شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

وقفةٌ.. قبَيلَ الرحيل

1 المشاركات 05.0 / 5

• ندعو في الصحيفة السجاديّة المباركة يوم الأحد بعدد من الاستجارات، حيث يقول الإمام السجّاد عليّ بن الحسين عليهما السلام: « بِكَ أستَجيرُ ـ ياذا العَفوِ والرِّضوان ـ مِنَ الظُّلمِ والعُدوان، ومِن غِيَرِ الزمان، وتَواتُرِ الأحزان، وطَوارقِ الحَدَثان، ومِنِ آنْقضاءِ المُدّة، قَبلَ التّأهُّبِ والعُدّة ».. أمّا في دعائه سلام الله عليه يومَ الثلاثاء، فيقول فيه: « اَللّهمَّ أصلِحْ لي دِيني فإنّه عِصمةُ أمري، وأصلِحْ لي آخِرتي؛ فإنّها دارُ مَقَرّي، وإليها مِن مُجاورةِ اللِّئامِ مَفَرّي. واجْعلِ الحياةَ زيادةً لي في كلِّ خَير، والوَفاةَ راحةً لي مِن كلِّ شَرّ ».
مِن هذا يفهم المرء أنّ الحياة ليست محطَّ الأفراح دائماً ولا هي الغايةَ القصوى للخَلق، وأنّ الوفاة ليست محطَّ الأتراح دائماً، وهي انتقالٌ إلى عالَمٍ آخَر.. هي حياةٌ أيضاً، ولكنْ بحالاتٍ أُخرى، وصورٍ متفاوتة، كما لا تخلو من سُنَن وأسبابٍ ونتائج لها عَلاقاتٌ وثيقةٌ بالحياة الأُولى. قال تعالى:
ـ ومَنْ أرادَ الآخِرةَ وسَعى لَها سَعْيَها وهُوَ مُؤمنٌ فأُولئكَ كان سَعْيُهم مَشكُوراً ( الإسراء:19 ).
ـ وأن ليسَ للإنسانِ إلاّ ما سَعى * وأنّ سَعيَه سَوفَ يُرى * ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الأوفى * وأنّ إلى ربِّكَ المُنتَهى ( سورة النجم:39 ـ 42 ).
ـ وُجُوهٌ يَومئذٍ ناعمةٌ * لِسَعيها راضيةٌ * في جَنّةٍ عالية ( سورة الغاشية: 8 ـ 10 ).
قيل: تلك الوجوه بهيجةٌ متنعّمة لعملها في الدنيا، فهي في الآخرة حين تُثاب على سعيها في الدنيا تكون راضية، في جنّةٍ عالية.
ونقرأ أيضاً في كتاب الله العزيز قولَه عزّ مِن قائل:
ـ أفَمَن كانَ مُؤمناً كَمَن كان فاسقاً، لا يَسْتَوُون * أمّا الذينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصالحاتِ فَلَهُم جَنّاتُ المَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعملون * وأمّا الذين فَسَقُوا فَمأواهُمُ النارُ كُلَّما أرادوا أن يَخرُجُوا مِنها أُعِيدُوا فيها وقِيلَ ذُوقوا عذابَ النارِ الذي كنتُم به تُكَذِّبون ( سورة السجدة: 18 ـ 20 ).
ـ فإذا جاءتِ الطّامةُ الكُبرى * يَومَ يَتذكّرُ الإنسانُ ما سَعى * وبُرِّزتِ الجحيمُ لِمَن يَرى * فأمّا مَن طَغى * وآثَرَ الحياةَ الدُّنيا * فإنّ الجحيمَ هِيَ المَأْوى * وأمّا مَن خافَ مَقامَ ربِّهِ ونَهَى النَّفْسَ عنِ الهَوى * فإنّ الجنّةَ هيَ المَأْوى ( سورة النازعات: 34 ـ 41 ).
أجل.. وذلك يرتبط بالحياة ارتباطاً وثيقاً، حيث تترتّب على مساعيها نتائجُ ما بعد الوفاة، لتكون الحياةُ الأخرى إمّا أفراحاً.. وإمّا أتراحاً. وهذه بين أعيُنِنا كلماتٌ كلُّها نور صدرت عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أو عن أهل بيته صلوات الله عليهم، نطالعها بعيونٍ باصرة، وقلوبٍ متفكّرة:
• قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: « تُحفة المؤمن الموت ».
• وقال: الموت كفّارة المؤمن «.
• وقال أمير المؤمنين عليه السلام: « ليس بيننا وبين الجنّة أو النار إلاّ الموت ».
• وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: « قال عيسى عليه السلام: هَولٌ لا تَدري متى يَغشاك، ما يَمنعُك أن تَستَعدّ له قبل أن يَفجَأَك ».
• وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله:« كلُّ ما هو آتٍ فهو قريب ».
• وقال الإمام الصادق عليه السلام: « إنّه لم يُكثِرْ عبدٌ ذِكرَ الموت إلاّ زَهِدَ في الدنيا ».
• ورُوي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قوله: « كأنّ الحقَّ فيها على غيرنا وَجَب، وكأنّ الموتَ فيها على غيرنا كُتِب، وكأنّ الذين نُشيِّع من الأموات سَفْرٌ عمّا قليلٍ إلينا راجعون، نُبوّئُهم أجداثَهم، ونأكُل تُراثَهم، كأنّا مُخلَّدون بعدَهم، قد نَسِينا كلَّ واعظٍ وواعظة، وأمِنّا كلَّ جائحة »! ( كذلك ورد هذا النص الشريف منسوباً إلى أمير المؤمنين عليه السلام في «نهج البلاغة» ).
• وقال صلّى الله عليه وآله: « شرُّ المعذرة حين يَحضُر الموت ».
• وقال صلّى الله عليه وآله: « موتُ الغريب شهادة ».
• ورُويَ عن الإمام الحسين عليه السلام قوله: « ما مِن شيعتنا إلاّ صِدّيقٌ شهيد ».
قيل: أنّى يكون ذلك وهم يموتون على فُرُشهم ؟!
فقال عليه السلام للمتسائل: أما تتلو كتابَ الله: الَّذينَ آمَنُوا باللهِ ورُسُلِهِ أُولئكَ هُمُ الصِّدِّيقون والشهداءُ عِندَ رَبِّهِم ( سورة الحديد:19 ) ؟!
ثم قال عليه السلام: « لو لم تكن الشهادة إلاّ لِمَن قُتِل بالسيف، لأَقَلّ اللهُ الشهداء ».
• وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله: « موتُ الفُجْأة رحمةٌ للمؤمنين، وعذابٌ للكافرين ».
• وأوحى الله تبارك وتعالى إلى نبيّه موسى عليه السلام: « قُمْ في ظُلْمة الليلِ بينَ يَدَيّ، أجعَلْ قبرَك روضةً مِن رياض الجنّة ».
.. ومن هذا، ومِن جملة الروايات التي تحدّثت عن الموت، يُفهَم أنّ الإنسان هو الذي يمكن أن يرسم مستقبلَه للحياة الأُخرى، ويُعيّن آخرته من خلال عقائده وأخلاقه، ومن خلال عباداته وتطبيقاته، ومن خلال طاعاته.. إلى مَن صَرَفها: إلى مرضاة الرحمان، أم إلى مرضاة الشيطان، إلى الخير أم إلى الشرّ، إلى الحقّ أم إلى الباطل.. فَمَن يَّعمَلْ مِثقالَ ذَرَّةٍ خَيراً يَرَه * ومَن يَّعملْ مِثقالَ ذَرّةٍ شَرّاً يَرَه ( سورة الزلزلة: 7 ـ 8 )، بلى مَن كَسَبَ سيّئةً وأحاطَت بهِ خَطيئتُهُ فأُولئكَ أصحابُ النارِ هُم فِيها خالِدُون * والَّذينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصالحاتِ أُولئك أصحابُ الجنّةِ هُم فِيها خالِدُون .

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية