شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

الحسين(عليه السلام) ثمرة النبوة

0 المشاركات 00.0 / 5
أصبح الحسين (عليه السلام) المثل الأعلى للفداء والتضحية و نبراساً للحق، و مناراً للهدى تستضيء به الأُمة الإسلامية من أجل بناء مـجتمع إسلامي متكامل.
فقد جسَّد قول جده الرسول الأكرم مـحمد (صلى الله عليه وآله وسلم): (عليه السلام)حسين مني و أنا من حسين أحبّ الله من أحبّ حسيناً (عليه السلام) (1) ، وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (عليه السلام)حسين منّي(عليه السلام) بدليل آية المباهلة: < فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم... >(2) و أما قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (عليه السلام) و أنا من حسين(عليه السلام)، يريد أنّ بقاء شريعته كان بسبب نهضة ولده الحسين (عليه السلام)، و لولا هذه النهضة المباركة لأعاد الأُمويون المسلمين إلى الجاهلية الأولى، و هذا يظهر واضحاً جلياً من خلال سيرتهم، فهذا يزيدهم الطاغي نراه مـجاهراً بكفره، و مظهراً لشركه بقوله:
لـيـت أشياخي ببدرٍ شـهدوا***جزَعَ الخزرج من وقع الأسلْ
قد قتلنا القوم من ساداتهم***و عـدلـنا مـيْل بـدرٍ فـاعـتدلْ
فـأهــلّوا واسـتهـلّوا فـرحاً***ثم قالوا: يـا يـزيـد لا تـشلْ
لستُ من خندف إن لم أنتقم***من بني أحمد ما كان فعلْ
لعـبـت هـاشـم بـالمـلك فـلا***خبرٌ جـاء ولا وحي نـزل(3)
هذا هو المروق من الدين، وقول من لا يرجع إلى الله و إلى دينه ولا إلى كتابه ولا إلى رسوله، ولا يؤمن بالله ولا بما جاء من عند الله، ثم من أغلظ ما انتهك و أعظم ما اخترم سفكه دم الحسين بن علي و ابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع موقعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و مكانه منه، و منزلته من الدين والفضل، و شهادة رسول الله له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنة نعم، عمل كل ذلك اجتراءً على الله، وكفراً بدينه، و عداوةً لرسوله، و مـجاهدةً لعترته، واستهانةً بحرمته، فكأنّما يقتل به وبأهل بيته قوماً من كفار أهل الترك والديلم، لا يخاف من الله نقمةً، ولا يرقب منه سطوةً، فبتر الله عمره، واجتثَّ أصله و فرعه، وسلبه ما تحت يده، وأعدَّ له من عذابه و عقوبته ما استحقه بمعصيته(4).
ولكن الحسين (عليه السلام) بتلك الدماء الزاكية زلزل عروش الظالمين، و هدَّم طغيانهم، ورست قواعد الدين الحنيف حتى يومنا هذا، وكل ما عندنا من إسلام و مسلمين بفضل تضحية و بطولة الإمام الحسين (عليه السلام)، و أصبح الإسلام مـحمدي الوجود و حسيني البقاء، و هذا ما أكّده و أجمع عليه روَّاد الفكر و حملة العلم في أرجاء المعمورة، حتى قال رئيس جامع الأزهر الشيخ مـحمد عبده: لولا الحسين لما بقي لهذا الدين من أثر. إضافة إلى انعدام الرؤية الواضحة في تمييز الحق، فثورة الحسين هي السبب في بقاء الدين، حيث وقف (عليه السلام) أمام أئمة الفسق والجور والفساد في أرجاء العالم الإسلامي الذين عاثوا في الأرض فساداً، أمثال يزيد بن معاوية المتكبِّر الخميِّر صاحب الديوك والفهود والقرود، و أخذه البيعة له على خيار المسلمين بالقهر والسطوة والوعيد والإخافة والتهديد والرهبة.
فلا يلام الشيعة الإمامية - أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) - بتـعظيمهم الشعائر الحسينية في أيام عاشوراء، كإقامة الـمراسم التـي تذكِّرنا بثورة الحسين (عليه السلام).
و نرى في مقابل ذلك كتب معاوية إلى سائر الأمصار طالباً منهم أن يفدوا عليه ليرى رأيهم في بيعة يزيد، وممن حضر - يزيد بن المقُفّع قام فقال: أمير المؤمنين هذا، وأشار إلى معاوية، فإن هلك فهذا، و أشار إلى يزيد، فمن أبى فهذا، و أشار إلى سيفه، فقال معاوية: اجلس فأنت سيد الخطباء(5).
كتب يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة في صحيفة صغيرة كأنّها أُذن فأرة: أما بعد، فخذ الحسين بن علي وعبد الرحمن بن أبي بكر و عبدالله بن الزبير و عبدالله بن عمر بن الخطاب أخذاً عنيفاً ليست فيه رخصة، فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه، و ابعث إليَّ برأسه(6).
وكتب الحر إلى ابن زياد يعلمه بنزول الحسين (عليه السلام) بأرض كربلاء: فانظر ما ترى في أمره. فكتب عبيد الله بن زياد كتاباً إلى الحسين (عليه السلام) يقول فيه: أما بعد، إنّ يزيد بن معاوية كتب إليَّ أن لا تغمض جفنك من المنام، ولا تشبع بطنك من الطعام أو يرجع الحسين على حكمي، أو تقتله والسلام.
هذا منطق يزيد بن معاوية و عندما أُدخل نساء الحسين والرأس بين يديه جعلت فاطمة و سكينة تتطاولان لتنظرا إلى الرأس، و جعل يزيد يستره عنهما، فلما رأينه صرخن و أعلن بالبكاء، فبكت لبكائهن نساء يزيد و بنات معاوية، فولولن و أعلن، فقالت فاطمة -  وكانت أكبر من سكينة (رضي الله عنهما) - : بنات رسول الله سبايا يا يزيد يسرك هذا؟(7).
هذا و نرى في مقابل تلك الشعائر موجة إلحادية بكل قواها تحاول طمس معالم الدين والعودة إلى الجاهلية الأُولى، و هذا ما حدث بعد رحيل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، و ما صرَّح به أبو سفيان صخر بن حرب في دار عثمان عقيب الوقت الذي بويع فيه عثمان، و دخل داره و معه بنو أُمية فقال أبو سفيان: أفيكم أحد من غيركم؟ وقد كان عَمِيَ، قالوا: لا، قال يا بني أُمية تَلَقَّفُوها تلقُّف الكرة، فو الذي يحلف به أبوسفيان ما زلت أرجوها لكم، ولتصيَرنَّ إلى صبيانكم وراثة... فقام عمار في المسجد فقال: يا معشر قريش، أما إذ صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم هاهنا مرة وهنا مرةً فما أنا بآمِنٍ من أن ينزعه الله منكم فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله، و وضعتموه في غير أهله.
وقام المقداد فقال: ما رأيت مثل ما أودى به(8) أهل هذا البيت بعد نبيهم، فقال له عبد الرحمن بن عوف: و ما أنت وذاك يامقداد بن عمرو؟ فقال: إنّي - والله - لأُحبّهم لحبّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إيّاهم، و إنّ الحق معهم و فيهم، يا عبد الرحمن أعجب من قريش -  و إنّما تطوُّلُّهم على الناس بفضل أهل هذا البيت -  قد اجتمعوا على نزع سلطان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعده من أيديهم، أما ولايم الله يا عبد الرحمن لو أجد على قريش أنصاراً لقاتلتهم كقتالي إيّاهم مع النبي (عليه الصلاة والسلام) يوم بدر(9).
ولما رأى عمر بن الخطاب نزاع القوم على خلافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). قال: هيهات لا يجتمع اثنان في قرن، و الله لا ترضى العرب أن يؤمّروكم ونبيُّها من غيركم، ولكن العرب لا تمتنع أن تولِّي أمرها من كانت النبوة فيهم و ولي أمرهم منهم، ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين، من ذا ينازعنا سلطان مـحمد و إمارته و نحن أولياؤه و عشيرته(10).
و ذكر ابن عساكر في تأريخه: لما دخل أبو سفيان على عثمان بعدما عمى وقال: هل هنا أحد؟ فقالوا: لا. فقال: اللهم اجعل الأمر أمر جاهلية، والملك غاصبيَّة، و اجعل أوتاد الأرض لبني أُميَّة.
وجاء في الاستيعاب عن الحسن: أنَّ أبا سفيان دخل على عثمان حين صارت الخلافة إليه فقال: صارت إليك بعد تيم وعديّ، فأَدرها كالكرة، و أجْعَلْ أَوتادَها بني أُمية، فإنّما هو الملك ولا أَدري ما جَنّة ولا نار(11).
أبو سفيان بن حَرْب و أشياعه من بني أميّة، الملعونين في كتاب الله، ثم المعلومنين على لسان رسول الله في عِدّة مواطن، وعدّة مواضع، لماضي علم الله فيهم وفي أمرهم، و نفاقهم و كفر أحلامهم؛ فحارب مـجاهداً، و دافع مكابداً، و أقام منابذاً، حتى قهره السيف، و علا أمر الله و هم كارهون؛ فتقول بالإسلام غير منطوٍ عليه، و أسرَّ الكفر غير مقلع عنه، فعرفه بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون، و ميّز له المؤلفة قلوبهم، فقبله و ولده على علم منه؛ فمّما لعنهم الله به على لسان نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنزل به كتاباً قوله: <والشَّجَرةُ الملعُونَةَ في القُرآنِ ونُخوِّفُهُم فما يزيُدهُمْ إلاَّ طُغياناً كَبيراً>(12) ولا اختلاف بين أحد أنه أراد بها بني أميّة.
و منه قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد رآه مقبلاً على حمار، و معاويةَ يقودُ به، و يزيد ابنه يسوق به: (لعن الله القائد والراكب والسائق).
و منه ما يرويه الرواة من قوله: يا بني عبد مناف تلقّفوها تلقّف الكرة، فما هناك جنة ولا نار. وها كفر صُراح يلحقه به اللعنة من الله كما لحقت الذين الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود و عيسى بن مريم ذلك بما عَصَوْه وكانوا يعتدون(13).
و منه ما يروون من وقوفه على ثنيّة أحُد بعد ذهاب بصره، وقوله لقائده: ها هنا ذببنا مـحمداً و أصحابه(14).
و من خطبة لعلي (عليه السلام) لما رفع أهل الشام المصاحف على الرماح: (عليه السلام)عبادالله، إنّي أحقّ من أجاب إلى كتاب الله، ولكنَّ معاوية و عمرو بن العاص و ابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة و ابن أبي سرح ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، أنا أعرف بهم منكم، قد صحبتهم أطفالاً، و صحبتهم رجالاً، فكانوا شرّ أطفال و شرّ رجال، إنّها كلمة حق يراد بها الباطل، إنّهم - والله - ما رفعوها ثم لا يرفعونها ولا يعملون بما فيها، و ما رفعوها لكم إلاّ خديعة و وهن و مكيدة، أعيروني سواعدكم و جماجمكم ساعةً واحدة، فقد بلغ الحق مقطعه، ولم يبق إلاّ أن يقطع دابر الذين ظلموا(عليه السلام)(15).
و من كتاب لقيس بن سعد بن عبادة أمير الخزرج إلى معاوية: أما بعد، فإنّما أنت وثني ابن وثني، دخلت في الإسلام كرها، و أقمت فيه فرقاً، و خرجت منه طوعاً، ولم يجعل الله لك فيه نصيباً، لم يقدم إيمانك ولم يحدث نفاقك، ولم تزل حرباً لله ولرسوله و حزباً من أحزاب المشركين، و عدواً لله ولنبيه وللمؤمنين من عباده.
ولو سارت الأُمة الإسلامية في خطى الإمام الحسين (عليه السلام) الذي سار على نهج جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكان خيراً للأُمة الإسلامية في نهضتها و مسيرتها.
لعلَّ البعض يتصوّر أنّ نهضته و ثورته كانت مـجرد فتنة وقعت بين الظالم يزيد بن معاوية المعلن بالفسق والفجور و بين سبط الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
هذا التصور ناشئ من عدم الرؤية التأريخية، فعليه أن يكون جاداً في البحث الدقيق في مـجاري التأريخ و أحداثها التي حدثت في الأُمة الإسلامية بعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
فكل من كانت له بصيرة نافذة يرى الحسين (عليه السلام) ريحانة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وفلذة كبده و سيد شباب أهل الجنة، وقد ترعرع في حجر النبوة والإمامة، و أما يزيد فقد نشأ في أحضان الغواني والفجور والخمور، فلما عُرض على الحسين (عليه السلام) البيعة ليزيد رفض الحسين (عليه السلام) من البداية قائلاً: (عليه السلام) إنّا أهل بيت النبوة و موضع الرسالة و مـختلف الملائكة، و يزيد رجل فاسق فاجر قاتل النفس المحترمة، و مثلي لا يبايع مثله(عليه السلام) هذه الكلمات التي هزَّت عرش يزيد الفجور الذي أباح المدينة ثلاثة أيام بقيادة مسلم بن عقبة المري الذي أخاف المدينة ونهبها، و قَتل أهلها، وبايعه أهلها على أنّهم عبيد ليزيد، و سماها نتنه، وقد سماها رسول الله طَيْبه، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (عليه السلام)مَنْ أخاف أهل المدينة أخافه الله، و عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين(عليه السلام) فسمى مسلم هذا لعنه الله بمجرم و مسرف لما كان من فعله. وكانت وقعة الحرة عظيمة قتل فيها خلق كثير من الناس من بني هاشم وسائر قريش والأنصار، وراح ضحيتها أكثر من أربعة آلاف من سائر الناس ممن أدركه الإحصاء دون من لم يعرف. وافْتُضَّ فيها ألف عذراء، فإنّا لله و إنّا إليه راجعون. ورميه الكعبة بالمجانيق، فتواردت أحجار المجانيق والعرادات(16) على البيت، ورمي مع الأحجار بالنار والنفط ومشاقات الكتان... وانهدمت الكعبة، واحترقت البنية، و وقعت صاعقة فأحرقت من أصحاب المجانيق(17).
وكان سبب خلع أهل المدينة له أنّ يزيد أسرف في المعاصي. و أخرج الواقدي من طرق أنّ عبد الله بن حنظلة بن الغسيل قال: والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء! إنّه رجل ينكح أُمهات الأولاد والبنات والأخوات، و يشرب الخمر، و يَدَعُ الصلاة(18).
و ذكر أبو إسحاق الاسفرايني في كتابه: و أما ما كان من أمر يزيد بن معاوية، فإنه أقام بدمشق خليفة مكان أبيه، وأطاعة جميع العربان... وطغى و تجبّر وعمّ ظلمه سائر الأماكن والبلاد، وصار يقتل الأنفس، و ينهب الأموال، وبسلبها، و ظهر منه الجور والظلم في سائر الأفعال، وقد كان ابن زياد أظلم و أطغى من يزيد، فنزل البصرة بعسكره، و أقام بالكوفة نائباً، يحكم من تحت أمره، و أقام هو بالبصرة بالظلم والجور، و قتل النفس، و نهب الأموال، و قتل جميع الرجال والأبطال، وعم ظلمه سائر العباد(19).
و إقدامه على قتل سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي (عليهما السلام) و ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و إخوته و أولاده و أصحابه وسبي نسائه، فأصبح الحسين من أعظم الثائرين انتصاراً و بطولة و تضحية و مدرسة و شعاراً، و راحت كل الأقلام إسلاميةً و غيرها تشيد بكتاباتها بعظمة الحسين (عليه السلام)، أمثال: (انطون بارا) الكاتب المسيحي في كتابه (الحسين في الفكر المسيحي)، يقول: رؤيا الفكر المسيحي لثورة الحسين. دلالة كافية على إنسانية هذه الثورة، لأنّ هذه الثورة إنسانيةٌ أولاً و آخراً، فالفكر المسيحي يُقدِّس آل البيت (عليهم السلام) كما المسلم. إنّ الفكر المسيحي العربي يستمد تراثه الفكري من تراث عربي إسلامي. كيف أمكن الربط بين ثورة الإمام الحسين و بين فكر أهل الكتاب، إذ لم يسبق هذا الربط أي اهتمام فكري مسيحي بعلم من أعلام الإسلام.
فشخصية الحسين مـحيط واسع من المُثُلِ الأدبية والأخلاق النبوية، و ثورته فضاء واسع من المعطيات الأخلاقية والعقائدية، ولعلَّنا نتمثل أهم سِمَةٍ من سمات العظمة في هذه الشخصية من قول جده الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (عليه السلام)حسين مني و أنا من حسين(عليه السلام) فارتقت إنسانية السبط إلى حيث نبوة الجد (عليه السلام)أنا من حسين (عليه السلام) وهبطت نبوة الجدَّ إلى حيث إنسانية السبط (عليه السلام)حسين مني(عليه السلام).
و إذا كان العالم المسيحيُّ الغربي له مآخذ على الإسلام فإنّما ينظر إلى هذه المآخذ من كُوَى مثالب عهود بني أُميَّة والتشويهات التي استهدفت أُمة الإسلام فيما بعدها، حيث نظر الحكام إلى الدنيا والملك بالشكل الذي صوَّره معاوية بعد احتلاله الكوفة؛ إذ قال: إنّي لم أُقاتلكم لكي تُصلُّوا أو تصوموا... بل قاتلتكم لكي أتأمر عليكم(20).
هذا المظهر الخاجي لجوهر الصراع الذي استشرى بعد ذلك بين أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و بين ذرَّية أبي سفيان، فأهل البيت يرون أنّ الخلافة مركب يقود إلى الآخرة وفق أحكام الله، و بنو أُميَّة يتطلعون إليها باعتبارها مركباً يقود للجاه والسلطان و انقياد الدنيا وفق أهواء النفس و مطالبها. و بين أحكام الله و بين أهواء النفس أحدث الانقسام المربع في جسد أُمّة الإسلام، والتفّ الأبناء حــول الرمـز الأقـرب لما تهيأت له أنفسهم <منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة>(21) فالفكر المسيحي الغربي لا يعي هذا التناقض الصارخ بين الحق المقهور و بين الباطل المنتصر.
كيف صارت الشهادة التي أقدم عليها الحسين (عليه السلام) وآل بيته وصحبه الأطهار رمزاً للحق والعدل، و كيف صار الذبيح بأرض كربلاء نوراً لا ينطفئ لكل متطلع باحث عن الكرامة التي خص بها سبحانه و تعالى، والسيرة العطرة لحياة سيد شباب أهل الجنة، و استشهاده الذي لم يسجل التاريخ شبيهاً له، كانا عنواناً صريحاً لقيمة الثبات على المبدأ.
أحد القساوسة قال: (لو كان الحسين لنا لرفعنا له في كل بلدٍ بيرقاً، ولنصبنا له في كل قرية مِنبراً، ولدعونا الناس إلى المسيحية باسم الحسين)(22).
و نقل لي عندما كنت في لبنان عن بولس سلامه صاحب ملحمة الغدير عن طريق ولده بأنّ والده عندما كان يقرأ واقعة الطف كانت دموعه تسيل على خده مع أنّه مسيحي، و عالم المكتبات مليء بكتب تتحدث عن شخصية الإمام الحسين (عليه السلام) و ثورته التي جاءت لخلاص الإنسان من عبودية الطغاة إلى عبودية الله تعالى.
وشتان بين الشجرتين: شجرة طيِّبة أصلها ثابت و فرعها في السماء، وشجرة خبيثة أُجتثَّت من فوق الأرض مالها من قرار، و ما أبعد ما بين الشجرتين: شجرة مباركة زيتونة، والشجرة الملعونة في القرآن: <و ما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن>(23) بتأويل من النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بلا اختلاف بين اثنين في أنّهم -  بنو أميَّة -  هم المراد من الشجرة الملعونة كما ورد ذلك في كتب الحديث والتاريخ(24).
و عن سعيد بن المسيب قال: رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بني أُميَّة على المنابر فساءه ذلك، فأوحى الله إليه إنما هي دنيـا أعطوهـا فقـرت عينـه، وهـي قـولـه: < وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس >(25) يعني بلاء للناس(26).
و من الرؤيا التي رآها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فوجم لها، فما رُئي ضاحكاً بعدها، فأنزل الله: <و ما جعلنا الرؤيا التي أرْيناك إلا فتنة للناس>.
فذكروا أنه رأى نفراً من بني أميّة ينزون على منبره(27).
________________________________________
1- سنن الترمذي: ج 5 ص 658 ح 3775.
2- سورة آل عمران: الآية 61.
3- ينابيع المودة: ص 379؛ تاريخ الطبري: ج 5 ص 623.
4- تاريخ الطبري: ج 11 ص 358.
5- العقد الفريد: ج 4 ص 338.
6- كتاب الفتوح: ج 5 ص 10.
7- الفصول المهمة: ص 188، ص 192؛ نور الأبصار: ص 231.
8- أودى به: ذهب به.
9- مروج الذهب: ج 2 ص 360.
10- تاريخ الطبري: ج 2 ص 457.
11- الاستيعاب في معرفة الأصحاب: ج 4 ص 1679.
12- سورة الإسراء: الآية 60.
13- سورة المائدة: الآية 78.
14- تاريخ الطبري: ج 5 ص 621؛ تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 232.
15- تاريخ الطبري: ج 5 ص 49.
16- العرادات: جمع عرادة، وهي آلة من آلات الحرب، وهي منجنيق صغير، والمنجنيق: سلاح قديم يعتمد على رمي الحجارة.
17- مروج الذهب: ج 3 ص 81؛ تاريخ الخلفاء: ص 209.
18- تاريخ الخلفاء: ص 209.
19- نور العين في مشهد الحسين: ص 10.
20- روى أبو الحسن المدائني: أنّه قد خرج على معاوية قوم من الخوارج بعد دخوله الكوفة و صلح الحسن (عليه السلام)، فخطب معاوية أهل الكوفة فقال: يا أهل الكوفة، أتروْني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحجّ وقد علمت أنّكم تصلُّون وتزكّون وتحجّون، ولكنّني قاتلتكم لأتأمر عليكم و على رقابِكم... وكل شرط شرطته - أي للحسن (عليه السلام) - فتحت قدميَّ هاتين. شرح نهج البلاغة: ج16 ص14، ترجمة الحسن بن علي (عليه السلام).
21- سورة آل عمران: الآية 152.
22- الحسين في الفكر المسيحي: ص 24.
23- سورة الإسراء: الآية 60.
24- التسهيل لعلوم التنزيل: ج 2 ص 174؛ الكشاف: ج 2 ص 455؛ الدر المنثور: ج 5 ص 309 ــ ص 310؛ تفسير البيضاوي: ج 1 ص 575؛ مسند الإمام أحمد بن حنبل: ج 2 ص 522؛ مـجمع الزوائد: ج 5 ص 240؛ الخلفاء الراشدون: ص 209 ــ 210.
25- سورة الإسراء: الآية 60.
26- تاريخ مدينة دمشق: ج 57 ص 266 ح 11989؛ شواهد التنزيل: ج 2 ص 457.
27- تاريخ الطبري: ج 5 ص 621.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية