شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

وسقاه جده بالكأس الأوفى (علي الأكبر عليه السلام)

0 المشاركات 00.0 / 5

مشى علي الأكبر الى الميدان . كانت المعركة ابداً غير متكافئة .كان عدد المقاتلين في جبهة النفاق ثلاثين ألفاً على أقل الروايات .
ولكن علياً كان بطلاً ليس في قوته الجسدية الفائقه وتمرسه بفنون القتال فقط . ولكن ايضاً في عزمه وتوكله وبحثه عن الشهادة القاهرة . كان يريد الموت في سبيل الله ولكن يسبقه أخذ الثار من عدوه . موت المقتدر الظافر . وليس موت الذليل المقهور .
ولم تكن المعركة بعيدة عن موقع القيادة حيث يقف الامام الحسين ( عليه السلام ) مع الثلة الباقية من أهل بيته يراقبها عن كثب .
وضع سيفه فيهم . فأرواه بدماءهم . واعاد الى المعركة صورة هجمات جـده الامام علي ( عليه السلام ) .
حتى الهم الشعراء معركته فقال بعضهم :

• ومــــا ادري اعــزي أم اهنــئ علي فــي الطفوف أقـام حربــاً وكان في قتاله يرتجز ويقول : من عصبــة جـد ابيهــم النبـــي اطعنـكــم بالرمح حتــى ينثنــي ضـرب غـلام هاشمــي علـوي
• عـلــي المرتضى بابــن الشهيــد حربـك يا علــي علــى اليهــود انا علي بن الحسيــن بـن علـي والله لايحكم فينـا ابن الدعــي ضـرب غـلام هاشمــي علـوي ضـرب غـلام هاشمــي علـوي
وقتل منهم مقتلة عظيمة قيل أنه قتل على عطشه مائة وعشرين رجلاً . (5)
فمن بعد ان جنـدل كل من برز إليه من ابطـال الكوفة كأمثال بكر بن وائل عاد من المعركة ؛ لا لكي يطالب أباه وإمامه بالجائزة ، فعلي يعرف ان جائزته الجنة والرضوان . ولكن لعله ليستريح ، وليتقوى على الأعداء ، وربما ايضاً ليثبت هيمنته على ارض المعركة فهو يقتحمها متى شاء . ويعود منها أنى اراد .. وهدف آخر كأن علياً كان يسعى اليه هو القاء نظرة أخيرة الى والده . ان حب علي الأكبر لوالده كان عميقاً نابعاً من حبه لربه فهذا الحسين إمامه وحجة الله عليه . وقائده الى ربه وولي أمره الإلهي . وقف أمامه وقال بكل احترام :
يا أبه العطش قد قتلني وثقل الحديد قد اجهدني فهل الى شربة مـاء من سبيل اتقوى بها على الأعـداء ؟
فبكى الحسين وقال يا بني يعز على محمد وعلى علي بن أبي طالب وعليَّ أن تدعوهم فلا يجيبوك ، وتستغيث بهم فلا يغيثوك يا بني هات لسانك ، فأخـذ بلسانه فمصه ودفع اليـه خاتمـه وقال : " امسكه في فيك وارجع الى قتال عدوك ، فإني أرجو انك لاتمس حتى يسقيك جـدك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً .(6)
اولياء الله يتسابقون الى الدرجات العلى عنده . وهكذا يبشر الامام ( عليه السلام ) ولده بالكأس الأوفى عند جده والذي يشربه قبل المساء ؛ أي انه بالشهادة . ومن ثم بالفوز بالشراب الذي فيه الارواء الخالد .
وهكذا استمد البطل من قائده العزيمة وعاد الى المعركة بقلب صلب ، وروح طافحة باليقين ، وهنا أخذ يرتجـز قائــلاً :

• الحرب قد بانت لها الحقــائــق واللـه رب العــــرش لا نفــارق جمـوعكـم او تغمـد البـــوارق
• وظـهـرت من بعدهـا مصــادق جمـوعكـم او تغمـد البـــوارق جمـوعكـم او تغمـد البـــوارق
فلم يزل يقاتل حتى قتل تمام المائتين . (7)
كـان علي الأكبر عازماً على الشهادة ، ولذلك فـإن قتاله كان قتال البطل المستميت ، والشجاعة الفائقة . وهكذا استطاع عدوه ( منقذ بن مرة العبدي ، او مرة بن منقذ على اختلاف الرواة ) إستطـاع ان يغتاله ويسدد ضربة على رأسه صرعتــه ..
وبمجرد ان رأى اعداءه الموتورون ان البطل قد صـرع احتوشوه وانهالوا عليه ضرباً بالسيوف . فاعتنق علي فرسه ، ومن عادة الأفـراس العربية ان تفهم اشارة الاعتنـاق . وتعيد بالفرسان عندها الى موطن آمن ولكن الجيش المعادي كان قد احاط بعليّ الأكبر ، وتدفق الدماء من رأسه على عيني الجواد منعه من الاهتداء الى معسكر الحسين ، فحمله الى عسكر الأعداء الذين دعاهم الحقد واللئامة الى ان ينهالوا عليه بسيوفهم ويقطعوه إرباً إرباً . (8)
فـي هـذه الفترة العصيبة ، لم يطلب علي النجدة من أبيـه . وتحمّل كل تلك الطعنات بصبر ويقين . ولكن عندما بلغت روحه التراقي قال رافعاً صوته :
يا أبتاه هذا جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً وهو يقول : العجل العجل !! فـإن لك كأساً مذخورة حتى تشربها الساعـة . (9)
تلك كانت الكلمات الأخيرة التي نطق بها علي الأكبـر (عليه السلام) . وكانت تعبيراً صادقاً عن ايمانه وعرفانه ، ودرجات يقينه . وكانت زينب الكبرى ( عليها السلام ) تراقب المعركة عن كثب فلما سقط علي الأكبر وسمعت صوته خرجت تنادي يا حبيباه ، يا ثمرة فؤاداه ، يا نور عيناه ، فاقبلت حتى وصلت الى جثمان الشهيد فانكبت عليه فجاء الحسين ( عليه السلام ) فأخذ بيدها فردها الى الفسطاط .(10)
واقبل الامام الحسين الى فتيان بني هاشم وقال : احملـوا أخاكـم فحملـوه مـن مصـرعـه فجـاءوا بـه حتـى
وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه . (11)
ويظهـر من ذلك ان علي الأكبر كان أول شهيد من بني هاشـم . كما جاء في حديث مأثور عن الإمام الباقـر ( عليه السلام ) . (12)

_____________________

(6) المصدر / ص 43 .
(7) المصدر / ص 43 - 44 .
(8) المصدر / ص 44 .
(9) المصدر وتاريخ ابن الأثير / ج 3 / ص 293 .
(10) المصدر/ ص 44 .
(11) المصدر .
(12) المصدر / ص 45 .

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية