شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

المجلس الخامس

1 المشاركات 05.0 / 5

المجلس الخامس

ليلة الثلاثاء 27/ رجب / 1345 هجرية

أقبل الحافظ وسائر العلماء من أول الليل مع جماعة كبيرة من أتباعهم ، وبعد تناول الشاي والحلوى ، بدأ الحافظ قائلا :

لقد فكرت كثيرا في حديثكم وكلامكم حول حديث المنزلة ، وراجعت كتبنا فرأيته كما ذكرتم أنه من الأحاديث الصحيحة المتواترة بإجماع علمائنا وأهل الحديث الموثقين عندنا ..

ولكنه لا يدل على خلافة سيدنا علي كرم الله وجهه بعد وفاة النبي (ص) مباشرة من غير فاصل كما تقولون ، بل صدر حديث المنزلة عند خروج النبي (ص) من المدينة إلى غزوة تبوك وخلّف عليا في المدينة .

فهو يدل على خلافة سيدنا علي رضي الله عنه لرسول الله (ص) في ذلك المورد فحسب ، وذلك في حياة النبي (ص) ، فلا يتعدى إلى موارد أخرى ، وخاصة بعد وفاة رسول الله (ص) !

قلت : لو كان أحد الحاضرين من غير العلماء يطرح هذا الإشكال ما كنت أتعجب ، ولكن هذا البيان من رجل فاضل يعلم قواعد اللغة العربية .. مثلكم غريب !

لأن الاستثناء الذي جاء في آخر حديث المنزلة يفيد العموم، وهو:" إلا أنه لا نبي بعدي" .

ثم هناك أصل مقبول عند أشهر علماء اللغة العربية وهو : إن اسم الجنس إذ ذكر في الكلام وكان مضافا إلى اسم علم فهو يفيد العموم وكلمة "المنزلة" التي أضيفت إلى اسم "هارون" يفهم منها معناها العام .

وجملة " لا نبي بعدي " يؤول على المصدر ، أي : " لا نبوة بعدي " وهو أيضا على القاعدة المشهورة بين اللغويين العرب .

الحافظ : إذا ننظر إلى جملة : "لا نبي بعدي" بنظر الدقة ، لوجدناها جملة إخبارية ، فلا يمكن استثناؤها من منازل هارون ومراتبه ، ثم ما الداعي لنصرف ظاهر الكلمة على المصدر ؟!

قلت : إنك تعرف الحق وتحرفه جدلا ! لأن كلامي غير شاذ ، بل هو على القواعد المسلمة عند علماء اللغويين والأصوليين ، وهناك كثير من علمائكم قالوا به وصرحوا بما فهمناه من حديث المنزلة .

وعندنا دليل أقوى من كل ذلك ، وهو أن النبي (ص) صرح أيضا بهذا المعنى كما في بعض الروايات الصحيحة المعتبرة عند علمائكم ، منهم :

1ـ محمد بن يوسف الكنجي الشافعي ، في كتابه " كفاية الطالب في مناقب مولانا علي بن أبي طالب " الباب السبعين .

2ـ الشيخ سليمان الحنفي القندوزي ، في كتابه " ينابيع المودة " بسنده عن عامر بن سعد ، عن أبيه .

ومن طريق آخر بسنده عن مصعب بن سعد ، عن أبيه ، عن النبي (ص) قال لعلي عليه السلام : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي ؟!

قال القندوزي في الباب السادس من كتابه : هذا حديث متفق على صحته ، ورواه الأئمة الحفاظ كأبي عبدالله البخاري ومسلم بن الحجاج في صحيحيهما .

3ـ ابن كثير ، في تاريخه ، عن عائشة بنت سعد عن أبيها عن النبي (ص) .

4ـ سبط ابن الجوزي ، في " تذكرة الخواص " : 12 ، نقلا عن مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم .

5ـ الإمام أحمد ، في المناقب .

6ـ أحمد بن شعيب النسائي ، في كتابه " خصائص علي بن أبي طالب" بسنده عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله (ص) .

7ـ الخطيب الخوارزمي ، في المناقب ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري .

هؤلاء وغيرهم رووا عن رسول الله (ص) قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة ؟!

8ـ المير سيد علي الهمداني ، في كتابه " مودة القربى" ـ المودة السادسة ، عن أنس بن مالك ـ وقد نقلت لكم الحديث في الليلة الماضية ـ يقول في آخره : ولو كان بعدي نبيا لكان علي نبيا ولكن لا نبوة بعدي .

فثبت بحديث المنزلة ، أن موسى بن عمران (ع) كما خلف أخاه هارون (ع) مكانه حينما ذهب لميقات ربه سبحانه ، وفوض أمر النبوة إليه ، لأنه كان أفضل أمته وأحفظهم للدين ، فجعله يقوم مقامه ، كي لا يضيع شرعه وتذهب أتعابه سدى كذلك خاتم النبيين (ص) ، وشريعته المقدسة أفضل الشرائع السماوية ، ودينه المبين أكمل الأديان الإلهية .

فمن الأولى أن لا يترك أمته من غير خليفة ، ولا بد له أن يعين من يقوم مقامه في أمر النبوة ، كي لا تختلف أمته في أحكام الدين ، ولا يضيع شرعه المقدس بين الجاهلين والمغرضين ، فيتحكمون فيه ويفتون بالرأي والقياس ، وما استحسنته عقولهم المتحجرة ، فيذهبون إلى الدروشة والتصوف .. وما إلى ذلك .

حتى انقسمت الأمة الإسلامية الواحدة التي قال تعالى في وصفها : ( وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون )(1) . فتفرقت إلى ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة ناجية والباقون في النار ، لأنهم ضالون ومضلون .

فأعلن النبي (ص) أن عليا منه بمنزلة هارون من موسى ، وبقي على المسلمين أن يفهموا من الحديث الشريف ، بأن جميع منازل هارون تكون لعلي عليه السلام ، ومنها تفضيله على الآخرين ، وخلافته للنبي (ص) في حياته وبعدها .

الحافظ : كل ما بينتموه حول حديث المنزلة نقبله ، إلا هذا الموضوع الأخير . فإن كل منازل ومراتب هارون تكون لعلي كرم الله وجهه في حياة النبي (ص) ، وأما بعد حياته فلا !

لأنه (ص) عين عليا خليفته في المدينة حينما أراد الخروج لغزوة تبوك ـ وهي قضية في واقعة ـ فلما رجع (ص) من الغزو تسلم الأمر من علي كرم الله وجهه ، وانتهى التعيين لأنه كان خاصا بذلك الزمان .

فلا نفهم من حديث المنزلة خلافة سيدنا علي رضي الله لسيدنا محمد المصطفى (ص) ما بعد وفاته (ص) ، وهذا الأمر يحتاج إلى دليل آخر .

قلت : لم ينحصر صدور حديث المنزلة في غزوة تبوك فقط ، بل نجد في الأخبار المعتبرة والروايات الصحيحة أن النبي (ص) أعلن حديث المنزلة في مناسبات أخر .

منها : حينما آخى بين أصحابه في مكة وأخرى في المدينة واتخذ عليا عليه السلام أخا لنفسه ، فقال (ص) له : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي .

الحافظ : هذا خبر غريب ! لأني كل ما سمعت وقرأت عن حديث المنزلة ، أنه صدر من النبي (ص) حين ذهابه إلى تبوك ، وذلك لما خلّف عليا رضي الله عنه في المدينة ، فحزن علي لعدم مشاركته في الحرب والجهاد ، فقال له رسول الله (ص) : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ...؟ إلى آخره .

لذلك فإني أظن أن سماحة السيد قد وهم في كلامه ، واشتبه الأمر عليه .

قلت : إني لست متوهما ، بل على يقين من كلامي ، وهو قول جميع علماء الشيعة وكثير من علمائكم أيضا ، منهم :

1ـ المسعودي ، في مروج الذهب 2/ 49 .

2ـ السيرة الحلبية 2/ 26 و120 .

3ـ الإمام النسائي ، في خصائص علي بن أبي طالب :19 .

4ـ سبط ابن الجوزي ، في التذكرة : 13 و14 .

5ـ الشيخ سليمان الحنفي القندوزي ، في " ينابيع المودة " الباب التاسع والسابع عشر ، نقلا عن مسند أحمد ، وعن زوائد المسند لعبدالله بن أحمد ، وعن مناقب الخوارزمي .

كل هؤلاء ذكروا حديث المنزلة ضمن خبر المؤاخاة ، والمستفاد من الأخبار والروايات ، أن النبي (ص) كرر حديث المنزلة في حضور أصحابه وفي مناسبات كثيرة منها : عند المؤاخاة ، وعند استخلافه (ص) عليا على المدينة حين خروجه (ص) منها إلى تبوك وغيرها .

فكان النبي (ص) كان يريد إعلان خلافة أخيه وابن عمه الإمام علي عليه السلام في كل وقت ومكان ، لا في زمان ومكان معين .

الحافظ : كيف تفهمون من حديث المنزلة هذا الموضوع المهم ، ولم يفهمه الصحابة الكرام ما فهمتموه ؟!

أم تقولون إنهم فهموا من حديث المنزلة ما فهمتموه ومع ذلك خالفوا نبيهم وبايعوا غير سيدنا علي رضي الله عنه ؟!

قلت : في جواب سؤالك الثاني ، الذي هو قولنا ، عندي قضايا مشابهة كثيرة ، ولكن أكتفي بنقل قضية واحدة وهي قضية هارون الذي نحن في ذكره والكلام يدور حوله .

وعلي عليه السلام في الإسلام يشبه هارون في بني إسرائيل ، والقضية كما ذكرها المفسرون عند تفسير قوله تعالى : ( وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين )(2).

قال المفسرون : إن موسى بن عمران لما أراد أن يذهب إلى ميقات ربه تعالى ، جمع بني إسرائيل ـ والحاضرون على بعض الروايات سبعون ألف نفر ، فأكد عليهم أن يطيعوا أمر هارون ولا يخالفوه في شيء ، فإنه خليفته فيهم .

ثم لما ذهب إلى الميقات وطال مكثه ، انقلب بنو إسرائيل على هارون فخالفوه وأطاعوا السامري ، وسجدوا للعجل الذي صنعه السامري من حليهم وذهبهم !

ولما منعهم هارون ونهاهم من ذلك ودعاهم لعبادة الله سبحانه تألبوا عليه وكادوا يقتلونه ، كما حكى الله تعالى عن قول هارون : ( إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني )(3).

بالله عليكم ، أيها الحاضرون ، أنصفوا !! هل إن اجتماع أمة موسى حول السامري و عجلهم ، وتركهم هارون خليفة موسى بن عمران ، المؤيد من عند الله ، والمنصوص عليه بالخلافة ، دليل على أحقية السامري وبطلان خلافة هارون ؟!

هل إن عمل بني إسرائيل صحيح عند الله سبحانه وتعالى ؟!

هل لعاقل أن يقول : إن بني إسرائيل إذا كانوا يسمعون من لسان نبيهم نصا في خلافة هارون ما كانوا يتركوه ، ويجتمعون حول السامري وعجله ؟!

وهل إن اجتماعهم حول السامري وعجله ، دليل على أنهم ما سمعوا نصا من موسى بن عمران في خلافة أخيه هارون ؟!

كلنا يعلم أن هذا كلام تافه وواه .، لأن القرآن الكريم يصرح بأن موسى (ع) نصب هارون في مقامه ، وعينه خليفته في قومه ، ثم ذهب إلى ميقات ربه ، ولكن بني إسرائيل مع ذلك ضلوا عن الحق ، بإغواء السامري وتدليس إبليس لعنه الله .

فهم مع علمهم بخلافة هارون ووجوب إطاعتهم أمره، خالفوه وكادوا يقتلونه ، بل أطاعوا السامري وسجدوا لعجله وعبدوه !!

كذلك بعد وفاة النبي (ص) ، إن أولئك الذين سمعوا من فم رسول الله (ص) كرارا ومرارا، بالصراحة والكناية ، يقول : إن علي بن أبي طالب خليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا ، فكما أن أمة موسى تركوا هارون ، كذلك أمة محمد (ص) تركوا عليا ، وتبعوا أهواءهم .

بعضهم للرئاسة والدنيا كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام : حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها (4).

وبعضهم للحقد الذي كان مكنونا في صدورهم ، لأن عليا عليه السلام قتل أبطالهم وجندل ذؤبانهم ، وضربهم بسيفه حتى استسلموا وقالوا : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، بألسنتهم ولما يدخل الإيمان في قلوبهم ، فكانوا يتحينون الفرصة لإظهار بغضهم الدفين ، فلما أتيحت لهم الفرصة بوفاة رسول الله (ص) انقلبوا على أعقابهم ، وفعلوا ما فعلوا ظلما وعناد .

وبعضهم للحسد والكبرياء ، لأنهم كانوا أسن من الإمام علي (ع) ، وهو يوم ذاك لم يبلغ الأربعين من العمر ، فثقل عليهم أن يخضعوا له ويطيعوا أمره !

لهذه الأسباب ونحوها تركوا خليفة نبيهم وخذلوه وكادوا يقتلوه ، كما كاد بنو إسرائيل أن يقتلوا هارون !!

لذلك روى ابن قتيبة وهو من كبار علمائكم ، في كتابه الإمامة والسياسة صفحة 13 ـ 14 / ط مطبعة الأمة بمصر تحت عنوان : " كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه " .

قال : وإن أبا بكر (رض) تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه ، فبعث إليهم عمر ، فجاء وناداهم وهم في دار علي ، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقها على من فيها !

فقيل له : يا أبا حفص ، إن فيها فاطمة !

فقال : وإن !!

فخرجوا وبايعوا إلا عليا ... فأخرجوا عليا ، فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع .

فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟!

قالوا : إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك !!

قال : إذا تقتلون عبدالله وأخا رسوله .

قال : عمر أما عبدالله فنعم ، وأما أخو رسوله فلا !

وأبو بكر ساكت لا يتكلم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك ؟!!

فقال : لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه .

فلحق علي بقبر رسول الله (ص) يصيح ويبكي وينادي : ( يابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني )(5).

ونقل أكثر المؤرخين الموثقين عندكم أن الإمام عليا (ع) تلا هذه الآية عند قبر رسول الله (ص) في تلك الحالة العصيبة ، وهي حكاية قول هارون عند أخيه موسى بن عمران حينما رجع من ميقات ربه ، فشكى إليه قومه بني إسرائيل ، وكيف استضعفوه وصاروا ضده .

وإني أعتقد أن رسول الله (ص) كان يعلم بأنه سيجري من قومه على وصيه وخليفته من بعده ، ما جرى على هارون من أمة موسى في غيبته ، ولذلك شبه عليا (ع) بهارون .

والإمام علي (ع) لإثبات هذا المعنى خاطب النبي (ص) عند قبره فقال له ما قال هارون لأخيه موسى ، قوله تعالى : (إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني )(6).

فلما وصل حديثنا إلى هذه النقطة ، سكت الحافظ وبهت الحاضرون ، وبدا ينظر بعضهم إلى بعض ، في حالة من التفكر والتعجب .

فرفع النواب رأسه وقال : إذا كانت الخلافة حق الإمام علي (ع) بعد النبي (ص) مباشرة من غير تأخر وذلك بأمر الله تعالى كما تقولون ، فلماذا لم يصرح به رسول الله (ص) أمام أصحابه والذين آمنوا به ؟!

فلو كان النبي (ص) يقول بالصراحة : يا قوم ! إن علي بن أبي طالب خليفتي فيكم وهو بعدي أميركم والحاكم عليكم ، فلم يكن حينئذ عذر للأمة في تركه ومبايعة غيره ومتابعة الآخرين !

قلت :

أولا : المشهورين بين أهل اللغة والأدب بأن : " الكناية أبلغ من التصريح " فتوجد في الكناية نكات دقيقة ولطائف رقيقة لا توجد في التصريح أبدا .

مثلا ... المعاني الجمة التي تستخرج من كلمة " المنزلة " فيما نحن فيه من البحث حول حديث المنزلة ، تكون أعم وأشمل من كلمة " الخليفة " لأن الخلافة تكون جزءا وفرعا لمنزلة هارون من موسى .

ثانيا : توجد تصريحات من النبي (ص) في خلافة الإمام علي (ع) .

النواب : هل يمكن أن تبينوا لنا تلك التصريحات وأعتذر أنا من هذا السؤال ، لأن علماؤنا يقولون لنا : لا يوجد حديث صريح من رسول الله (ص) في خلافة علي كرم الله وجهه ، وإنما الشيعة يؤولون بعض الأحاديث النبوية الشريفة في خلافة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه !

قلت : إن الذين قالوا لكم هذا الكلام ، إما هم جهال في زي أهل العلم ، أو علماء

يتجاهلون ! لأن الأحاديث الصريحة في خلافة الإمام علي (ع) وتعيينه دون غيره كثيرة ، وقد ذكرها علماؤكم الأعلام في الكتب المعتبرة ، وأنا الآن أبين لكم بعض ما يحضرني ، حسب ما يسمح به الوقت

 

يوم الإنذار:

أول مناسبة صرح فيها رسول الله (ص) بخلافة الإمام علي في أوان رسالته والإسلام بعد لم ينتشر ، بل كان لا يزال في مهده ولم يخرج من مكة المكرمة ، لما نزلت الآية الكريمة : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ... )(7).

روى الإمام أحمد ، في مسنده 1/111 و 159 و333 .

والثعلبي في تفسيره عند آية الإنذار .

والعلامة الكنجي الشافعي ، في " كفاية الطالب " أفرد لها الباب الحادي و الخمسين .

والخطيب موفق بن أحمد الخوارزمي ، في المناقب .

ومحمد بن جرير الطبري ، في تفسيره عند آية الإنذار ، وفي تاريخه 2/217 بطرق كثيرة.

وابن أبي الحديد ، في شرح " نهج البلاغة " .

وابن الأثير ، في تاريخه ، الكامل 2/22 .

والحافظ أبو نعيم ، في " حلية الأولياء " .

والحميدي ، في " الجمع بين الصحيحين " .

والبيهقي ، في " السنن والدلائل " .

وأبو الفداء ، في تاريخه 1/116 .

والحلبي ، في السيرة 1/381 .

والإمام النسائي ، في الخصائص ، حديث رقم 65 .

والحاكم في المستدرك 3/132 .

والشيخ سليمان الحنفي ، في الينابيع ، أفرد لها الباب الحادي والثلاثين .

وغيرهم من كبار علمائكم ومحدثيكم ومفسريكم ، رووا ـ مع اختلاف يسير في العبارات ـ :

إنه لما نزلت الآية الشريفة : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) جمع رسول الله (ص) بني عبد المطلب ، وكانوا أربعين رجلا ، منهم من يأكل الجذعة(8) ويشرب العس(9) .، فصنع لهم مدا من طعام ، فأكلوا حتى شبعوا ، وبقي كما هو !

ثم دعا بعس ، فشربوا حتى رووا ، وبقي كأنه لم يُشرب !

ثم خاطبهم رسول الله (ص) قائلا :

يا بني عبد المطلب ! إن الله بعثني للخلق كافة وإليكم خاصة ، وقد رأيتم ما رأيتم ، وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان وثقيلتين في الميزان ، تملكون بها العرب والعجم ، وتنقاد لكم الأمم ، وتدخلون بهما الجنة ، وتنجون بهما من النار ، وهما شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله .

فمن منكم يجبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به يكن أخي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي ؟

وفي بعض الأخبار : يكون أخي وصاحبي في الجنة . وفي بعض الأخبار : يكون خليفتي في أهلي .

فلم يجبه أحد إلا علي بن أبي طالب ، وهو أصغر القوم .

فقال له النبي (ص) : اجلس ، وكرر النبي (ص) مقالته ثلاث مرات ولم يجبه أحد ، إلا علي بن أبي طالب (ع) .

وفي المرة الثالثة ، أخذ بيده وقال للقوم : إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا .

هذا الخبر الهام الذي اتفق على صحته علماء الفريقين من الشيعة والسنة .

 

تصريحات أخرى في خلافة علي (ع):

وهناك تصريحات أخرى من رسول الله (ص) في شأن خلافة الإمام علي (ع) ، ذكرها علماؤكم ومحدثوكم الموثقون لديكم في كتبهم المعتبرة ، منهم :

1ـ الإمام أحمد في " المسند " والمير السيد علي الهمداني الشافعي في كتابه " مودة القربى " في آخر المودة الرابعة ، عن النبي (ص) قال : يا علي ! أنت تبرئ ذمتي ، وأنت خليفتي على أمتي .

2ـ الإمام أحمد في " المسند " بطرق شتى ، وابن المغازلي الشافعي في المناقب ، والثعلبي في تفسيره ، عن النبي (ص) أنه قال لعلي (ع) : أنت أخي ، ووصيي ، وخليفتي ، وقاضي ديني .

3ـ العلامة الراغب الأصبهاني ، في كتابه محاضرات الأدباء 2/213 ط . المطبعة الشرفية سنة 1326 هجرية ، عن أنس بن مالك ، عن النبي (ص) أنه قال : إن خليلي ووزيري وخليفتي وخير من أترك بعدي ، يقضي ديني ، وينجز موعدي ، علي بن أبي طالب .

4ـ المير السيد علي الهمداني الشافعي في كتابه " مودة القربى " في أوائل المودة السادسة ، روى عن عمر بن الخطاب ، قال : إن رسول الله (ص) لما آخى بين أصحابه قال (ص) : هذا علي أخي في الدنيا والآخرة ، وخليفتي في أهلي ، ووصيي في أمتي ، ووارث علمي ، وقاضي ديني ، ماله مني مالي منه ، نفعه نفعي ، وضره ضري ، من أحبه فقد أحبني ، ومن أبغضه فقد أبغضني .

وفي رواية أخرى ـ في المودة السادسة ـ قال (ص) مشيرا لعلي (ع) : وهو خليفتي ووزيري .

5ـ العلامة محمد بن يوسف الكنجي الشافعي ، في كتابه " كفاية الطالب " في الباب الرابع والأربعين ، روى بسنده عن ابن عباس ، قال :

ستكون فتنة ، فمن أدركها منكم فعليه بخصلة من كتاب الله تعالى وعلي بن أبي طالب (ع) .

فإني سمعت رسول الله (ص) وهو يقول : هذا أول من آمن بي ، وأول من يصافحني ، وهو فاروق هذه الأمة ، يفرق بين الحق والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظلمة ، وهو الصديق الأكبر ، وهو بابي الذي أوتي منه ، وهو خليفتي من بعدي .

قال العلامة الكنجي : هكذا أخرجه محدث الشام في فضائل علي (ع) ، في الجزء التاسع والأربعين بعد الثلاثمائة من كتابه بطرق شتى .

6ـ أخرج البيهقي والخطيب الخوارزمي وابن المغازلي الشافعي في " المناقب " :

عن النبي (ص) أنه قال (ص) لعلي (ع) : إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي ، وأنت أولى بالمؤمنين من بعدي .

7ـ الإمام النسائي ، وهو أحد أئمة الحديث وصاحب أحد الصحاح الستة عندكم ، أخرج في كتابه ( الخصائص ) في ضمن الحديث 23 :

عن ابن عباس ، أن النبي (ص) قال لعلي : أنت خليفتي في كل مؤمن من بعدي .

فالنبي (ص) يؤكد في هذا الحديث أن عليا (ع) خليفته من بعده ، أي مباشرة وبلا فصل ، فلا اعتبار لإدعاء أي مدع خلافة النبي (ص) من الذين نازعوا عليا (ع) وغصبوا منصبه ومقامه(10) لوجود حرف : " من " في الحديث ، فهي إما أن تكون بيانية أو ابتدائية ، وعلى التقديرين يتعين علي (ع) بعد النبي (ص) بأنه خليفته بلا فصل .

8ـ المير السيد علي الهمداني : أخرج في كتابه " مودة القربى " في الحديث الثاني من المودة السادسة ، بسنده عن أنس ، رفعه عن النبي (ص) قال : إن الله اصطفاني على الأنبياء فاختارني واختار لي وصيا ، واخترت ابن عمي وصيي ، يشد عضدي كما يشد عضد موسى بأخيه هارون ، وهو خليفتي ، ووزيري ، ولو كان بعدي نبيا لكان علي نبيا ، ولكن لا نبوة بعدي .

9ـ أخرج الطبري في كتابه " الولاية " خطبة الغدير ، عن النبي (ص) يقول فيها : قد أمرني جبرئيل عن ربي أن أقوم في هذا المشهد ، واعلم كل أبيض وأسود : أن علي بن أبي طالب أخي ، ووصيي ، و خليفتي ، والإمام بعدي .

ثم قال : معاشر الناس ! فإن الله قد نصبه لكم وليا وإماما وفرض طاعته على كل أحد ، ماض حكمه ، جائز قوله ، ملعون من خالفه ، مرحوم من صدقه .

10ـ أخرج أبو المؤيد بن أحمد الخوارزمي في كتابه " فضائل أمير المؤمنين (ع) " الفضل 19 ، بإسناده عن النبي (ص) أنه قال : لما وصلت في المعراج إلى سدرة المنتهى ، خاطبني الجليل قائلا : يا محمد ! أي خلقي وجدته أطوع لك ؟

فقلت : يا رب ، علي أطوع خلقك إلي .

قال عز وجل : صدقت يا محمد .

ثم قال : فهل اتخذت لنفسك خليفة يؤدي عنك ، ويعلم عبادي من كتابي ما لا يعلمون .

قال (ص) : قلت : يا رب اختر لي ، فإن خيرتك خيرتي .

قال : اخترت لك عليا (ع) ، فاتخذه لنفسك خليفة ووصية ، ونحلته علمي وحلمي ، وهو أمير المؤمنين حقا ، لم ينلها أحد قبله ، وليست لأحد بعده (11).

اعلموا أن الأخبار في هذا المضمار، كثيرة في كتبكم المعتبرة ، وقد نقلت لكم بعض ما أحفظ منها ، كي يعلم الحافظ بأننا لا نرو إلا ما رواه علماؤكم الأعلام ، ولا نقول إلا الحق ، ولا نعتقد إلا بالحقيقة والواقع .

والجدير بالذكر أن بعض علمائكم المنصفين اعترفوا بخلافة علي بن أبي طالب عليه السلام كما نعتقد نحن ، منهم : إبراهيم بن سيار بن هانئ البصري ، المعروف بالنظّام(12) ، فإنه يقول : نص النبي (ص) على أن الإمام هو علي وعيّّنه ، وعَرَفت الصحابة ذلك ، ولكن كتمه عمر لأجل أبي بكر رضي الله عنهما .

ونحن لما لم ندرك عصر النبي (ص) ولم نحظ بصحبته ، يجب أن نراجع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة عند الفريقين في تعرف الأفضل والأعلم والأرجح عند الله ورسوله والأحب إليهما فهو أولى من غيره في خلافة النبي (ص) .

ولا يخفى على أي عالم منصف غير معاند : أن الأخبار الصريحة في خلافة علي عليه السلام وإمامته ، وفي وصايته وولايته ، وكذلك في أفضليته وأعلميته وأرجحيته من سائر الصحابة ، والمسلمين ، كثيرة جدا .

وهي مروية عن طرقكم وبأسانيدكم المعتبرة ، ومنقولة في كتبكم وتصانيف علمائكم الأعلام ، وهي كثيرة وكثيرة بحيث لم يرد معشارها في حق أي واحد من الصحابة الكرام .

وإن أكثر تلك الفضائل العلوية والمناقب الحيدرية تعد من خصائص الإمام علي عليه السلام ، ولم يشاركه فيها أحد ، ولم يشابهه فيها أحد من الصحابة الأوفياء ، ولكنه شاركهم في جميع فضائلهم ومناقبهم .

وقد ذكرنا لكم بعض الأخبار المروية عن طرقكم والمسجلة في مسانيدكم ومصادركم في حق الإمام علي عليه السلام ، ضمن حديثنا وحوارنا في الليالي السالفة والمجالس السابقة .

وإليكم نموذجا من حديث النبي (ص) نقله علماؤكم الأعلام ، يصرح نبي الإسلام فيها أن فضائل ومناقب الإمام علي عليه السلام كثيرة جدا بحيث لا تعد ولا تحصى .

أخرج الموفق ابن أحمد الخوارزمي في المناقب :18 ، والعلامة محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كتابه " كفاية الطالب " الباب الثاني والستين ، في تخصيص علي عليه السلام بمائة منقبة دون سائر الصحابة ، جاء في الباب ، ص 123 ، بسنده عن ابن عباس ، قال :

قال رسول الله (ص) : لو أن الغياض أقلام ، والبحر مداد ، والجن حساب ، والإنس كتاب ، ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب .

وأخرج السيد علي الهمداني بسنده عن عمر بن الخطاب ، رفعه ، قال : قال رسول الله (ص) : لو أن البحر مداد ، والرياض أقلام ، والإنس كتاب ، والجن حساب ، ما أحصوا فضائلك يا أبا الحسن .

وأخرجه ابن الصباغ المالكي في " الفصول المهمة " بسنده عن ابن عباس ، وأخرجه سبط ابن الجوزي في " التذكرة " (13) لذلك نحن نعتقد أن عليا عليه السلام أحق من غيره بالخلافة.

الشيخ عبد السلام : نحن لا ننكر فضائل ومناقب مولانا علي كرم الله وجهه ، ولكن انحصار الفضائل فيه غير معقول ، لأن الخلفاء الراشدين ـ رضي الله عنهم ـ أكرم أصحاب رسول الله (ص) وهم في الرتبة والفضل متساوون .

ولكنكم تنحازون إلى جانب سيدنا علي رضي الله عنه ، وتنقلون كل الفضائل باسمه دون غيره ، ولا تذكرون فضائل الصحابة الآخرين !

وهذا العمل يحرف أفكار الحاضرين عن الواقع فيلتبس الأمر عليهم ، وهذا هو التعصب !

فلكي ينكشف الحق للحاضرين ، ولا يلتبس الأمر عليهم ، أريد أن أذكر شيئا من فضائل ومناقب الخلفاء الراشدين .

قلت : نحن نتبع العقل والعلم ، ونقبل الدليل والبرهان ، نحن لا نحصر الفضائل في الإمام علي عليه السلام ، وإنما نمحّضه في الفضائل ، ونجله عن الرذائل ، وذلك لنزول آية التطهير في شأنه .

وأما الانحياز إلى جانبه فليس منا فحسب ، بل الله ورسوله انحازا إليه ، كما نجد الآيات القرآنية في حقه والأحاديث النبوية الصريحة في فضله .

وأما نسبة التعصب إلينا فهو بهتان وافتراء ، فإن التعصب معناه الالتزام بشيء مع الإصرار من غير دليل .

وأنا أشهد الله سبحانه بأني ما التزمت بشيء من أمور ديني ، وما تمسكت بولاية الإمام علي عليه السلام والأئمة الهادين من ولده ، إلا بدليل القرآن والسنة والعقل السليم .

لذا أرجو من الحاضرين أن ينبهوني إذا تكلمت بشيء بغير دليل ، أو تحدثت على خلاف

المنطق والعقل ، فأكون لهم شاكرا .

وأما حديثكم في مناقب الراشدين فيكون مقبولا بشرط أن تروون الأخبار الصحيحة عند الفريقين ، فنتبرك بها ، لأننا لا ننكر مناقب وفضائل الصحابة الطيبين ، ولا شك أن لكل واحد من الأصحاب المؤمنين له فضائل ومناقب ، ولكن الغرض من هذا المجلس والحوار ، البحث عن أفضلهم وأحسنهم وأكثرهم منقبة عند الفرقين : الشيعة والسنة .

فإن كلامنا يدور حول الأفضل لا الفاضل ، لأن الفضلاء كثيرون ، والأفضل واحد منهم بحكم العقل والنقل ، وهو أحق أن يتبع ويطاع .

الشيخ عبد السلام : إنكم تغالطون في الموضوع ، لأن كتبكم لا تحتوي على أي خبر أو حديث في فضل الخلفاء الراشدين غير سيدنا علي كرم الله وجهه ، فكيف أنقل لهذا الجمع أخبارا مقبولة لديكم ؟!

قلت : هذا الإشكال يرد عليكم ، لأنه في أول ليلة حينما أردنا أن نبدأ بالبحث ، قال الحافظ محمد رشيد سلمه الله : إن الاحتجاج والاستدلال يجب أن يكون بالآيات القرآنية والأخبار المروية المقبولة عند الفريقين ، وأنا قبلت الشرط ، لأنه مقتضى العقل ، وعلمت به في أثناء الحوار والحديث في المجالس السابقة .

والحاضرون يشهدون ، وأنتم تعلمون بأني كل ما احتججت به عليكم واستدللت به على صحة كلامي ، إنما كان من القرآن الحكيم وأحاديث النبي الكريم (ص) المعتبرة والمقبولة عندكم .

وأنا إلى آخر حواري معكم ، وحتى الوصول إلى النتيجة القطعية لا أنقض الشرط ، بل أعمل على وفقه إن شاء الله تعالى .

ومع ذلك كله فإني أتساهل معكم ، وأتنازل لكم ، وأقبل منكم الروايات المنقولة في كتبكم دون كتبنا ، شريطة أن لا تكون موضوعة أو مجعولة ، وأن لا يأباها العقل السليم ، فنستمع إليها مع الحاضرين ، ثم نقضي فيها بالعدل والإنصاف ، لنرى هل الأخبار التي تقرأها وترويها لنا ، هل تفضل وترجح أحدا على سيدنا ومولانا علي بن أبي طالب في العلم والجهاد والرتبة والمنزلة عند الله سبحانه وعند رسوله (ص) ؟!

الشيخ عبد السلام : إنكم نقلتم أحاديث وأخبارا صحيحة وصريحة في خلافة سيدنا علي كرم الله وجهه ، ولكنكم غافلون أن عندنا أخبارا كثيرة في خلافة سيدنا أبي بكر (رض) .

قلت : مع أن كبار علمائكم أمثال : الذهبي والسيوطي وابن أبي الحديد وغيرهم أعلنوا بأن الأمويين والبكريين وضعوا أحاديث كثيرة مجعولة في فضائل أبي بكر ، مع ذلك نحن نستمع إليك رجاء أن لا تكون رواياتك وأخبارك من تلك الموضوعات والمجعولات .

 

نقل حديث في فضل أبي بكر وردّه:

الشيخ عبد السلام : لقد ورد في حديث معتبر عن عمر بن إبراهيم بن خالد ، عن عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، عن جده العباس ، أن رسول الله (ص) قال : يا عم ! إن الله جعل أبي بكر خليفتي على دين الله ، فاسمعوا له وأطيعوا تفلحوا .

قلت : هذا حديث مردود ، ليس قابلا للبحث والنقاش .

الشيخ عبد السلام : كيف يكون مردودا وهو مروي عن العباس عم النبي ؟!

قلت : إنه حديث مردود عند علمائكم أيضا ، فإن كبار علمائكم نسبوا بعض رواة هذا الحديث مثل : عمر بن إبراهيم إلى الكذب وجعل الأحاديث ، فلذا فإن رواياته ساقطة عن الاعتبار .

قال الذهبي في كتابه " ميزان الاعتدال" في ترجمة إبراهيم بن خالد ، وقال الخطيب البغدادي في " تاريخه " في ترجمة عمر بن إبراهيم : إنه كذاب ، ساقطة عن الاعتبار .

الشيخ عبد السلام : ما تقول في هذا الحديث الذي رواه الصحابي الثقة أبو هريرة : إن جبرئيل نزل على النبي (ص) وقال : إن الله تعالى يبلغك السلام ويقول : إني راض عن أبي بكر ، فاسأله هل هو راض عني ؟!!

قلت : يجب أن ندقق في نقل الأخبار والأحاديث ، حتى لا نواجه مخالفة العقلاء . وليكن الحديث الذي نقله ابن حجر في " الإصابة " وابن عبد البر في " الاستيعاب " نصب أعينكم ، وهو :

عن أبي هريرة عن النبي (ص) قال : كثرت علي الكذابة ، ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ، وكلما حدثتم بحديث مني فاعرضوه على كتاب الله .

وليكن نصب أعينكم الحديث الذي رواه الفخر الرازي في تفسيره ج3 ، آخر الصفحة 371 ، عن النبي (ص) قال : إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى ، فإن وافقه فاقبلوه ، وإلا فردوه .

فإذا كان في حيلة النبي (ص) أناس يكذبون عليه ويجعلون الأحاديث عن لسانه الشريف ، فكيف بعد موته ؟!

ومن جملة المزورين الجاعلين للحديث عن لسان النبي (ص) : أبو هريرة ، الذي رويت عنه خلافة أبي بكر !

الشيخ عبد السلام : لا نتوقع منك أن ترد صحابيا جليلا مثل أبي هريرة وتطعن فيه ! وأنت عالم فاهم .

قلت : لا ترعبني بكلمة " الصحابي " لأن الصحابي أيا كان إذا راعى حق صحبته للنبي بأن كان سامعا لقوله ، مطيعا لأمره فهو محترم مكرم ، وصحبته تكون له شرفا وفخرا .

ولكن إذا كان يخالف أوامر رسول الله (ص) ، ويعمل حسب رأيه وهواه ، ويكذب على النبي (ص) فهو ملعون ملعون ، وليست حصيلة صحبته إلا الخزي والعار في الدنيا ، وهو في الآخرة من أصحاب النار .

أما كان المنافقون حول رسول الله (ص) كما يصرح القرآن الكريم ؟ وكانوا يعدون في الظاهر من أصحابه ، لأن الصحابي هو الذي أدرك النبي (ص) وسمع حديثه ، والمنافقون كذلك ، ولكنهم ملعونون ومعذبون في النار .

إذا لا ترعبني يا شيخ بكلمة " الصحابي " لأن أبا هريرة هو من جملة أولئك المنافقين الملعونين ، ولذا فإن رواياته مردودة غير معتبرة عند أهل الحديث المحققين .

الشيخ عبد السلام :

أولا : إن كان أبو هريرة مردودا عند جماعة من العلماء ، فهو مقبول عند آخرين .

ثانيا : لا دليل على أن المردود عند بعض العلماء يكون ملعونا ، ويكون من أهل النار ، لأن الملعون هو الذي لعن في القرآن الحكيم أو على لسان النبي الكريم (ص) .

 

دليل لعن أبي هريرة

قلت : أدلة العلماء الذين ردوا روايات أبي هريرة ورفضوها كثيرة وغير قابلة للتأويل .

منها : إنه كان موافقا لمعاوية ، وهو رأس المنافقين وزعيمهم ، الملعون على لسان النبي المأمون (ص) .

وقد كان أبو هريرة ، كما نقل العلامة الزمخشري في " ربيع الأبرار " وابن أبي الحديد في " شرح نهج البلاغة " وغيرهما ، أنه كان في أيام صفين يصلي خلف الإمام علي عليه السلام ويجلس على مائدة معاوية فيأكل معه ، ولما سئل عن ذلك ؟ أجاب : مضيرة معاوية أدسم ، والصلاة خلف علي أفضل ( أتمّ) ولذا اشتهر بشيخ المضيرة .

ومنها : إنه روي ، كما في كتب كبار علمائكم مثل : شيخ الإسلام الحمويني في " فرائد السمطين " باب 37 ، والخوارزمي في " المناقب " والطبراني في " الأوسط " والكنجي الشافعي في " كفاية الطالب " والإمام أحمد في " المسند " والشيخ سليمان القندوزي في " ينابيع المودة " وأبو يعلى في " المسند " والمتقي الهندي في " كنز العمال " وسعيد ابن منصور في " السنن " والخطيب البغدادي في " تاريخه " والحافظ ابن مردويه في " المناقب " والسمعاني في " فضائل الصحابة " والفخر الرازي في " تفسيره " والراغب الأصفهاني في " محاضرات الأدباء " وغيرهم ، رووا عن النبي (ص) أنه قال : علي مع الحق ، والحق مع علي ، يدور الحق حيثما دار علي عليه السلام .

وقال (ص) : علي مع القرآن ، والقرآن مع علي ، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض .

وأبو هريرة يترك الحق والقرآن بتركه عليا عليه السلام ، ويحارب الحق والقرآن بانضمامه إلى معاوية بن أبي سفيان ، ومع ذلك تقولون : هو صحابي جليل وغير مردود وغير ملعون !

ومنها : أنه روي في كتب علمائكم ، مثل الحاكم النيسابوري في المستدرك 3/124 ، والإمام أحمد في " المسند " والطبراني في " الأوسط " ، وابن المغازلي في " المناقب " والكنجي الشافعي في " كفاية الطالب " الباب العاشر ، وشيخ الإسلام الحمويني في " الفرائد " ، والمتقي الهندي في " كنز العمال " 6/153 ، وابن حجر في الصواعق : 74 و75 .

عن النبي (ص) قال : علي مني ، وأنا من علي ، من سبه فقد سبني ، ومن سبني فقد سبّ الله .

مع ذلك كله يذهب أبو هريرة إلى معاوية ويجالسه ، حتى يصبح من ندماء معاوية الذي كان في السر والعلن ، وعلى المنابر ، وعلى رؤوس الأشهاد ، وفي قنوت الصلوات ، وخطب الجمعات ، يسبّ ويلعن الإمام عليا والحسن والحسين عليهم السلام .

وكان يأمر ولاته الفسقة الفجرة أن يقتدوا به ويفعلوا مثل فعله !

وأبو هريرة يركن إليه ويجامله ويجالسه ويؤاكله ، ولا ينهاه عن كفره ومنكراته ، بل يجعل الأحاديث عن لسان النبي (ص) في تأييده وتصحيح أفعاله المنكرة ، ويغوي الناس العوام ، ويبعدهم من الإمام ، ويحرفهم عن الإسلام ، ومع هذا كله لا يسقط عندكم عن درجة الاعتبار ؟!!

الشيخ عبد السلام : هل من المعقول أن نقبل هذه التهم والمفتريات على صحابي طاهر القلب ؟! إنما هي من موضوعات الشيعة !!

قلت : نعم ، ليس بمعقول أن صحابيا طاهر القلب يقوم بهذه المنكرات ، لأن العامل بها كائنا من كان ، فإنه آثم قلبه .

وكل من يكذب على النبي الأكرم (ص) ويسب الله ورسوله فإنه كافر ومخلد في جهنم وإن كان من صحابة الرسول (ص) !

وبنص الأخبار الكثيرة الواردة في كتبنا وفي كتب كبار علمائكم الأعلام أن النبي (ص) قال : من سبّ عليا فقد سبّني وسب ّالله سبحانه .

وأما قولكم : إن هذا الكلام من موضوعات الشيعة ، فهو اشتباه محض ، لأنكم تقيسون القضايا على أنفسكم ، وأن كثيرا منكم لا يتورعون من الكذب وكيل الاتهامات على شيعة آل محمد (ص) من أجل الوصول إلى غاياتهم الدنيوية ، فيغوون بكلامهم الباطل العوام الجاهلين ، ولا يخشون يوم الدين ومحاسبة رب العالمين .

عبد السلام : إنما أنتم الشيعة كذلك ! فأنت أحد علمائهم ، وفي مجلسنا هذا لا تتورع عن سبّ الصحابة الكرام ، والافتراءات عليهم ، فكيف تتورع من الافتراء على علمائنا الأعلام ؟!

قلت : ولكن التاريخ يشهد على خلاف ما تدعيه ، فإن أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم منذ قبض رسول الله (ص) مضطهدون ومشردون ومحاربون !

إذ أن حكومة بني أمية حين أسست قررت محاربة آل محمد (ص) وعترته الطاهرة ، وأعلنوا على المنابر سبّ علي بن أبي طالب ولعنه ، وهو أبو العترة وسيدهم ، بل أمعنوا في السب واللعن حتى سبّوا الحسن والحسين وهما سبطا رسول الله و ريحانتاه وسيدا شباب أهل الجنة .

وقاموا بمطاردة الشيعة حتى إذا ظفروا بهم سجنوهم وعذبوهم ، وكم قتلوا منهم صبرا تحت التعذيب !!

والمؤسف أن بعض علمائكم كانوا يساندون أولئك الظلمة ويفتون بمشروعية تلك الأعمال الجنائية والإجرامية !!

وبعضهم يحوكون الأكاذيب والأباطيل بأقلامهم المأجورة فينسبونها على الشيعة على أنها من معتقداتهم ! وبناء عليها يحكمون على الشيعة المؤمنين بالكفر والشرك والرفض والغلو ، وما إلى ذلك من التهم والأباطيل ، فيزرعون في قلوب أتباعهم ، العوام الغافلين ، بذور عداوة الشيعة المؤمنين .

عبد السلام : إن علماءنا الأعلام كتبوا عن واقعكم ولم ينسبوا إليكم ما ليس فيكم ، وإنما كشفوا عن أعمالكم الفاسدة وعقائدكم الباطلة ، فاتركوها حتى تسلموا من أقلام علمائنا الكرام .

 

مفتريات ابن عبد ربه

قلت : ما كنت أحب أن أخوض هذا البحث وأسوق الحديث في هذا الميدان ، ولكنك اضطررتني إلى ذلك ، فأبين الآن لمحة للحاضرين حتى يعرفوا كيف ينسب علماؤكم إلينا ما ليس فينا !!

فأقول : أحد كبار علمائكم ، المشهور بالأدب واللغة ، هو شهاب الدين أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي المالكي ، المتوفي سنة328 هجرية ، ففي كتابه العقد الفريد 269/1: يعبر عن الشيعة الموحدين المؤمنين ، بأنهم يهود هذه الأمة ، ثم إنه كما يتهجم على اليهود والنصارى ويبدي عداءه لهم ، يتهجّم على شيعة آل محمد (ص) ويظهر لهم البغض والعداء .

ومن جملة مفترياته وأباطيله على الشيعة ، يقول :

الشيعة لا يعتقدون بالطلاق الثلاث ، كاليهود ...

الشيعة لا يلتزمون بعدة الطلاق !

والحال أن أكثر الحاضرين من أهل السنة في المجلس يعاشرون الشيعة ويتزاورون معهم يشهدون بخلاف هذا العالم المعاند الضالّ المضلّ .

وأنتم إن كان عندكم أدنى اطلاع على فقه الشيعة فستعرفون بطلان كلام ابن عبد ربه ، وإن لم يكن عندكم اطلاع فخذوا أي كتاب شئتم من فقه الشيعة واقرءوها حتى تعرفوا أحكامنا حول مسألة الطلاق الثلاث وعدة الطلاق .

ثم إن عمل الشيعة في كل مكان بمسائل الطلاق والتزامهم بالعدة ، أكبر دليل على بطلان كلام ابن عبد ربه .

ويقول هذا المفتري أيضا : إن الشيعة كاليهود ، يعادون جبرئيل ، لأن في اعتقادهم أنه أنزل الوحي على محمد بدل أن ينزله على علي بن أبي طالب !

" الشيعة الحاضرون كلهم ضحكوا من هذا الكلام "

فتوجهت إلى العامة الحاضرين وقلت لهم : انظروا هؤلاء الشيعة كلهم ضحكوا من هذا الكلام السخيف وسخروا منه ، فكيف يعتقدون به ؟!

فلو كان ابن عبد ربه يطالع كتب الشيعة ويحقق في معتقداتهم ما كان يتكلم بهذا الكلام المهين ، وما كان اليوم يظهر جهله للحاضرين ، أو يحكم عليه بأنه من المغرضين ، وفي قلبه داء دفين ، يريد أن يفرق بين المسلمين !!

أما نحن الشيعة فنعتقد أن محمدا المصطفى هو خاتم الأنبياء ، بل نصدق الحديث النبوي الشريف : " كنت نبيا وآدم بين الماء والطين " فهو نبي مبعوث من عند رب العالمين ، اختاره ، واصطفاه ، واجتباه ، وأرسله للناس أجمعين ، ونعتقد بأن جبرئيل هو أمين وحي الله ، وهو معصوم ومصون عن الخطأ والسهو والاشتباه .

ونعتقد أن الإمام علي (ع) منصوب بأمر الله تعالى في مقام الولاية والإمامة ، فهو خليفة النبي (ص) بلا فصل ، نصبه رسول الله (ص) بأمر الله عز وجل يوم الغدير .

ويقول ابن عبد ربه الضال المضل : ومن وجوه الشبه بين الشيعة واليهود ، أنهم لا يعملون بسنة النبي (ص) ، فهم عندما يتلاقون لا يسلّمون ، بل يقولون : السام عليكم !

" ضحك الشيعة الحاضرون ، ضحكا عاليا "

فوجهت كلامي إلى العامة ، وقلت : وإن معاشرتكم مع الشيعة في هذا البلد وتحيتهم معكم وفيما بينهم ، بتحية الإسلام : " السلام عليكم " ينفي مزاعم هذا الإنسان وأباطيله .

ويستمر ابن عبد ربه في أكاذيبه ومفترياته على شيعة آل محمد (ص) فيقول : إن الشيعة كاليهود ، يحلون قتل المسلمين ونهب أموالهم !!

أقول : إنكم تعيشون مع الشيعة في بلد واحد وتشاهدون معاملتهم الحسنة معكم ومع غيركم .

فنحن الشيعة لا نحل دماء وأموال أهل الكتاب ( غير المحاربين ) فكيف نحل دماء وأموال إخواننا المسلمين من أهل السنة والجماعة ؟!

وإن حق الناس عندنا من أهم الحقوق ، وقتل النفس من أعظم الذنوب وأكبر حوب !

هذه بعض مزاعم وأباطيل أحد علمائكم ضد الشيعة .

والوقت لا يسمح لأكشف لكم أكثر مما ذكرت من كلماته الواهية السخيفة .

 

مفتريات ابن حزم

وأبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي ، المتوفى سنة 456 هجرية ، هو أشهر علمائكم المعروف بحقده وعدائه للشيعة ، فلقد تحامل على شيعة أهل البيت (ص) وافترى عليهم في كتابه " الفصل في الملل والنحل " الجزء الأول ، فيقول : إن الشيعة ليسوا بمسلمين ، وإنما اتخذوا مذهبهم من اليهود والنصارى !

وقال في الجزء الرابع من الكتاب نفسه ، صفحة 182 : الشيعة يجوزون نكاح تسعة نساء !

ويظهر كذب الرجل وافتراءه علينا إذا راجعتم كتبنا الفقهية ، فقد أجمع فقهاؤنا الكرام في كتبهم : أن نكاح تسعة نساء في زمان واحد هو من خصائص رسول الله (ص) ، ولا يجوز لأحد من رجال أمته ، بل يجوز لهم نكاح أربعة نساء في زمن واحد بالنكاح الدائم ، بدليل الآية الكريمة : ( فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع )(14).

فإذا طالعتم مجلدات كتاب " الفصل في الملل والنحل " وتقرءون سبابه وشتمه وكلامه البذيء للشيعة المؤمنين لعرق جبينكم خجلا ، لانتسابه إليكم ، وأنه يعد من علمائكم !!

 

مفتريات ابن تيميّة

وأحد علمائكم الذي اشتهر بشدة عدائه للشيعة الأبرار الأخيار ، هو أحمد بن عبد الحليم الحنبلي ، المعروف بابن تيمية ، المتوفى سنة 728 هجرية وهو حاقد لا على الشيعة فحسب ، بل يكمن في صدره بغض الإمام علي (ع) والعترة الطاهرة .

ولو يطالع أحدكم مجلدات كتابه المسمى بـ : " منهاج السنة " لوجدتم كيف يحاول الرجل أن يخدش في كل فضيلة ومنقبة ثابتة للإمام علي بن أبي طالب وأبنائه الطيبين والعترة الطاهرين !

فكأنه آلى على نفسه أن لا يدع فضيلة واحدة من تلك الفضائل والمناقب ـ التي لا تعد ولا تحصى لأهل البيت (ع) ـ إلا يردها ويرفضها أو يشكك فيها ! حتى التي أجمعت الأمة على صحتها ورواها أصحاب الصحاح .

ولو أردت أن أذكر لكم كل أكاذيبه وأباطيله لضاع الوقت ، ولكن أذكركم لكم نبذة من كلامه السخيف وبيانه العنيف ! لكي يعرف جناب الشيخ عبد السلام ، أن الافتراء والكذب من خصائص وخصال بعض علمائهم لا علماء الشيعة !!

والعجب أن ابن تيمية بعد ذكر أباطيله وأكاذيبه وافترائه على الشيعة المؤمنين ، يقول في الجزء الأول من " المنهاج " صفحة 15 : لم تكن أية طائفة من طوائف أهل القبلة مثل الشيعة في الكذب ، فلذا أصحاب الصحاح لم يقبلوا رواياتهم ولم ينقلوها !

وفي الجزء العاشر ، صفحة 23 يقول : أصول الدين عند الشيعة أربعة : " التوحيد والعدل والنبوة والإمامة " ولم يذكر المعاد ، مع العلم أن كتبنا الكلامية التي تبين عقائد الشيعة منشرة في كل مكان وفي متناول كل إنسان .

وكما أشرنا في بعض مجالسنا السالفة : فإن الشيعة تعتقد أن أصول الدين ثلاثة : التوحيد والنبوة والمعاد ، وبحث عن عدل الباري سبحانه ضمن التوحيد ، وتجعل الإمامة جزء النبوة .

وفي الجزء الأول ، صفحة 131 ، من " منهاج السنة " يقول : إن الشيعة لا تعتني بالمساجد ، فمساجدهم خالية من المصلين ، غير عامرة بصلاة الجمعة والجماعة ، وبعض الأحيان يحضر بعضهم في المسجد فيصلي فرادى !!

وجهت خطابي حينئذ إلى الشيخ عبد السلام وقلت : أيها الشيخ ! أسألك وأسأل الحاضرين ، أما تنظرون بأعينكم إلى مساجد الشيعة في بلادكم وهي عامرة أوقات الصلوات بكثرة المصلين وإقامة الجماعة بالمؤمنين ؟!

وهذه إيران ، وهي عاصمة الشيعة ، نجد في كل مدينة منها ، بل في كل قرية منها مساجد عديدة ، مبنية بأحسن شكل وأجمل بناء وهندسة ، وفي أكثرها ، أو كلها ، تقام الصلوات في أوقاتها جماعة .

( عرضت لهم تصاوير عن صلوات الجماعة لعلماء الشيعة ) .

وأنتم العلماء ! راجعوا كتبنا الفقهية سواء المفصلة أو المجملة ، كالرسائل العملية لمراجع ديننا المعاصرين ، تجدون فيها فصولا ومسائل كثيرة في ثواب الصلاة في المسجد وصلاة الجماعة ، فإن ثوابها أضعاف الصلاة في البيت أو الصلاة فرادى .

ويستمر ابن تيمية في افترائه على شيعة أهل البيت (ع) في نفس الصفحة فيقول : الشيعة لا يحجون بيت الله الحرام كسائر المسلمين ، وإنما حجهم يكون زيارة القبور ، وثواب زيارة القبور عندهم أعظم من ثواب حج بيت الله الحرام ، بل هم يلعنون كل من لا يذهب إلى زيارة القبور !!

" ضحك الشيعة من هذا الكلام ضحكا عاليا "

والحال أنكم إذا راجعتم موسوعاتنا الفقهية ، وكتبنا العبادية ، لرأيتم مجلدات عديدة باسم : كتاب الحج ، وهي تحتوي على آلاف المسائل عن كيفية أداء الحج وأحكامه ومسائله الفرعية .

وكل فقيه يقلده الناس في الأحكام الشرعية لابد أن ينشر كتابا باسم " مناسك الحج " حتى يعمل مقلدوه وتابعوه وفق ذلك .

ورأى جميع فقهائنا الكرام وعلمائنا الأعلام : أن تارك الحج ـ المستطيع الذي يترك الحج عنادا ـ كافر ، يجب الاجتناب منه والابتعاد عنه ، عملا بالآية الكريمة : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين )(15).

والتزاما بالحديث الشريف : " يقال لتارك الحج : مت إن شئت يهوديا أو نصرانيا " .

فهل بعد هذا كله ، يترك الشيعة حج بيت الله ؟!

ثم بإمكانكم أن تذهبوا عند قبور أئمة أهل البيت (ع) وهي أفضل المزارات عند الشيعة ، واسألوا الزائرين وحتى السوقيين منهم والقرويين : أن أداء الحج ، أين يكون وكيف يكون ؟؟ تسمعون الجواب منهم : إنه يكون في مكة المكرمة ... إلى آخره .

ثم نجد هذا الرجل المفتري الكذاب ، وهو : ابن تيمية ، يتهم أحد مفاخر العلم والدين ، وأحد كبار علماء المسلمين ، وهو الشيخ الجليل ، والحبر النبيل ، العلامة محمد بن محمد النعمان ، المعروف بالشيخ المفيد ( قدس سره ) ، فيقول : إن له كتابا باسم : " مناسك حج المشاهد " بينما لم يكن لفضيلة الشيخ المفيد هكذا كتاب وإنما له كتاب باسم : " منسك الزيارات " وهو في متناول الأيدي ، ويحتوي على التحيات والعبارات الواردة قراءتها عند مشاهد ومراقد أئمة أهل البيت (ع) .

ولو راجعتم كتب الشيعة التي ألفت في الزيارات والمزارات تجدون فيها تأكيد المؤلفين على أن زيارة المشرفة والمراقد المتبركة ، مندوبة وليست واجبة .

وإن أكبر دليل قاطع ، وبرهان ساطع ، على كذب ابن تيمية وافترائه علينا ، أنكم تشاهدون في كل عام عشرات الآلاف من الشيعة يحجون ويقصدون بيت الله الحرام في الموسم ، ويحضرون في الموقف بعرفات والمشعر الحرام مع إخوانهم المسلمين من سائر المذاهب .

وقد ورد في كتب الأدعية عندنا أهل البيت (ع) ، في أدعية شهر رمضان المبارك ، أن يقرأ في الليل والنهار وفي الأسحار : اللهم ارزقني حج بيتك الحرام في عامي هذا وفي كل عام ، ولا تخلني من تلك المواقف الكريمة ، والمشاهد الشريفة ، و زيارة قبر نبيك والأئمة (ع) .

ويقول الحاقد المعاند ، في الجزء الثاني من كتابه " منهاج السنة " : الشيعة ينتظرون إمامهم الغائب ، ولذلك في كثير من البلاد كمدينة سامراء ، يذهبون إلى سرداب هناك ويهيئون فرسا أو بغلا أو غيره ، ويصيحون وينادون باسم إمامهم ويقولون : نحن مسلحون ومهيئون لنكون معك ونقاتل بين يديك ، فاظهر واخرج !!

ثم يقول : وفي أواخر شهر رمضان المبارك يتوجهون نحو المشرق وينادون باسم إمامهم حتى يخرج ويظهر .

ويستمر في خزعبلاته قائلا : ومن بينهم من يترك الصلاة ، حتى لا تشغلهم الصلاة عن إدراك خدمة الإمام (ع) لو ظهر .

( ضحك الحاضرون كلهم )

فهذه الأراجيف والكلام السخيف من ابن تيمية الجلف العنيف ، ليس بعجيب ، لكني أتعجب من بعض علماء مصر وسوريا ، الذين كنا نعتقد أنهم أهل علم وتحقيق لا أهل وهم وتحميق !! كيف قلدوا ابن تيمية وكرروا خزعبلاته الهزلية وكلماته الهستيرية .

مثل : عبد الله القصيمي في كتابه " الصراع بين الإسلام والوثنية " .

ومحمد بن ثابت المصري في كتابه " جولة في ربوع الشرق الأدنى " .

وموسى جار الله في كتابه " الوشيعة في نقد علماء الشيعة "

وأحمد أمين المصري في كتابيه : " فجر الإسلام " و " ضحى الإسلام " .

وغير هؤلاء من دعاة التفرقة والطائفية وأصحاب الجاهلية العصبية .

وهناك بعض الجاهلين منكم اشتهروا بالعلم والتحقيق ، وانتشرت كتبهم ، وأصبحت عندكم من المصادر المعتمدة حتى أخذتم كل ما جاء فيها حول الشيعة وجعلتموها من المسلمات الحتمية .

منهم محمد بن عبد الكريم الشهرستاني ، وهو من علمائكم وكتابه " الملل والنحل " مشهور عندكم ، وقد أصبح من مصادركم المعتمدة ، بينما أهل العلم والتحقيق يرفضون هذا الكتاب ولا يعتمدون عليه أبدا ، لأنه مشحون بالأخبار الضعيفة ، بل الأخبار الباطلة المخالفة للواقع !

فمثلا : ضمن وصفه للشيعة الاثني عشرية يقول : بعد الإمام محمد التقي ، الإمام علي بن محمد النقي ومشهده في مدينة قم بإيران !!

بينما كل من عنده اطلاع عن تاريخ الإسلام وعلم الرجال ، يعلم أن الإمام علي بن محمد النقي (ع) مرقده في مدينة سامراء بالعراق ، وتعلوه قبة ذهبية عظيمة لامعة ، أمر بتذهيبها المرحوم ناصر الدين شاه ، الملك القاجاري الإيراني .

ومن هنا نعرف مدى علم الشهرستاني وتحقيقاته العلمية والتاريخية حول الشيعة !! فيسمح لنفسه أن ينسب إليهم أنهم يعبدون علي بن أبي طالب ، وأنهم يعتقدون بتناسخ الأرواح والتشبيه ، وما إلى ذلك ، مما يدل على جهله وعدم اطلاعه على الملل والنحل !!

يكفينا هذا المقدار في هذا الإطار ، وقد ذكرته ليعرف الشيخ من الكاذب والمفتري ، فلا يقول بعد هذا : إن علماء الشيعة يكذبون ويفترون على علماء العامة ، فقد ثبت أن الأمر على عكس ما قاله الشيخ عبد السلام .

 

الكلام في ذم أبي هريرة:

ولكي يعرف الشيخ أن الشيعة لم ينفردوا في ذم أبي هريرة ، بل كثير من علماء العامة ردوا عليه أيضا ورفضوا رواياته ، أنقل بعض ما جاء منهم في هذا المجال :

1ـ ابن أبي الحديد ، في شرح نهج البلاغة : 4/63 ـ ط دار إحياء التراث العربي ، قال : وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي رحمه الله تعالى ... أن معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (ع) ، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلا وعطايا مغرية ، فاختلفوا ما أرضاه ، منهم : أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين : عروة بن الزبير ...

وفي الصفحة 67 من الجزء نفسه ذكر ابن أبي الحديد ، أن أبو جعفر قال : وروى الأعمش ، قال لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة ، جاء إلى مسجد الكوفة ، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبته ثم ضرب صلعته مرارا وقال :

يا أهل العراق ! أتزعمون أني أكذب على الله وعلى رسوله ، وأحرق نفسي بالنار ؟!

والله لقد سمعت رسول الله (ص) يقول : إن لكل نبي حرما ، وإن حرمي بالمدينة ، ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثا ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

وأشهد بالله أن عليا أحدث فيها !!

فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه إمارة المدينة .

أسألكم أيها المستمعون بالله عليكم ! ألا يكفي هذا الخبر وحده لرد أبي هريرة وإسقاط رواياته عن الاعتبار ؟! أم أن الشيخ عبد السلام يعتقد أن أبا هريرة لما كان من الصحابة ، فيحق له أن يقول ما يحب ويفتري ويكذب ، وله أن يتهم أفضل الخلفاء الراشدين وأكملهم حسب رواياتكم وهو الإمام علي بن أبي طالب (ع) ، وليس لأحد أن يرد عليه ويضعفه أو يطعن فيه ؟!

الشيخ عبدالسلام : لو فرضنا صدق كلامكم وصحة بيانكم فكل ذلك لا يوجب لعن أبي هريرة ؟! وأنا إنما استشكل عليكم وأقول : بأي دليل تلعنون أبا هريرة ؟!

قلت : بديل العقل والنقل أنه : لا يسب النبي (ص) إلا ملعون ، وحسب الأخبار والأحاديث المعتبرة المروية عن طرقكم والمسجلة في كتب كبار علمائكم ، أن رسول الله (ص) قال :

من سب عليا فقد سبني ، ومن سبني فقد سب الله سبحانه وتعالى .

وأبو هريرة كان من الذين يسبون عليا (ع) ، وكان يجعل الأحاديث في ذمه (ع) ليشجع المسلمين الغافلين والجاهلين على سب أمير المؤمنين (ع) .

 

أبو هريرة مع بسر بن أرطأة:

2ـ ذكر الطبري في " تاريخه " وابن الأثير في " الكامل " وابن أبي الحديد في " شرح النهج " والعلامة السمهودي وابن خلدون وابن خلكان ، وغيرهم : أن معاوية حينما بعث بسر بن أرطأة ، الظالم الغاشم ، إلى اليمن لينتقم من شيعة الإمام علي (ع) كان معه أربعة آلاف مقاتل ، فخرج من الشام ومر بالمدينة المنورة ومكة المكرمة والطائف وتبالة ونجران وقبيلة أرحب ـ من همدان ـ وصنعاء وحضر موت ونواحيها ، وقتلوا كل من ظفروا به من الشيعة في هذه البلاد ، وأرعبوا عامة الناس ، فسفكوا دماء الأبرياء ، ونهبوا أموالهم ، وهتكوا حريمهم ، وقضوا على كل من ظفروا به من بني هاشم حتى لم يرحموا طفلي عبيد الله بن العباس ـ ابن عم رسول الله (ص) ـ وكان واليا على اليمن من قبل الإمام علي (ع) .

وذكر بعض المؤرخين : أن عدد الذين قتلوا بسيوف بسر وجنده في تلك السرية بلغ ثلاثين ألفا !!

وهذا غير عجيب من معاوية وحزبه الظالمين ، فإن التاريخ يذكر ما هو أدهى وأمر من هذا الأمر .

والجدير بالذكر أن أبا هريرة الذي تعظموه غاية التعظيم ، ولا ترضون بذكر مثالبه ولعنه كان قد رافق بسرا في رحلته الدموية وحملته الإرهابية الدموية ، وخاصة جناياته على أهل المدينة المنورة ، وما صنع بكبار شخصيات الأنصار ، مثل : جابر بن عبدالله الأنصاري ، وأبي أيوب الأنصاري إذ حرقوا داره ! وأبو هريرة حاضر وناظر ولا ينهاهم عن تلك الجرائم والجنايات !!

بالله عليكم أنصفوا !!

أبو هريرة الذي صحب النبي (ص) مدة ثلاث سنوات ويروي خمسة آلاف حديث عنه (ص) ، هل من المعقول أنه لم يسمع الحديث النبوي المشهور الذي يرويه كبار العلماء والمحدثين ، مثل السمهودي في " تاريخ المدينة " والإمام أحمد بن حنبل في " المسند " وسبط ابن الجوزي في " التذكرة " وغيرهم عن النبي (ص) أنه قال :

" من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ولا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا " .

وقال (ص) : " لعن الله من أخاف مدينتي ـ أي أهل مدينتي ـ " .

وقال (ص) : " لا يرد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص " .

فهل من المعقول أن أبا هريرة ما سمع واحدا من هذه الأحاديث الشريفة ؟!

إنه سمع ! ومع ذلك رافق الجيش الذي هاجم المدينة المنورة وأخاف أهلها ، ثم وقف بجانب معاوية المارق على إمام زمانه علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهو يومئذ خليفة رسول الله بحكم بيعة أهل الحل والعقد في المدينة المنورة .

فانضم أبو هريرة إلى معاوية مخالفا لأمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب ، بل محاربا له عليه السلام ، وما اكتفى بكل هذه الأمور المنكرة حتى بدأ يجعل الأحاديث المزورة والأخبار المنكرة في ذم ولي الله وحجته علي بن أبي طالب عليه السلام ، برواية يرويها عن رسول الله (ص) ، وحاشا رسول الله (ص) ثم حاشاه من ذلك كله .

والعجيب ، أن مع كل هذه الأمور المفجعة والقضايا الفظيعة ، قول القائل : إنه لا يجوز لعن أبي هريرة وطعنه ، لأنه من صحابة النبي (ص) !

وفي منطق أبي هريرة يجوز سب الإمام علي عليه السام ولعنه والعياذ بالله وهو أكرم الصحابة وأفضلهم ، وأحب الناس إلى الله ورسوله (ص) .

الشيخ عبد السلام : الله الله ! كيف تقول هكذا في شأن أبي هريرة وهو أعظم راو وأوثق صحابي ؟!

فالطعن واللعن رأي الشيعة ، وأما رأي عامة المسلمين في أبي هريرة ، فإنهم يعظموه ويحترموه ويجلوه عن كل ما تقولون .

قلت : إن ما قلناه فيه لم يكن رأي الشيعة فحسب ، بل هو رأي كثير من علمائكم ورجالكم ، حتى الخليفة الثاني عمر الفاروق ، فقد ذكر المؤرخون ، كابن الأثير في الكامل في حوادث عام 23 ، وابن أبي الحديد في شرح النهج 2/104ط مصر وغيرهما ، ذكروا : أن عمر بن الخطاب في سنة 21 أرسل أبا هريرة واليا على البحرين ، وأخبر الخليفة بعد ذلك بأن أبا هريرة جمع مالا كثيرا ، واشترى خيلا كثيرة على حسابه الخاص ، فعزله الخليفة سنة23 واستدعاه، فلما حضر عنده ، قال له عمر : يا عدو الله وعدو كتابه ، أسرقت مال الله ؟!

فقال: لم أسرق ، وإنما هي عطايا الناس لي .

ونقل ابن سعد في طبقاته 4/90 ، وابن حجر العسقلاني في " الإصابة " وابن عبد ربه "العقد الفريد " الجزء الأول ، كتبوا : أن عمر حينما حاكمه قال له : يا عدو الله ! لما وليتك البحرين كنت حافيا لا تملك نعالا ، والآن أخبرت بأنك شريت خيلا بألف وستمائة دينار !!

فقال أبو هريرة : عطايا الناس لي وقد أنتجت .

فغضب الخليفة وقام وضربه بالسوط على ظهره حتى أدماه ! ثم أمر بمصادرة أمواله ، وكانت عشرة آلاف دينار ، فأوردها بيت المال .

وقد ضرب عمر أبا هريرة قبل هذا ، كما ذكر مسلم في صحيحه 1/34 قال : في زمن رسول الله (ص) ضرب عمر أبا هريرة حتى سقط على الأرض على قفاه !

ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج 1/360 ط مصر أنه قال أبو جعفر الإسكافي : وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا ، غير مرضي الرواية ، ضربه عمر بالدرة وقال : قد أكثرت من الرواية ، أحرى بك أن تكون كاذبا على رسول الله (ص) .

وذكر ابن عساكر في تاريخه ، والمتقي في " كنز العمال " : أن الخليفة عمر بن الخطاب زجر أبا هريرة ، وضربه بالسوط ، ومنعه من رواية الحديث ونقله عن رسول الله (ص) وقال له : لقد أكثرت نقل الحديث عن النبي (ص) وأحرى بك أن تكون كاذبا على رسول الله (ص)!! وإذا لم تنته عن الرواية عن النبي (ص) لأنفينك إلى قبيلتك دوس ، أو أبعد إلى أرض القردة .

ونقل ابن أبي الحديد في شرحه 1/ 360 ط مصر ، عن أستاذه جعفر الإسكافي ، أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال : ألا إن أكذب الناس ـ أو قال : أكذب الأحياء ـ على رسول الله (ص) أبو هريرة الدوسي .

وذكر ابن قتيبة في " تأويل مختلف الحديث " والحاكم في الجزء الثالث من " المستدرك" والذهبي في " تلخيص المستدرك " ومسلم في صحيحه ، ج2 في فضائل أبي هريرة : أن عائشة كانت تقول مرات وكرات : أبو هريرة كذاب ، وقد وضع وجعل أحاديث كثيرة عن لسان النبي (ص) !!

فأبو هريرة لم يكن مرفوضا وكذابا عندنا فحسب ، بل هو مردود وكذاب عند سيدنا الإمام علي عليه السلام ، وعند مولاكم عمر الفاروق ، وعند أم المؤمنين عائشة ، وعند كثير من الصحابة والتابعين ، والعلماء المحققين !!

كما إن شيوخ المعتزلة وعلماء المذهب الحنفي كلهم رفضوا مروياته وردوها ، وأعلنوا : أن كل حكم وفتوى صدرت على أساس رواية عن طريق أبي هريرة ، باطل وغير مقبول .

كما أن النووي في " شرح صحيح مسلم " في المجلد الرابع يتعرض لهذا الأمر بالتفصيل.

وكان إمامكم الأعظم أبو حنيفة يقول : أصحاب النبي (ص) كلهم عندي ثقات وعدول ، والحديث الواصل عن طريقهم عندي صحيح ومقبول ، إلا الأحاديث الواصلة عن طريق أبي هريرة وأنس بن مالك وسمرة بن جندب ، فلا أقبلها ، وهي مردودة ومرفوضة .

( وصل الحديث إلى هنا فصار وقت صلاة العشاء ) .

وبعد أداء الصلاة وتناول الشاي .

قلت : نظرا إلى ما سبق من أقوال العلماء والأئمة حول أبي هريرة ونظرائه ، لا بد لنا أن نحتاط في قبول مطلق الأحاديث ، والاحتياط الذي هو سبيل النجاة يقتضي التحقيق والتدقيق في ما يروى عن النبي (ص) .

وكما ورد عنه (ص) : كلما حدثتم بحديث عني فاعرضوه على كتاب الله سبحانه ، فإذا كان موافقا فخذوه ، وإن كان مخالفا لكلام الله تعالى فاتركوه .

 

الحديث في فضل أبي بكر:

وأما الكلام حول الحديث الذي نقله الشيخ عبد السلام عن أبي هريرة : أن جبرائيل نزل على النبي (ص) فقال : إن الله تعالى يقول : إني راض عن أبي بكر فاسأله هل هو راض عني ؟!

فأقول :

أولا : نجد في سند هذا الحديث أبا هريرة ، وهو عندنا وعند كثير من علمائكم مردود وساقط ، ورواياته غير مقبولة ، كما مر .

ثانيا : حينما نعرض الحديث على كتاب الله تعالى كما أمرنا النبي (ص) نجده مخالفا للقرآن المجيد ، فإنه سبحانه يقول : ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد )(16).

وقال : ( .... فإنه يعلم السرّ وأخفى )(17) .

وقوله تعالى : ( إنه يعلم الجهر وما يخفى )(18) .

وقوله سبحانه : ( ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن )(19) .

فبحكم هذه الآيات الكريمة ، وبحكم العقل السليم ، فإن الله عز وجل يعلم كل ما هو في قرارة نفس الإنسان ومكنون سره ، وكل ما يختلج في صدره .

فالحديث الذي يقول : " سل أبا بكر هل هو راضٍ ؟! " .مفهومه : إن الأمر لا يخفى على الله سبحانه ، فيسأل ليعلم !! وهذا ينافي القرآن الحكيم والعقل السليم .

ثم مما لا شك فيه أن رضا الباري عز وجل يحصل بالنسبة للعبد الذي هو راض عن ربه ، فالعبد إذا لم يصل إلى درجة الرضا ، أي : لا يرضى بقضاء الله وقدره ، فإن الله لا يرضى عنه ، ولا يكون مقربا إليه تعالى .

فعلى هذا، كيف يبدي الله عز وجل رضاه عن أبي بكر وهو لا يدري هل إن أبا بكر وصل إلى درجة الرضا أم لا ؟!

الشيخ عبد السلام : لا بأس ، نترك هذا الحديث الذي تشككون فيه ولكن عندنا أحاديث لا شك فيها أنها صدرت عن النبي (ص) في شأن الخليفة أبي بكر ، منها أنه :

وقال (ص) : إن الله يتجلّى للناس عامة ، ويتجلّى لأبي بكر خاصة .

وقال (ص) : ما صب الله في صدري شيئا إلا صبه في صدر أبي بكر .

وقال (ص) : إن في السماء الدنيا ثمانون ألف ملك يستغفرون لمن أحب أبا بكر وعمر ، وفي السماء الثانية ثمانون ألف ملك يلعنون من أبغض أبا بكر وعمر .

وقال (ص) : أبو بكر وعمر خير الأولين .

وقال (ص) : خلقني الله من نوره وخلق أبا بكر من نوري وخلق عمر من نور أبي بكر وخلق أمتي من نور ، وعمر سراج أهل الجنة .

هذه الأحاديث وأمثالها كثيرة ، وهي مروية في كتبنا المعتبرة وقد ذكرت بعضها لتعرف ويعرف الحاضرون فضل الشيخين ومقامهما الرفيع عند الله وعند رسوله (ص) .

 

أحاديث مدسوسة:

قلت : هذه الأحاديث تدل ظواهرها على بطلانها وفسادها . وحاشا رسول الله (ص) أن تصدر منه هكذا كلمات !!

فإن الحديث الأول : يدل بظاهره على تجسم الباري عز وجل وسبحانه عن ذلك وعلا علوا كبيرا .

والحديث الثاني : يصرّح بأن أبا بكر شريك رسول الله (ص) في ما نزل عليه من الوحي .

والحديث الثالث : يدل على أن النبي (ص) ما كان أرفع درجة وأعلى رتبة من أبي بكر ، بل يساويه في المقام والمنزلة .

والخبران الأخيران ، مخالفان لأحاديث كثيرة متواترة ومقبولة عند الفريقين ، فالأحاديث الصحيحة تصرّح بأن خير أهل العالم محمد المصطفى وآله النجباء ، سلام الله عيهم أجمعين .

وأما الجملة الأخيرة : " وعمر سراج أهل الجنة " .

فأقول : إن أهل الجنة مستغنون عن السراج فيها ، لأن وجوههم منيرة يومئذ ، كما قال تعالى : ( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم ...)(20).

وقوله تعالى : ( .. يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ...)(21).

وقد ورد في الأخبار المروية في كتب الفريقين : أن الجنة تكون مضيئة في حد ذاتها كالدرة البيضاء والياقوتة الحمراء ، فلا قيمة فيها للسراج ، لأن السراج إنما يفيد في الظلام ، ولا ظلام في الجنة .

وإضافة على ما ذكرنا ، فإن كبار علمائكم في علم الدراية والرجال ، وكبار محدثيكم الذين يميزون الأحاديث الصحيحة عن السقيمة مثل : العالم الجليل المقدسي في : " تذكرة الموضوعات" .

والفيروز آبادي الشافعي ـ صاحب " القاموس" ـ في : " سفر السعادة " .

والذهبي في " ميزان الاعتدال " .

والخطيب البغدادي في : " تاريخ بغداد " .

وأبي الفرج ابن الجوزي في : " الموضوعات " .

وجلال الدين السيوطي في : " اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " هؤلاء صرحوا : أن هذه الأخبار موضوعة ولا اعتبار بها ، لسببين :

1ـ أسانيدها ضعيفة ، لأن في طريقها رجال متهمون بالكذب وجعل الأحاديث .

2ـ عدم موافقتها للقواعد العقلية والآيات القرآنية .

الشيخ عبد السلام : لو فرضنا صحة كلامكم في الأحاديث المذكورة ، فما تقول في هذا الحديث الشريف المشهور بين علماء المسلمين ، والمذكور في الكتب المعتبرة الموثوقة ، أن النبي (ص) قال : أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة ؟!

قلت : أما قولك : " الحديث .....المشهور " ... فربّ مشهور لا أصل له !

وأما قولك : " والمذكور في الكتب " فليتك تذكر لنا هذه الكتب المعتبرة ، الموثوقة !!

وأما الحديث ، إضافة على أنه مردود وغير مقبول عند علمائكم ومحدثيكم المتخصصين في علم الدراية والرجال والحديث والرواية ، وقد حسبوه من الموضوعات ، فإن ظاهره يخالف الحق الذي يتجلى في الأخبار الصحيحة المقبولة عند الفرقين .

 

أهل الجنة كلهم شباب:

من معتقدات المسلمين أن الجنة ليس فيها غير شباب ولا يدخلها شيوخ وكهول .

والخبر المشهور في كتب الفريقين صريح في الموضوع ، وهو أن رسول الله (ص) قال لامرأة عجوز وهو يمازحها ، حين طلبت منه (ص) أن يدعو لها بالجنة .

فقال (ص) : " إن الجنة لا تدخلها العجائز " فحزنت المرأة وقالت : واخيبتاه إذا لم أدخل الجنة !

فتبسم رسول الله (ص) وقال : تدخلين الجنة ولست يومئذ بعجوز ، بل تنقلبين إلى فتاة باكرة ، كما قال الله سبحانه : ( إنا انشأناهن إنشاء * فجعلناهن أبكارا * عربا أترابا ) (22).

وكما ورد في الحديث النبوي الشريف : المؤمنون يدخلون الجنة جردا ، مردا ، بيضا ، جعادا ، مكحلين ، أبناء ثلاث وثلاثين .

على هذا ذكر الفيروز آبادي في " سفر السعادة :142 " .

والسيوطي في : " اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " وابن الجوزي في "الموضوعات " .

والمقدسي في : " تذكرة الموضوعات " والشيخ محمد البيروتي في " سنى المطالب : 123 " .

قالوا : في سند حديث : " أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة " يحيى بن عنبسة .

وقال الذهبي : هو ضعيف .

وقال ابن جان : إن يحيى جعال وضاع للحديث .

لذلك هذا الحديث ساقط عن الاعتبار !

ونحتمل احتمالا معقولا ، أن هذا الحديث من جعل بني أمية البكريين ، لأنهم كانوا يضعون الأحاديث قبال كل حديث نبوي صدر في فضل أهل البيت عليهم السلام ، وقد وضعوا هذا الحديث مقابل حديث شريف متفق عليه بين الشيعة والسنة .

النواب : أي حديث تقصدوه ، بينوه للحاضرين ؟!

قلت الحديث النبوي الشريف : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما خير منهما . وفي بعض أفضل منهما وقد جاء هذا النص في كثير من كتبكم المعتبرة ، وصرح به كبار علمائكم الأعلام ، منهم :

الخطيب الخوارزمي في " المناقب " .

والمير السيد علي الهمداني في المودة الثامنة من كتابه : " مودة القربى ".

والإمام النسائي في " الخصائص العلوية " .

وابن الصباغ المالكي في " الفصول المهمة " ص 159 .

وسليمان الحنفي القندوزي ، في الباب 54 من : " ينابيع المودة " نقلا عن الترمذي وابن ماجة والإمام أحمد .

وسبط ابن الجوزي في ص 133 من : " التذكرة " .

والإمام أحمد بن حنبل في " المسند " .

والترمذي في " السنن " .

ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي في الباب 97 من " كفاية الطالب " بعد نقله للحديث الشريف بإسناده يقول : هذا حديث حسن ثابت ، لا أعلم أحدا رواه عن ابن عمر غير نافع ، تفرد به : المعلى عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذيب ، رزقناه عاليا بحمد الله ومنه .

قال : وجمع إمام أهل الحديث ، أبو القاسم الطبراني في " معجمه الكبير " في ترجمة الحسن (ع) طرقه عن غير واحد من الصحابة ، منهم : عمر بن الخطاب ، ومنهم : علي بن أبي طالب (ع) ، وطرقه عن علي بطرق شتى ... إلى آخره .

وبعد كلام طويل ، وذكره الحديث بشكليه : " وأبوهما خير منهما " ... " وأبوهما أفضل منهما " بأسانيد عديدة . قال : وانضمام هذه الأسانيد بعضها إلى بعض دليل صحته .

انتهى كلام الكنجي .

ونقله أبو نعيم في " الحلية " وابن عساكر في تاريخه الكبير 4/206 ، والحاكم في

" المستدرك " وابن حجر في الصواعق : 82 .

فعلماؤكم قد اتفقوا وأجمعوا على أن هذا الحديث الشريف صدر عن النبي (ص) : " الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما خير منهما " .

الشيخ عبد السلام : سأذكر حديثا معتبرا مقبولا عند جميع علمائنا إذ لم ينكره أحد منهم ، وهو الحديث النبوي الشريف : " ما ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقد عليه غيره " وهذا أفضل دليل على أن أبا بكر بعد النبي (ص) هو إمام المسلمين والمقدم عليهم .

قلت : أسفي عليكم ، أنتم علماء الأمة ! إذ تتقبلون الأخبار والأحاديث من غير تفكر وتدبر !

هلا فكرتم أن هذا الخبر إن كان صحيحا ، فلماذا النبي (ص) بنفسه لم يعمل به ، ولم يقدم أبا بكر في قضايا كثيرة مهمة في تاريخ النبي (ص) وتاريخ الإسلام ، مثل يوم المباهلة ، إذ أخذ معه فاطمة وعليا ابنيهما ، وقدمهم على من سواهم .

وفي غزوة تبوك إذ خلّف الإمام عليا (ع) في المدينة مكانه وقال له : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ... " إلى آخره .

وفي تبليغ الآيات الأوائل من سورة براءة ، للمشركين ، إذ عزل أبا بكر وأرسل عليا (ع) وقال (ص) : " لا يبلغ إلا أنا أو رجل مني ـ أو قال من أهل بيتي ـ(23).

وفي فتح خيبر حين أعطاه النبي (ص) الراية وكان الفتح على يديه .

ويوم فتح مكة ، رفع النبي (ص) علي بن أبي طالب (ع) على كتفه فكسر الأصنام التي على سطح الكعبة .

وأرسله النبي (ص) لأهل اليمن يبلغهم الدين ويقضي فيهم .

وأهم من كل ذلك : أن النبي (ص) جعل عليا (ع) وصيه ، وأوصى إليه بكل ما أراد ليقوم به بعد موته . ولم يوص لأبي بكر !

وكان أبو بكر في كل هذه القضايا والأمور حاضرا ، لا غائبا ولا مسافرا ، والنبي (ص) اختار عليا وقدمه في تلك الأمور وغيرها من القضايا الكثيرة وترك أبا بكر !!

الشيخ عبد السلام : ما لكم كلما نذكر حديثا في فضل أبي بكر صاحب رسول الله (ص) رفضتموه ولم تقبلوه ؟!

قلت : ما ذنبنا ، إذا كانت الأحاديث التي تنقلها في هذا المجال ، يأباها العقل والنقل ؟!

الشيخ عبد السلام : لقد وصلنا حديث ثابت صحيح غير قابل للإنكار ، وهو عن طريق عمرو بن العاص ، قال : سألت النبي (ص) يوما عن أحب نساء العالم إليه ؟ فقال (ص) : عائشة !

قال : فسألته عن أحب الرجال إليه ؟ فقال (ص) : أبو بكر !

على هذا فهما مقدمان ، لأن حب النبي (ص) لهما دليل على أن الله تعالى يحبهما ، وهذا دليل قاطع على أحقية أبي بكر (رض) بخلافة رسول الله (ص) .

قلت : بالإضافة إلى أن هذا الخبر من الموضوعات ، فهو يعارض الأخبار المعتبرة والأحاديث الصحيحة عند الفرقين من جهتين :

أولا : من جهة عائشة أم المؤمنين ، بأنها أحب النساء إلى النبي (ص) ، فإن هناك أحاديث جمة تصرح بأن أحب النساء إلى النبي (ص) وخيرهن هي : فاطمة سيدة النساء .

فقد أثبت ذلك علماء المسلمين عامة ـ شيعة وسنة ـ في أحاديث متواترة في كتبهم المعتبرة ، منهم :

1ـ أبو بكر البيهقي ، في تاريخه .

2ـ الحافظ ابن عبد البر ، في " الاستيعاب " .

3ـ المير السيد علي الهمداني ، في " مودة القربى " .

وغيرهم من علمائكم وعلماء الشيعة ، كلهم متفقون على صحة الحديث المروي عن النبي (ص) أنه قال كرارا :

" فاطمة خير نساء أمتي " أو : " خير نساء أمتي فاطمة " .

وروى الإمام أحمد في " المسند " والحافظ أبو بكر في " نزول القرآن في علي " عن محمد بن الحنفية عن أمير المؤمنين عليه السلام .

وروى ابن عبد البر في " الاستيعاب " في قسم : التحدث عن فاطمة الزهراء عليها السلام وخديجة أم المؤمنين ، عن عبد الوارث بن سفيان وأبي هريرة ، وفي قسم التحدث عن خديجة أم المؤمنين ، روى عن أبي داود نقلا عن أبي هريرة وانس بن مالك .

وروى الشيخ سليمان الحنفي ، في الباب 55 من " ينابيع المودة " .

والمير السيد علي الهمداني في المودة الثالثة عشرة من " مودة القربى " عن أنس بن مالك .

وروى غيرهم عن طرق عديدة : أن رسول الله (ص) قال : خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد عليهما السلام .

وروى الخطيب البغدادي في تاريخه ، أن رسول الله (ص) عدّ هؤلاء النساء الأربع خير نساء العالمين وفضّل فاطمة في الدنيا والآخرة عليهنّ .

وروى البخاري في صحيحه ، والإمام أحمد في المسند ، عن عائشة بنت أبي بكر ، قالت : قال النبي (ص) لفاطمة : يا فاطمة أبشري ، فإن الله اصطفاك وطهرك على نساء العالمين ، وعلى نساء الإسلام ، وهو خير دين .

وروى البخاري في صحيحه 4/64 ، ومسلم في صحيحه ، في باب فضائل فاطمة ج2 ، والحميدي في " الجمع بين الصحيحين " والعبدي في الجمع بين الصحاح الستة " وابن عبد البر في " الاستيعاب " في قسم : الحديث عن فاطمة عليها السلام ، والإمام أحمد في المسند 6/282 ، ومحمد بن سعد في الطبقات ج2 في قسم أحاديث النبي (ص) في مرضه ، وفي الجزء الثامن في قسم الحديث حول فاطمة عليها السلام ، نقلا عن أم المؤمنين عائشة عن النبي (ص) في حديث طويل جاء فيه أنه (ص) قال : " يا فاطمة ! ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين ؟! " .

وفسره ابن حجر العسقلاني في الإصابة ، في ترجمة فاطمة عليها السلام ، أي : أنت سيدة نساء العالمين .

وروى محمد بن طلحة الشافعي في كتابه " مطالب السؤول " ص7 ، أحاديث وأخبارا كثيرة في هذا الباب ، وقال بعدها : فثبت بهذه الأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة ، كون فاطمة كانت أحب إلى رسول الله (ص) من غيرها ، وأنها سيدة نساء هذه الأمة وسيدة نساء أهل المدينة.

وروى البخاري و مسلم في الصحيح ، والثعلبي في تفسير الإمام أحمد في " المسند " والطبراني في " المعجم الكبير " وسليمان الحنفي في " الينابيع " الباب 32 ، عن تفسير أبي حاتم ، والحاكم في " المناقب " والواحدي في " الوسيط "وأبي نعيم في " حلية الأولياء " وعن الحمويني في " فرائد السمطين " .

وروى ابن حجر الهيتمي في " الصواعق " في ذكر الآية الرابعة عشر .

وروى محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول ، ص8 .

والطبري في تفسيره ، والواحدي في أسباب النزول ، وابن المغازلي في المناقب ، ومحب الدين الطبري في الرياض ، والشبلنجي في نور الأبصار ، والزمخشري في تفسيره ، والسيوطي في الدر المنثور ، وابن عساكر في تاريخه ، والسمهودي في وفاء الوفاء والنيسابوري في تفسيره ، والبيضاوي في تفسيره ، والفخر الرازي في التفسير الكبير ، وأبو بكر شهاب الدين العلوي في رشفة الصادي : الباب الأول /22ـ 23 ، نقلا عن تفسير البغوي والثعلبي ، والملا في سيرته ، ومناقب أحمد ، والطبراني في المعجم الكبير والأوسط ، والسدي ، والشيخ عبد الله بن محمد الشبراوي في كتابه " الإتحاف " صفحة 5 عن الحاكم والطبراني وأحمد .

وروى السيوطي في " إحياء الميت " عن تفاسير ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه " والمعجم الكبير " للطبراني .

كلهم رووا عن ابن عباس حبر الأمة : أنه لما نزلت الآية الكريمة : ( .... قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ...)(24).

قال جمع من الأصحاب : يا رسول الله ! من قرابتك الذين فرض الله علينا مودتهم ؟

قال (ص) : علي وفاطمة والحسن والحسين .

وهذا الأمر ثابت ولا يشك فيه إلا الذي في قلبه مرض النفاق والعناد .

وإن هذا الأمر ثابت عند كبار علمائكم الأعلام ، حتى روى ابن حجر في " الصواعق " صفحة 88 ، والحافظ جمال الدين الزرندي في " معراج الوصول " والشيخ عبد الله الشبراوي في " الإتحاف " صفحة 529 ومحمد بن علي الصبان في " إسعاف الراغبين " صفحة 119 ، وغير هؤلاء ذكروا : أن الإمام محمد بن إدريس الشافعي أنشد شعرا في هذا الأمر ، فقال :

يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الشأن أنكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له

والآن ، أوجه سؤالي لكل منصف في المجلس وأقول :

بالله عليكم هل يقابل الحديث الذي ذكره الشيخ عن عمرو بن العاص الفاسق ، الذي خرج لقتال إمام زمانه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وسفك دماء المؤمنين عمار بن ياسر ونظرائه الأخيار الأبرار ، هل يقابل حديثه بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة المجمع على صحتها بين المسلمين ، شيعة وسنة ؟!

وهل يقبل العقل أن يفضل رسول الله (ص) أحدا ويحب أحدا أكثر من الذين فرض الله حبهم ومودتهم على المسلمين ؟!

وهل يتصور أن النبي (ص) يتبع هواه فيغرم في حب زوجته عائشة من غير دليل معنوي ورجحان شرعي ، فيرجحها على سائر زوجاته ويحبها أكثر من نسائه ؟!

مع العلم أن الله عز وجل يطالب عباده بالعدل بين زوجاتهم فيقول : ( ...فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ...)(25).

أم هل من المعقول أن النبي (ص) يفضل زوجته عائشة على ابنته فاطمة التي فضلها الله تعالى ومدحها في آية التطهير والمباهلة ، وفرض مودتها في آية القربى ؟!

كلنا نعلم ونؤمن بأن الأنبياء والأصفياء لا يتبعون الهوى ، وإنما تكون أفعالهم وأقوالهم وحبهم وبغضهم لله وفي الله سبحانه ، فمعيار الحب والبغض عندهم هو : الله ، وليس الهوى !

والله عز وجل يرجح فاطمة ويفضلها على من سواها ويفرض حبها والذي يقول غير ما نقول ، فيلزم أن يرد كل الأحاديث والأخبار المعتضدة والمؤيدة بالقرآن الحكيم والعقل السليم التي استدللنا بها على ما نقول !

أو أنه ينسب النبي (ص) ويتهمه ـ والعياذ بالله ـ بمتابعة الهوى ومخالفة الحق ! وهذا كفر صريح .

 

أحب الرجال إلى النبي علي عليه السلام:

ثانيا : أما من جهة أبي بكر ، كما يقول حديث عمرو بن العاص : " إن أحب الرجال إلى النبي (ص) هو أبو بكر " فهو ينافي الأخبار الكثيرة والأحاديث الصحيحة المعتبرة المروية في كتب كبار علمائكم ومحدثيكم بأن أحب الرجال إلى النبي (ص) هو علي بن أبي طالب عليه السلام ، منهم :

1ـ روى الحافظ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " الباب55 ، عن الترمذي بسنده عن بريدة ، أنه قال : كان أحب النساء إلى رسول الله (ص) فاطمة ومن الرجال علي عليه السلام .

2ـ العلامة محمد بن يوسف الكنجي روى مسندا في كتابه " كفاية الطالب " الباب 91 ، بسنده عن أم المؤمنين عائشة ، أنها قالت : ما خلق الله خلقا كان أحب إلى رسول الله (ص) من علي بن أبي طالب .

ثم يقول الكنجي : هذا حديث حسن ، رواه ابن جرير في مناقبه ، وأخرجه ابن عساكر في ترجمته ، أي ترجمة الإمام علي عليه السلام(26).

3ـ روى الحافظ الخجندي بسنده عن معاذة الغفارية ، أنها قالت : دخلت على رسول الله (ص) في بيت عائشة ، وكان علي عليه السلام خارج الدار ، فسمعت رسول الله (ص) يقول لعائشة : إن هذا ـ أي علي عليه السلام ـ أحب الرجال إلي ، وأكرمهم عليّ ، فاعرفي حقه ، واكرمي مثواه .

4ـ روى ابن حجر في آخر الفصل الثاني من " الصواعق " بعد نقله أربعين حديثا في فضائل الإمام علي عليه السلام ، قال الترمذي : عن عائشة ، قالت : كانت فاطمة أحب النساء إلى رسول الله (ص) وزوجها أحب الرجال إليه .

 

خبر الطائر المشوي:

من أهم الأخبار في الموضوع ، خبر الطير المشوي المروي في كتبنا وكتبكم المعتبرة كالصحاح والمسانيد ، منها :

صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، والسجستاني ، في صحاحهم ، والإمام أحمد في " المسند " وابن أبي الحديد في " شرح نهج البلاغة " وابن الصباغ المالكي في " الفصول المهمة " صفحة 21 ، رواه بهذه العبارة : وأنه صح النقل في كتب الأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة عن أنس بن مالك ... إلى آخره .

ورواه الشيخ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " الباب الثامن ، وقد خصه لهذا الخبر من طرق شتى فيرويه عن الإمام أحمد و الترمذي والموفق بن أحمد الخوارزمي وابن المغازلي وسنن أبي داود ، عن سفينة مولى النبي (ص) .

وعن أنس بن مالك وابن عباس .

ثم يقول : وقد روى أربعة وعشرون رجلا حديث الطير عن أنس ، منهم : سعيد بن المسيب والسدي وإسماعيل .

قال : ولابن المغازلي " حديث الطير " من عشرين طريقا .

ورواه سبط ابن الجوزي في التذكرة : 23 ، عن فضائل أحمد وسنن الترمذي .

وأشار إليه المسعودي في مروج الذهب 2/49 .

ورواه الإمام أبو عبد الرحمن النسائي في الحديث التاسع من " الخصائص " .

وكتب كل من : الحافظ ابن عقدة ومحمد بن جرير الطبري والحافظ أبو نعيم ، كتابا خاصا بخبر الطير المشوي وأسانيده وطرقه وتواتره .

كما أن العلامة المحقق الورع ، الزاهد التقي ، السيد حامد حسين الدهلوي ـ وأنتم الحاضرون لقرب جواركم منه تعرفون العلمية وتعرفون وروعه وزهده أحسن وأكثر من غيركم ـ خصص مجلدا ضخما من موسوعته العلمية الكريمة : " عبقات الأنوار " لخبر الطير المشوي وقد جمع فيه أسناد ومصادر الخبر من طرقكم وكتب علمائكم فقط .

وأنا لا أذكر الآن كم بلغ عدد أسناد ومصادر هذا الخبر في ذلك الكتاب العظيم ، ولكني أذكر بأني عجبت حين مطالعته من سعة اطلاع العلامة الدهلوي !

والخبر كما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، عن سفينة مولى النبي (ص) قال : أهدت امرأة من الأنصار طيرين مشويين بين رغيفين ، فقال النبي (ص) :اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك فجاء علي (ع) فأكل معه من الطيرين حتى كفيا .

وجاء في بعض كتبكم مثل : " الفصول المهمة " لابن الصباغ المالكي وتاريخ الحافظ النيسابوري ، و " كفاية الطالب " للعلامة الكنجي الشافعي ، و مسند أحمد ، عن أنس بن مالك ، قال :

أتى النبي (ص) بطائر فقال : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي .

فجاء علي (ع) فحجبته مرتين ، فجاء في الثالثة فأذنت له .

فقال النبي (ص) : يا علي ! ما حبسك ؟!

قال : هذه ثلاث مرات قد جئتها فحبسني أنس .

قال (ص) : لم يا أنس ؟! قال : قلت : سمعت دعوتك يا رسول الله ، فأحببت أن يكون رجلا من قومي .

فقال النبي (ص) : الرجل يحب قومه .

فاسأل الشيخ عبد السلام وأقول : هل استجاب الله تعالى دعوة حبيبه ونبيه محمد (ص) أم لا ؟!

الشيخ عبد السلام : نعم ، وكيف لا يستجيب وقد وعده الإجابة ؟!

وهو سبحانه يعلم أن النبي لا يدعوه ولا يطلب منه حاجة إلا في محلها . فلذلك كانت دعوة رسول الله (ص) مستجابة في كل وقت .

قلت : على هذا فعلي (ع) هو أحب الخلق إلى الله عز وجل .

كما إن كبار علمائكم صرحوا بذلك ، مثل العلامة محمد بن طلحة الشافعي ، في أوائل الفصل الخامس من الباب الأول من كتابه " مطالب السؤول " بمناسبة حديث الراية وحديث الطير ، فقد أثبت أن عليا (ع) كان أحب الخلق إلى الله ورسوله (ص) .

ثم يقول : أراد النبي أن يحقق للناس ثبوت هذه المنقبة السَنيّة والصفة العليّة ، التي هي أعلى درجات المتقين ، لعلي (ع) ... إلى آخره .

والعلامة الكنجي الشافعي ، فقيه الحرمين ومحدث الشام وصدر الحفاظ ، في كتابه
" كفاية الطالب " الباب 33، بعد نقله الحديث والخبر بسنده عن أربع طرق ، عن أنس وسفينة خادمي رسول الله (ص) قال : وفيه دلالة واضحة على أن عليا (ع) أحب الخلق إلى الله ، وأدل الدلالة على ذلك إجابة دعاء النبي (ص) في ما دعا به ، وقد وعد الله تعالى من دعاه بالإجابة ، حيث قال عزوجل : ( ادعوني استجب لكم ... ) (27).

فأمر بالدعاء ووعد بالإجابة ، وهو عز وجل لا يخلف الميعاد . وما كان الله عز وجل ليخلف وعده رسله ، ولا يرد دعاء رسوله لأحب الخلق إليه ، وهو من أقرب الوسائل إلى الله تعالى محبته ومحبة من يحبه لحبه .

وبعد هذا يقول : وحديث أنس الذي صدرته في أول الباب ، أخرجه الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري عن ستة وثمانين رجلا ، كلهم رووه عن أنس ، ثم يذكر أسماءهم(28).

فأنصفوا أيها المستمعون ! هل من الصحيح أن نتمسك بخبر واحد رواه عمر بن العاص ، وهو أحد أعداء الإمام علي (ع) ، والمعلن عليه الحرب ، والخارج لقتاله ، ونعرض عن هذه الأخبار الكثيرة المتواترة في كتب كبار علمائكم ومحدثيكم ؟!

الشيخ عبد السلام : أظن أنكم مصرون على رد كل خبر ننقله في فضيلة الشيخين !!

 

نحن نتبع الحق !

قلت : إني أعجب من الشيخ إذ يتهمني أمام الحاضرين بهذه التهمة ! ولا أدري أي خبر موافق للكتاب الحكيم والعقل السليم والمنطق القويم قاله الشيخ وأنا رفضته وما قبلته ؟!

حتى يجابهني بهذا العتاب ، ويواجهني بهذا الكلام الذي يقصد منه أننا نتبع طريق اللجاج والعناد !!

وإني أعوذ بالله أن أكون معاندا أو متعصبا جاهلا ، وأعوذ به سبحانه أن يكون في قلبي شيء من الحقد عليكم خصوصا ، وعلى إخواني من أهل السنة عموما .

وإني أشهد الله ربي وربكم أني ما كنت معاندا وما تبعت طريق اللجاج في محاوراتي ومناظراتي مع اليهود والنصارى ، والهنود والمجوس ، ومع الماديين والوجوديين ، وسائر المذاهب و الفرق والأحزاب المنحرفة ، بل كنت دائما أطلب وجه الله عز وجل وأبحث عن الحق والحقيقة على أساس المنطق والعقل وأصول العلم والبرهان ، فكيف أكون معاندا في محاورتي معكم وأنتم إخواني في الدين ، ونحن وإياكم على دين واحد ، وكتاب واحد ، ونبي واحد وقبلة واحدة ؟!

غاية ما هنالك لقد وقعت بعض الاشتباهات والمغالطات في الأمر ، والتبس بذلك الحق عليكم ، ونحن بتشكيل مجالس البحث والمناظرة ، نريد أن نتفاهم في القضايا حتى يرتفع الاختلاف إن شاء الله تعالى ، ويخيم علينا الاتحاد والائتلاف ، ويتحقق أمر عز وجل إذ يقول : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )(29).

وأنتم والحمد لله عالمون وفاهمون ، ولكن تأثرتم بكلمات وأكاذيب الأمويين المعادين للنبي (ص) وأهل بيته الطيبين فقلدتم الناكثين والمارقين المتعصبين ضد الإمام علي أمير المؤمنين وشيعته أهل الحق واليقين .

فإن تخليتم عن أقاويل أولئك ، وتحررتم عن التعصب والتقليد الأعمى ، وأنصفتم الحكم في القضايا المطروحة ، فإنا نصل إنشاء الله تعالى إلى الهدف المنشود والحق المعهود .

الشيخ عبد السلام : نحن قرأنا في الصحف والمجلات ، مناظراتكم مع الهنود والبراهمة في مدينة لاهور ، وعلمنا إفحامكم إياهم فأجبناكم لانتصاركم للدين الحنيف وإثباتكم الحق ، وكنا نحب زيارتكم ونتشوق لمجالستكم ، والآن نسأل الله تعالى أن يجمعنا وإياكم على الحق .

ونحن نوافقكم على مراجعة القرآن الحكيم في الأمور الخلافية ، وعرض الأخبار والأحاديث المروية على كتاب الله سبحانه ، فهو الفرقان الأعظم ، ولذا قبلنا من منكم الردود على ما نقلناه من الأخبار والأحاديث حينما أثبتم نقاط تعرضها مع الكتاب والعقل والعلم والمنطق .

فلذلك أذكر الآن دليلا من القرآن الكريم في شأن الخلفاء الراشدين وفضلهم ، وأنا على يقين بأنكم ستوافقون عليه ولا تردونه ، لأنه مأخوذ ومقتبس من كتاب الله تعالى .

قلت : أعوذ بالله العظيم من أن أرد الدلائل القرآنية أو الأحاديث الصحيحة النبوية . ولكن اعلموا أني حينما كنت أحاور الفرق الملحدة مثل الغلاة والخوارج ، وغيرهم من الذين ينسبون أنفسهم للإسلام وما هم منه ، كانوا يحتجون عليّ في إثبات ادعائهم الباطل ببعض الآيات القرآنية !

لأن بعض آيات الذكر الحكيم ذو معان متعددة ووجوه متشابهة ، ولذا لم يسمح النبي الكريم (ص) لأحد أن يفسر القرآن برأيه ، فقال :

" من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار " .

وقد وكل هذا الأمر الهام إلى أهل بيته الكرام (ع) ، فقال :

" إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا " .

وقد أجمعت هذه الأمة على صحة هذا الحديث الشريف ، فيجب أن نأخذ ذلك من العترة الهادية ، وهم أهل بيته الذين جعلهم النبي (ص) مع القرآن ككفتي ميزان .

والله سبحانه أيضا أمر الأمة أن يرجعوا إليهم في ما لا يعلمون ، فقال : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )(30).

والمقصود من أهل الذكر : علي بن أبي طالب والأئمة من بنيه (ع) كما روى الشيخ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " الباب 39 نقلا عن تفسير " كشف البيان " للعلامة الثعلبي بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، عن علي (ع) ، قال : نحن أهل الذكر ، والذكر : هو القرآن الحكيم لقوله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )(31).

وبتعبير آخر من القرآن الكريم ، الذكر : هو رسول الله (ص) لقوله تعالى : ( ... قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ... )(32) .

فأهل الذكر هم آل النبي (ص) ، وأهل القرآن الذين نزل الوحي في بيتهم ، فهم أهل بيت النبوة وأهل بيت الوحي .

ولذلك كان علي (ع) يقول للناس : سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن كتاب الله ، فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم نهار ، وفي سهل أم في جبل ، والله ما أنزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من أنزلت ، وإن ربي وهب لي لسانا طلقا ، وقلبا عقولا ... إلى آخره .

ملخص القول في نظرنا ... إن الاستدلال بالآيات القرآنية يجب أن يطابق بيان أهل البيت والعترة النبوية ، وإلا إذا كان كل إنسان يفسر القرآن حسب رأيه وفكره لوقع اختلاف في الكلمة والتشتت في الآراء ، وهذا لا يرضى به الله سبحانه .

والآن وبعد هذه المقدمة فإنا نستمع لبيانكم .

الشيخ عبد السلام : لقد أول بعض علمائنا الأعلام قوله تعالى :

( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ... )(33).

قالوا : ( والذين معه ) إشارة إلى أبي بكر الصديق ، فهو كان مع رسول الله (ص) في كل مكان حتى في الغار ، ورافقه في الهجرة إلى المدينة المنورة .

والمقصود من ( أشداء على الكفار ) : هو عمر بن الخطاب (رض) الذي كان شديدا على الكفار .

والمراد من ( رحماء بينهم ) : هو عثمان ذو النورين ، فإنه كان كما نعلم رقيق القلب كثير الرحمة .

والمعني من ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) هو علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، فإنه ما سجد لصنم قط .

وأنا أرجو أن تقبل هذا التأويل الجميل ، والقول الجامع لفضيلة الخلفاء الراشدين !

قلت : يا شيخ ! إني أعجب من كلامك وفي حيرة منه ! ولا أدري من أين جئت به ؟! فإني لم أجد في تفاسيركم المعتبرة المشهورة ، هذا التفسير ، ولو كان هذا الأمر كما تقول ، لكان الخلفاء المتقدمون على الإمام علي (ع) احتجوا بها حينما واجهوا معارضة بني هاشم وامتناع السيدة فاطمة الزهراء والإمام علي (ع) من البيعة لهم .

ولكن لم نجد ذلك في التاريخ ولا التفاسير التي كتبها كبار علمائكم ، أمثال : الطبري و الثعلبي والنيسابوري والسيوطي والبيضاوي والزمخشري والفخر الرازي ، وغيرهم .

وهذا التأويل والتفسير ما هو إلا رأي شخصي غير مستند إلى حديث أو رواية ، وإن القائل والملتزم به ومن يقبله يشملهم حديث النبي (من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار )

وإذا قلت : إن ما قلته هو تأويل لا تفسير .

فأقول : إن مذاهبكم الأربعة لا يقبلون تأويل القرآن مطلقا ، ولا يجوز عند أئمتكم تأويل القرآن ، وأضف على هذا ، إن في الآية الشريفة نكات علمية وأدبية تمنع من هذا التأويل ، وتحول دون الوصول إلى مقصودكم ، وهي :

أولا : الضمائر الموجودة في الآية الكريمة .

وثانيا : صياغة الجمل فـ ( محمد ) (ص) : مبتدأ ، و( رسول الله ) : عطف بيان أو صفة ، ( والذين معه ) : عطف على ( محمد ) (ص) و ( أشداء ) وما بعدها : خبر ، ولو قلنا غير هذا فهذا غير معقول وخارج عن قواعد العربية والأصول .

ولذا فإن جميع المفسرين من الفريقين قالوا : إن الآية الكريمة تشير إلى صفات المؤمنين بالنبي (ص) جميعا .

ولكني أقول : إن هذه الصفات ما اجتمعت في كل فرد فرد من المؤمنين ، بل مجموعها كانت في مجموع المؤمنين ، أي إن بعضهم كانوا ( أشداء على الكفار ) وبعضهم كانوا ( رحماء بينهم ) وبعضهم ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) ولم يكن من المؤمنين إلا رجل واحد جمع كل هذه الصفات والميزات الدينية ، وهو : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، فهو الذي كان مع النبي (ص) من أول رسالته وبعثته حتى آخر ساعات حياته المباركة ، إذ كان رأس النبي (ص) في حجر وصيه وابن عمه علي بن أبي طالب حين فارقت روحه الدنيا .

الشيخ عبد السلام : إنك قلت : بأني لا أجادل ولست متعصبا ! بينما الآن تظهر التعصب ، وتجادلنا على ما لا ينكره أي فرد من أهل العلم !

أما قرأت قوله تعالى : ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم )(34).

هذه الآية الكريمة إضافة على أنها تؤيد رأينا في تأويل الآية السابقة : ( والذين معه ) فهي تسجل فضيلة كبرى ، ومنقبة عظمى لسيدنا أبي بكر الصديق (رض) ، لأن مصاحبته للنبي (ص) تدل على منزلته عنده ، ودليل على أن رسول الله (ص) كان يعلم بعلم الله أن أبا بكر يكون خليفته ، فكان يلزم عليه حفظه كما يلزم حفظ نفسه الشريفة ، لذلك أخذه معه حتى لا يقع في أيدي المشركين ، ولم يأخذ النبي أحدا سواه ، وهذا أكبر دليل على خلافته .

قلت : إذا أبعدتم عنكم التعصب ، وتركتم تقليد أسلافكم ، ونظرتم إلى الآية الكريمة بنظر التحقيق والتدقيق ، لو وجدتم أنها لا تعدّ فضيلة ومنقبة لأبي بكر ، وليس فيها أي دليل على خلافته!

الشيخ عبد السلام : إني أتعجب من قولك هذا ، والآية صريحة في ما نقول ، ولا ينكره إلا معاند متعصب !

قلت : قبل أن أخوض هذا البحث أرجو أن تعرضوا عن كلامكم ، لأني أخشى أن يمس ويخدش البحث عواطفكم ، فإن الكلام يجر الكلام ، ونصل بالبحث إلى ما لا يرام ، ولا يتحمله العوام ، لسوء ما تركز عندهم في الأفهام .

الشيخ عبد السلام : أرجو أن لا تتكلّم بالإبهام ، بل بين لنا كل ما عندك من الجواب والرد على ما قلناه بالتمام ، ونحن إنما اجتمعنا وحاورناكم لنعرف حقيقة الإسلام ، ونحن مستعدون لاعتناق مذهبكم إذا ظهر لنا وثبت أنه الحق الذي أمر به محمد سيد الأنام (ص) .

قلت : إن إنكاري لقولكم لا يكون عن تعصب وعناد ، وإعراضي عن الجواب ليس عن عيّ وجهل ، بل رعاية للأدب والوداد ، ولكن إصراركم على رأيكم ، وإحساسي بالمسؤولية في كشف الحق وإظهار الحقيقة والإرشاد ، يفرض علي الرد والجواب ، حتى يعرف الحاضرون كلمة الحق والسداد ، فأقول :

أولا : قولك : إن النبي (ص) حمل معه أبا بكر ، لأنه (ص) كان يعلم انه يكون خليفته ، فأراد أن يحفظه من شر المشركين ، كلام غريب ..

لأن النبي (ص) إذا حمله لهذا السبب ، فلماذا لم يأخذ معه خلفاءه الآخرين ، الراشدين على حد زعمكم ؟! عمر وعثمان وعلي ، لأنهم كانوا في مكة مهددين أيضا !

فلماذا هذا التبعيض ؟! يأخذ أبا بكر ويأمر عليا ليبيت على فراش الخطر ، ويفدي النبي (ص) بنفسه !

هل هذا من العدل والإنصاف ؟!

ثانيا : بناء على ما ذكره الطبري في تاريخه ، ج3 : إن أبا بكر ما كان يعلم بهجرة النبي (ص) فجاء عند علي بن أبي طالب وسأله عن رسول الله (ص) ، فأخبره بأنه هاجر نحو المدينة فأسرع أبو بكر ليلتقي بالنبي (ص) ، فرآه في الطريق فأخذه النبي (ص) معه .

فالنبي (ص) إنما أخذ معه أبا بكر على غير ميعاد ، لا كما تقول .

وقال بعض المحققين : إن أبا بكر بعدما التقى بالنبي (ص) في الطريق ، اقتضت الحكمة النبوية أن يأخذه معه ولا يفارقه ، لأنه كان من الممكن أن يفشي أمر الهجرة وكان المفروض أن يكون سرّا ، كما نوّه به الشيخ أبو القاسم بن الصباغ ، وهو من كبار علمائكم ، قال في كتابه

" النور والبرهان " :

إن رسول الله (ص) أمر عليا فنام على فراشه ، وخشي من أبي بكر أن يدلّهم عليه فأخذه معه ومضى إلى الغار !

ثالثا : أسألك أن تبين لنا محل الشاهد من الآية الكريمة ، وتوضّح الفضيلة التي سجلتها الآية الكريمة لأبي بكر ؟!

الشيخ عبد السلام : محل الشاهد ظاهر ، والفضيلة أظهر ، وهي :

أولا : صحبة النبي (ص) ، فإن الله تعالى يعبر عن الصديق (رض) بصاحب رسول الله (ص) .

ثانيا : جملة : ( إن الله معنا ) .

ثالثا : نزول السكينة من عند الله سبحانه على سيدنا أبي بكر .

ومجموعها تثبت أفضلية سيدنا الصديق وأحقيته بالخلافة .

قلت : لا ينكر أحد أن أبا بكر كان من كبار الصحابة ، ومن شيوخ المسلمين ، وأنه زوج ابنته من النبي (ص) .

ولكن هذه الأمور لا تدل على أحقيته بالخلافة .

وكذلك كل ما ذكرتم من شواهد ودلائل في الآية الكريمة ، لا تكون فضائل خاصة بأبي بكر ، بل لقائل أن يقول : إن صحبة الأخيار والأبرار لا تكون دليلا على البر والخير ، فكم من كفار كانوا في صحبة بعض المؤمنين والأنبياء ، وخاصة في الأسفار .

 

الصحبة ليست فضيلة:

1ـ فإنا نقرأ في سورة يوسف الصديق (ع) أنه قال : ( يا صاحبي السجن ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) (35).

لقد اتفق المفسرون أن صاحبي يوسف الصديق (ع) هما ساقي الملك وطباخه ، وكانا كافرين ودخلا معه السجن ولبثا خمس سنين في صحبة النبي يوسف الصديق (ع) ولم يؤمنا بالله ، حتى أنهما خرجا من السجن كافرين ، فهل صحبة هذين الكافرين لنبي الله يوسف (ع) تعد منقبة وفضيلة لهما ؟!

2ـ ونقرأ في سورة الكهف : ( قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا )(36).

ذكر المفسرون : أن المؤمن ـ وكان اسمه : يهودا ـ قال لصاحبه ـ واسمه : براطوس ـ وكان كافرا ، وقد نقل المفسرون ـ منهم : الفخر الرازي ـ محاورات هذين الصحابين ، ولا مجال لنقلها ، فهل صحبة براطوس ليهودا ، تعد له فضيلة أو شرفا يقدمه على أقرانه ؟!

أم هل تكون دليلا على إيمان براطوس ، مع تصريح الآية : ( أكفرت بالذي خلقك من تراب)(37) ؟!

فالمصاحبة وحدها لا تدل على فضيلة وشرف يميز صاحبها ويقدمه على الآخرين .

وأما استدلالك على أفضلية أبي بكر ، بالجملة المحكية عن النبي (ص) ( إن الله معنا ) فلا أجد فيها فضيلة وميزة لأحد ، لأن الله تعالى لا يكون مع المؤمنين فحسب ، بل يكون مع غير المؤمنين أيضا ، لقوله تعالى : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ...)(38).

فبحكم هذه الآية الكريمة ، فإن الله عز وجل يكون المؤمن والكافر والمنافق .

الشيخ عبد السلام : لا شك أن المراد من الآية الكريمة : ( إن الله معنا ...) يعني : بما أننا مع الله ونعمل لله ، فإن ألطاف الله تعالى تكون معنا ، والعناية الإلهية تشملنا .

 

حقائق لا بد من كشفها:

قلت : حتى لو تنزلنا لكم وسلمنا لقولكم ، فلقائل أن يقول : إن الجملة مع هذا التفسير أيضا لا تدل على فضيلة ثابتة أو منقبة تقدم صاحبها على الآخرين ، لأن هناك أشخاص شملتهم الألطاف الإلهية والعناية الربانية ، وما داموا مع الله كان الله معهم ، وحينما تركوا الله سبحانه تركهم وانقطعت العناية والألطاف الإلهية عنهم ، مثل :

1ـ إبليس ـ ولا مناقشة في الأمثال ـ فإنه عبد الله تعالى عبادة قل نظيرها من الملائكة ، وقد شملته الألطاف والعنايات الربانية، ولكن لما تمرد عن أمر ربه تكبر واتبع هواه واغتر ، خاطبه الله الأعظم الأكبر قائلا: ( قال فأخرج منها فإنك رجيم * وإنّ عليك اللعنة إلى يوم الدين )(39).

2ـ ومثله في البشر : بلعم بن باعورا ، فإنه كما ذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى :
( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين )(40) قالوا :إنه تقرب إلى الله تعالى بعبادته له إلى أن أعطاه الاسم الأعظم وأصبح ببركة اسم الله سبحانه مستجاب الدعوة ، وعلى أثر دعائه تاه موسى وبنو إسرائيل أعواما كثيرة في الوادي .

ولكن على أثر طلبه للرئاسة والدنيا سقط في الامتحان ، واتّبع الشيطان ، وخالف الرحمن ، وسلك سبيل البغي والطغيان ، وصار من المخلدين في النيران .

وإذا أحببتم تفصيل قصته ، فراجعوا التاريخ والتفاسير ، منها : تفسير الرازي 4/ 463 ، فإنه يروي عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد بالتفصيل .

3ـ وبرصيصا .. في بني إسرائيل ، كان مجدا في عبادة الله سبحانه حتى أصبح من المقربين ، وكانت دعوته مستجابة ، ولكن عند الامتحان أصيب بسوء العاقبة فترك عبادة رب العالمين ، وسجد لإبليس اللعين ، وأمسى من الخاسرين ، فقال الله تعالى فيه : ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين )(41).

فإذا صدر عمل حسن من إنسان ، فلا يدل على أن ذلك الإنسان يكون حسنا إلى آخر عمره وأن عاقبة أمره تكون خيرا ، ولذا ورد في أدعية أهل البيت عليهم السلام : اللهم اجعل عواقب أمورنا خيرا .

إضافة إلى ما قلنا: فإنكم تعلمون أنه قد ثبت عند علماء المعاني والبيان ، أن التأكيد في الكلام يدل على شك المخاطب وعدم بقيته للموضوع ، أو توهمه خلاف ذلك .

والآية مؤكدة " بأنّ " فيظهر بأن ّ مخاطب النبي (ص) وهو صاحبه في الغار كان شاكا في الحق ، على غير يقين بأن الله سبحانه يكون معهما !

الشيخ عبد السلام : ـ شاط غاضبا ـ وقال : ليس من الإنصاف أن تمثل صاحب رسول الله وخليفته بإبليس وبلعم وبرصيصا !

قلت : أنا في البداية بينت أن : " لا مناقشة في الأمثال " ومن المعلوم أن في المحاورات إنما يذكرون الأمثال لتقريب موضوع الحوار إلى الأذهان ، وليس المقصود من المثل تشابه المتماثلين من الجهات ، بل يكفي تشابههما من جهة واحدة ، وهي التي تركز عليها موضوع الحوار .

وإني أشهد الله ! بأني ما قصدت بالأمثال التي ذكرتها إهانة أحد أبدا ، بل البحث والحوار يقتضي أحيانا أن أذكر شاهدا لكلامي ، وأبين مثلا لتفهيم مقصدي ومرامي .

الشيخ عبد السلام : دليلي على أن الآية الكريمة تتضمن مناقب وفضائل لسيدنا أبي بكر (رض) ، جملة : ( فأنزل الله سكينته عليه ) فإن الضمير في ( عليه ) يرجع لأبي بكر الصديق ، وهذا مقام عظيم .

قلت : الضمير يرجع إلى النبي (ص) وليس لأبي بكر ، بقرينة الجملة التالية في الآية
( وأيده بجنود لم تروها ) .

وقد صرح جميع المفسرين : أن المؤيد بجنود الله سبحانه هو النبي (ص) .

الشيخ عبد السلام : ونحن نقول أيضا : إن المؤيد بالجنود هو النبي (ص) ولكن أبا بكر كذلك كان مؤيدا مع النبي (ص) .

 

السكينة والتأييد من خصوصيات النبي (ص):

قلت : إذا كان الأمر كما تقول ، لجأت الضمائر في الآية الكريمة بالتثنية ، بينما الضمائر كلها جاءت منفردة ، فحينئذ لا يجوز لأحد أن يقول : إن الألطاف والعنايات الإلهية كالنصرة والسكينة شملت رسول الله دون صاحبه !!

الشيخ عبد السلام : إن رسول الله (ص) كان في غنى عن نزول السكينة عليه ، لأن السكينة الإلهية كانت دائما معه ولا تفارقه أبدا ، ولكن سيدنا أبا بكر (رض) كان بحاجة ماسة إلى السكينة فأنزلها الله سبحانه عليه .

قلت : لماذا تضيع الوقت بتكرار الكلام ، بأي دليل تقول : إن النبي (ص) لا يحتاج إلا السكينة الإلهية ؟! بينما الله سبحانه يقول : ( ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها ...)(42) وذلك في غزوة حنين .

ويقول سبحانه وتعالى أيضا : ( فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى ...)(43) وذلك في فتح مكة المكرمة .

فكما في الآيتين الكريمتين يذكر الله النبي (ص) ويذكر بعده المؤمنين ، فلو كان أبو بكر في آية الغار من المؤمنين الذين تشملهم السكينة الإلهية ، لكان الله عز وجل ذكره بعد ذكر النبي (ص) أو يقول : فأنزل الله سكينته عليهما .

هذا وقد صرح كثير من علمائكم : بأن ضمير ( عليه ) في الآية الكريمة يرجع إلى النبي (ص) لا إلى أبي بكر ، راجعوا كتاب " نقض العثمانية " للعلامة الشيخ أبي جعفر الإسكافي وهو أستاذ ابن أبي الحديد ، وقد كتب ذلك الكتاب القيم في رد وجواب أباطيل أبي عثمان الجاحظ .

إضافة على ما ذكرنا ، نجد في الآية الكريمة جملة تناقض قولكم ! وهي : ( إذ يقول لصاحبه لا تحزن ) فالنبي ينهى أبا بكر عن الحزن ، فهل حزن أبي بكر كان عملا حسنا أم سيئا ؟

فإن كان حسنا ، فالرسول لا ينهى عن الحسن ، وإن كان سيئا فنهي النبي (ص) له من باب النهي عن المنكر بقوله : ( لا تحزن ) فالآية الكريمة لم تكن في فضل أبي بكر ومدحه ، بل تكون في ذمه وقدحه ! وصاحب السوء والمنكر ، لا تشمله العناية والسكينة الإلهية ، لأنهما تختصان بالنبي (ص) والمؤمنين ، وهم أولياء الله الذين لا يخشون أحدا إلا الله سبحانه .

ومن أهم علامات الأولياء كما في قوله تعالى : ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون )(44).

ولما وصل البحث إلى هذه النقطة ، نظر العلماء إلى الساعة وهي تشير إلى أن الوقت قد جاوز منتصف الليل .

فأرادوا الانصراف من المجلس ، ولكن النواب قال : ما وصلنا إلى نتيجة حول الآية الكريمة : ( محمد رسول الله والذين معه ..) إلى آخره والسيد بعد لم يتم كلامه في الموضوع .

فقال الحاضرون : لقد تعب السيد فنترك البحث إلى الليلة المقبلة إن شاء الله تعالى .. فتوادعنا وانصرفوا .

-------

(1) سورة الأنبياء ، الآية 92 .

(2) سورة الأعراف ، الآية 142 .

(3) سورة الأعراف ، الآية 150 .

(4) نهج البلاغة ـ تحقيق د. صبحي الصالح ـ : 50 الخطبة الشقشقية ، لسان العرب : 6/13 مادة (زبر) .

(5) سورة الأعراف ، الآية 150 .

(6) سورة الأعراف ، الآية 150 .

(7) سورة الشعراء ، الآية : 214 .

(8) الجَذَعة : الشاة الصغيرة السن ومن الابل من كان سنها أربع سنين إلى خمس .

وقيل سميت بذلك لأنها تجذع مقدم أسنانها أين تسقطه .

(9) العَسّ : القدح الضخم يروي الثلاثة والأربعة .

(10) يفيدنا هذا الحديث الشريف : أن النبي (ص) جعل الرضا بخلافة الإمام علي (ع) من بعده ، من علائم الإيمان ، والفرق بين الإسلام والإيمان واضح لقوله تعالى : ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ... ) سورة الحجرات ، الآية 14 .

(11) أقول : وقد وردت أخبار كثيرة في كتب العامة عن النبي (ع) يشير فيها إلى فضائل الإمام علي (ع) ، ويصرح (ص) بأنه : الإمام الوصي ، والولي ، وأمير المؤمنين ، وهذه الألقاب والصفات ما جاءت إلا بمعنى الخلافة ، فغير صحيح أن يؤخر الإمام والمأموم ، أو يخلف النبي (ص) غير وصيه ...

وإليك بعض تلك الأخبار :

1ـ أخرج الشيخ سليمان الحنفي في كتابه : " ينابيع المودة " 1/156 في الباب الرابع والأربعين : قال :

وفي المناقب : عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : قال : قال رسول الله (ص) : يا علي ! أنت صاحب حوضي ، وصاحب لوائي ، وحبيب قلبي ، ووصيي ووارث علمي ، وأنت مستودع مواريث الأنبياء من قبلي ، وأنت أمين الله في أرضه ، وحجة الله على بريته ، وأنت ركن الايمان وعمود الاسلام ، وأنت مصباح الدجى ، ومنار الهدى ، والعلم المرفوع لأهل الدنيا .

يا علي ! من اتبعك نجا ، ومن تخلف عنك هلك ، وأنت الطريق الواضح ، والصراط المستقيم ، وأنت قائد الغر المحجلين ، ويعسوب المؤمنين ، وأنت مولى من أنا مولاه ، وأنا مولى كل مؤمن ومؤمنة ، لا يحبك إلا طاهر الولادة ، وما عرجني ربي عز وجل إلى السماء وكلمني ربي إلا قال : يا محمد اقرأ عليا مني السلام ، وعرفه أنه إمام أوليائي ، ونور أهل طاعتي ، وهنيئا لك هذه الكرامة .

2ـ وأخرج ابن المغازلي الشافعي في كتابه " المناقب " والديلمي في كتابه " الفردوس " كما نقل عنهما الشيخ سليمان الحنفي في كتابه ينابيع المودة 1/11 ، الباب الأول ، عن سلمان ، قال : سمعت حبيبي محمدا (ص) يقول : كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله عز وجل ، يسبح الله ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلما خلق آدم أودع ذلك النور في صلبه ، فلم يزل أنا وعلي شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب ، ففيّ النبوة وفي علي الامامة .

3ـ وأخرجه المير السيد علي الهمداني ،ن في المودة الثامنة من كتابه " مودة القربى " قال : عثمان (رض) رفعه عن النبي (ص) قال : خلقت أنا وعلي من نور واحد ـ إلى أن قال (ص) : ـ ففي النبوة والرسالة ، وفيك الوصية والإمامة .

4ـ وأخرج أيضا عن علي (ع) عن النبي (ص) قال : يا علي ! خلقني الله وخلقك من نوره ـ إلى أن قال (ص) :ـ ففي النبوة والرسالة ، وفيك الوصية والإمامة .

5ـ وأخرج العلامة الكنجي الشافعي في كتابه : " كفاية الطالب " في الباب السادس والخمسين ، في تخصيص علي (ع) بكونه إمام الأولياء ، روى بسنده المتصل عن أنس بن مالك ، قاال : بعثني النبي (ص) إلى أبي برزة الأسلمي ، فقال (ص) له ـ وأنا أسمع ـ : يا أبا برزة ! إن الله عهد إلي عهدا في علي بن أبي طالب .

فقال : إنه راية الهدى ، منار الإيمان ، وإمام أوليائي ، ونور جميع من أطاعني .

يا أبا برزة ! علي بن أبي طالب أميني غدا في القيامة ، وصاحب رايتي في القيامة ، وأميني على مفاتيح خزائن رحمة ربي عز وجل .

قال العلامة الكنجي : هذا حديث حسن ، أخرجه صاحب " حلية الأولياء " كما أخرجناه .

6ـ وأخرج العلامة الكنجي ، في الباب الرابع والخمسين ، بسنده المتصل عن انس ، قال : قال رسول الله (ص) : يا أنس ! اسكب لي وضوء يغنيني .

فتوضأ ثم قام وصلى ركعتين ، ثم قال : يا أنس ! أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين ، وسيد المرسلين ، وقائد الغر المحجلين ، وخاتم الوصيين .

قال أنس : قلت اللهم اجعله رجلا من الأنصار ، وكتمته ,

إذ جاء علي ، فقال : من هذا يا أنس ؟ قلت : علي بن أبي طالب .

فقام النبي (ص) مستبشرا فاعتنقه ، ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ، ويمسح عرق علي (ع) بوجهه .

قال علي (ع ) : يا رسول الله ! لقد رأيتك صنعت بي شيئا ما صنعت بي قبل !

قال (ص) : وما يمنعني وأنت تؤدي عني ، وتسمعهم صوتي ، وتبين فيهم ما اختلفوا فيه بعدي ؟!

قال العلامة الكنجي الشافعي هذا حديث حسن عال ، أخرجه الحافظ أبو نعيم في " حلية الأولياء " قال : وأنشدت في المعنى :

عـــلـــي أمــيــر الــمـؤمـنين الذي به هدى الله أهل الأرض من حيرة الكفر

أخو المصطفى الهادي الذي شد أزره فكان له عونا على العــســر والـــيسر

ومـن نصر الاســــلام حتى تــوطأت قـــواعده عــــزا فـــتوج بـــالــــنـصر

علـــي علـي الـقـــدر عـنــد ملــيكــه على رغم مـن عاداه قـــاصمة الظـهــر

نكتفي بهذا المقدار ، فإن فيه الهدى والاستبصار ، لمن أراد أن يعرف الحق من الأحاديث والأخبار . " المترجم "

(12) ترجم له الصفدي في كتاب " الوافي بالوفيات " في حرف الألف .

(13) لقد ورد خبر آخر في عظم فضل الإمام علي عليه السلام نذكره إتماما للفائدة :

جاء في الرياض النضرة 2/214 ، وفي ذخائر العقبى ـ للمحب الطبري ـ ص 61 : عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله (ص) : ما اكتسب مكتسب مثل فضل علي ، يهدي صاحبه إلى الهدى ، ويرده عن الردى . أخرجه الطبراني .

أقول : جاء في كتاب " تاريخ الخلفاء" للسيوطي 1/65 ، قال أحمد بن حنبل : ما روي وما ورد لأحد من أصحاب رسول الله (ص) من الفضائل ، ما روي وما ورد لعلي رضي الله عنه !

وأخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين 3/ 107 ، بسنده عن محمد بن منصور الطوسي ، قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله (ص) من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه .

وأخرج ابن عبد البر في الاستيعاب 2/479ط . حيدر آباد 1319هـ قال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن اسحاق القاضي : لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام .

وأخرجه الثعلبي في تفسير ىية ( انما وليكم الله ورسوله ..) .

وأخرجه الخطيب الموفق بن أحمد الخوارزمي الحنفي في المناقب ، ص 20 .

والذهبي في " تلخيص المستدرك " المطبوع بهامش 3/107 . ( المترجم) .

(14) سورة النساء ، الآية 3 .

(15) سورة آل عمران ، الآية 97 .

(16) سورة ق ، الآية 16 .

(17) سورة طه ، الآية 7 .

(18) سورة الأعلى ، الآية 7 .

(19) سورة ابراهيم ، الآية 38 .

(20) سورة الحديد ، الآية 12 .

(21) سورة التحريم ، الآية 8 .

(22) سورة الواقعة ، الآية 35ـ37 .

(23) أقول : خبر عزل أبي بكر من تبليغ آيات سورة براءة حديث مشهور بين المفسرين والمحدثين من علماء العامة ، منهم :

أبو الفداء ، اسماعيل بن عمر الدمشقي : في البداية والنهاية 7/357 .

ابن حجر الهيتمي ، في الصواعق المحرقة ، ص 19 .

ابن حجر العسقلاني ، في الاصابة 2/509 .

الحاكم النيسابوري ، في المستدرك على الصحيحين 2/51 ، و321 .

محمد بن عيسى الترمذي ، في صحيحه 2/461 .

المتقي الهندي الحنفي ، في كنز العمال 1/243 و249 ، وج6/153 .

الامام أحمد بن حنبل ، في المسند 1/3 ، وج3/283 ، وج4/164 .

محب الدين الطبري ، في ذخائر العقبي ص 69 .

الامام النسائي في خصائصه ، ص 4 .

الكنجي الشافعي ، في كفاية الطالب ، الباب السبعين ص 152 ، بسنده المتصل بالحرث بن مالك ، قال : أتيت مكة فلقيت سعد بن أبي وقاص ، فقلت هل سمعت لعلي منقبة ؟ قال : قد شهدت له أربعا لئن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من الدنيا أعمر فيها عمر نوح .

إن رسول الله (ص) بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش فسار بها يوما وليلة ، ثم قال لعلي : اتبع أبا بكر فخذها وبلغها . فرد علي (ع) أبا بكر ، فرجع يبكي فقال : يا رسول الله ! أنزل في شيء ؟!

قال : لا ، إلا خيرا ، إلا أنه ليس يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني . أو قال : من أهل بيتي ... إلى آخره .

وبعدما نقل الخبر بطوله قال العلامة الكنجي : هذا حديث حسن ، وأطرافه صحيحة ، أما طرفه الأول فرواه إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل وهو بعث في أبي بكر ببراءة ، وتابعه الطبراني ... إلى آخر كلامه . " المترجم "

(24) سورة الشورى ، الآية 23 .

(25) سورة النساء ، الآية 3 .

(26) لقد خرّج الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين 3/ 154 حديثا بمعناه وفي زيادة ، وهذا نصه : بحذف السند ، بسنده عن جميع بن عمير ، قال : دخلت مع أمي على عائشة فسمعتها من وراء الحجاب وهي تسأل عن علي ؟ فقالت : تسألني عن رجل ، والله ما أعلم رجلا كان أحب إلى رسول الله (ص) من علي ، ولا في الأرض امرأة كانت أحب إلى رسول الله (ص) من امرأته ـ أي : فاطمة عليها السلام ـ ثم قال الحاكم : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ـ أي : البخاري ومسلم ـ .

وخرّج محب الدين الطبري في " ذخائر العقبى " صفحة 35 ، حديثا بمعناه وهذا نصه : عن عائشة أنها سئلت : أي الناس كان أحب إلى رسول الله (ص) ؟ قالت : فاطمة ، فقيل : من الرجال ؟ قالت : زوجها ، إن كان ما علمت صواما قواما .

خرّجه الترمذي في صحيحه 2/475 ، وخرجه ابن عبيد وزاد بعد قوله " قواما " : جديرا بقول الحق .

وعن بريدة ، قال : كان أحب الناس إلى رسول الله (ص) فاطمة ومن الرجال علي . خرّجه أبو عمر .

انتهى ما ذكره الطبري في ( الذخائر ) .

وقد خرّج الحديث ، الحاكم في المستدرك على الصحيحين في مورد آخر ، ج3/157 ، وخرّجه ابن الأثير في أسد الغابة 3/522 ، وابن عبد البر في الاستيعاب 2/772 ، والترمذي في صحيحه 2/471 في مناقب أسامة ، وخرّجه الخوارزمي الحنفي في : تاريخ مقتل الحسين عليه السلام 1/57 ، والمتقي الهندي في : كنز العمال 6/450 نقلا من كتب كثيرة لعلماء العامة . ( المترجم ) .

(27) سورة غافر الآية 60 .

(28) واليك الحديث كما نقله العلامة الكنجي الشافعي في أول الباب 33 من كتاب " كفاية الطالب " وأسماء رواته كما يلي :

أخبرنا أحمد بن محمد السدي ، أخبرنا علي بن عمر بن محمد السكري ، أخبرنا أبو الحسن علي بن السراج المصري ، حدثنا أبو محمد فهد بن سليمان النحاس ، حدثنا أحمد بن يزيد ، حدثنا زهير ، حدثنا عثمان الطويل ، عن أنس بن مالك :

أهدي إلى رسول الله (ص) طائر وكان يعجبه أكله ، فقال : ائتني بأحب الخلق إليك يأكل معي هذا الطائر .

فجاء علي بن أبي طالب فقال : استأذن لي على رسول الله . قال فقلت : ما عليه إذن ، وكنت أحب أن يكون رجلا من الأنصار .

فذهب ثم رجع فقال : استأذن لي عليه ، فسمع النبي (ص) كلامه ، فقال : أدخل يا علي ، ثم قال : اللهم وإلي ، اللهم وإلي ـ أي : هو أحب الناس إلي أيضا ـ .

وأما أسماء رواة هذا الحديث عن أنس كما ذكرهم العلامة الكنجي الشافعي نقلا عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ النيسابوري ، وهم ستة وثمانون رجلا ، ذكرهم في آخر الباب 33 بترتيب حروف المعجم ، كما يلي :

[أ] ابراهيم بن هدية أبو هدية ، وابراهيم بن مهاجر أبو اسحاق البجلي ، وإسماعيل ابن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ، واسماعيل بن عبد الرحمن السدي ، واسماعيل بن سليمان بن المغيرة الأزرق ، واسماعيل بن وردان ، واسماعيل بن سليمان ، واسماعيل غير منسوب من أهل الكوفة ، واسماعيل بن سليمان التيمي ، واسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، وابان بن أبي عياش أبو اسماعيل .

[ب] بسام الصيرفي الكوفي ، وبرذعة بن عبد الرحمن .

[ث] ثابت بن أسلم البنانيان ، وثمامة بن عبد الله بن أنس .

[ج] جعفر بن سليمان النجعي .

[ح] حسن بن أبي الحسن اليصري ، وحسن بن الحكم البجلي ، وحميد بن التيرويه الطويل .

[خ] خالد بن عبيد أبو عاصم .

[ز] زبير بن عدي ، وزياد بن محمد الثقفي ، و زياد بن شزوان .

[س] سعيد بن المسيب ، وسعيد بن ميسرة البكري ، وسليمان بن طرخان التيمي ، وسليمان بن مهران الأعمش ، وسليمان بن عامر بن عبدالله بن عباس ، وسليمان بن الحجاج الطائفي .

[ش] شقيق بن أبي عبد الله .

[ع] عبد الله بن أنس بن مالك ، وعبد الملك بن عمير ، وعبد الملك بن أبي سليمان ، وعبد العزيز بن زياد ، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي ، وعمر بن أبي حفص الثقفي، وعمر بن سليم البجلي ، وعمر بن يعلى القفي ، وعثمان الطويل ، وعلي بن أبي رافع ، وعامر بن شراحيل الشعبي ، وعمران بن مسلم الطائي ، وعمران بن هيثم ، وعطية بن سعد العوفي ، وعباد بن عبد الصمد ، وعيسى بن طهمان ، وعمار بن أبي معاوية الدهني .

[ف] فضيل بن غزوان .

[ق] قتادة بن دعامة .

[ك] كلثوم بن جبر .

[م] محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب "الباقر (ع) "، ومحمد بن مسلم الزهري ، ومحمد بن عمر بن علقمة ، ومحمد بن عبد الرحمن أبو الرجال ، ومحمد بن خالد بن المنتصر الثقفي ، ومحمد بن سليم ، ومحمد بن مالك الثقفي ، ومحمد بن جحادة ، ومطير بن خالد ، معلى بن هلال ، وميمون غير منسوب ، ومسلم الملائي ، ومطر بن طهمان الوراق ، وميمون بن مهران ، ومسلم بن كيسان ، وميمون بن جابر السلمي ، وموسى بن عبد الله الجهني ، ومصعب بن سليمان الأنصاري .

[هـ] هلال بن سويد .

[ي] يحيى بن سعيد الأنصاري ، ويحيى بن هانئ ، ويوسف بن ابراهيم ، ويوسف أبو شيبة ـ وقيل هما واحد ـ ، ويزيد بن سفيان ، ويعلى بن مرة ، ونعيم بن سالم .

[ابو] أبو الهندي ، وأبو مليح ، وأبو داود السبيعي ، وأبو حمزة الواسطي ، وأبو حذيفة العقيلي ، ورجل من آل عقيل ، وشيخ غير منسوب .

انتهى ما أردنا نقله من كتاب " كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) " تأليف العلامة : فقيه الحرمين ، ومفتي العراقيين ، محدث الشام وصد الحفاظ ، أبي عبد الله الكنجي الشافعي .

وقد ثبت إجماع المسلمين على صحة هذا الخبر ، فنقلوه بالتواتر في كتبهم ومسانيدهم ، كما ثبت أن أمير علي بن أبي طالب (ع) احتج بهذا الحديث في يوم الدار في اجتماع الذين أوصاهم عمر بن الخطاب أن يجتمعوا لتعيين خليفته من بينهم ، فقال الامام علي (ع) : أنشدكم الله هل فيكم أحد قال له رسول الله (ص) : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الكير ، فجاء أحد غيري ؟!

فقالوا اللهم لا ... فقال (ع) : اللهم اشهد .... إلى آخره . " المترجم "

(29) سورة آل عمران ، الآية 103 .

(30) سورة النحل ، الآية 43 .

(31) سورة الحجر ، الآية 9 .

(32) سورة الطلاق ، الآية 10 ـ 11 .

(33) سورة الفتح ، الآية 29 .

(34) سورة التوبة ، الآية 40 .

(35) سورة يوسف ، الآية 39 .

(36) سورة الكهف ، الآية 37 .

(37) سورة الكهف ، الآية 37 .

(38) سورة المجادلة ، الآية 7 .

(39) سورة الحجر ، الآية 34 ـ 35 .

(40) سورة الأعراف ، الآية 175 .

(41) سورة الحشر ، الآية 16 .

(42) سورة التوبة ، الآية 26 .

(43) سورة الفتح ، الآية 26 .

(44) سورة يونس الآية 63 .

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية