شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

ليلةُ عاشوراء

0 المشاركات 00.0 / 5

ليلةُ عاشوراء

الأستاذ جواد جميل

آهِ يـا ليلةَ الأسى والـدمـوعِ

 

أطفئي في دم الطفوف شموعي

ودَعيني أعيش في ظلمة الحزن

 

فعُمريَ شمسٌ بغيـرِ طـلـوعِ

وانثري في عيونيَ الجمر وقّاداً

 

وخلّي اللهيب بـيـن ضلوعي

وامسحي بالسواد لون وجودي

 

فـلقـد كـفّـن الرمادُ ربيعي

الشيخ مهدي المصلّي

لـيلـةٌ أسـهـرت عـيونَ الليالي

 

لـتـُرينـا عـزائـمَ الأبـطـالِ

وتُـريـنـا الشموسَ تفترسُ الليـ

 

ـلَ لتمحو عصرَ الليالـي الطوالِ

وتُرينا الإنسان يسمـو على النجـ

 

ـمِ مناراً ورِجـلُـهُ في الـرمالِ

الأستاذ جاسم الصِّحيّح

يـا ليـلةً كستِ الزمـانَ بغابـةٍ

 

من روحـها قمريـة الأدغـالِ

ذكراكِ ملحمةٌ  تـوشَّحَ  سِفرُهـا

 

بروائعٍ نُـسجت  منَ الأهـوالِ

فـهنا الحسين  يخيطُ  من أحلامه

 

فَجْرينِ فجرَ هوىً وفجرَ نِضالِ

الأستاذ يقين البصري

يا ليلة يا مخاض الدهر يا حُقباً

 

قدسيةً يا نـضالاً مـورقاً ذهبا

يـا ليـلة من عذابات مطرّزةٍ

 

بالكبرياء شطبت المَحْلَ والجَدِبا

الأستاذ فرات الأسدي

جنّهم فـي الطـفِ ليـلٌ وهُمُ

 

بالحسين الطُّهرِ قد جُنّوا خبالا

فاشهدي يا ليلة الضوء هـوىً

 

نـضراً يبتكر الرؤيا جـمالا

السيّد مدين الموسوي

يا ليـلةً وقـفَ الزمانُ بها

 

وجِـلاً يُدوّنُ أروع الصورِ

وقف الحسين بها ومن معه

 

جبـلاً وهم كجنادل الحجرِ

الشيخ عبدالكريم آل زرع

أليلةَ عاشوراء يـا حـلكاً شَبَّا

 

حنينُكِ أدرى من نهاركِ ما خبّا

وما خبّأ الآتي صهاريـج أدهُرٍ

 

بساعَاتِه قد صبّ صاليَها صبّا

الشيخ عليّ الفرج

أنـتِ يـا ليلة انخساف المرايا

 

في وجوه الـسنـين والأحقابِ

غُرست فيك آهتي واحتضاري

 

ونمت فيك صرختي واغترابي

* * *

الحسين عليه السّلام يخطب في أصحابه ويأذن لهم بالتفرّق عنه
روي عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام قال: جمع الحسين عليه السّلام أصحابه بعد ما رجع عمر بن سعد وذلك عند قُرب المساء، قال: فدنوت منه لأسمع وأنا مريض فسمعت أبي وهو يقول لأصحابه: أُثني على الله تبارك وتعالى أحسن الثناء، وأحمَدهُ على السّراء والضراء، اللهم اني أحمَدُك على أن أكرمتنا بالنبوّة، وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة، فاجعلنا من الشاكرين.
أما بعد، فإني لا أعلمُ أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهلَ بيت أبرَّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكُم الله عني جميعاً خيراً، ألا وإني أظنُ يوَمنا من هؤلاءِ الاعداءِ غداً، ألا وإني قد أذنتُ لكم، فانطلقوا جميعاً في حلٍ، ليس عليكم حَرجٌ منّي ولا ذمام، هذا اللّيلُ قد غشِيَكم فاتّخذوه جَمَلا (1).
وليأخُذ كلُ رجلٍ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي، وتفرّقوا في سَوادِكم ومدائنكم حتّى يُفرّجَ الله، فإنَّ القومَ إنما يطلبونني، ولو قد أصابوني لَهوا عن طلب غيري.

* * *

جواب بني هاشم والأنصار للحسين عليه السّلام 
فقال له إخوتُه وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبدالله بن جعفر: لِم نفعل ؟ لنبقى بعدَكَ! لا أرانا الله ذلك أبداً. بدأهم بهذا القولِ. العباسُ بن عليّ عليه السّلام، ثمّ إنهم تكلموا بهذا أو نحوه...
وفي رواية أخرى: فقام إليه العباس بن عليّ أخوه عليهما السّلام وعليّ ابنه، وبنو عقيل، فقالوا له: معاذ الله والشهر الحرام، فماذا نقول للناس إذا رجعنا إليهم، إنا تركنا سيدنا، وابن سيدنا وعمادنا، وتركناه غرضاً للنبل، ودريئةً للرماح، وجزراً للسباع، وفررنا عنه رغبةً في الحياة! معاذ الله، بل نحيا بحياتك، ونموت معك! فبكى وبكوا عليه، وجزّاهم خيراً (2).
فقال الحسين عليه السّلام: يا بني عَقيل، حَسبُكم من القتلِ بمسلِم، اذهبوا قد أذِنتُ لكم!.
قالوا: فما يقولُ الناس ؟ يقولون: إنا تركنا شَيخَنا وسيدنا وبني عمومتِنا خيرَ الأعمام، ولم نرْمِ معَهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا! لا والله لا نفعل، ولكن تفديك أنفسُنا وأموالنُا وأهلونا ونقاتلُ معك حتّى نردَ مورِدَك، فقبّحَ اللهُ العيشَ بعدَك!.
فقام إليه مسلمُ بنُ عوسجة الأسدي (3) فقال: أنحنُ نخلّي عنك ولمّا نُعذر إلى الله في أداء حقِك ؟! أما واللهِ حتّى أكسر في صدورِهمْ رمحي، وأضربَهمْ بسيفي ما ثبت قائمُه في يدي، ولا أًُفارقُكَ، ولو لم يكنْ معي سلاح أقاتُلهم به لَقذفتُهم بالحجارة دونَك حتّى أموت معك.
وقال سعد بن عبدالله الحنفي (4): واللهِ لا نخليكَ حتّى يعلمَ اللهُ أنا قد حفظنا غَيبةَ رسول الله صلّى الله عليه وآله فيك، والله لو علمتُ أني أُقتلُ ثم أُحيا ثمّ أُحرقُ حيَّاً ثمّ أُذرُّ.. يُفعلُ ذلك بي سبعين مرةً ما فارقتُك حتّى ألقى حِمامي دونَك، فكيف لا أفعل ذلكَ وإنما هي قتلةٌ واحدةٌ، ثمَّ هيَ الكرامةُ التي لا انقضاء لها أبداً!.
ثمّ قام زُهير بن القين وقال: واللهِ لَوددتُ أني قُتلتُ ثمّ نُشرتُ ثمّ قُتلتُ.. حتّى أقتلَ كذا ألف قتلةٍ، وأن اللهَ يدفعُ بذلكَ القتلَ عن نفسِك وعن أنفُس هؤلاءِ الفتيةِ من أهل بيتك!.
وتكلم جماعةُ أصحابه بكلامٍ يشبهُ بعضه في وجهٍ واحدٍ، فقالوا: واللهِ لا نُفارِقُكَ، ولكن أنفُسنا لكَ الفداء! نَقيكَ بنحورِنا وجباهِنا وأيدينا، فإذا نحنُ قُتِلنا كُنا وفَينا وقضينا ما علينا (5).

* * *

الحسين عليه السّلام يأذن للحضرمي بالانصراف لفكاك ولده (6)
وقيلَ لمحمّدِ بن بشر الحضرمي في تلكَ الحال: قد أُسرَ ابنُك بثغر الرّي (7) فقال: عندَ اللهِ أحتسبه ونفسي، ما كُنتُ اُحبّ أَن يُؤسرَ وأن أبقى بعده!
فَسمِعَ الحسين عليه السّلام قولَه، فقال: رَحِمكَ اللهُ، أنت في حِلٍّ من بيعتي، فاعملْ في فكاكِ ابنِك.
فقال: أكلتني السّباعُ حيّاً إنْ فارقتُك!
قال: فاعطِ ابنَكَ هذهِ الأثواب البُرُود (8)، يستعينُ بها في فداء (9) أخيهِ، فأعطاه خَمسةَ أثواب قيمتُها ألف دينار (10).
ولله درّ السيّد رضا الهندي ـ عليه الرحمة ـ إذ يقول في هذه الصفوة الأنجاب:

صِيداً إذا شبّ الهيـاج وشابت الـ

 

أرض الـدما والطفـل رعباً شابا

ركزوا قناهم في  صـدور عِداتهم

 

ولبِيضهم جـعلوا الرقـاب قرابا

تجلو وجوهُهمُ دجى  النقـع  الذي

 

يـكسو بظلمته ذكـاء نـقـابـا

وتـنـادبـت للـذبّ عنه عصبة

 

ورِثوا الـمعالي أشـيـباً وشبابا

من ينتدبْهم  للكريـهة  يـنـتدبْ

 

منهم  ضراغمةَ الأسـود  غِضابا

خفّوا لداعي  الحرب  حين دعاهمُ

 

ورسَوا  بعرصة  كربلاء  هضابا

أُسْد ٌ قد اتّخذوا الصــوارم حليةً

 

وتسربلوا حلَقَ  الدروع  ثـيابـا

تخِذت عيونـُهمُ القـساطل كحلها

 

وأكفُّهـم  فيـضَ النحور خضابا

يتمايلـون كأنـما غنّـى لـهـم

 

وقْـعُ الضُّبا وسقـاهُمُ أكــوابا

برقت سيـوفهمُ  فأمطـرت الطِّلا

 

بـدمـائها  والنقعُ ثار سَحـابـا

وكأنهم  مستقبِـلون  كـواعـبـاً

 

مسـتقـبليـن أسنةً وكـعـابـا

وجدوا الردى من دون آل محمدٍ

 

عـذْباً وبَـعدهـمُ الحـياةَ عذابا

ودعـاهمُ داعي القضاء  وكلُهـُم

 

ندبٌ إذا الداعي دعاه أجابا (11)

* * *

الإمام الحسين عليه السّلام لا يأذن بالشهادة لمن كان عليه دَين
رُوي عن موسى بن عمير، عن أبيه قال: أمرني الحسين بن عليّ عليه السّلام قال: نادِ أَنْ لا يُقتل معي رجلٌ عليه دَينٌ، ونادِ بها في الموالي فإنّي سمعتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله يقول: من مات وعليه دين أُخذ من حسناته يومَ القيامة (12).وبمضمون آخر ورد أيضاً عن موسى بن عمير الأنصاري، عن أبيه، قال: أمرني حسين بن عليّ عليهما السّلام فقال: نادِ في الناس أنْ لا يقاتلِنَّ معي رجلٌ عليه دينٌ، فإنَّهُ ليس من رجُلٍ يموتُ وعليه دينٌ لا يَدعُ له وفاءً إلاّ دخلَ النَّار!
فقام إليه رجلٌ فقالَ: إنَّ امرأتي تكفّلت عنّي.
فقال: وما كفالَةُ امرأةٍ، وهل تقضي امراةٌ (13) ؟!
وذكرها الذهبي أيضاً: عن الثوري عن أبي الجحَّاف، عن أبيه: أن رجلاً قال للحسين عليه السّلام: إنّ علَيَّ ديناً.
قال عليه السّلام: لا يُقاتل معي مَنْ عليه دين (14).

* * *

سكينة تصف ليلة العاشر 
روى مؤلف كتاب (نور العيون) بإسناده، عن سكينة بنت الحسين عليهما السّلام، أنها قالت: كنت جالسة في ليلة مقمّرة وسط الخيمة، وإذا أنا أسمع من خلفها بكاءً وعويلاً، فخشيت أن يفقه بي النساء، فخرجت أعثر بأذيالي، وإذا بأبي عليه السّلام جالس وحوله أصحابه وهو يبكي، وسمعته يقول لهم: إعلموا أنّكم خرجتم معي لعلمكم أنّي أقْدم على قوم بايعوني بألسنتهم وقلوبهم، وقد انعكس الأمر لأنهم استخوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، والآن ليس لهم مقصدٌ إلاّ قتلي وقتل من يجاهد بين يدي وسبْيُ حرمي بعد سلبهم، وأخشى أنّكُمْ ما تعلمون وتستحون، والخدع عندنا ـ أهل البيت ـ محرّم (15) ، فمن كره منكم ذلك فلينصرف، فإنّ الليل ستير والسبيل غير خطير، والوقت ليس بهجير، ومَنْ واسانا بنفسه كان معنا غداً في الجنان نجيّاً من غضب الرحمن، وقد قال جدّي محمّد صلّى الله عليه وآله: ولدي الحسين يُقتل بأرض كربلاء غريباً وحيداً، عطشاناً فريداً، فمن نصره فقد نصرني ونصر ولده القائم ـ عجل الله فرجه ـ، ولو نصرنا بلسانه فهو في حزبنا يوم القيامة.
قالت سكينة: فوالله ما أتمّ كلامه إلاّ وتفرق القوم من عشرة وعشرين، فلم يبق معه إلاّ واحد وسبعون رجلاً، فنظرت إلى أبي منكّساً رأسه فخنقتني العبرة، فخشيت أن يسمعني ورفعت طَرْفي إلى السماء وقلت: اللهم إنّهم خذلونا فاخذلهم، ولا تجعل لهم دعاءً مسموعاً، وسلِّطْ عليهم الفقر ولا ترزقهم شفاعة جدّي يوم القيامة. ورجعتُ ودموعي تجري على خدي، فرأتني عمتي أم كلثوم، فقالت: ما دهاكِ يا بنتاه ؟! فأخبرتها الخبر، فصاحت: واجدّاه واعليّاه، واحسناه واحسيناه، واقلّة ناصراه، أين الخلاص من الأعداء ؟! ليتهم يقنعون بالفداء، تركت جوار جدّك وسلكت بنا بُعدَ المدى. فعلا منّا البكاء والنحيب.
فسمع أبي ذلك فأتى إلينا يعثر في أذياله ودموعه تجري، وقال: ما هذا البكاء ؟
فقالت: يا أخي ردّنا إلى حرم جدّنا، فقال: يا أُختاه، ليس لي إلى ذلك سبيل، قالت: أجل، ذكّرهم محل جدّك وأبيك وأمك وأخيك، قال: ذكّرتهم فلم يذكّروا، ووعظتهم فلم يتّعظوا، ولم يسمعوا قولي، فما لهم غير قتلي سبيل، ولابدّ أن تروني على الثّرى جديلاً، ولكن أوصيكنّ بتقوى الله ربّ البرية، والصبر على البلية، وكظم نزول الرزيّة، وبهذا أوعد جدُّكم ولا خُلْف لما أوعد، ودّعتكم إلهي الفردَ الصمد. ثمّ تباكينا ساعة والإمام عليه السّلام يقول:  وما ظلمونا ولكنْ كانوا أنفسَهم يَظلمون  (16) و(17). 

* * *

الإمام الحسين عليه السّلام يُخبر أصحابَه بالشهادة
روي عن أبي حمزة الثمالي ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السّلام يقول: لمّا كان اليوم الذي استُشهد فيه أبي عليه السّلام جمعَ اهله واصحابه في ليلة ذلك اليوم، فقال لهم: يا أهلي وشيعتي، اتخذوا هذا الليل جملاً لكم وانجوا بأنفسكم، فليس المطلوب غيري، ولو قتلوني ما فكروا فيكم، فانجوا رحمكم الله، فأنتم في حلٍّ وسعةٍ من بيعتي وعهدي الذي عاهدتموني.
فقال إخوته وأهله وأنصاره بلسان واحد: والله يا سيدنا يا أبا عبدالله، لا خذلناك أبداً، والله لا قال الناس: تركوا إمامهم وكبيرهم وسيدهم وحده حتّى قُتل، ونبلو بيننا وبين الله عُذراً ولا نخليك أو نُقتل دونك!!
فقال لهم: يا قوم إني في غَدٍ اُقتلُ وتُقتَلون كُلكُم معي ولا يَبقى مِنكم واحدٌ، فقالوا: الحمدُ للهِ الذي أكرمَنا بنصرِكَ وشرّفَنَا بالقتل معك، أوَ لا ترضى أن نكون معكَ في درجتِكَ يا ابن رَسولِ اللهِ ؟
فقال عليه السّلام: جزاكم الله خيراً. ودعا لهم بخير، فأصبح وقُتل وقُتلوا معه أجمعون.
فقال له القاسم بن الحسن عليه السّلام: وأنا فيمن يُقتل ؟ فأشفق عليه، فقال له: يا بُني، كيف الموت عندك ؟ قال: يا عمّ، فيك أحلى مِنَ العسل، فقال: إي واللهِ فداك عَمُكَ، إنك لأحد من يُقتل من الرجال معي بعد أن تبلو ببلاءٍ عظيم، ويُقتل ابني عبدالله.
فقال: يا عم، ويصلون إلى النساء حتّى يُقتل عبدالله وهو رضيع ؟ فقال: فداك عمك (يُقتل ابني عبدالله إذا جفت روحه عطشاً وصرت إلى خيمنا فطلبتُ له ماءً ولبناً فلا أجد قط فأقول: ناولوني ابني لأُشربه مِنْ فيَّ) (18)، فيأتوني به فيضعونه على يديَّ فأحمله لأُدنيه من فيَّ فيرميه فاسق بسهم فينحره وهو يناغي فيفيض دمه في كفي فأرفعه إلى السماء وأقول: اللهم صبراً واحتساباً فيك، فتعجلني الأسنة منهم، والنار تسعر في الخندق الذي في ظهر الخيم، فأكرُّ عليهم في أمرّ أوقاتٍ في الدنيا، فيكونُ ما يُريد الله. فبكى وبكينا وارتفع البكاءُ والصُراخ من ذراري رسول الله صلّى الله عليه وآله في الخيم.
ويسألني زهير بن القين وحبيب بن مظاهر عن عليّ، فيقولون: يا سيدّنا، فسيدّنا عليّ ؟ فيشيرون إليَّ ماذا يكون من حاله؟
ـ فيقول مستعبراً ـ: ما كان الله ليقطع نسلي من الدنيا، فكيف يصلون إليه وهو أبُ ثمانية أئمة(19). 

وفتية من بنـي عـدنان مـا نظرت

 

عـين الغـزالة أعلـى منهمُ حسبا

أكفُّهم يخصبُ المرعى  الجديب بهـا

 

وفي وجـوههـمُ تَستمطر السُحـبا

أكرم بهم من مصـاليـت  وليـدهمُ

 

بغير ضرب الطلى بالبيض ما طربا

* * *

الإمام الحسين عليه السّلام يُري أصحابَه منازلهم في الجنة
وروي أنَّ الحسين عليه السّلام كشفَ لأصحابه عن أبصارهم فرأوا ما حباهمُ اللهُ من نعيم، وعرَّفَهم منازلَهم فيها، وليس ذلك في القدرةِ الإلهيةِ بعزيز ولا في تصرفات الإمام بغريب، فإنَّ سحرةَ فرعون لمّا آمنوا بموسى عليه السّلام وأراد فرعون قتْلَهم أراهم النبيُّ موسى عليه السّلام منازلَهم في الجنة
(20).
قال شاعر أهل البيت الفرطوسي ـ عليه الرحمة ـ:

وأراهم وقد رأى الصـدقَ منهم

 

في الموالاة بعد كـشف الغطاءِ

ما لهم مـن مـنازلٍ  قد اُعدّت

 

في  جنان الخلود يوم الجـزاءِ

ولعمري وليـس ذا  بعـسيـرٍ

 

أو غـريب ٍ من سيد الشّهـداءِ

فـلـقـد أطلعَ الكليـمُ عليـها

 

مـنهمُ كلَّ سـاحـرٍ بـجـلاءِ

حينما آمـنوا بمـا جـاءَ فـيه

 

عندَ إبطال سحـرِهم والـرياءِ

بعد خوفٍ من  آلِ فرعونَ مُردٍ

 

لهـمُ منـذر بسـوءِ الـبـلاءِ

فأراهم  منـازلَ  الخيرِ زلفـىً

 

وثـوابـاً فـي  جنةِ الأتقيـاءِ

لازديـاد اليقين بالحق فـيهـم

 

بعد دحضٍ للشك  والإفـتـراءِ

وثَباتاً منهم عـلى  الـدين فيما

 

شاهدوه من عالم الإرتقاءِ (21)

وروي عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الاهوازي، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، قال عليّ بن الحسين عليه السّلام: كنت مع أبي في الليلة التي قُتل في صبيحتها، فقال عليه السّلام لأصحابه: هذا الليل فاتّخذوه جملاً، فإنَّ القوم إنما يريدونني، ولو قتلوني لم يلتفتوا إليكم، وانتم في حلٍ وسعة.
فقالوا: والله لا يكون هذا ابداً! قال: إنكم تُقتلون غداً (كُلّكُم) ولا يفلت منكم رجُل، قالوا: الحمد لله الذي شرفّنا بالقتل معك. ثمّ دعا وقال لهم: ارفعوا رؤوسَكم وانظروا. فَجعلوا يَنظرون إلى مواضعِهم ومنازلِهم من الجنة، وَهو يقولُ لهم: هذا منزِلُكَ يا فلان، وهذا قصرُك يا فلان، وهذه درجتك يا فلان، فكان الرجلُ يَستقبلُ الرّماحَ والسيوف بصدرِه وَوجهِه، ليصلَ إلى مَنزِلِه مِنَ الجنة (22).
وَفي حديثِ أبي جعفر الباقر عليه السّلام أن الحسينَ عليه السّلام قال لأصحابهِ: ابشروا بالجنةِ، فواللهِ إنّا نَمكثُ مَا شاء اللهُ بعدَ مَا يجري عَلينا، ثمّ يُخرجُنا اللهُ وإياكم حتّى يَظهر قَائمُنا فَينتقمَ من الظالمينَ، وأنا وأنتم نُشاهِدهم في السلاسل والاغلال وأنواع العذاب!
فَقيلَ له: ما قائمُكُم يا بن رسولِ الله ؟
قال: السابع مِن وِلدِ ابني محمد بن عليِّ الباقر، وهو الحجةُ ابنُ الحسن بن عليّ بن محمد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ ابني، وهو الذي يَغيبُ مدةً طويلةً، ثمّ يظهرُ وَيملأُ الأرضَ قسطاً وَعدلاً كما مُلئت ظلماً وَجوراً (23).
وروى الصدوق ـ عليه الرحمة ـ في علّة إقدام أصحاب الحسين عليه السّلام على القتل، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن اسحاق رضي الله عنه قال: حدثنا عبدالعزيز بن يحيى الجلودي قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه عن أبي عبدالله عليه السّلام قال: قلت له: أخبرني عن أصحابِ الحسين عليه السّلام وإقدامِهم على الموتِ، فقال: إنَّهم كُشفَ لَهم الغطاء حتّى رَأوا منازلَهم من الجنةِ، فكان الرجلُ منهم يَقدمُ على القتلِ لِيُبادرَ إلى حَوراءَ يُعانِقُها وإلى مكانِه مِن الجنة
(24).
وجاء في زيارة الناحية المقدسة: أشْهدُ لَقدْ كَشفَ اللهُ لكمُ الغِطاء، وَمَهّد لكُمُ الوطاء، وأجزل لكم العطاء، وكُنْتُم عن الحقِّ غَيرَ بطاء، وأنتُم لنا فُرطاء، ونحنُ لكُم خُلطاءُ في دارِ البقاء، والسّلام عليكُمْ ورحمةُ اللهِ وبركاته (25).
ولقد أجاد من قال فيهم عليهم السّلام:

وذوو المـروّة والوفا أنصارُه

 

لهمُ على جـيـش اللئـامِ زئيرُ

طهرت نفوسهم لطيب اُصولها

 

فعناصرٌ طابت لـهم وحـجورُ

فتمثّلت لهمُ القصورُ وما بـهِم

 

لولا  تمثّلت القــصورُ قصورُ

ما شاقَهم للمـوت إلاّ دَعْـوَةُ

 

الرحمن لا ولدانُها والحورُ (26)

وقال الآخر:
 

وفتية من رجـال الله قد  صـبروا

 

على الجِـلاد وعـانوا  كلَّ محذورِ

حـتّى تراءت لـهم عدن بزينتـها

 

مآتماً كُنَّ عُرس الخُرَّد الحورِ (27)

وقال آخرٌ أيضاً:
 

وبيّـتوه وقــد ضـاق الفـسيحُ به

 

منهم على موعـد من دونه العـَطَلُ

حتّى إذا الحرب فيهم مـن غدٍ كشفت

 

عن  ساقهـا وذكا من وقد ما شـعلُ

تـبادرت فـتـيةٌ مـن دونـه غررٌ

 

شمّ العرانـين مـا مالـوا ولا نكلوا

كـأنّمـا يُـجتـنى حـلواً  لأنفسهم

 

دون المـنـون مـن العسّالة العسلُ

تراءت الحور في  أعلى  القصور لهم

 

كشفاً فهان عليهم فيه ما بـذلوا (28)

* * *

الإمام الحسين عليه السّلام يعظ أصحابه ويبشّرهم
جاء في تفسير الإمام العسكري عليه السّلام في قوله عزّوجلّ:  وإذْ قُلْنا للملائكةِ اسجدُوا لأدمَ فسجدُوا إلاّ إبليسَ أبى واستكبرَ وكانَ مِنَ الكافرين  (29).
قال عليه السّلام: ولمّا امتحن الحسين عليه السّلام ومن معه بالعسكر الذين قتلوه، وحملوا رأسه قال لعسكره: أنتم من بيعتي في حلٍ فالحقوا بعشائركُم ومواليكم.
وقال لأهل بيته: قد جعلتكم في حلٍّ من مفارقتي، فإنَّكمْ لا تُطيقونهم لتضاعف أعدادهم وقواهُمْ، وما المقصود غيري، فدعوني والقوم، فإنَّ اللهَ ـ عزّوجلّ ـ يُعينُني ولا يُخليني من حُسن نظرهِ كعاداته في أسلافنا الطيَّبين.
فأمّا عسكره ففارقوه، وأما أهله الأدنون من أقربائه فأبوا!! وقالوا: لا نفارقك، ويحلُّ بنا ما يحلُّ بك، ويحزننا ما يحزنك، ويصيبنا ما يصيبك، وإنّا أقرب ما نكونُ إلى الله إذا كنا معك.
فقال لهم: فإنْ كُنتم قد وطّنتم أنفسكم على ما وطَّنتُ نفسي عليه، فاعلموا أنَّ الله إنّما يهبُ المنازل الشريفة لعباده (لصبرهم) باحتمال المكاره، وأنَ الله ـ وإنْ كان خَصَّني مع مَنْ مضى مِنْ أهلي الَّذينَ أنا آخرُهُم بقاءً في الدُّنيا من الكرامات بما يَسهل عليَّ معها احتمال الكريهات ـ فإنَّ لكم شطرَ ذلك من كرامات الله تعالى، واعلموا أن الدنيا حُلوها ومرها حُلمٌ (30) والانتباه في الآخرة، والفائز من فاز فيها، والشقيُّ مَنْ شقي فيها.
أوَلا اُحدثكم بأول أمرنا وأمركم ـ معاشرَ أوليائنا ومحبينا، والمعتصمينَ بنا ـ ليسهل عليكم احتمال ما أنتم له معرضون (31) ؟
قالوا: بلى يا بن رسول الله.
قال: إنَّ الله تعالى لمّا خلقَ آدم، وسوّاهُ وعلَّمَه أسماء كلِّ شيء وعرضهم على الملائكة، جعل محمّداً وعلياً وفاطمةَ والحسنَ والحسينَ عليهم السّلام أشباحاً خمسةً في ظهرِ آدم، وكانت أنوارُهم تُضيءُ في الآفاق من السماوات والحُجب والجنان والكرسيّ والعرش، فأمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم تعظيماً له، إنَّه قد فضّله بأن جعلهُ وعاءً لتلك الأشباح التي قد عمَّ أنوارُها في الآفاق، فسجدوا إلا إبليس أبى أنْ يتواضع لجلال عظمة الله، وأن يتواضع لأنوارنا أهلَ البيت، وقد تواضعت لها الملائكةُ كلُها، واستكبر وترفَّع، وكان باءِبائه ذلك وتكبّره من الكافرين (32).
ومن جملة البشارات التي بشرَّ بها الحسين عليه السّلام أصحابه عليهم السّلام هو ما رواه القطب الراوندي عن أبي سعيد سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن ابن فضيل، عن سعد الجلاّب، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال الحسين بن عليّ عليهما السّلام لأصحابه قبل أن يُقتل: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: يا بُنيَّ، إنك ستساقُ إلى العراق، وهي أرضٌ قد التقى بها النبيّون وأوصياء النبيّين، وهي أرضٌ تدعى (عموراء) وإنك تُستشهد بها، ويُستشهد معك جماعةٌ من أصحابك لا يجدون ألم مس الحديد. وتلا:  قُلنا يَا نارُ كُوني برداً وَسلاماً على إبراهيم  (33)تكونُ الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً، فابشروا. فوالله لئن قتلونا، فإنَّا نرد على نبيّنا (34).

* * *

الإمام الحسين عليه السّلام يعالج سيفه ويوصي لاُخته زينب عليها السّلام
روي عن عليّ بن الحسينِ بن عليّ عليه السّلام قال: إني جالسٌ في تلكَ العشيّةِ التي قُتل أبي صَبيحتَها وَعمتي زينبُ عندِي تُمرضُني إذ اعتزلَ أبي بأصحابِه في خَباءٍ له وَعندَه حُوّى مَولى أبي ذر الغُفاري
(35) وَهو يُعالجُ سَيفَه (36) ويُصلِحُهُ وأبي يقولُ:

يَا دهرُ أفٍّ لكَ مـِنْ خَلـيلٍ

 

كَمْ لكَ بالأشراقِ وَالأصيـلِ

مِنْ صَاحبٍ أو طالبٍ قَتـيلِ

 

وَالدهرُ لا يَقـنعُ بـالبديـلِ

وإنَّمَا الأمـرُ إلى الـجليـلِ

 

وَكـلُّ حيٍّ سَالـكُ السبيـلِ

قال: فأعادها مرتين أو ثلاثاً حتّى فَهِمتُها، فَعرَفتُ مَا أرادَ فَخنقَتني عَبرتي، فرددتُ دَمعي ولزمتُ السكون فَعلمتُ أنّ البلاءَ قد نزلَ، فأمّا عمَّتي فإنها سَمِعت ما سمعتُ وهي امرأةٌ وَفي النساء الرقَّةُ والجزعُ، فَلم تملك نفسَها أن وَثبت تَجرُّ ثوبَها وَإنها لحاسرةٌ حتّى انتهت إليه فقالت: واثكلاه، لَيتَ الموتَ أعدمني الحياة، اليومَ ماتتْ فاطمةُ أمّي وعليٌّ أبي وحسنٌ أخي، يا خليفةَ الماضي وثمال (37)الباقي
(38).
قال: فَنظَر إليها الحسين عليه السّلام فقال: يا أُخيّةُ لا يُذهبنَّ حلمَكِ الشيطانُ، قالت: بأبي أنتَ وأمي يا أبا عبدالله، استقتلتَ نَفسي فداكَ.

قالت أتُقتل نصبَ عيني جهرة

 

ما الـرأي فيَّ وما لديَّ خفيرُ

فأجابها: قـلّ الفدا كثُر العدى

 

قَصُرَ المدى وسبيلنا محصورُ

فَردَّ غُصّتَهُ وَترقرقتْ عَيناهُ، وَقالَ: لو تُركَ القطا (39) ليلاً لنام (40)، قالت: يَا ويلتي، أفتَغصِبُ نفسَكَ اغتصاباً ؟! فذلكَ أقرحُ لِقلبي وأشدُّ على نَفسي. وَلطمَتْ وَجهَهَا وأهوتْ إلى جَيبِها وشقّتهُ، وَخرّت مَغشياً عليها.
فقام إليها الحسين عليه السّلام فصبَّ على وَجهِهِا الماءَ، وقال لها: يا أُخيَّة اتقّي اللهَ وَتعزَّي بعزاءِ اللهِ، واعلمي أنَّ أهل الأرضِ يَموتون، وأنَّ أهل السماءِ لا يبقونَ، وأنَّ كلَّ شيءٍ هالكٌ إلا وجهَ اللهِ، خَلقَ الأرضَ بقُدرتهِ، وَيبعث الخلقَ فيعودونَ وَهو فردٌ وحدَه، أبي خيرٌ مني، وأمي خيرٌ مني، وأخي خيرٌ مني، وَلي وَلَهم ولكلِ مُسلمٍ برسولِ اللهِ أسوةٌ.
قال: فعزّاها بهذا وَنحوهِ، وقال لها: يا أُخيّة، إني اُقسمُ عليكِ فأبرِّي قَسمي، لا تشُقي عليَّ جَيباً، وَلا تخمشي عليَّ وَجهاً، وَلا تدعي عليَّ بالويلِ والثبورِ إذا أنا هلكت.
وفي رواية (41): ثمّ قال عليه السّلام: يا اُختاه يا اُمّ كلثوم، وأنت يا زينب، وأنت يا فاطمة، وأنت يا رباب، إذا أنا قُتلت فلا تشققنَ عليَّ جيباً، ولا تخمشن عليَّ وجهاً، ولا تقلن هجراً.

اُختُ يا زيـنـب  اُوصيـكِ وصـايا  فاسـمعي

 

إنـني فـي هـذه  الأرض مُـلاقٍ مَـصـرعي

فاصبري فالصبرُ  من خـيم كـرامِ المـتــرعِ

 

كـلُ حيّ سينحـيـه عـن الأحـيـاء حـيـنْ

في جليلِ الخطبِ يا  أختُ اصبري  الصبر الجميلْ

 

إن خيرَ الصـبر ِ ما كـان على الخطـبِ الجليلْ

واتركـي اللطـمَ على الخـدِ وإعـلانَ العـويلْ

 

ثــمّ لا أكـره سَقـيَ العـينِ ورد الوجـنتيـن

واجـمعي شملَ اليتامـى  بعد فقدي  وانـظمـي

 

واشبِعي مـن جـاعَ منهم ثمّ أروي مَـنْ ظُـمي

واذكُـري أنـهـمُ فـي حفـظهـم طُـلّ دمـي

 

ليـتنـي مـن بينهم كالأنـف  بـين الحـاجبين

قال: ثمّ جاء بها حتّى أجلسَها عندي، وَخرجَ إلى أصحابهِ فأمرَهم أن يُقرِّبوا بعض بيوتهم مِن بعض، وأن يُدخِلوا الأطناب بعضها في بعض، وأن يكونوا هُم بين البُيوت، إلا الوجه الذي يأتيهم منهُ عدوّهُم
(42).

* * *

من وصايا الإمام الحسين عليه السّلام
قيل: ومن جملة وصاياه عليه السّلام والتي استأثرت باهتمام بالغ عنده، وتدل على مدى حرصه الشديد في نشر أحكام الدين والشرع المبين مع ما هو فيه، هو وصيته عليه السّلام لأُخته زينب عليها السّلام بأخذ الأحكام من الإمام عليّ بن الحسين عليهما السّلام وإلقائها إلى الشيعة؛ ستراً عليه.
فقد جاء عن علي بن أحمد بن مهزيار، عن محمد بن جعفر الأسدي، عن أحمد بن إبراهيم، قال: دخلت على حكيمة بنت محمد بن عليّ الرضا، أُخت أبي الحسن العسكري عليهم السّلام في سنة اثنتين وثمانين (ومائتين) بالمدينة، فكلمتها من وراء الحجاب وسألتها عن دينها، فَسمّت لي من تأتمّ به، ثمَّ قالت: فلان بن الحسن عليه السّلام، فَسمتهُ.
فقلت لها: جعلني الله فداكِ، معاينةً أو خبراً ؟ فقالت: خبراً عن أبي محمّد عليه السّلام كتب به إلى أمه، فقلت لها: فأين المولود ؟ فقالت: مستور، فقلت: فإلى مَنْ تفزع الشيعة ؟ فقالت: إلى الجدَّة أم أبي محمّد عليه السّلام.
فقلت لها: أقتدي بمَنْ وصيتُهُ إلى المرأة ؟!
فقالت: إقتداءً بالحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام، إنَّ الحسين بن عليّ عليه السّلام أوصى إلى أُخته زينب بنت عليّ بن أبي طالب عليه السّلام في الظاهر، وكان ما يخرج عن عليّ بن الحسين من علم يُنسب إلى زينب بنت عليّ تَستّراً على عليّ بن الحسين عليه السّلام (43).
وفي هذا المعنى يقول الفرطوسي ـ عليه الرحمة ـ:

وهْو أوصـى إلى العقيلة جهراً

 

ولـزيـن العـباد تحت الخفاءِ

فهْي تعطي الأحكام للناس فتوىً

 

بعد أخذٍ من زيـنـة الأولـياءِ

كـلُّ هـذا ستراً عليه  وحفظاً

 

لعليٍّ من أعيُـنِ الـرُقباءِ (44)

ولهذا قيل: انه كان لزينب عليها السّلام نيابة خاصة عن الحسين عليه السّلام، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى برئ زين العابدين عليه السّلام من مرضه (45).

* * *

الإمام الحسين عليه السّلام يتفقّد التلاع والعقبات وكلامه مع نافع بن هلال
كان نافع بن هلال (46) من أخص أصحاب الإمام الحسين عليه السّلام به، وأكثرهم ملازمة له سيما في مظانّ الاغتيال ـ وقيل أنه كان حازماً بصيراً بالسياسة ـ فلما رأى الحسين عليه السّلام خَرجَ في جَوفِ الليلِ إلى خارج الخيامِ يَتفقدُ التلاعَ (47) والعقباتِ (48) تبعَهُ نافعُ، فسألَه الحسينُ عليه السّلام عما أخرجَهُ، فقال: يَا بنَ رسولِ اللهِ، أفزعني خُروجُكَ إلى مُعسكر هذا الطاغي.
فقال الحسينُ عليه السّلام: إني خرجتُ أتفَقدُ التلاعَ وَالروابي (49) مخافةَ أن تكونَ مَكمَناً لِهجُومِ الخيل يِومَ تحملونَ ويَحملونَ. ثُّم رجَع عليه السّلام وَهو قَابضٌ على يدِ نافعَ وَيقولُ: هيَ هيَ واللهِ، وَعدٌ لا خُلفَ فيه.
ثُّم قال لَه: ألا تَسلُك بَين هَذيَنِ الجبلَيِن في جَوفِ الليلِ وَتنجُو بنفسِك ؟ فَوقعَ نَافعُ على قَدميهِ يُقبّلهُما ويقولُ: ثَكلتني أمي! إن سَيفي بألفٍ وَفرسي مثلُه، فَواللهِ الذي مَنَّ بِكَ عليَّ لا فارقتُكَ حتّى يَكلاّ (50)عن فَري وجري.

* * *

زينب عليها السّلام تحدّث الحسين عليه السّلام في استعلامه نيّات أصحابه
ثُم دَخلَ الحسين عليه السّلام خَيمةَ زينب، وَوقفَ نافعٌ بإزاءِ الخيمةِ ينَتظرُه فَسمعَ زينبَ تقولُ لَهُ: هَل استعلمتَ مِنْ أصحابِكَ نياتِهم ؟ فإني أخشى أن يُسلموك عند الوثَبة.
فقال لها: واللهِ لقد بلوتُهم، فما وجدتُ فيهم إلا الأشوسَ (51) الأقعسَ (52)، يَستأنسونَ بالمنيةِ دوني استيناسَ الطفلِ إلى محالبِ أمه.
قال نافعُ: فلّما سمعتُ هذا منه بَكيتُ وأتيت حبيبَ بنَ مظاهر وَحكيتُ ما سمعتُ منه وَمن أُختهِ زينب.
قال حبيب: واللهِ لولا انتظارُ أمرهِ لعاجلتُهم بسيفي هذه الليلة.
قلت: إني خَلّفتُه عندَ أُختهِ وأظنُ النساءَ أفقنَ وَشاركنها في الحسرةِ، فهل لكَ أن تجمعَ أصحابَك وَتواجهُوهُنَّ بِكلامٍ يُطيّبُ قلوبَهُنَّ ؟

* * *

حبيب عليه السّلام يخطب في الأنصار ويُطيّب خواطر النساء
فقام حبيبٌ ونادى: يا أصحاب الحميةِ وليوث الكريهةِ. فتطالَعوا من مضاربهم كَالأسود الضاريةِ، فقالَ لبني هاشم: ارجعوا إلى مقركم لا سهرتْ عُيونُكُمْ.
ثُّم التفتَ إلى أصحابه وحَكى لهم ما شَاهدَهُ وسمعَهُ نافعٌ، فقالوا بأجمعِهِم: والله الذي مَنَّ عَلينا بهذا الموقفِ، لولا انتظارُ أمره لعاجلناهم بسيوفِنا الساعة! فَطبْ نَفساً وَقرَّ عَيناً. فجزّاهُمْ خيراً.
وَقال: هَلمّوا معي لنواجه النسوةَ ونُطيّبَ خَاطرَهُن. فجاءَ حبيبُ وَمعُه أصحابُه وَصاحَ: يا معشرَ حرائرِ رسولِ اللهِ، هذه صوارمُ فتيانِكُمْ آلوا ألا يغمدوها إلاّ في رقابِ مَنْ يُريدُ السوء فيكُمْ، وَهذهِ أسنّة غلمانِكُمْ أقسَموا ألا يَركزوها إلاّ في صُدورِ مَنْ يُفرّق نَاديكم.
فَخرجن النساء إليهم ببكاءٍ وعويلٍ وَقلن: أيها الطيبون، حاموا عن بناتِ رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وحرائرِ أمير المؤمنين عليه السّلام.
فضجّ القومُ بالبكاءِ حتّى كأنَّ الأرض تَميد بهم (53).
ولقد أجاد الصّحَيّحْ إذ يقول في ذلك:

ووراءَ أروقة الـخيام حـكايةٌ

 

أُخرى،  تتيه طيوفها بجـمالِ

فه نالك الأسديُّ يبدع صـورةً

 

لفـدائـه حوريّـةَ الأشكـالِ

ويحاول  استنفار شيمةِ نُخبـةٍ

 

زرعوا  الفلاة رجولة ومعالي

نادى بهم والـمجد يشهد أنـه

 

نادى بأعظـم فاتحين رجـالِ

فإذا الفضاءُ  مدجَّج بصـوارمٍ

 

وإذا الـتراب  ملغّم ٌ بعـوالي

ومشـى بهم  أسداً يقود وراءه

 

نحـو الخلود كتيبة  الأشبـالِ

حتّى إذا  خِدرُ  العقيلة أجهشت

 

أستارُه في مـسمع  الأبطـالِ

ألقى السـلام فما تبقّت نبضـةٌ

 

في قـلبه لم ترتعشْ  بجـلالِ

ومـذ التقتْه  والـكآبة زينـبٌ

 

مـخنوقـة من همّها  بحـبالِ

قطعَ استدارةَ  دمـعة في خدّها

 

وأراق خاطرها مـن البلبـالِ

وتفجّر الفرسان  بالعهد الـذي

 

ينساب حول رقابـهم  بـدلالِ

قرِّي فؤاداً يا عقيلةُ  واحـفظي

 

هذي الدموع فانهـنَّ غوالـي

عهد زرعنا في السيوف بذوره

 

وسقته ديمةُ جـرحنا الهـطالِ

* * *

زينب عليها السّلام تتفقّد خيمة الحسين والعبّاس عليهما السّلام
روي عن فخر المخدّرات زينب عليها السّلام قالت: لما كانت ليلة عاشوراء من المحرم خرجتُ من خيمتي لأتفقّد أخي الحسين عليه السّلام وأنصاره، وقد أفرد له خيمة، فوجدته جالساً وحده يُناجي ربّه ويتلو القرآن، فقلت في نفسي: أفي مثل هذه الليلة يُترك أخي وحده! والله لأمضين إلى إخوتي وبني عمومتي واُعاتبهم بذلك، فأتيت إلى خيمة العبّاس فسمعت منها همهمةً ودمدمة، فوقفت على ظهرها فنظرت فيها فوجدت بني عمومتي وإخوتي وأولاد إخوتي مجتمعين كالحلقة وبينهم العباس بن أمير المؤمنين عليهما السّلام وهو جاثٍ على رُكبتيه كالأسد على فريسته.

* * *

العباس يخطب في بني هاشم ويحرِّضهم علىالقتال قبل الأنصار
فخطب فيهم خطبة ما سمعتها إلاّ من الحسين عليه السّلام، مشتملةً بالحمد والثناء لله والصلاة والسّلام على النبيّ صلّى الله عليه وآله.
ثمّ قال في آخر خطبته: يا إخوتي وبني إخوتي وبني عمومتي، إذا كان الصباح فما تقولون ؟
فقالوا: الأمر إليك يرجع، ونحن لا نتعدى لك قولك.
فقال العبّاس عليه السّلام: إن هؤلاء ـ أعني الأصحاب ـ قوم غرباء، والحمل الثقيل لا يقوم إلاّ بأهله، فإذا كان الصباح فأول من يبرز إلى القتال أنتم، نحن نقدمهم للموت، لئلا يقول الناس قدَّموا أصحابهم. فلما قُتلوا عالجوا الموت بأسيافهم ساعة بعد ساعة، فقامت بنو هاشم وسلّوا سيوفهم في وجه أخي العباس، وقالوا: نحن على ما أنت عليه!
قالت زينب عليها السّلام: فلما رأيت كثرة اجتماعهم وشدّة عزمهم وإظهار شيمتهم سكن قلبي وفرحت، ولكنْ حنقتني العبرة.

* * *

حبيب يحاور الأنصار ويحرّضهم على القتال قبل بني هاشم
فأردت أن أرجع إلى أخي الحسين عليه السّلام وأخبره بذلك فسمعت من خيمة حبيب بن مظاهر همهمةً ودمدمة. فمضيت إليها ووقفت بظهرها ونظرت فيها فوجدت الأصحاب على نحو بني هاشم مجتمعين كالحلقة وبينهم حبيب بن مظاهر وهو يقول: يا أصحابي، لِمَ جئتم إلى هذا المكان ؟ أوضحوا كلامكم رحمكم الله، فقالوا: أتينا لننصر غريب فاطمة عليها السّلام!
فقال لهم: لِم طلّقتم حلائلكم ؟ فقالوا: لذلك!
قال حبيب: فإذا كان في الصباح فما أنتم قائلون ؟
فقالوا: الرأي رأيك، ولا نتعدّى قولاً لك.
قال: فإذا صار الصباح فأول من يبرز إلى القتال أنتم، نحن نقدمهم للقتال ولا نرى هاشمياً مضرّجاً بدمه وفينا عرقٌ يضرب، لئلا يقول الناس: قدَّموا ساداتهم للقتال وبخلوا عليهم بأنفسهم.
فهزَّوا سيوفهم (في) وجهه، وقالوا: نحن على ما أنت عليه.

* * *

زينب عليها السّلام تتعجب من موقف بني هاشم والأنصار
قالت زينب: ففرحتُ من ثباتهم، ولكن خنقتني العبرة، فانصرفت عنهم وأنا باكية وإذا بأخي الحسين عليه السّلام قد عارضني فسكنت نفسي وتبسمت في وجهه، فقال: أُخيّة، فقلت: لبيك يا أخي، فقال عليه السّلام: يا أختاه، منذ رحلنا من المدينة ما رأيتك متبسمة، أخبريني ما سبب تبسمك ؟
فقلت له: يا أخي، رأيت من فعل بني هاشم والأصحاب كذا وكذا!!
فقال لي: يا أُختاه، إعلمي أن هؤلاء أصحابي (54) من عالم الذرّ وهبم وعدني جدي رسول الله صلّى الله عليه وآله هل تحبين أن تنظري إلى ثبات إقدامهم ؟
فقلت: نعم. فقال عليه السّلام: عليك بظهر الخيمة.

* * *

الإمام الحسين عليه السّلام يخطب في أصحابه ويكشف لهم عن أبصارهم
قالت زينب: فوقفت على ظهر الخيمة، فنادى أخي الحسين عليه السّلام: اين إخواني وبنو أعمامي ؟! فقامت بنو هاشم وتسابق منهم العباس وقال: لبيك لبيك، ما تقول ؟
فقال الحسين عليه السّلام: أُريد أن أُجدّد لكم عهداً. فأتى أولادُ الحسين وأولاد الحسن وأولاد عليّ وأولاد جعفر وأولاد عقيل، فأمرهم بالجلوس فجلسوا.
ثم نادى: أين حبيب بن مظاهر، أين زهير، أين هلال، أين الأصحاب ؟! فأقبلوا وتسابق منهم حبيب بن مظاهر وقال لبيك يا أبا عبدالله. فأتوا إليه وسيوفهم بأيديهم، فأمرهم بالجلوس فجلسوا فخطب فيهم خطبة بليغة.
ثمّ قال: يا أصحابي، اعلموا أن هؤلاء القوم ليس لهم قصدٌ سوى قتلي وقتل من هو معي، وأنا أخاف عليكم من القتل، فأنتم في حلٍّ من بيعتي، ومن أحب منكم الانصراف فلْينصرفْ في سواد هذا الليل.
فعند ذلك قامت بنو هاشم وتكلّموا بما تكلموا، وقام الأصحاب وأخذوا يتكلّمون بمثل كلامهم، فلما رأى الحسين عليه السّلام حُسن إقدامهم وثبات أقدامِهم، قال عليه السّلام: إن كنتم كذلك فارفعوا رؤوسكم وانظروا إلى منازلكم في الجنة. فكشف لهم الغطاء ورأوا منازلهم وحورهم وقصورهم فيها، والحور العين ينادين: العجل العجل، فإنا مشتاقات إليكم!
فقاموا بأجمعهم وسلّوا سيوفهم، وقالوا: يا أبا عبدالله، أتأذن لنا أن نغير على القوم ونقاتلهم حتّى يفعل الله بنا وبهم ما يشاء.
فقال عليه السّلام: اجلسوا رحمكم الله، وجزاكمُ الله خيراً.


1 ـ جاء في المثل: اتّخذ الليل جملاً، وهو يُضرَب للرجل يجدُّ في طلب الحاجة، يقال: شمّرَ ذيلا، وادّرع ليلا. هكذا قال بعضهم، وقال آخرون: معناه ركب الليل في حاجته ولم يَنمْ حتّى نالها.
وقولهم: الليل أخفى للويل، إذا أردت أن تأتي بريبةٍ فأتها ليلاً فإنَّهُ أستر لها. وكتب عبدالله بن طاهر إلى ابنه، وقد بلغه عنه إقبالٌ على اللهو:
فبادرِ الليلَ بما تشتهي
فإنما الليلُ نهار الأريبْ
وقال بعض العرب: وأنشدني بالحجاز فتى من هلال:
فلم أرَ مثْل الليل جُنّةَ هاربٍ
ولا مثل حدّ السيف للمرء صاحبا
راجع: كتاب جمهرة الأمثال، لابي هلال العسكري 88:1، 181:2 ـ 182.
2 ـ مقاتل الطالبيين، لابي فرج الإصفهاني 112. 
3 ـ هو: مسلم بن عوسجة بن سعد بن ثعلبة بن دردان بن أسد بن خُزيمة، أبو حجل الأسدي السعدي، كان رجلاً شريفاً عابداً متنسكاً، قال ابن سعد في طبقاته: وكان صحابياً ممن رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكان فارساً شجاعاً له ذِكرٌ في المغازي والفتوح الإسلاميّة، وكان ممن كاتب الحسين ـ عليه السّلام ـ في الكوفة ووفى له، وممّن أخذ البيعة له عند مجيء مسلم بن عقيل إلى الكوفة، وهو أول قتيل من أنصار الحسين بعد قتلى الحملة الاُولى، وقد جاء في الزيارة المنسوبة للناحية المقدسة في مسلم بن عوسجة: وكنتَ أولَ من شرى نفسه، وأول شهيد من شهداء الله قضى نحبه، ففزتَ وربِّ الكعبة، شكر الله لك استقدامك ومواساتك إمامَك إذ مشى إليك وأنت صريع فقال: يرحمك الله يا مسلم بن عوسجة. وقرأ: «فمنهم مَن قضى نَحبَه وَمِنهمْ مَنْ يَنتظِرُ وَمَا بَدّلوا تبديلا»، لعن الله المشتركين في قتلك عبدَالله الضبابي وعبدالله بن خشكارة البجلي، وفيه يقول السماوي:
إن امرءاً يمشي لمصرعه
سبطُ النبيّ لَفاقدُ التربِ
أوصى حبيباً أن يجود له
بالنفس من مقةٍ ومن حبِّ
أعزز علينا يا بن عوسجةٍ
من أن تفارق ساعة الحرب
عانقتَ بيضهمُ وسمرَهمُ
ورجعت بعدُ معانقَ التربِ
أبكي عليك وما يفيد بكا
عيني وقد أكل الأسى قلبي
راجع: بحار الأنوار 69:45. إبصار العين، للسماوي 61 و 64.
4 ـ هو: سعد بن عبدالله الحنفي، ذُكر في كتاب الحسين عليه السّلام إلى أهل الكوفة باسم سعيد: أما بعد، فإن سعيداً وهانياً قدِما عليَّ بكتبكم. وذكر باسم سعد كما في زيارة الناحية، كان من وجوه الشيعة في الكوفة، وذوي الشجاعة والعبادة فيهم، وهو أحد الرسل الذين حملوا رسائل الكوفيين إلى الحسين عليه السّلام وبعثه مسلم بن عقيل بكتاب إلى الحسين وبقي معه حتّى جاء معه كربلاء. وروى أبو مخنف: أنه لما صلّى الحسين الظهر صلاة الخوف، اقتتلوا بعد الظهر، فاشتد القتال، ولما قرب الأعداء من الحسين عليه السّلام وهو قائم بمكانه، استقدم سعيد الحنفي أمام الحسين، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل يميناً وشمالاً، وهو قائم بين يدَي الحسين يقيه السهام طوراً بوجهه، وطوراً بصدره، وطوراً بيديه، وطوراً بجنبَيه، فلم يكد يصل إلى الحسين عليه السّلام شيء من ذلك، حتّى سقط الحنفي إلى الأرض وهو يقول: اللهم العنهم لعن عاد وثمود، اللهم أبلغ نبيك عني السّلام وأبلغه ما لقيتُ من ألم الجراح، فإني أردت ثوابك في نصرة نبيك. ثمّ التفت إلى الحسين، فقال: أوَفيتُ يا بن رسول الله ؟ قال: نعم أنت أمامي في الجنة. ثمّ فاضت نفسه النفيسة. راجع: إبصار العين 125 ـ 126. أنصار الحسين، لشمس الدين 90 ـ 91.
5 ـ تاريخ الطبري 317:4 ـ 318. نهاية الإرب، للنويري 434:20.
الكامل في التاريخ، لابن الاثير 57:4 ـ 58. مقتل الحسين، للخوارزمي 246 ـ 247. الملهوف 39 ـ 40. الإرشاد، للمفيد 231. إعلام الورى، للطبرسي 237 ـ 239. أمالي الصدوق 133. بحار الأنوار 316:44.
6 ـ هو: بشر بن الأحدوث الحضرمي الكندي، ذُكر في زيارة الناحية باسم بشر، وذُكر في الزيارة الرجبية باسم بشير، وذكره السيّد الخوئي (قدس سره) مردَّداً بين بشر وبشير، وقال الشيخ شمس الدين: ومن المؤكد أنه هو: محمد بن بشير الحضرمي الذي ورد ذكره عند السيّد ابن طاووس بقرينة ذكره لقصة ابنه وقد وردت القصة في الزيارة مقرونة باسم بشر أو بشير على اختلاف النسخ. وكان بشر من حضرموت وعداده في كندة، وكان تابعياً وله أولاد معرفون بالمغازي، وكان بشر ممن جاء إلى الحسين عليه السّلام أيّام المهادنة، وهو أحد آخر رجلين بقيا من أصحاب الحسين قبل أن يقع القتل في بني هاشم، والآخر هو سويد بن عمرو بن أبي المطاع. وقد قتل بشر في الحملة الاُولى. راجع: إبصار العين 103 ـ 104. أنصار الحسين، لشمس الدين 77 ـ 78. معجم رجال الحديث، للسيّد الخوئي 319:3.
7 ـ الثغر: بالفتح، ثم السكون: وراء كل موضع قَرُب من أرض العدو، وسميّ ثغراً من ثغرة الحائط، لأنه يحتاج أن يُحفظ لئلاّ يأتي العدوّ منه.
والرَّيّ: بفتح أوله، وتشديد ثانيه: مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام المدن، كثيرة الخيرات، قصبة بلاد الجبال، على طريق السابلة، وبين طهران نحو فرسخ. مراصد الاطلاع 297:1 و 651:2 و 899.
8 ـ البُرُود: مفرده بُرد بالضم فالسكون، وهو: ثوب مخطَّط، وقد يُقال لغير المخطَّط أيضاً، وجمعه بُرُود وأبرادٌ وأبرُد، ومنه الحديث: الكفن يكون بُرداً، فإن لم يكُن بُرداً فاجعله كله قطناً! والبُردَة: كساءٌ أسود مربّع فيه صغر يكتسيه الأعراب، وفي المنجد أنه كساء من الصوف الأسود يُلتَحف به. انظر: مجمع البحرين، للطريحي 13:3. المنجد 33.
9 ـ الفِداء: بكسر أوله يُمدّ ويقصر وإذا فُتح فهو مقصور، والمراد به فكاك الأسير واستنقاذه بالمال، يقال: فداه من الأسر تفدية إذا استنقذه بمالٍ. مجمع البحرين للطريحي 328:1. 
10 ـ الملهوف 40، بحار الأنوار 394:44، العوالم 244:17، أسرار الشهادة، للدربندي 221:1. ترجمة الإمام الحسين (من تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر) ص 221 / حديث 202. 
11 ـ رياض المدح والرثاء، للبحرانيّ 94 ـ 95. 
12 ـ إحقاق الحق 429:19. موسوعة كلمات الإمام الحسين 417. 
13 ـ إحقاق الحق 429:19. موسوعة كلمات الإمام الحسين 417 ـ 418. حياة الإمام الحسين للقرشي 171:3. المعجم الكبير للطبراني 132:3 / حديث 6872. 
14 ـ سير أعلام النبلاء للذهبي 301:3. 
15 ـ وفي أسرار الشهاددة: وأخاف أن لا تعلموا ذلك، أو تعلموا ولا تتفرقوا للحياء منّي، ويحرم المكر والخدعة عندنا أهل البيت. 
16 ـ سورة البقرة: 57. 
17 ـ الدمعة الساكبة 271:4 ـ 272. أسرار الشهادة، للدربندي 222:2 ـ 223. الإيقاد 93 ـ 94. 
18 ـ كان في العبارة تصحيف وما بين القوسين هو ما أثبته صاحب معالي السبطين كما لا يخفى. 
19 ـ مدينة المعاجز، للبحراني 214:4 و 295و 286، طـ، قديم. وروى هذه الرواية بإسناده إلى أبي حمزة، ابن حمدان الحضيني في الهداية الكبرى 43 (مخطوط). معالي السبطين، للحائري 343:1 ـ 344. نفَس المهموم، للقميّ 343 ـ 344. 
20 ـ أخبار الزمان، للمسعودي 274. مقتل الحسين، للمقرّم 215. 
21 ـ ملحمة أهل البيت، للفرطوسي 291:3. 
22 ـ الخرائج والجرائح، للراوندي 847:2 ـ 848. بحار الأنوار 298:44. أسرار الشهادة، للدربندي 221:2. 
23 ـ مقتل الحسين عليه السّلام، للمقرّم 215 عن إثبات الرجعة. 
24 ـ علل الشرائع 229:1، الباب 163/ حديث1. بحار الأنوار 297:44. مدينة المعاجز: 214:4. 
25 ـ الأقبال، لابن طاووس 80:3. بحار الأنوار 273:98 ـ 274. 
26 ـ نفثة المصدور، للشيخ عباس القميّ 629. 
27 ـ أدب الطف، للسيّد جواد شبر 261:6. 
28 ـ الدمعة الساكبة 278:4. 
29 ـ البقرة: 34. 
30 ـ وفي أسرار الشهادة: واعلموا أن الدنيا حلوها مرّ، ومرّها حلو. 
31 ـ وفي بحار الأنوار: مقرّون. 
32 ـ تفسير الإمام العسكري عليه السّلام 218 ـ 219. تأويل الآيات 44:1 / حديث 18 (باختصار). بحار الأنوار 149:11، 90:45 ـ 91. الدمعة الساكبة 270:4. أسرار الشهادة، للدربندي 223:2 إلى قوله: الشقيّ من شقي فيها. 
33 ـ الانبياء : 69. 
34 ـ الجرائح والخرائج، للراوندي 848:2. بحار الأنوار 80:45 / حديث 6. مدينة المعاجز، للبحراني 504:3 / حديث 245 الطبعة الحجرية. 
35 ـ هو: جون بن حوى مولى أبي ذر الغفاري، كما في الزيارة الرجبية وزيارة الناحية، وكذا في مقاتل الطالبيين، وذكره الخوارزمي والطبري باسم حَوى، وذكره الشيخ المفيد في الإرشاد وابن شهراشوب في المناقب باسم جوين. وكان جون منضمَّاً إلى أهل البيت عليهم السّلام بعد أبي ذر فكان مع الحسن عليه السّلام ثمّ مع الحسين عليه السّلام، وصحبَه في سفره من المدينة إلى مكّة ثمّ إلى العراق، وفي كامل بهائي أنه كان بصيراً بمعالجة آلات الحرب واصلاح السلاح، وقُتل بين يدي الحسين عليه السّلام ووقف عليه وقال: اللهم بيّض وجهه، وطيّب ريحه، واحشره مع الأبرار، وعرّف بينه وبين محمد وآل محمّد. وروي عن الباقر عن عليّ بن الحسين عليهم السّلام أنّ بني أسد الذين حضروا المعركة ليدفنوا القتلى وجدوا جوناً بعد أيّام تفوح منه رائحة المسك. راجع: مقتل الحسين، للخوارزمي 237:1. تاريخ الطبري 318:4. المناقب، لابن شهرآشوب 103:4. كامل بهائي 280:2. إبصار العين 105. أنصار الحسين، لشمس الدين 80 ـ 81. 
36 ـ وفي مقاتل الطالبيين 113: وهو يعالج سهاماً له، وبين يديه جون.. 
37 ـ جاء في حديث أبي طالب عليه السّلام يمدح ابن أخيه رسول الله صلّى الله عليه وآله:
وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه 
ثِمالُ اليتامى عصمةٌ للأراملِ 
الثمال: ككتاب، الغياث والذي يقوم بأمر قومه، يقال: فلانٌ ثِمالُ قومه أي غِياثٌ لهم. مجمع البحرين، للطريحي 332:5. 
38 ـ وفي الارشاد: يا خليفةَ الماضين، وثمالَ الباقين. 
39 ـ القَطَا: ضرب من الحمام ذوات أطواق يُشبه الفاختة والقُماري، وفي المَثل: أهدى من القطا، قيل أنه يطلب الماءَ مسيرة عشرة أيّام وأكثر من فراخها من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فترجع، ولا تُخطئ صادرة ولا واردة. مجمع البحرين للطريحي 347:1. 
40 ـ لو تُرك القطا ليلاً لنام، جاء في قصة هذا المَثل: إنه نزل عمرو بن مامة على قوم مُراد، فطرقوه ليلاً، فأثاروا القطا من أماكنها، فرأتها امرأته طائرة فنبّهت المرأةُ زوجها، فقال: إنما هي القطا، فقالت: لو تُرك القطا ليلاً لنام. يُضرب لمن حُمل على مكروه من غير إرادته. وقيل: أول من قال: لو ترك القطا ليلاً لنام، حذام بنت الريان وذلك لما سار عاطس بن خلاج لقتال أبيها ليلاً فلما كانوا قريباً منه أثاروا القطا، فمرت بأصحاب الريان فخرجت حذام إلى قومها فقالت:
الا يا قومنا ارتحلوا وسيروا 
فلو تُرك القطا ليلاً لناما 
-11 أي أن القطا لو تُرك ما طار هذه الساعة، وقد أتاكم القوم. فلم يلتفتوا إلى قولها، وأخلدوا إلى المضاجع لما نالهم من التعب، فقام دَيسم بن طارق وقال بصوت عال: 
إذا قالت حذامِ فصدّقوها 
فإنَّ القولَ ما قالتْ حذامِ 
انظر: مجمع الامثال، للميداني 82:3. 
41 ـ الملهوف 36. مقتل الحسين، للخوارزمي 238. 
42 ـ تاريخ الطبري 318:4. نهاية الإرب، للنويري 436:20. الكامل في التاريخ، لابن الأثير 58:4 ـ 59. مقتل الحسين، للخوارزمي 237 ـ 238. الإرشاد للمفيد 232. إعلام الورى، للطبرسي 239 ـ 240. بحار الأنوار 1:45 ـ 3. أسرار الشهادة، للدربندي: 224:2. 
43 ـ كمال الدين وإتمام النعمة، للصدوق 501. بحار الأنوار 19:46. 
44 ـ ملحمة أهل البيت عليهم السّلام للفرطوسي 295:3. 
45 ـ زينب الكبرى، للنقدي 53. 
46 ـ هو: نافع بن هلال بن نافع بن جمل بن سعد العشيرة بن مذحج، المذحجي الجملي، وفي زيارة الناحية (البجلي)، وقد جاء في بعض الكتب هلال بن نافع، كان سيداً شريفاً سرياً شجاعاً، وكان قارئاً كاتباً من حملة الحديث، ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام، حضر معه حروبه الثلاثة في العراق، وخرج إلى الحسين عليه السّلام فلقيه في الطريق، وكان ذلك قبل مقتل مسلم، وهو القائل للحسين بعد ما خطب خطبته التي يقول فيها: أما بعد، فقد نزل من الأمر ما قد ترون، وانَّ الدنيا قد تنكّرت... فقام نافع فقال:... وأنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة، فمن نكث عهده، وخلع نيته، فلن يضر إلاّ نفسه واللهُ مغنٍ عنه، فسر بنا راشداً معافى، مُشرّقاً إن شئت وإن شئت مُغرّباً، فوالله ما أشفقت من قدر الله، ولا كرهنا لقاء ربنا، فإنّا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك. ويُعدّ نافع ـ رضوان الله عليه ـ من المشاركين في جلب الماء مع العباس عليه السّلام، وقاتل قتالاً شديداً حتّى اُسر، وقتله شمر بن ذي الجوشن. وفيه يقول السماوي:
-11 فأضحى خضيب الشيب من دم رأسه 
كسيرَ يدٍ ينقاد للأسر عن يدِ 
وما وجدوه واهناً بعد أسره 
-11 ـ 89. أنصار الحسين، لشمس الدين 109. 
47 ـ التلعة: جمعه تلعات وتِلاع وتِلَع، وهي مجرى الماء من أعلى الوادي، وهي أيضاً: ما ارتفع من الأرض وما انهبط منها فهي من الأضداد. المصباح المنير، للفيومي 76. المنجد 63. 
48 ـ العقبات: جمع عقبة، وهي المرقى الصعب من الجبال. المنجد 518. 
49 ـ مفردها: رَابية، وهي المكان المرتفع من الأرض. 
50 ـ كَلَّ السيف: أصبح غير قاطع، وكَلَّ الفرس: إذا تَعِبَ وأعيا. 
51 ـ الأشوس: الشديد. 
52 ـ الأقعس: المنيع. 
53 ـ مقتل الحسين، للمقرّم 218 ـ 219. معالي السبطين 344:1 ـ 346. الدمعة الساكبة 273:4 ـ 274، بتفاوت. 
54 ـ قد جاء في الاحاديث الشريفة أن أصحاب الحسين عليه السّلام معروفون بأسمائهم قبل واقعة الطف، روى ابن شهراشوب قال: عُنّف ابن عباس على تركه الحسين عليه السّلام فقال: إن أصحاب الحسين عليه السّلام لم ينقصوا رجلاً ولم يزيدوا رجلاً، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم: وقال محمد بن الحنفية: وإن أصحابه عليه السّلام عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم. راجع: مناقب آل أبي طالب، لابن شهراشوب 53:4. بحار الأنوار 185:44.
وروى ابن قولويه ـ عليه الرحمة ـ قال: حدثني الحسن عن أبيه عن محمد بن عيسى عن صفوان بن يحيى عن يعقوب بن شعيب عن حسين بن أبي العلاء قال: والذي رفع إليه العرش، لقد حدثني أبوك بأصحاب الحسين عليه السّلام لا ينقصون رجلاً ولا يزيون رجلاً، تعتدي بهم هذه الأُمّة كما اعتدت بنو إسرائيل يوم السبت...، كامل الزيارات، لابن قولويه 73. وعنه بحار الأنوار 87:45.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية