شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

عبدالله بن يَقْطر

1 المشاركات 05.0 / 5

من هي أمّه ؟

كتب الشيخ محمّد بن طاهر السماويّ في ( إبصار العين في أنصار الحسين:ص 93 ) تحت عنوان: عبدالله بن يَقْطُر الحِمْيَريّ ـ رضيع الحسين عليه السلام: كانت أمّه حاضنةً للحسين كأمّ قيس بن ذريح للحسن، ولم يكن رضع عندها، ولكنّه يُسمّى رضيعاً لعبدالله لحضانة أمّه للحسين عليه السلام. وأمّ الفضل بن العبّاس بن عبدالمطّلب ( لُبابة ) كانت مُربّيةً للحسين عليه السلام ولم تُرضعه أيضاً ـ كما صحّ في الأخبار أنّه لم يرضع مِن غير ثَدْي أمّه فاطمة صلوات الله عليها وإبهامِ رسول الله صلّى الله عليه وآله تارةً أخرى(1).
وهكذا كانت تُطلق المصطلحات؛ إمّا للتعميم، وإمّا للتبرّك، أو للافتخار بشرف العلاقة مع أهل البيت عليهم السلام. وبذلك تكون لعبدالله بن يقطر علاقةٌ أُسريّة مع البيت النبويّ الطاهر، مع أنّ أصله مِن حِمْيَر عرب الجنوب. وبالضرورة يكون ابن يقطر رضوان الله عليه هذا صحابيّاً، قال ابن حجر العسقلانيّ الشافعيّ: إنّه كان صحابيّاً؛ لأنّه لِدَة الحسين عليه السلام(2).

 

من هنا عُرِف عبدالله أكثر

لمّا بلغ الإمام الحسين عليه السلام الحاجز من بطن الرمّة(3)، بعث إلى أهل الكوفة كتاباً، قال فيه:
« بسم الله الرحمن الرحيم: من الحسين بن عليّ إلى وجوه إخوانه المؤمنين والمسلمين، سلامٌ عليكم، فإنّي أحمدُ إليكمُ اللهَ الذي لا إله إلاّ هو. أمّا بعد؛ فإنّ كتاب مسلم بن عقيلٍ جاءني يُخبرني فيه بحسن رأيكم، وإجماع مَلَئِكم على نصرِنا والطلبِ بحقّنا، فسألتُ الله أن يُحسن لنا الصنيع، وأن يُثيبكم على ذلك أعظمَ الأجر. وقد شخصتُ إليكم من مكّة يومَ الثلاثاء لثمانٍ مَضَين من ذي الحجّة يومَ التروية، فإذا قَدِم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجِدُّوا، فإنّي قادمٌ عليكم في أيّامي هذه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته »(4).
وطوى الإمام عليه السلام الكتاب وختمه بختمه، ودفعه إلى عبدالله بن يقطر. قال عليّ بن محمّد الفتّال النَّيسابوريّ: يُقال بعَثَه مع عبدالله بن يقطر، ويجوز أنّه أرسل إليهم كتابين: أحدهما مع عبدالله بن يقطر، والآخر مع قيس بن مسهر الصَّيداوي(5).

 

وكانت الوقيعة!

• قال السيّد ابن طاووس: فلمّا قارب دخولَ الكوفة، اعترضه الحُصَين بن نُمَير ليفتّشه، فأخرج رحمه الله الكتابَ ومزّقه، فحمله الحصين إلى عبيدالله بن زياد!(6)
• وفي عبارات أكثر تفصيلاً أورد الخبر لسان الملك هكذا: فلمّا وصل عبدالله بن يقطر إلى القادسيّة اعترضه الحصين بن نمير ليفتّشه، فأخرج عبدالله الكتاب ومزّقه، فحمله الحصين إلى ابن زياد مكتوفاً(7).
• لكنّ السماويّ يرى الأخبار على نحوٍ آخر، فيكتب هكذا:
قال أهل السِّيَر: إنّ عبدالله بن يقطر سرّحه الحسين عليه السلام إلى مسلم بن عقيل بعد خروجه من مكّة في جوابِ كتابِ مسلم إلى الحسين عليه السلام يسأله القدومَ ويُخبره باجتماع الناس، فقبض عليه الحصين بن تميم(8) بالقادسيّة(9)، وأرسله إلى عبيدالله بن زياد، فسأله عن حاله فلم يُخبره...(10).
وجاء السماويّ بعد ذلك برأيٍ آخر، قال فيه ناقلاً:
وقال ابن قتيبة الدينوريّ وابن مِسْكَويه: إنّ الذي أرسله الحسين هو قيس بن مسهَّر، وإنّ عبدالله بن يقطر بعثه الحسين عليه السلام مع مسلم، فلمّا أن رأى مسلمٌ الخذلان قبلَ أن يتمّ عليه ما تَمّ، بعث عبدَ الله بن يقطر إلى الحسين يُخبره بالأمر الذي انتهى، فقبض على عبدالله الحصين، وصار ما صار عليه!(11)

 
تَحدٍّ غريب

وكان هنالك حوارٌ عجيب، يُنقَل مرّة أنّه بين قيس بن مسهر وعبيدالله بن زياد، ومرّةً أخرى بين عبدالله بن يقطر وعبيدالله بن زياد، وهو هكذا:
لمّا مَثُل بين يديه (أسيراً) قال له عبيدالله:
ـ مَن أنت ؟
ـ أنا رجلٌ من شيعة أمير المؤمنين عليّ أبي طالبٍ وابنه.
ـ لماذا مزّقت الكتاب ؟
ـ لئلاّ تَعلمَ ما فيه.
ـ مِمّن الكتاب وإلى مَن ؟
ـ من الحسين بن عليّ إلى جماعةٍ من أهل الكوفة لا أعرف أسماءَهم.
فغضب عبيدالله بن زياد وقال له:
ـ والله لا تُفارقُني حتّى تُخبرَني بأسماء هؤلاء القوم، أو تَصعدَ المنبر فتلعنَ الحسين وأباه وأخاه، وإلاّ قطّعتُك إرْباً إرْباً!
ـ أمّا القومُ فلا أُخبرك بأسمائهم، وأمّا اللعن فأفعل!

 

الموقف الحاسم المفاجئ

صَعِد عبدُالله بن يقطر ( على روايةِ أنّه هو المؤسَّر ) المنبر، فحَمِد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبيّ صلّى الله عليه وآله، ثمّ أكثرَ من الترحُّم على أمير المؤمنين ووُلده صلوات الله عليهم، ثمّ شرع بلعن عبيدالله بن زياد وأبيه زياد ابن أبيه ولعنِ عُتاة بني أُميّة عن آخِرِهم، ثمّ قال مخاطباً الحاضرين ينقل إليهم سِرّاً ووصيّةً:
ـ أيُّها الناس، أنا رسول الحسين بن عليٍّ إليكم، وقد خلّفتُه ببطن الرمّةِ فأجيبوه(12).
وقيل: إنّه قال:
ـ أنا رسول الحسين بن فاطمة بنت رسول الله إليكم لتنصروه وتُوازروه على ابن مرجانة وابن سميّةَ الدَّعيِّ ابن الدعيّ!(13)

 

ماذا يُنتَظَر من اللؤماء ؟!

قيل: فأُخبر ابن زياد بما قاله عبدالله بن يقطر، فأمر بإلقائه من أعلى القصر، فرُميَ من فوق القصر إلى الأرض مكتوفاً، فتكسّرت عظامه رضوان الله عليه، وبقيَ به رمق.. فأتاه عبدالملك بن عُمَير اللّخمي ( قاضي الكوفة وفقيهها لعنه الله ) فذبحه بمُدْية مُجْهِزاً عليه عن خُبثٍ وجبن، فقضى عبدالله شهيداً رحمه الله ورضي عنه. ولمّا عِيب على ذلك القاضي اللئيم عبدالملك اللخميّ أنّه أجهز على كسيرٍ مُحتضِر، كان عذره سخيفاً كفعله، إذ قال: أردتُ أن أُريحَه!(14)

 

أمّا الحسين

صلوات الله وسلامه عليه، فقد قيل: لمّا ورد خبر شهادة عبدالله بن يقطر ومسلم بن عقيل وهاني بن عروة وهو في منطقة ( زبالة )(15)، نعاه إلى أصحابه قائلاً:
« أمّا بعد، فقد أتانا خبرٌ فظيع! قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبدالله بن يقطر »(16).
كما رُويَ أنّه لمّا بلغ الحسينَ عليه السلام مقتلُ عبدالله بن يقطر، إستعبر باكياً، ثمّ قال:
« اَللّهمّ اجعَلْ لنا ولشيعتِنا مَنزِلاً كريماً، واجمَعْ بينَنا وبينَهم في مُستَقَرِّ رحمتِك، إنّك على كلِّ شيءٍ قدير »(17).

---------------------
1 ـ يراجع: الكافي للكلينيّ 465:1 / ح 4، بحار الأنوار للشيخ المجلسيّ 198:44 / ح 14 و ص 233 / ذيل الحديث 17 ـ عن: كامل الزيارات لابن قولويه:57 / ح 4.
2 ـ الإصابة في تمييز الصحابة 59:4 ـ وفيه: عبدالله بن يقظة، والظاهر أنّه تصحيفٌ في طبعات الإصابة الحديثة. واللِّدَة: مَن وُلدِ معك في وقتٍ واحد.
3 ـ في ( معجم البلدان ) لياقوت الحمويّ: الحاجز ما يُمسك الماءَ من شفة الوادي. وفيه ( ج 4 ص 290 ): بطن الرمّة منزلٌ لأهل البصرة إذا أرادوا المدينة، وفيه يجتمع أهل الكوفة والبصرة. وفي ( تاج العروس 136:3 ) كتب الزَّبيديّ: الحاجز: ـ مكان بطريق مكّة. وفي ( معجم البلدان 219:2 ): بطن الرمّة: ـ وادٍ معروف بعالية نجد.
4 ـ بحار الأنوار 369:44 ـ 370 / الباب 37 ـ عن: الإرشاد للشيخ المفيد:202. وناسخ التواريخ لمحمّد تقي سپهر لسان المُلك 317:2.
5 ـ روضة الواعظين للفتّال النيسابوريّ:152.
6 ـ الملهوف على قتلى الطفوف للسيّد ابن طاووس:66 ـ عنه: بحار الأنوار 370:44.
7 ـ ناسخ التواريخ 318:2. وفي بحار الأنوار 370:44 ـ عن الملهوف أنّه قيس بن مسهر.
8 ـ في: الإرشاد للمفيد، والأخبار الطِّوال للدينوريّ: ـ الحُصَين بن نُمَير، وكان هذا من أشدّ الناس في قتال الإمام عليٍّ عليه السلام. يراجع: الكامل في التاريخ لابن الأثير 452:2.
9 ـ القادسيّة: قريةٌ قريبةٌ من الكوفة من جهة البرّ. ( معجم البلدان 219:4 ).
10 ـ إبصار العين في أنصار الحسين للسماويّ:93.
11 ـ إبصار العين في أنصار الحسين:94.
12 ـ الملهوف:67 ـ عنه: بحار الأنوار 370:44. ونقله: لسان الملك في: ناسخ التواريخ 318:2، والسماويّ في: إبصار العين:93 وفيه: أنّ عبيدالله لعنه الله قال لعبدالله بن يقطر: إصعدِ القصر والعن...، ثمّ انزل حتّى أرى فيك رأيي. فصعد القصر، فلمّا أشرف على الناس قال: أيّها الناس، أنا رسول الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله إليكم لتنصروه وتوازروه على ابن مرجانة وابن سُميّة الدعيِّ ابن الدعيّ..
13 ـ أوردها المقرّم الموسوي السيّد عبدالرزّاق رحمه الله في: مقتل الحسين عليه السلام أو: حديث كربلاء:180، وأنهى الخبر إلى: تاريخ الطبريّ 226:6، كما أنهاه السماويّ إلى الإرشاد 71:2.
14 ـ تاريخ الطبريّ 303:3، الملهوف:64، الإرشاد:202 ـ عنه: بحار الأنوار 370:44، مقتل الحسين عليه السلام للسيّد المقرّم الوسويّ:180، إبصار العين:93، ناسخ التواريخ 318:2.
15 ـ منزل بطريق مكّة من الكوفة. ( معجم البلدان 129:3 ).
16 ـ الإرشاد:223.
17 ـ الملهوف:67.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية