعلّها هي رقية بنت الإمام علي بن أبي طالب.

قلنا: لكن لا يمكن الاعتماد عليه، لأن الروايات في شأنها على قسمين:
القسم الأوّل

ما تصرّح بأنها ماتت صغيرة، مثل ما ذكره سبط ابن الجوزي في قوله: «وقد زاد ابن إسحاق في أولاد فاطمة من علي: محسناً، مات صغيراً، وزاد الليث: رقية، ماتت صغيرة أيضاً»[16].

فبناء على هذا لا يمكن القول بأنّها المقصودة بالمقام، لأن الفاصل الزماني بين وفاة الإمام أمير المؤمنين وما بعد وقعة الطف يخرجها عن كونها صغيرة!

هذا إذا فرضنا أنها ولدت في آخر أيام حياة الإمام علي، وإلا فإن المسألة أصعب.
القسم الثاني

ما تصرّح بأنّها كبرت وتزوجت من مسلم بن عقيل. فإن المؤرخين ذكروا في عداد أنصار الإمام الحسين (ع) الذين استشهدوا معه في كربلاء عبدالله بن مسلم بن عقيل، وقد صرّحوا بأن أُمه كانت رقية بنت علي بن أبي طالب.

صرح بذلك ابن حبّان[17]، والقاضي نعمان[18]، والطبري[19] عن أبي مخنف، وغيرهم.

ولكن مع هذا لا يمكن القول بأنها المقصودة، وذلك لعدة أمور:
أولاً

لا نعلم بحضورها في وقعة الطف، ولكن القرائن تؤيد حضورها، وذلك لأسباب متعدّدة مثل إرسال زوجها مسلم بن عقيل إلى الكوفة، وحضور أبنائها مع الحسين الا من البنات والذكور، فبطبيعة الحال هي تلازم أخاها في هذه المرحلة الحسّاسة والهامة جداً.
ثانياً

القرائن التي نُقلت في شأن وفاة هذه السيدة تختلف تماماً عما إذا كانت امرأة كبيرة، كما هو واضح.

أضف إلى ذلك ما نقل في شأن إصلاح قبر هذه السيدة وكونها بنتاً صغيرة، روى الشيخ الحائري المازندراني قال: «وقد أخبرني بعض الصلحاء أن للسيدة رقية بنت الحسين ضريحاً بدمشق الشام، وأن جدران قبرها قد تعيبت، فأرادوا إخراجها منه لتجديده فلم يتجاسر أحد أن ينزله من الهيبة، فحضر شخص من أهل البيت يدعى السيد ابن مرتضى، فنزل في قبرها ووضع عليها ثوباً لفها فيه وأخرجها فإذا هي بنت صغيرة دون البلوغ، وكان متنها مجروحاً من كثرة الضرب، وقد ذكرت ذلك لبعض الأفاضل فحدثني به ناقلا له عن بعض أشياخه»[20].
وصف مسكن أهل البيت في الشام

روى الشيخ الصدوق بإسناده عن فاطمة بنت علي (صلوات الله عليهما) أنها قالت: «ثمّ إن يزيد (لعنه الله) أمر بنساء الحسين (ع) فحبسن مع علي بن الحسين في محبس لا يكنهم من حر ولا قرّ حتى تقشرت وجوههم»[21].

وقال القاضي نعمان بعد ذكره بكاء يزيد!: «وقيل إن ذلك بعد أن أجلسهن في منزل لا يكنهن من برد ولا حرّ، فأقاموا شهراً ونصف، حتى أقشرت وجوههن من حر الشمس، ثمّ أطلقهم»[22].

وقال ابن نما: «وأسكن في مساكن لا تقيهن من حرّ ولا برد، حتى تقشرت الجلود وسال الصديد بعد كنّ الخدود وظل الستور والصبر ظاعن والجزع مقيم، والحزن لهن نديم»[23].

وقال السيد ابن طاووس: «ثم أمر ( يزيد) بهم إلى منزل لا يكنهم من حرّ ولا برد، فأقاموا فيه حتى تقشرت وجوههم»[24].

وقال الشيخ المفيد: «ثمّ أمر (يزيد) بالنسوة أن ينزلن في دار على حدة، معهنّ أخوهن علي بن الحسين، فأفرد لهم دار تتصل بدار يزيد، فأقاموا أياماً»[25].

والمستفاد من بعض الأخبار – مضافاً إلى ما ذكر ـ أن البيت كان خراباً بحيث كان يُخشى وقوعه عليهم.

روی صاحب بصائر الدرجات بإسناده عن محمد بن علي الحلبي قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: «لمّا أُتي بعلي بن الحسين يزيد بن معاوية – هذا عليه لعائن الله –  من معه، جعلوه في بيت، فقال بعضهم: إنا جعلنا في البيت ليقع علينا فيقتلنا فراطن الحرس، فقالوا: انظروا إلى هؤلاء يخافون أن تقع عليهم البيت، وإنما يخرجون غداً فيقتلون، قال علي بن الحسين: لم يكن فينا أحد يُحسن الرطانة غيري والرطانة عند أهل المدينة الرومية»[26].

وروى الطبراني الإمامي بإسناده عن يحيى بن عمران الحلبي قال: «سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: أتي بعلي بن الحسين إلى يزيد بن معاوية ومن معه من النساء أسرى فجعلوهم في بيت ووكلوا بهم قوماً من العجم لا يفهمون العربية، فقال بعض لبعض: إنّما جعلنا في هذا البيت ليهدم علينا فيقتلنا فيه، فقال علي بن الحسين للحرس بالرطانة: تدرون ما يقول هؤلاء النساء؟ يقلن كيت وكيت، فقال الحرس: قد قالوا إنكم تخرجون غداً وتقتلون، فقال علي بن الحسين (ع): كلا، يأبى الله ذلك، ثم أقبل عليهم يعلمهم بلسانهم»[27].
رؤيا سكينة بنت الحسين (ع) بالشام

قال ابن نما: «ورأت سكينة في منامها وهي بدمشق: كأن خمسة نجب من نور قد أقبلت، وعلى كل نجيب شيخ والملائكة محدقة بهم، ومعهم وصيف يمشي، فمضى النجب وأقبل الوصيف إليّ وقرب مني وقال: يا سكينة، إن جدك يسلم عليك.

فقلت: وعلى رسول الله السلام، يا رسول رسول الله، من أنت؟

قال: وصيف من وصائف الجنّة.

فقلت: مَن هؤلاء المشيخة الذين جاءوا على النجب؟

قال: الأوّل آدم صفوة الله، والثاني إبراهيم خليل الله، والثالث موسى كليم الله، والرابع عيسى روح الله.

فقلت: من هذا القابض على لحيته يسقط مرة ويقوم أخرى؟

فقال: جدّك رسول الله (ص).

فقلت: وأين هم قاصدون؟

قال: إلى أبيك الحسين.

فأقبلت أسعى في طلبه لأعرفه ما صنع بنا الظالمون بعده، فبينما أنا كذلك إذ أقبلت خمسة هوادج من نور، في كل هودج امرأة.

فقلت: من هذه النسوة المقبلات؟

قال: الأولى حوّاء أُمّ البشر، والثانية آسية بنت مزاحم، والثالثة مريم بنت عمران، والرابعة خديجة بنت خويلد، والخامسة الواضعة يدها على رأسها تسقط مرة وتقوم مرة وتقوم أخرى.

فقلت: مَن؟

فقال: جدتك فاطمة بنت محمد، أُمّ أبيك.

فقلت: والله لأخبرنها ما صُنِعَ بنا.

فلحقتها ووقفت بين يديها أبكي وأقول: يا أمتاه، جحدوا والله حقنا، يا أُمتاه بددوا والله شملنا، يا أُمتاه استباحوا والله حريمنا، يا أُمتاه قتلوا والله الحسين أبانا.

فقالت: كفّي صوتك يا سكينة، فقد أقرحت كبدي، وقطعت نياط قلبي، هذا قميص أبيك الحسين معي لا يفارقني حتى ألقى الله به.

ثم انتبهت وأردت كتمان ذلك المنام، وحدثت به أهلي، فشاع بين الناس»[28].
مدة إقامة أهل البيت في الشام

لم نعثر على من صرّح بمدة إقامتهم بالشام تحديداً من القدماء إلا القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي المتوفى سنة ٣٦٣ من الهجرة، فإنّه قال: فأقاموا فيه شهراً ونصف، ويقرب منه قول ابن طاووس حيث قال: «أقاموا فيه شهراً، وما عداه اكتفوا بذكر عنوان عام، مثل ما ذكره الشيخ المفيد بقوله: «فأقاموا أياماً، واعتمد عليه الطبرسي[29].

نعم ذكر العلامة المجلسي عن بعض كتب أصحابنا مرسلاً ما يستفاد منه أن مدة البقاء كانت زهاء عشرة أيام حيث قال: «وندبوه على ما نقل سبعة أيام فلما كان اليوم الثامن دعاهنّ يزيد وعرض عليهنّ المقام فأبين وأرادوا الرجوع إلى المدينة فأحضر لهم المحامل»[30]، ولكن المأخذ غير معلوم فلا يمكن الاستناد إليه.

وإذا اعتمدنا على ما رواه ابن سعد من بعث يزيد إلى المدينة وقدوم عدة من ذوي السنّ من موالي بني هاشم عليه، وضمّه إليهم عدة من موالي أبي سفيان، وبعث الأسارى من آل البيت الا معهم إلى المدينة[31] فيكون البقاء ـ مع ملاحظة مدة إرسال البريد إلى المدينة وإتيانهم منها إلى الشام – أكثر من ذلك حتماً.

الاستنتاج

أن سبايا أهل البيت (ع) عندما ادخلوهم إلى الشام جرت عليهم مأساة كبرى وعظمى وهي مأساة الشام، من صلب الرأس الشريف للإمام الحسين (ع) في دمشق، وإطافته في مدائن الشام، ووفاة يتيمة للحسين (ع) عند رؤية رأس أبيها، مع وصف المسكن الذي اسكنوا فيه في الشام، ومدة بقائهم هناك.

 

الهوامش

[1] الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج3، ص319.

[2] الشبراوي، الإتحاف بحبّ الأشراف، ص69.

[3] المجلسي، بحار الأنوار، ج45، ص145.

[4] الصدوق، الأمالي، ص231.

[5] المجلسي، بحار الأنوار، ج45، ص142.

[6] البلاذري، أنساب الأشراف، ج3، ص416.

[7] القاضي المغربي، شرح الأخبار، ج3، ص159.

[8] الطبراني، المعجم الكبير، ج3، ص134، ح2876.

[9] الخوارزمي، مقتل الحسين (ع)، ج2، ص115، ح49.

[10] الفرماني، تاريخ الفرماني، ص4، على ما في هامش شرح الأخبار، ج3، ص178.

[11] الطبري، كامل البهائي، ج2، ص179.

[12] أي سفر الآخرة.

[13] الشاه عبد العظيمي، الإيقاد، ص179.

[14] دلائل الإمامة : ۱۸۱

[15] ابن الصباغ، الفصول المهمّة، ص199.

[16] ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص322.

[17] ابن حبّان، کتاب الثقات، ج2، ص311.

[18] القاضي المغربي، شرح الأخبار، ج3، ص195.

[19] الطبري، تاريخ الطبري، ج4، ص359.

[20] الحائري المازندراني، معالي السبطين، ج2، ص171.

[21] الصدوق، الأمالي، ص231، مجلس 31، ح243.

[22] القاضي المغربي، شرح الأخبار، ج3، ص269.

[23] ابن نما الحلّي، مثير الأحزان، ص102.

[24] ابن طاووس، اللهوف، ص219.

[25] المفيد، الإرشاد، ج2، ص122.

[26] الصفار، بصائر الدرجات، ص338، باب 12، ح1.

[27] الطبري، دلائل الإمامة، ص204، ح125.

[28] ابن نما الحلّي، مثير الأحزان، ص104.

[29] الطبرسي، إعلام الوری، ص249.

[30] المجلسي، بحار الأنوار، ج45، ص196.

[31] ترجمة الإمام الحسين (ع) ومقتله، من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد، ص84.

 

مصادر البحث

1ـ ابن الجوزي، يوسف، تذكرة الخواص، قم، انتشارات الشريف الرضي، الطبعة الأولى، 1418 ه‍.

2ـ ابن الصباغ، محمد، الفصول المهمة في معرفة الأئمة، قم، مؤسّسة دار الحديث، الطبعة الأولى، 1422 ه‍.

3ـ ابن حبّان، محمّد، كتاب الثقات، مؤسّسة الكتب الثقافية، الطبعة الأُولى، 1393 ه‍.

4ـ ابن طاووس، علي، اللهوف في قتلى الطفوف، قم، أنوار الهدى، الطبعة الأولى، 1417 ه‍.

5ـ ابن نما الحلّي، محمّد، مثير الأحزان، النجف، منشورات المطبعة الحيدرية، طبعة 1369 ه‍.

6ـ البلاذري، أحمد، أنساب الأشراف، تحقيق محمّد حميد الله، معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية، طبعة 1959 م.

7ـ ترجمة الإمام الحسين (ع) ومقتله، من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد، تحقيق عبد العزيز الطباطبائي، بيروت، مؤسّسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، طبعة 1416 ه‍.

8ـ الحائري المازندراني، محمّد مهدي، معالي السبطين في أحوال الحسن والحسين، قم، منشورات الشريف الرضي، بلا تاريخ.

9ـ الخوارزمي، الموفّق، مقتل الحسين (ع)، تحقيق محمّد السماوي، قم، أنوار الهدى، الطبعة الثانية، 1423 ه‍.

10ـ الذهبي، محمّد، سير أعلام النبلاء، بيروت، مؤسّسة الرسالة، الطبعة التاسعة، 1413 ه‍.

11ـ الشاه عبد العظيمي، محمّد علي، الإيقاد، تحقيق محمّد جواد الرضوي، قم، منشورات الفيروز آبادي، طبعة 1411 ه‍.

12ـ الشبراوي، عبد الله، الاتحاف بحب الاشراف، قم، دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1423 ه‍.

13ـ الصدوق، محمّد، الأمالي، قم، تحقيق ونشر مؤسّسة البعثة، الطبعة الأولى، 1417 ه‍.

14ـ الصفار، محمد، بصائر الدرجات في فضائل آل محمد، قم، مكتبة المرعشي النجفي، الطبعة الثانية، 1404 ه‍.

15ـ الطبراني، سليمان، المعجم الكبير، بيروت، دار إحياء التراث العربي، طبعة 1405 ه‍.

16ـ الطبرسي، الفضل، إعلام الورى أعلام الهدى، قم، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الأُولى، 1417 ه‍.

17ـ الطبري، الحسن، كامل البهائي، طهران، مكتبة المرتضوي، الطبعة الأُولى، بلا تاريخ.

18ـ الطبري، محمّد، دلائل الإمامة، محمّد، قم، مؤسّسة البعثة، الطبعة الأولى، 1413 ه‍.

19ـ الطبري، محمّد، تاريخ الأُمم والملوك، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الرابعة، 1403 ه‍.

20ـ القاضي المغربي، النعمان، شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار (ع)، تحقيق محمّد الجلالي، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 1414 ه‍.

21ـ المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه‍.

22ـ المفيد، محمد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، قم، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، الطبعة الأولى، 1413 ه‍.

مصدر المقالة

الشاوي، علي، مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة، قم، مركز الدراسات الإسلامية، طبعة 1421 ه‍.

مع تصرف بسيط

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية