شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

عَمْرو بنُ خالد الصَّيداويّ

0 المشاركات 00.0 / 5

عمرٌو هذا

هو أبو خالد من بني الصَّيداء، وهم بطنٌ من قبيلة أسد من العدنانيّة ( عرب الشمال )، وكان رجلاً شريفاً ومن الشخصيّات الجليلة في الكوفة، وقد عُرِف بأنّه مخلص الولاء لأهل البيت عليهم السّلام(1).

 

النُّصرة.. والهِجرة

قام عمرو بن خالد الصَّيداويّ مع مسلم بن عقيل عليه السّلام في نهضته بالكوفة، فلمّا خانه أهل الكوفة وخذلوه.. لم يَسْع عَمْراً إلاّ أن يختفيَ في تلك الفتنة التي قُتِل فيها ثُلّة من المؤمنين الأخيار، أمثال: مسلم بن عقيل، وهاني بن عُروة.. رضوان الله عليهما.
بقي عَمْروٌ مختفياً.. حتّى سمع بشهادة قيس بن مُسْهِر على يد الطاغية عبيدالله بن زياد بن أبيه، وأنّ الإمام الحسين عليه السّلام ـ كما أخبر قيس ـ قد صار بـ « الحاجز »(2)، عند ذلك خرج عمرو بن خالد إلى الإمام الحسين عليه السّلام ومعه: سعد مولاه، ومُجَمَّع بن عبدالله العائذيّ وابنه، وجُنادة بن الحارث المَذحِجيّ السلمانيّ الكوفي ومولاه واضح التركيّ. واتّبعهم غلامٌ لنافع بن هلال الجَمَليّ بفرسه المدعوّ بالكامل، فجنّبوه، وأخذوا دليلاً لهم هو الطِّرِمّاح بن عَدِيّ الطائيّ(3)، وكان الطِّرمّاح جاء إلى الكوفة يمتار لأهله طعاماً، فخرج بعمرو بن خالد الصيداويّ وجماعته على طريقٍ مُتنكّب، وسار بهم سيراً عنيفاً؛ لأن الطريق مرصود.. حتّى إذا قاربوا أبا عبدالله الحسين سلام الله عليه حدا بهم الطرمّاح قائلاً:

يا ناقتي، لا تَذْعُري مِن زَجْري   وشمِّـري قبـلَ طلوعِ الفـجرِ
بخيرِ رُكبـانٍ وخيـرِ سَفْر(4)   السـادةِ البِيضِ الوجوهِ الـزُّهْرِ
الطاعنينَ بـالـرمـاح السُّـمْرِ   الضـاربيـنَ بـالسـيوفِ التِّبْرِ
حتّـى تَحِلّي بكـريم النَّجْـرِ(5)   المـاجدِ الحُـرِّ رحيبِ الصَّـدْرِ
ثَمّـةَ إبـقـاء بقـاءَ الـدَّهْـرِ   يـا مالِكَ النَّـفْعِ معـاً والضُّـرِّ
أيّـدْ حُسيناً سيّـدي بـالنَّـصْرِ   على الطُّغـاةِ مِن بغـايا الكُـفْرِ
على اللَّعـينَينِ سَليـلَي صَخْـرِ   يـزيـدَ لا زال حليفَ الخَمْـرِ


فانتَهَوا إلى سيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين عليه السّلام وهو بـ « عُذَيب الهجانات »(7)، فسلّموا عليه وأنشدوه تلك الأبيات، فقال عليه السّلام:
أمَ واللهِ إنّي لأرجو أن يكونَ خيراً ما أراد اللهُ بنا: قُتِلْنا أو ظَفِرْنا(8).
ولَمّا رآهم الحرّ بن يزيد الرياحيّ ـ وكان كُلِّف بمنع الإمام الحسين عليه السّلام من الدخول إلى الكوفة ـ قال للإمام الحسين عليه السّلام: إن هؤلاء النَّفرَ من أهل الكوفة، ليسوا ممّن أقبل معك، وأنا حابِسُهم أو رادُّهم. فقال له الإمام الحسين عليه السّلام:
لأمنعنّهم ممّا أمنعُ منه نفسي، إنّما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد كنتَ أعطيتَني أن لا تَعرض لي بشيءٍ حتّى يأتيَك كتابُ ابن زياد!
فقال الحرّ: أجل، لكنْ لم يأتوا معك.
فأجابه الإمام الحسين عليه السّلام: هم أصحابي، وهم بمنزلة مَن جاء معي.. فإنّ تمّمتَ على ما كان بيني وبينك، وإلاّ ناجَزتُك!(9)
فكفَّ الحرُّ عنهم(10).

 

مواقف الشهامة

بعد أن نزل الإمام الحسين عليه السّلام في كربلاء، في الثاني من محرّم سنة 61 هجريّة.. أقبل على أصحابه فقال لهم ـ بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على محمّد وآله صلوات الله عليه وعليهم ـ:
أمّا بعد، فقد نزَلَ بنا مِن الأمر ما قد تَرَون، وأنّ الدنيا قد تَغَيّرتْ وتنكّرتْ، وأدبَر معروفُها، ولم يَبقَ منها إلاّ صُبابةٌ كصُبابةِ الإناء(11)، وخَسيسُ عيشٍ كالمَرعى الوبيل. ألاَ تَرَون إلى الحقّ لا يُعمَل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه ؟! لِيَرغبِ المؤمنُ في لقاء الله؛ فإنّي لا أرى الموتَ إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ بَرَماً!(12).
وقد كان عمرو بن خالد الصَّيداويّ ممّن رغب ـ مع الإمام الحسين عليه السّلام ـ في لقاء الله تبارك وتعالى شهيداً، حيث الحقُّ لا يُعمَل به، والباطلُ لا يُتناهى عنه، والديِّنُ في خطر إذْ يتلاعب بمقدّساته أبناءُ الطلقاء وأهلُ النزعات الجاهليّة.
وقد قام الأصحاب ـ بعد سماعهم كلامَ إمامهم ـ فأبدَوا عمّا في ضمائرهم.. فقال زهير: سَمِعْنا ـ يا ابنَ رسول الله ـ مقالتَك، ولو كانت الدنيا لنا باقيةً، وكنّا فيها مُخَلَّدين.. لآثَرْنا النهوضَ معك على الإقامة فيها.
وقام بُرَير بن خُضَير فقال: يا ابن رسول الله، لقد مَنّ اللهُ بك علينا أن نقاتل بين يديك.. تُقطَّع فيك أعضاؤنا، ثمّ يكون جَدُّك شفيعَنا يوم القيامة(13).
وعمرو بن خالد الصَّيداويّ على هذا الموقف وهذا الرأي، ثابتٌ مع أصحابه، ينتظر الساعةَ التي يفوز بالتضحية بين يدَي سيّد شباب أهل الجنّة أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه.

وفَـوارسٌ لَبِسوا القلوبَ سَوابغاً   في الرَّوعِ عند الغـارةِ المِلْحاحِ
كأسُ المنـايا الحُمْرِ في أفواهِهِم   في اللهِ أعذَبُ مِن كؤوسِ الراحِ
مِن كلِّ أبيضَ يُستضاءُ بـوجههِ   وبسـيفهِ فـي كلِّ ليـلِ كِفـاحِ
وبثـاقبٍ كالشُّهْبِ مِن عَزَمـاتهِ   وبمنتـمي نَسَبٍ أغَـرَّ صُـراحِ
أحسـابُهم ووجوهُـهم وسيوفُهم   إصباحُها يُغني عـنِ المصـباحِ
يتسابقون إلى الـوغى.. فكأنّهم   سَيلٌ تَدفّـق فـي بطونِ بِطاحِ
قـد تاجَروا ربَّ السَّما بنفوسِهم   فحَظَوا لديهِ بأغنَمِ الأرباحِ(14)

 

الشهادة

تُذكر روايتان في شهادة عمرو بن خالد الصيداويّ:
الأُولى ـ تُنسَب إلى أبي مخنف في مقتله، وهي:
لمّا التحم القتال بين الإمام الحسين عليه السّلام وأهل الكوفة(15)، شدّ عليهم: عمرو بن خالد الصيداويّ وسعدٌ مولاه وجُنادة بن حارث السلمانيّ ومُجمَّع العائذيّ، مُقْدِمين بأسيافهم في أوّل القتال على الناس، فلمّا وَغَلوا.. عَطَف عليهم الناس فقاتلوا في مكانٍ واحد، فأخَذوا يحوزونهم حتّى قطعوهم عن أصحابهم. فلمّا نظر الإمامُ الحسين عليه السّلام إلى ذلك، نَدَبَ أخاه العبّاسَ عليه السّلام، فنهد إليهم، وحمل على القوم وحدَه يضرب في الأعداء بسيف قدْماً.. حتّى خَلُص إليهم فاستَنقَذهم، فجاءوا وقد جُرِحوا. فلمّا كانوا في أثناء الطريق ـ والعبّاس يَقْدِمهم ـ تدانى إليهم الأعداء ليقطعوا عنهم الطريقَ مرّة أخرى، عندها انسَلّ هؤلاء الرجال الأبطال ( عمرو بن خالد الصيداويّ ومولاه سعد وجنادة بن الحارث ومُجمّع العائذيّ ) من العبّاس عليه السّلام، وشَدّوا على القوم بأسيافهم شدّةً واحدة ـ على ما بهم مِن جراحات! وقاتلوا.. حتّى قُتلوا في مكانٍ واحد.
فرجع العباس عليه السّلام إلى أخيه الحسين عليه السّلام فأخبره بذلك، فترحّم عليهم الإمام الحسين سلام الله عليه وجعل يكرّر ذلك(16).
الرواية الثانية ـ يرويها السيّد ابن طاووس هكذا:
قال الراوي: ثمّ برز عمرُو بن خالد الصيداويّ فقال للحسين عليه السّلام: ـ يا أبا عبدالله، جُعِلتُ فداك قد هَمَمتُ أن ألْحقَ بأصحابك ( وفي رواية: بأصحابي )، وكَرِهتُ أن أتخلّفَ فأراك وحيداً بين أهلك قتيلاً.
فقال له الحسين عليه السّلام: تَقَدّمْ؛ فإنّا لاحقونَ بك عن ساعة.
فتقّدم.. فقاتل حتّى قُتِل رضوان الله عليه(17).

--------------------
1 ـ ذكره: الطبريّ في ( تاريخه 446:5 )، والخوارزميّ في ( مقتل الحسين عليه السّلام 24:2 )، والشيخ المجلسيّ في ( بحار الأنوار 23:45 ).. وغيرهم.
2 ـ في ( معجم البلدان 290:4 ) لياقوت الحموي: الحاجز، منزلٌ لأهل البصرة إذا أرادوا المدينة، وفيه يجتمع أهلُ الكوفة وأهل البصرة.
3 ـ ليس هذا الرجل ابناً لعَدِيّ بن حاتِم الطائيّ؛ لأنّ وُلْد عَدِيٍّ كانوا ثلاثة: طُرْفة، ومُطْرف، وطَريف.. وقد استُشهِدوا جميعاً مع أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام في حروبه، فكان يُقال لِعَدِيّ: اذهبْ على الطُّرُفات! فيجيب: وَدِدتُ أنّ لي ألفاً مِثْلَهم؛ لأُقدّمهم بين يدَيْ عليٍّ إلى الجنّة.
4 ـ أي كثيري السفر.
5 ـ أي كريم الأصل.
6 ـ إبصار العين في أنصار الحسين عليه السّلام للشيخ محمّد السماويّ 66 ـ 67؛ العيون العَبرى للسيّد إبراهيم الميانجيّ 126 ، 73.
7 ـ العُذيب: وادٍ لبني تميم وهو حدّ السواد، بينه وبين القادسيّة أربعة أميال، وأُضيف العذيب إلى الهجانات لأنّ النعمان بن المنذر ملك الحيرة كان يجعل فيه إبله لترعى فيه.
8 ـ إبصار العين 67؛ العيون العبرى 127.
9 ـ أي: نازلتُك، أو قاتلتُك.
10 ـ إبصار العين 67؛ العيون العبرى 73 ـ 74.
11 ـ الصُّبابة: البقيّة القليلة من الماء ونحوه.
12 ـ تاريخ الطبريّ 229:6 ؛ حلية الأولياء لأبي نعيم 39:3 ؛ العقد الفريد لابن عبد ربّه 312:2؛ تاريخ دمشق لابن عساكر 333:4؛ سِيَر أعلام النبلاء للذهبيّ 209:3 ؛ ذخائر العقبى للمحبّ الطبريّ 149؛ مجمع الزوائد للهيثميّ 192:9. وبَرَماً: ضَجَراً وسَأَماً.
13 ـ اللهوف في قتلى الطفوف للسيّد ابن طاووس 34 ـ 35.
14 ـ الدرّ النضيد في مراثي السبط الشهيد للسيّد محسن الأمين ـ والقصيدة للمؤلّف.
15 ـ ربّما كان هذا في الحملة الأولى بعد أن رمى عمر بن سعد بسهمٍ ورمى أصحابه بسهام!
16 ـ العيون العبرى 126؛ إبصار العين 67 ـ عن مقتل الحسين عليه السّلام لأبي مِخنَف.
17 ـ اللهوف 47 ـ عنه: بحار الأنوار 23:25، وفي ص 72 ورد هكذا في زيارة الإمام المهديّ عليه السّلام لشهداء الطفّ: السلام على عُمَرَ بنِ خالدِ الصَّيْداويّ.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية