شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

المقبولة الحسينيّة

0 المشاركات 00.0 / 5

المقبولة الحسينيّة

الكتاب: المقبولة الحسينيّة. ويليها: أوجز الأنباء عن مقتل سيّد الشهداء عليه السلام.
المؤلّف: المؤلّف: الشيخ هادي كاشف الغطاء ( ت 1361 هـ ).
المحقّق: السيّد محمّد السيّد حسين المعلّم.
الناشر: المكتبة الحيدريّة ـ قمّ المقدّسة.
الطبعة: الأولى ـ سنة 1431 هـ.
 

هذه هي!
سُئل أحد العارفين من قِبل عدّة من الشباب المؤمن، وكانوا قد وُفِّقوا لزيارة أبي عبدالله الحسين عليه السلام وأخيه أبي الفضل العبّاس عليه السلام، فجلسوا يستريحون في صحن العتبة العبّاسيّة المقدّسة:
ـ سيّدنا، هل نحن من أهل الكرامات، كما كان السَّلَف الصالح ؟
ـ أجل، كلُكم أهل كرامات.
ـ عَرِّفْنا بواحدةٍ منها سيّدنا العزيز.
ـ هذه هي إحداها.
ـ ما هي سيّدَنا يا تُرى ؟!
ـ زيارتُكم لسيّد الشهداء ولأخيه المواسي له بنفسه الطاهرة، وحضوركم في الرحاب النيّرة الشريفة، وجلوسكم هنا في ضيافتهم صلواتُ الله عليهم.
ـ نرجو القبول، إن شاء الله تعالى.
هذه إحدى كرامات المؤمنين الموالين المحبّين، المتمسّكين بمودّة أهل بيت النبيّ صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، فكيف كراماتُهم سلامُ الله عليهم وهم سادة الخَلْق وأصل الرحمة والكرم والنور الإلهيّ.. وها هي الأجيال منذ ما يقرب من ( 14 ) قرناً وهي تتوافد على مراقدهم الزاكية، وتتهافت من أقطار الأرض على أعتاب أضرحتهم الشافية، ولا يُنسى ذِكرُهم، بل أخذ يتعالى في آفاق الدنيا عقداً بعد عقد، وعاماً بعد عام. وها هي إلى اليوم منابر الإمام الحسين صلوات الله عليه تُنشد آياتِ المحبّة والولاء، والحزن والشوق والعزاء، وها هي أقلام المحبّين والعاشقين تكتب بالدموع والدماء مجلّدات تمتدّ ولا تنتهي، وها هي حناجر الشعراء تصدع عن قرائح المودّة والولاية قصائدَ تُنشَد في كلّ مكان باسم الحسين وآل الحسين.
وتلك إحدى معاجز أبي عبدالله الحسين، حيث لم ينقطع ذِكرُه، بل عمّ العوالم، وتوالى عبرَ العصور، نداءً إلهيّاً يقرع الأسماع والأفهام، ونوراً سماويّاً ينير البصائر والأبصار. وفي المقابل هذه إحدى كرامات المؤمنين المحبّين، أن تُقبَل ـ ومن الحسين ـ عواطفُهم الطيّبة، وتوجّهاتهم المخلصة، وولاؤهم الصادق لسبط النبيّ المختار، صلوات الله عليه وعلى آله الأبرار.
وكان ممّا قُبِل بلطفهم، بعد أن أُدّيَ بكرامتهم، هذه القصيدة التي فاضت بحبّهم، لمُحِبّهم ومواليهم المرحوم الشيخ هادي كاشف الغطاء، حتّى عُرِفت بـ « المقبولة الحسينيّة ».. لماذا ؟
 

قال الناشر
الذي نشرها في حياة الشاعر:
قد كان وَسَمَ هذه المنظومة بـ « كتاب الأَلْف فيما جرى في الطفّ »، ثم بـ « كتاب الألفَين فيما جرى على الحسين ».. وكان قد أخذها إلى مولاه سيّد الشهداء عليه السلام، ولمّا تشرّف بالدخول إلى الحرم الحسينيّ المقدّس خاطبه قائلاً: يا مولايَ وابنَ مولاي، هذه هدّيتي إليك وهي دون قَدْرِك وشامخِ مقامك، وهي جهدُ المستطيع وقُصارى الوجد، وجائزتي منك أن تشفع إلى الله في قبولها وتعيمِ النفع بها.
ثمّ صار ديدنه في أيّام إقامته في كربلاء أنّه كلّما مضى إلى الحرم الشريف استصحبها معه، فإذا فرغ من الزيارة والصلاة قرأ منها ما بينه وبين نفسه أبياتاً ثمّ انصرف. فاتفق أنّ بعض مَن استصحب معه ابناً له لشدّة محبّته له، فكان مَرِض ولدُه هذا أكثر من عشرين يوماً، حتّى يئس من شفائه، فأخذ المنظومة ومشى بها إلى الحائر الحسيني ودعا لولده بالشفاء تحت القبّة الطاهرةَ، ثمّ خاطب سيّد الشهداء عليه السلام:
ـ سيّدي، هذه هدّيتي وأنا على يقينٍ من قبولها لِما أعلمه من لطفكم وعفوكم على أهل والولاية والبراءة، ولكن أطلب منك أن تجعل أمارة القبول شفاءَ ولدي هذه الليلة.
قال: فخرجتُ من الحرم وأتيت الدار، فلم ألبث فيها إلاّ يسيراً حتّى رأيتُ ولدي وقد أخذه العرق، ثمّ أصبح وليس فيه شيءٌ من الحُمّى، فكان سروري بقبول قصيدتي أعظمَ من سروري بشفاء ولدي، فسمّيتها عند ذلك بـ « المقبولة الحسينيّة ».
 

مع المحقّق
كتب السيّد المعلّم مقدّمةً في أكثر من عشر صفحات، عرض فيها ترجمةً وافية للناظم المرحوم الشيخ هادي أبي محمّدرضا بن الشيخ عبّاس بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمهم الله. وأدرج ما كتبه عدّة من المؤلّفين في رجال هذا العصر، منهم: الشيخ جعفر آل محبوبة في كتابه ( ماضي النجف وحاضرها )، والخاقاني في ( شعراء الغري )، والسيّد محسن الأمين في ( أعيان الشيعة )، والشيخ محمّد السماوي في ( الطليعة من شعراء الشيعة )، والسيّد جواد شبّر في ( أدب الطفّ )، معرّفاً بعد ذلك بأخلاق الناظم وشمائله، وبأساتذته وتلاميذه، وشعره ورسائله ومؤلّفاته، ثمّ ذكر وفاته وما قيل في رثائه، بعد ذلك أورد ما كُتب عن سبب تسمية قصيدته بـ « المقبولة ». وأخيراً بيّن السيّد المحقّق عمله في الكتاب على هذا النحو:
1 ـ تصحيح المتن وضبط النصّ، مع ملاحظة الاختلافات بين النُّسخ الخطيّة والموسوعات الشعريّة.
2 ـ تخريج ما جاء في القصيدة من معانٍ وردت في الروايات الشريفة، أو في المصادر التاريخيّة والسيرتيّة.
3 ـ درج بعض الفوائد والبيانات والتعليقات العلميّة في الهامش.
4 ـ شرح الألفاظ والمفردات الصعبة أو الغريبة على القارئ، لتيسير فهم المعاني والمغازي الواردة في القصيدة.
 

وتأتي القصيدة
أُرجوزةً عَذْبة، مُفعمةً بالعواطف الرقيقة، مشفوعة بالبصيرة الولائيّة النيّرة، ومقرونةً بالولاء والمحبّة والعشق الحسينيّ، وهي لا تخلو من الفوائد العلميّة المستقاة من المصادر الموثّقة في: التفسير والحديث، والتاريخ والسيرة، والعقيدة والأخلاق.. كلّ ذلك في مئات الأبيات المُنعِشةِ للقلب والروح، والمُجْرية لدموع الولاء والإيمان.. فتبدأ بـ:

الحمدُ للهِ علـى مـا قَـدَّرا   نَحمَدُه وإن جرى ما قد جرى
نَزَّهَ عن دارِ الغُرورِ حِزْبَـهُ   قَرَّبَهم لمّـا أرادوا قُربَـهُ...
ثمّ الصلاةُ والسـلامُ تَتْـرى   على نبـيٍّ بالعَـزاءِ أحـرى
قد بَضَعَت سيوفُهـم بَضْعتَـهُ   وقتَلَـت عُلوجُهـم عِتْـرَتَـهُ
حتَّى استباحوا لحمَهُ المُطَهَّرا   وقد أسالوا دمَهُ علَى الثَّـرى
ثمّ علـى عِترتـهِ الأطهـارِ   لا سيَّما الطالـبَ بالأوتـارِ
القائمَ المهديَّ نَجْـلَ الحسَـنِ   مُبيدَ أهلِ الشِّركِ مُحْيِي السُّنَنِ

ثمّ تأتي العناوين أدبيّةً ولائيّةً جميلة، حاكيةً فحوى المقاطع الشعرية الطيّبة من هذه القصيدة المقبولة بلطف الحسين ورحمته صلوات الله عليه.. وهذا بعضها:
ـ فصلٌ في فضل البكاء والتباكي ـ أي على قتيل العبرة السيّد السبط الشهيد أبي عبدالله الحسين عليه السلام.
ـ فصلٌ في الولاية واشتراطها في قبول جميع الأعمال.
ـ فصل في ذِكر شهر محرّم الحرّام.
... ثمّ فصول في قصّة الركب الحسينيّ من مدينة رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى كربلاء، وفيها قصّة شهادة مسلم بن عقيل عليه السلام، وشهادة الأصحاب رضوان الله عليهم، ثمّ شهادة آل الحسين وبني هاشم، وفيهم: عليّ الأكبر، وأبو الفضل العبّاس، والقاسم بن الحسن، وعبدالله الرضيع ابن الحسين. وينتهي المقطع هذا بما جرى على الإمام الحسين صلواتُ الله عليه من مشاهد رهيبة، ثمّ ما جرى على عياله بعد شهادته. وأخيراً: فصلٌ في يوم عاشوراء وبعض آدابه. بعد ذلك:
ـ فصلٌ في مسير السبايا إلى الكوفة... إلى الشام...
ـ فصلٌ في عودتهم إلى المدينة مروراً بكربلاء.
ـ فصلٌ في التسلّي بمصاب أهل العباء عليهم السلام.
ـ فصلٌ في تعزية صاحب العصر وندبته عليه السلام.
ـ خاتمة: فضل كربلاء، فضل التربة الحسينية، فضل السبحة الحسينية، الصلاة والدعاء عند قبر الإمام الحسين عليه السلام، فضل زيارته وشيء من آدابها، في زيارة جابر الأنصاري له عليه السلام. كلُّ ذلك في مقاطع شعريّة، أنفاسها ولائيّةٌ حسينيّة، خُتِمت بهذه الأبيات على لسان جابر في حديثه مع دليله عطيّة العُوفي، وكان قد جاء يزور الإمام الحسين عليه السلام في أربعينه:

أيتُّهـا الأرواحُ مـا أزكـاكُـمُ   فيمـا دخلتُـم فيـه شاركناكُـمُ
نُحبّكُم، ومَـن أحـبَّ مَعشَـرا   مع الـذي أحبَّـه قـد حُشِـرا
وإنّ نيّتي انطَـوَت علـى مـا   كنتُـم نَوَيتمـوه حَرْبـاً سِلْمـا
ومـا عَمِلتُـمُ مِـن الأعـمـالِ   نُحـبُّـه بالقـلـبِ والمَـقـالِ
ومَن أحبّ عمـلاً ومـا فَعَـلْ   أُشرِك يومَ البعثِ في ذاك العملْ

ثمّ بعد ذلك
يكتب الشيخ هادي كاشف الغطاء بحثَينِ موجزَين: ـ
الأوّل ـ في أمورٍ لا تخلو من فائدة، هكذا عنونه السيّد المعلم محقّق المقبولة، وقد تضمّن هذا البحث: تحديد الحائر الحسيني، الاستشفاء بالتربة الحسينيّة، زيارة الإمام الحسين عليه السلام من البلاد البعيدة، زيارة النيابة والتجهيز للزيارة، إهداء ثواب العمل، والإعانة على البرّ والتقوى في التجهّز للزيارة، في بعض آداب الزائر.
أما البحث الثاني ـ فهو مقتلٌ حسينيّ مختصر، يمكن تلاوته يوم عاشوراء في ساعةٍ واحدة، حيث استغرق عشرَ صفحات ونيّفاً، سمّاه الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله بـ: أوجز الأنباء عن مقتل سيّد الشهداء، وقد انتهى بـ: فائدة في مدفن الرأس الشريف، وبه انتهى كتاب ( المقبولة الحسينيّة ) جعلها الله تبارك وتعالى ذخراً مباركاً لصاحبها، وعملاً نافعاً للمؤمنين ينهلون ممّا جاء فيه من الأبيات الرقيقة التي أُفعِمت بالولاية، وعبّرت عن المحبّة والتفجّع معاً، وعن البصيرة والعقيدة السامقة، فأثمر ذلك عن تراتيل من الشعر الذي ما زال يُنشَد على المنابر وفي المحافل، ويُدوّن في القراطيس منذ سبعين عاماً، وما يزال يُقرأ فتذرف له المآقي دموعاً حرّى فيها عنوان الولاية، وسبب الهداية، كما فيها الرضوان، وسبب النعيم الأبديّ في الجِنان، حيث يُسعَد خَدَمةُ سيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين عندما يتشرفون بأن يكونوا هناك مِن جُلاّسه، فذلك هو الشرف الأسمى، والسعادة المُثلى.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية