شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

عوامل زيادة الاِيمان

0 المشاركات 00.0 / 5

هناك عوامل رئيسية تسهم في إيصال الاِنسان إلى أعلى درجات الاِيمان، يمكن الاِشارة إليها بالنقاط التالية: ـ

 

أولاً: العلم والمعرفة:

لما كان العلم رأس الفضائل صار أمل المؤمن، لكونه المرتقى الذي يتجه به صعوداً إلى الدرجات الرفيعة، قال تعالى: (يَرفَعِ اللهُ الَّذينَ آمنُوا مِنكُم والّذينَ أوتُوا العلمَ دَرجَاتٍ..) (1).

فالعلم هو الذي يكسب صاحبه الشرف والسؤدد، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «.. لا شرف كالعلم» (2)وقال ـ أيضاً ـ موصياً بضرورة اقتران العلم بالاَدب: «يا مؤمن إنّ هذا العلم والاَدب ثمن نفسك فاجتهد في تعلّمهما، فما يزيد من علمك وأدبك يزيد من ثمنك وقدرك، فإنَّ بالعلم تهتدي إلى ربّك، وبالاَدب تحسن خدمة ربّك» (3).

فالاِمام عليه السلام يضع ميزاناً لا يقبل الخطأ وهو كلّما تصاعد المؤشر البياني للعلم المقترن بالاَدب في نفس المؤمن كلما زيد في قيمته ومكانته أكثر فأكثر. ومن أجل ذلك كان العلماء أقرب الناس إلى درجة النبوة، بدليل قول الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «أقرب الناس من درجة النبوّة أهل العلم والجهاد، أما أهل العلم فدّلوا الناس على ما جاءت به الرسل، وأما أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم على ما جاءت به الرسل» (4).

____________

(1) سورة المجادلة 58: 11.

(2) نهج البلاغة، صبحي الصالح: 488 | حكم 113.

(3) روضة الواعظين، الفتال النيسابوري 1: 11 في فضل العلم.

(4)المحجة البيضاء، للفيض الكاشاني 1: 14.

 

 

________________________________________ الصفحة 28  ________________________________________

 

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من جاء أجله وهو يطلب العلم لقي الله تعالى ولم يكن بينه وبين النبيين إلاّ درجة النبوة» (1).

وفي القرآن الكريم آيات عدة تشير إلى دور العلم وأهميته في حقل الاِيمان بالله وكتبه وملائكته ورسله، ومن الآيات الصريحة جداً بهذا المجال قوله تعالى: (إنّما يَخشى اللهَ مِن عِبادِهِ العُلماءُ) (2)ومن هنا نجد وصايا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الكثيرة في طلب العلم، وكذلك وصايا أهل البيت عليهم السلام نكتفي بما قاله أمير المؤمنين عليه السلام: «تعلم العلم فإنَّ تعلمه حسنة ومدارسته تسبيح والبحث عنه جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة وهو عند الله لاَهله قربة... يرفع الله به أقواماً يجعلهم في الخير أئمة...» (3).

 

ثانياً: العمل الصالح:

وهو العنصر الثاني الذي يقترن بالاِيمان ويسهم في إيصال المؤمن إلى أعلى الدرجات، قال تعالى: (ومَن يأتِهِ مؤمِنَاً قد عَمِلَ الصَّالِحاتِ فأُولئِكَ لهُمُ الدَّرجاتُ العُلى) (4).

وإذا كان الاِيمان يمنح الشخصية الاِيمانية الرؤية الصحيحة وسلامة التصور ونقاء الاعتقاد فإنَّ العمل الذي هو شعار المؤمن يفجّر طاقتها الابداعية، فتنطلق في آفاق أرحب وتحيى حياة طيبة، يقول عزَّ من قائل: (مَن عَمِلَ صالِحاً من ذَكرٍ أو أُنثى وهوَ مؤمِنٌ فلنُحِيينَّهُ حياةً طيّبةً ولنُجزينَّهُم أجرَهُم بأحسنِ ما كانُوا يعملُونَ) (5). فالاِسلام لا يريد من المؤمن أن ينعزل

 

____________

(1) كنز العمال 10: 160 | 28831.

(2) سورة فاطر 25: 28.

(3) روضة الواعظين: 9 في فضل العلم.

(4) سورة طه 20: 75.

(5) سورة النحل 16: 97.

 

________________________________________ الصفحة 29  ________________________________________

 

عن الحياة ويكتفي بالاِيمان المجرَّد الذي يقصره البعض وفق نظره القاصر على الاعتقاد القلبي أو التلفظ اللساني، وإنّما يُريد المؤمن أن يترجم إيمانه إلى عمل صالح يحقق النقلة الحضارية التي تتطلع إليها الاُمّة الاِسلامية كأُمّة رائدة.

ومن يتدبر في قوله تعالى: (.. ويَستخلِفَكُم في الاَرضِ فينظُرَ كيف تَعمَلونَ) (1)، يلاحظ أنه استعمل لفظة «كيف» ولم يقل «كم» تعملون، لاَن الاَهم هو نوعية العمل وأبعاده الحضارية وليس كميته. فمبيت الاِمام علي عليه السلام ـ على سبيل المثال ـ ليلة واحدة في فراش الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنقذت الرسول والرسالة، وضربته يوم الخندق كانت تعادل عبادة الثقلين !.

فالاِنسان يرتفع بنوعية العمل الذي ينجزه على صعيد الواقع، ومن هنا ركّزت مدرسة أهل البيت عليهم السلام على «الثنائي الحضاري» المتمثل بالاِيمان المقترن بالعمل، وفي هذا الصدد قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير عمل.. يحبُّ الصالحين ولا يعملُ عملهم...» (2).

ومن المعروف أنّ بعض الناس يتّكلون على أحسابهم الرّفيعة في كسب المكانة الاجتماعية، ولكن الاِمام علياً عليه السلام ركّز على مقياس العمل وأعطاه الاَولوية في تكامل الاِنسان ورفعته، فقال عليه السلام: «من أبطأ به عمله، لم يسرع به حسبه» (3).

وكان أئمة أهل البيت عليهم السلام على الرغم من شرف حسبهم، وسمو

____________

(1) سورة الاَعراف 7: 129.

(2) نهج البلاغة، صبحي الصالح: 497 | حكم 150.

(3) نهج البلاغة، صبحي الصالح | 472 | حكم 23.

 

 

________________________________________ الصفحة 30  ________________________________________

 

مقامهم الاجتماعي، يجهدون أنفسهم في العمل، فعلى سبيل الاستشهاد أنّ الاِمام عليّاً عليه السلام قد أعتق من كد يده جماعة لا يحصون كثرة، ووقف أراضي كثيرة وعيناً استخرجها وأحياها بعد موتها (1). وسلك ذات المسلك ولده من بعده، كانوا يعملون لخدمة الناس فينقلون على ظهورهم الجراب وفيها الدقيق والاَطعمة إلى المحتاجين والفقراء. وكانوا يعملون بأيديهم الكريمة في الشمس المحرقة حباً للعمل واحتساباً لله، حتى عرّضوا أنفسهم في بعض الاحيان لسهام النقد المسمومة وقوارص الكلام، ومن الشواهد ذات الدلالة ما ورد عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «إنَّ محمد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أرى أنّ مثل علي بن الحسين عليه السلام يدع خلفاً لفضل علي بن الحسين عليهما السلام حتى رأيت ابنه محمد بن علي فأردت أن أعظه فوعظني فقال له أصحابه بأي شيء وعظك ؟ قال: خرجتُ إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيتُ محمد بن علي عليهما السلام وكان رجلاً بديناً وهو متكىء على غلامين له أسودين أو موليين له، فقلت في نفسي شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدّنيا لاَعظه فدنوت منه فسلمت عليه فسلم عليَّ بنهر وقد تصبب عرقاً فقلتُ أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذا الحال في طلب الدنيا لو جائك الموت وأنت على هذه الحال قال: فخلى عن الغلامين من يده ثم تساند وقال لو جائني والله الموت، وأنا في هذه الحال جائني وأنا في طاعة من طاعات الله أكف بها نفسي عنك وعن الناس وإنّما كنت أخاف الموت لو جائني وأنا على معصية من معاصي الله فقلت يرحمك الله أردت أن أعظك

 

____________

(1) الفصول المختارة: 103.

 

 

________________________________________ الصفحة 31  ________________________________________

 

 فوعظتني» (1).

 

ثالثاً: الاِيثار:

وهو خصلة كريمة ترفع الاِنسان إلى أعلى مراتب الاِيمان، فحينما يرتفع الاِنسان فوق (الاَنا) ويضع مصلحة الآخرين فوق مصلحته الخاصة، فلا شك أنه قد قطع شوطاً إيمانياً يستحق بموجبه الدَّرجات الرَّفيعة. وقد مدح تعالى أولئك الذين يخرجون من دائرة (الاَنا) الضيقة على الرغم من ضيق ذات اليد إلى دائرة أسمى هي دائرة الاِنسانية، فقال عزَّ من قائل: (.. ويُؤثِرُونَ على أنفُسِهِم ولو كانَ بهِم خَصاصةٌ..) (2).

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أشد الخلق حرصاً على تلك الفضيلة السامية، حتى ورد في الخبر أنه صلى الله عليه وآله وسلم ما شبع ثلاثة أيام متوالية حتى فارق الدنيا، ولو شاء لشبع ولكنه كان يؤثر على نفسه (3).

وبلغ وصيه الاِمام علي عليه السلام القمة في الاِيثار، وقد ثمنت السماء الموقف التضحوي الفريد الذي قام به عندما بات على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «.. فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل إني آخيت بينكما وجعلت عمر الواحد منكما أطول من عمر الآخر فأيُّكما يؤثر صاحبه بالحياة فاختار كلاهما الحياة. فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليهما أفلا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد فبات على فراشه يفديه بنفسه فيؤثره بالحياة فأنزل الله تعالى: (ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضاتِ الله والله رؤوف

____________

(1) الارشاد، للشيخ المفيد: 264.

(2) سورة الحشر 59: 9.

(3) تنبيه الخواطر 1: 172.

 

________________________________________ الصفحة 32  ________________________________________

بالعباد)(1).

فالاِيثار ـ إذن ـ يرفع الاِنسان إلى أعلى الدرجات الاِيمانية كما رفع الاِمام عليّاً عليه السلام بحيث أنّ ربِّ العزة يفاخر به ملائكته المقربين.

ومن الاِيثار ما يكون معنوياً كإيثار الصدق على الكذب مع توقع الضرر، وذلك من أجلى علائم الاِيمان، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «الاِيمان أن تؤثر الصدق حيثُ يضرك على الكذب حيثُ ينفعك» (2).

 

رابعاً: الخُلق الحسن:

وهو عنوان صحيفة المؤمن (3)، وأن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل وإنّه لضعيف العبادة كما يقول الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم (4).

وقد ورد عن الاِمام أبي جعفر عليه السلام: «إنَّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً» (5). وقال أمير المؤمنين عليه السلام موصياً: «روضوا أنفسكم على الاَخلاق الحسنة فإنَّ العبد المؤمن يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم»(6).

إذن فالخلق الحسن أحد مقاييس الاِيمان، يصل من خلاله المؤمن إلى مقامات عالية ويحصل به على أوسمة معنوية رفيعة، فمن حكم ومواعظ

____________

(1) تنبيه الخواطر 1: 173 ـ 174. والآية من سورة البقرة 2: 207.

(2) نهج البلاغة، صبحي الصالح: 556 | حكم 58.

(3) اُنظر تحف العقول: 200.

(4) المحجة البيضاء 5: 93 كتاب رياضة النفس.

(5) اُصول الكافي 2: 99 | 1 كتاب الاِيمان والكفر.

(6) تحف العقول: 111.

________________________________________ الصفحة 33  ________________________________________

 

أمير المؤمنين عليه السلام: «... عليكم بمكارم الاخلاق فإنها رفعة، وإيّاكم والاَخلاق الدّنية فإنها تضع الشريف، وتهدم المجد» (1).

____________

(1) تحف العقول: 215.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية