شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

اعتراض عمر على نبينا صلى الله عليه وآله لصلاته على جنازة منافق

0 المشاركات 00.0 / 5

عقد البخاري في صحيحه عدة أبواب، روى فيها روايات كثيرة لإثبات فضيلة اعتراض عمر على النبي صلى الله عليه وآله بسبب صلاته على عبدالله بن أبي بن سلول، وزعم نزول الوحي موافقاً لعمر، مخطئاً للنبي صلى الله عليه وآله !!
وقد ذكر البخاري، وعمر، وابنه، والفخر الرازي، تصرف عمر الخشن وغير المعقول مع النبي صلى الله عليه وآله حيث تصدى له، ووثب اليه، ووقف أمامه، وجذبه من ثوبه ! ليمنعه من الصلاة على الجنازة، وقال له: أليس نهاك الله عن هذا ؟!
وأكثر عليه الكلام ! فغضب النبي صلى الله عليه وآله وقال: أخِّر عني يا عمر ! لكنهم قالوا إن النبي صلى الله عليه وآله لم يغضب من عمر أبداً، بل ارتاح منه وتبسم له !
قال البخاري:2/76 :(باب الكفن في القميص... عن ابن عمر أن عبد الله بن أبي لما توفي جاء ابنه إلى النبي(ص)فقال يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه فيه، وصلِّ عليه واستغفر له، فأعطاه النبي(ص)قميصه فقال: آذنِّي أصلي عليه فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر فقال: أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين! فقال أنا بين خيرتين، قال الله تعالى: إسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ. (التوبة:8 ) فصلى عليه، فنزلت: وَلا تُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً. (التوبة:84)
وقال في:2/1 : باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والإستغفار للمشركين... عن عمر بن الخطاب أنه قال: لما مات عبد الله بن أبي ابن سلول دُعِيَ له رسول الله(ص) ليصلي عليه، فلما قام رسول الله(ص)وثبت إليه فقلت يا رسول الله أتصلي على ابن أبيّ وقد قال يوم كذا وكذا، كذا وكذا، أعدِّد عليه قوله، فتبسم رسول الله(ص)وقال: أخِّر عني يا عمر، فلما أكثرت عليه قال: إني خُيِّرتُ فاخترتُ، لو أعلم أني إن زدت على السبعين فغفر له لزدت عليها !
قال: فصلى عليه رسول الله(ص)ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيراً حتى نزلت الآيتان من براءة:وَلا تُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً.. إلى: وهم فاسقون. قال فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله(ص)يومئذ والله ورسوله أعلم).
وقال البخاري:5/2 6: باب قوله:إسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْلَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ...عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله(ص)فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله(ص)ليصلي فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله(ص) فقال يا رسول الله تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه! فقال رسول الله (ص): إنما خيرني الله فقال:إسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْلَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً. . وسأزيده على السبعين. قال إنه منافق ! قال فصلى عليه رسول الله(ص)فأنزل الله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِه ِ) !
ثم كرر البخاري ما رواه في:2/1 . ثم عقد باباً بعنوان: باب قوله: وَلا تُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ. وروى فيه عن ابن عمر نحو ما تقدم، وفيه: ( ثم قام يصلي عليه فأخذ عمر بن الخطاب بثوبه فقال: تصلي عليه وهو منافق، وقد نهاك الله أن تستغفر لهم ؟! قال: إنما خيرني الله أو أخبرني الله فقال: إستغفر لهم....وصلينا معه، ثم أنزل الله عليه: وَلاتُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ).
وقال البخاري: 7/36: باب لبس القميص...حدثنا عبد الله بن محمد أخبرنا ابن عيينة عن عمر وسمع جابر بن عبد الله قال: أتى النبي(ص)عبد الله بن أبي بعدما أدخل قبره، فأمر به فأخرج ووضع على ركبتيه، ونفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه. والله أعلم !
...عن عبد الله بن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه فيه وصل عليه واستغفر له ؟ فأعطاه قميصه وقال له: إذا فرغت منه فآذنا، فلما فرغ آذنه به، فجاء ليصلي عليه فجذبه عمر فقال: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين ! فقال إسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْلَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ، فنزلت: وَلاتُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ، فترك الصلاة عليهم). انتهى.
وفي الموضوع عدة مسائل بحثها المفسرون، أهمها:
1 ـ تبريرهم تصرف عمر مع النبي صلى الله عليه وآله.
2 ـ هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وآله فهم من قوله تعالى: إسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ... أنه ليس نهياً عن الصلاة عليهم ؟!
3 ـ حقيقة القصة وعدم صحة قول عمر إن آية: وَلاتُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً، نزلت بعد وفاة ابن سلول، بل نزلت السورة قبل وفاته !
أما عن تصرف عمر، فلم أجد أحداً من المفسرين أو شراح البخاري ومسلم خجل عن عمر أو لامَهُ على تصرفه ! بل وقفوا جميعاً الى جانبه في مقابل رسول الله صلى الله عليه وآله ! ليثبتوا أنه كان مصيباً، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله كان مخطئاً !!
قال في فتح الباري:8/252: (فكأن عمر قد فهم من الآية المذكورة ما هو الأكثر الأغلب من لسان العرب، من أن (أو) ليست للتخيير بل للتسوية في عدم الوصف المذكور، أي أن الإستغفار لهم وعدم الإستغفار سواء، وهو كقوله تعالى: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، لكن الثانية أصرح، ولهذا ورد أنها نزلت بعد هذه القصة كما سأذكره.
وفهم عمر أيضاً من قوله: سبعين مرة، أنها للمبالغة وأن العدد المعين لا مفهوم له، بل المراد نفي المغفرة لهم ولو كثر الإستغفار، فيحصل من ذلك النهي عن الإستغفار، فأطلقه.
وفهم أيضاً أن المقصود الأعظم من الصلاة على الميت طلب المغفرة للميت والشفاعة له، فلذلك استلزم عنده النهي عن الإستغفار ترك الصلاة، لذلك جاء عنه في هذه الرواية إطلاق النهي عن الصلاة.
ولهذه الأمور استنكر إرادة الصلاة على عبد الله بن أبيّ.
هذا تقريرُ ما صدر عن عمر، مع ما عرف من شدة صلابته في الدين وكثرة بغضه للكفار والمنافقين، وهو القائل في حق حاطب بن أبي بلتعة مع ما كان له من الفضل كشهوده بدراً وغير ذلك، لكونه كاتب قريشاً قبل الفتح: دعني يا رسول الله أضرب عنقه فقد نافق، فلذلك أقدم على كلامه للنبي(ص) بما قال ولم يلتفت إلى احتمال إجراء الكلام على ظاهره، لما غلب عليه من الصلابة المذكورة. قال ابن المنير: وإنما قال ذلك عمر حرصاً على النبي(ص)ومشورة إلزاماً. وله عوائد بذلك ! ولايبعد أن يكون النبي(ص)كان أذن له في مثل ذلك، فلا يستلزم ما وقع من عمر أنه اجتهد مع وجود النص، كما تمسك به قوم في جواز ذلك. وإنما أشار بالذي ظهر له فقط، ولهذا احتمل منه النبي(ص) أخذه بثوبه ومخاطبته له في مثل ذلك المقام حتى التفت إليه متبسماً، كما في حديث ابن عباس). انتهى.
ثم زاد ابن حجر على هذا التوجيه (العلمي)لرأي عمر أن النبي صلى الله عليه وآله اعتذر الى عمر بأنه لم يفهم النهي من الآية كما فهمه عمر، بل فهم منها التخيير ! فنزل النهي الصريح موافقاً لقول عمر فاقتنع النبي صلى الله عليه وآله !
وينبغي أن يضيف ابن حجر بأن النبي صلى الله عليه وآله لا بد أن يكون اعتذر ثانية من عمر وشكره كثيراً لتسديده إياه !!
قال في فتح الباري:8/254: (قوله فتبسم رسول الله(ص)وقال أخِّر عني،أي كلامك (!). واستشكل الداودي تبسمه(ص)في تلك الحالة مع ما ثبت أن ضحكه(ص)كان تبسماً، ولم يكن عند شهود الجنائز يستعمل ذلك.
وجوابه: أنه عبَّر عن طلاقة وجهه بذلك تأنيساً لعمر وتطييباً لقلبه، كالمعتذر عن ترك قبول كلامه ومشورته) ! انتهى.
وقد ارتضى ابن حجر قول الداودي بأن الضحك مكروه عند الجنازة لكن النبي صلى الله عليه وآله ارتكب هذا المكروه، فضحك لعمر وتبسم له تطييباً لقلبه (كالمعتذر عن ترك قبول كلامه ومشورته) !
أما سوء أدب عمر فلا شئ فيه، فكأن النبي صلى الله عليه وآله كان يستحقه ! بل هو فضيلة ومنقبة لعمر، بدليل رضا النبي صلى الله عليه وآله وأنسه وسروره به !!
أما الفخر الرازي فقد فاق ابن حجر فقال تفسيره:16/151: (فلما مات جاء ابنه يعرِّفه فقال عليه الصلاة والسلام لابنه: صل عليه وادفنه، فقال: إن لم تصل عليه يارسول الله لم يصل عليه مسلم، فقام عليه الصلاة والسلام ليصلي عليه فقام عمر فحال بين رسول الله وبين القبلة لئلا يصلي عليه فنزلت هذه الآية، وأخذ جبريل بثوبه وقال: وَلاتُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً !
واعلم أن هذا يدل على منقبة عظيمة من مناقب عمر رضي الله عنه، وذلك لأن الوحي نزل على وفق قوله في آيات كثيرة، منها آية أخذ الفداء عن أسارى بدر وقد سبق شرحه. وثانيها: آية تحريم الخمر. وثالثها: آية تحويل القبلة. ورابعها: آية أمر النسوان بالحجاب. وخامسها: هذه الآية. فصار نزول الوحي على مطابقة قول عمر منصباً عالياً ودرجة رفيعة له في الدين. فلهذا قال عليه الصلاة والسلام في حقه: لو لم أبعث لبعثت يا عمر نبياً ) !! انتهى.
عدد مناقب عمر في كلامهم
أولاً، أن عمر كان مع ظهور النص، بينما كان النبي صلى الله عليه وآله مع خلاف ظهوره، فنزل الوحي مؤيداً لرأي عمر، وهي منقبة عظيمة تجعله في صف النبي صلى الله عليه وآله !
ثانياً، أن عمر أصلب في الدين وجهاد المنافقين من النبي صلى الله عليه وآله !
ثالثاً، أن معنى قول النبي صلى الله عليه وآله لعمر لما وقف أمامه وأخذ بثوبه: ( أخر عني ياعمر): أخر عني كلامك الآن من فضلك !!
رابعاً، أن تصرفات عمر مع النبي صلى الله عليه وآله مغفورة لصلابته في الحق، بل لايبعد أن يكون النبي صلى الله عليه وآله أذن لعمر بالخشونة وإساءة الأدب معه، كما ادعى ابن المنير وارتضاه ابن حجر ! لكي يسدده إذا أخطأ !!
خامساً، أن المتعصبين لعمر ليسوا مستعدين لأن يفحصوا مصداقية قوله وصحة زعمه أن آية النهي عن الصلاة على المنافقين نزلت في جنازة ابن سلول، كما قال الرازي، أو بعدها كما قال عمر، أو قبلها كما نص على ذلك الفخر الرازي !
لكن يبقى عليهم أن يجيبوا على إشكالين أساسيين، ينقضان دفاعهم وسعيهم لإثبات هذه المنقبة !
أولهما: إذا كان الأمر كما تقولون، فلماذا خطَّأ عمر نفسه وقال: (لقد أصبت في الإسلام هفوة ما أصبت مثلها قط، أراد رسول الله أن يصلي على عبد الله بن أبي فأخذت بثوبه فقلت: والله ما أمرك الله بهذا، لقد قال الله: إسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْلَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ، فقال رسول الله: قد خيرني ربي فقال: إسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ...). (الدر المنثور:3/264،وقال أخرجه ابن أبي حاتم عن الشعبي. وكنز العمال:2/419) ؟!
وثانيهما: هل يقبلون أن النبي صلى الله عليه وآله بلغ به الجهل أنه فهم التخيير من قوله تعالى: إسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْلَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ. .؟!
إن هذا هو المفتاح لمعرفة واقع القصة التي ادعاها عمر فصدَّقه محبوه !
استنكار علماء سنيون كبار ما نسبه عمر الى النبي صلى الله عليه وآله !
هل يجوز قبول شهادة عمر بأن النبي صلى الله عليه وآله قد فهم من قوله تعالى: إسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْلَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ... التخيير ولم يفهم منها النهي عن الصلاة عليهم، مع وضوح أنها نهيٌ، ومعناها أنك مهما استغفرت لهم فلن ينفع ذلك، فلا تتعب نفسك ؟!
لقد وقع علماء السنة في محنة بين أن ينسبوا السذاجة الى النبي صلى الله عليه وآله، أو يكذبوا البخاري وعمر! وقد اختار عدد من كبارهم تكذيب رواية البخاري، ولم يتعدوها الى تكذيب عمر! قال في فتح الباري:8/255: (واستشكل فهم التخيير من الآية حتى أقدم جماعة من الأكابر على الطعن في صحة هذا الحديث، مع كثرة طرقه واتفاق الشيخين وسائر الذين خرَّجوا الصحيح على تصحيحه! وذلك ينادي على منكري صحته بعدم معرفة الحديث وقلة الإطلاع على طرقه !
قال ابن المنير: مفهوم الآية زلت فيه الأقدام حتى أنكر القاضي أبو بكر صحة الحديث وقال: لايجوز أن يقبل هذا، ولا يصح أن الرسول قاله. انتهى.
ولفظ القاضي أبي بكر الباقلاني في التقريب: هذا الحديث من أخبار الآحاد التي لايعلم ثبوتها ! وقال إمام الحرمين في مختصره: هذا الحديث غير مخرَّج في الصحيح. وقال في البرهان: لايصححه أهل الحديث.
وقال الغزالي في المستصفى: الأظهر أن هذا الخبر غير صحيح.
وقال الداودي الشارح: هذا الحديث غير محفوظ !
والسبب في إنكارهم صحته ما تقرر عندهم مما قدمناه، وهو الذي فهمه عمر من حمل (أو) على التسوية لما يقتضيه سياق القصة، وحمل السبعين على المبالغة. قال ابن المنير: ليس عند أهل البيان تردد أن التخصيص بالعدد في هذا السياق غير مراد. انتهى.
وأيضاً، فشرط القول بمفهوم الصفة وكذا العدد عندهم، مماثلة المنطوق للمسكوت وعدم فائدة أخرى، وهنا للمبالغة فائدة واضحة، فأشكل قوله (ص) سأزيده على السبعين، مع أن حكم ما زاد عليها حكمها ). انتهى.
أقول:خلاصة رأي هؤلاء المنكرين لصحة حديث عمر، المدافعين عن النبي صلى الله عليه وآله :
أنه يجب رد الأحاديث التي تقول إن النبي صلى الله عليه وآله صلى على جنازة رأس المنافقين ابن سلول والحكم بأنها موضوعة أو مردودة، لأنها تخالف القرآن وتنسب الى النبي صلى الله عليه وآله فهماً للآيات لايمكن أن يصدر منه !
فهم يوافقوننا إنكار هذه المنقبة المزعومة لعمر، من أجل تنزيه النبي صلى الله عليه وآله ؟!
أما ابن حزم، فقد حكم بأن النبي صلى الله عليه وآله صلى على جنازة ابن سلول وأصاب، وخرج عن خطهم وحكم بأن عمر قد أخطأ ! قال في الإحكام:3/274: ( فإن قال قائل: فما كان مراد الله بالتخيير...أتقولون إنه أراد تعالى ما قال عمر بن الخطاب من أن لايصلي عليهم ولايستغفر لهم، ثم نزلت الآية الأخرى مبينة؟
فالجواب: أننا وبالله تعالى التوفيق لانقول ذلك، ولايسوغ لمسلم أن يقوله، ولانقول إن عمر، ولا أحداً من ولد آدم فهم عن الله تعالى شيئاً لم يفهمه عنه نبي الله (ص)، وهذا القول عندنا كفرٌ مجرد !
وبرهان ذلك: أن الله تعالى لو لم يرض صلاة النبي على عبد الله بن أبي لما أقره عليها ولأنزل الوحي عليه لمنعه، كما نهاه بعد صلاته عليه أن يصلي على غيره منهم، فصح أن قول عمركان اجتهاداً منه أراد به الخير فأخطأ فيه وأصاب رسول الله (ص)، وأُجِر عمر في ذلك أجراً واحداً ). انتهى. (راجع: بدائع الصنائع:3/77, والبحر الرائق:1/267، والمغني:2/42 ).
وقد زعم ابن حزم في المحلى:11/21 ، أن سبب صلاة النبي صلى الله عليه وآله على ابن سلول انه لم يكن يعلم بشركه، وإن علم بنفاقه ! قال: (فلو كان ابن أبي وغيره من المذكورين ممن تبين للنبي عليه السلام أنهم كفار بلا شك، لما استغفر لهم النبي ولا صلى عليهم، ولايحل لمسلم أن يظن بالنبي(ص) أنه خالف ربه في ذلك، فصح يقيناً أنه عليه السلام لم يعلم قط أن عبدالله بن أبي والمذكورين كفار في الباطن). انتهى.
ولم يحكم ابن حزم بكفر عمر لادعائه أنه فهم من قوله تعالى: إسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْلَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ...ما لم يفهمه النبي صلى الله عليه وآله ؟! لكن قال: ( ولا نقول إن عمر ولا أحداً من ولد آدم فهم عن الله تعالى شيئاً لم يفهمه عنه نبي الله، وهذا القول عندنا كفرٌ مجرد ! )؟؟!
حقيقة القصة وبيان تصرف عمر فيها !
إن منشأ اشتباه عمر والذين ردوا حديثه في البخاري، أنهم تصوروا أن قبول النبي صلى الله عليه وآله حضور جنازة ابن سلول وصلاته عليها، يعني الإستغفار له، مع أن لا ملازمة بينهما، فقد صلى على جنازته ولم يستغفر له !
وقد روت ذلك مصادرنا، وقد أفتى فقهاؤنا بأن الصلاة المنهي عنها على المنافقين في مثل قوله تعالى: وَلاتُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً، هي الصلاة بالمعنى اللغوي أي الدعاء لهم والإستغفار، أما الصلاة عليهم بدون استغفار فليس منهياً عنها، ولذا كان صلى الله عليه وآله يصلي على جنائزهم، ويكتفي بأربع تكبيرات ولا يدعو لهم. ففي المقنعة ص23 :(روي عن الصادقين عليهم السلام أنهم قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي على المؤمنين ويكبر خمساً، ويصلي على أهل النفاق سوى من ورد النهي عن الصلاة عليهم فيكبر أربعاً، فرقاً بينهم وبين أهل الإيمان، وكانت الصحابة إذا رأته قد صلى على ميت فكبر أربعاً، قطعوا عليه بالنفاق ).
وفي الكافي:3/181، عن الإمام الصادق عليه السلام : (كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى على ميت كبَّر وتشهد، ثم كبر، ثم صلى على الأنبياء ودعا، ثم كبر ودعا للمؤمنين، ثم كبر الرابعة ودعا للميت، ثم كبر وانصرف. فلما نهاه الله عز وجل عن الصلاة على المنافقين كبر وتشهد، ثم كبر وصلى على النبيين صلى الله عليهم، ثم كبر ودعا للمؤمنين، ثم كبر الرابعة وانصرف ولم يدع للميت ).
وفي الإستبصار:1/476: (عن محمد بن يزيد، عن أبي بصير قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام جالساً فدخل رجل فسأله عن التكبير على الجنائز فقال: خمس تكبيرات، ثم دخل آخر فسأله عن الصلاة على الجنائز؟ فقال: له أربع صلوات، فقال الأول: جعلت فداك سألتك فقلت خمساً، وسألك هذا فقلت أربعاً، فقال: إنك سألتني عن التكبير وسألني هذا عن الصلاة، ثم قال: إنها خمس تكبيرات بينهن أربع صلوات، ثم بسط كفه فقال: إنهن خمس تكبيرات بينهن أربع صلوات). انتهى.
وفي تفسير العياشي:2/1 2، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: (توفي رجل من المنافقين فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى إبنه: إذا أردتم أن تخرجوا فأعلموني، فلما حضر أمره أرسلوا إلى النبي عليه وآله السلام فأقبل نحوهم حتى أخذ بيد ابنه في الجنازة فمضى، قال: فتصدى له عمر ثم قال: يا رسول الله أما نهاك ربك عن هذا أن تصلي على أحد منهم مات أبداً أو تقوم على قبره، فلم يجبه النبي صلى الله عليه وآله.
قال: فلما كان قبل أن ينتهوا به إلى القبر قال عمر أيضاً لرسول الله صلى الله عليه وآله : أما نهاك الله عن أن تصلي على أحد منهم مات أبداً أو تقوم على قبره ذلك بأنهم كفروا بالله وبرسوله وماتوا وهم كافرون ؟! فقال النبي صلى الله عليه وآله لعمر عند ذلك: ما رأيتنا صلينا له على جنازة، ولا قمنا له على قبر !
ثم قال: إن ابنه رجل من المؤمنين، وكان يحق علينا أداء حقه، وقال له عمر: أعوذ بالله من سخط الله وسخطك يا رسول الله ). انتهى.
ومن الملاحظ أن الإمام الباقر عليه السلام عبَّر عن الأدعية التي بين التكبيرات بالصلوات، ليبيِّن أن التحريم في الصلاة على المنافق يخص الدعاء له، الذي يقع بعد التكبرة الرابعة، وليشير أن الصلاة على الميت صلاة لغةً لا اصطلاحاً.
وفي كشف اللثام للفاضل الهندي:2/3 9: قال تعالى:وَلاتُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً، وفيه أن الظاهر النهي عن الدعاء لهم، لما في الأخبار من أنه صلى الله عليه وآله كان يكبر على المنافق أربعاً ).
وفي مستند الشيعة للنراقي: 6/269: (بل تتعين إرادة ذلك بملاحظة خبر محمد بن مهاجر...). وهو الخبر المتقدم من الكافي:1/181. راجع أيضاً: الحدائق الناضرة:1 /417، وجواهر الكلام:17/359 ومصباح الفقيه:2 ق2/5 2)
وعلى هذا تكون صلاة النبي صلى الله عليه وآله على ابن سلول طبيعية وتكون بأربع تكبيرات بدون دعاء له، ويكون الخلل في فهم عمر وليس في فهم النبي صلى الله عليه وآله أو عمله ! وقد صرَّحَت بذلك صحيحة الحلبي عن الإمام الصادق عليه السلام. ففي الكافي:3/188: (علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما مات عبد الله بن أبي بن سلول حضر النبي صلى الله عليه وآله جنازته فقال عمر لرسول الله صلى الله عليه وآله : يا رسول الله ألم ينهك الله أن تقوم على قبره؟ فسكت، فقال: يارسول الله ألم ينهك الله أن تقوم على قبره؟ فقال له: ويلك وما يدريك ما قلت ! إني قلت: اللهم احْشُ جوفه ناراً، واملأ قبره ناراً، وأَصْلِهِ ناراً ! قال أبو عبدالله عليه السلام : فأبدى من رسول الله ما كان يكره ). انتهى.
ومعناه أن النبي صلى الله عليه وآله كان يستعمل التقية مع أتباع ابن سلول ليجذبهم الى الإسلام، ولكن فضول عمر أجبره على إظهار أنه دعا عليه ولم يدع له !
وفي مجمع البيان:5/1 : ( ولا تقم على قبره، أي لاتقف على قبره للدعاء، فإنه صلى الله عليه وآله كان إذا صلى على ميت يقف على قبره ساعة ويدعو له ). انتهى.
فالصحيح: أن النبي صلى الله عليه وآله صلى على جنازة ابن سلول كما رواه الفريقان، وأن عمر اعترض عليه أيضاً لصحة روايته عند الفريقين، لكن سببه أن عمر لم يفرق بين المعنى اللغوي الشرعي للصلاة على الميت والمعنى العرفي
كذبهم في وقت نزول آية: إستغفر لهم أولاً تستغفر لهم
ادعى عمر أن آية: وَلاتُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً، نزلت بعد اعتراضه على النبي صلى الله عليه وآله لصلاته على ابن سلول، مع أنها كانت نازلة في سورة التوبة مع آية: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ. .. في غزوة تبوك في السنة الثامنة، أي قبل موت ابن سلول بنحو سنة ! فقول عمر إنها نزلت بعد اعتراضه على النبي صلى الله عليه وآله غير صحيح !
والطريف أن البخاري نفسه كذَّبه فنصَّ على أن سورة براءة نزلت كاملة قطعة واحدة! قال في:5/115: (عن البراء قال: آخر سورة نزلت كاملة براءة). انتهى.
وفي الدر المنثور:2/251: (وأخرج ابن أبي شيبة، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن الضريس، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في الدلائل، عن البراء قال: آخر سورة نزلت كاملة براءة ). انتهى. فما عدا مما بدا حتى صارت الآية 84 منها نشازاً مفصولة عن سياقها ؟! (راجع أيضاً: البخاري :5/185 وأحمد:4/298، وتفسير الطبري:6/56، وأحكام القرآن :3/112، والبرهان:1/2 9)
قد تقول: ما المانع أن تكون الآية التي ادعى عمر نزولها موافقةً له، قد نزلت منفصلة عن بقية سورة التوبة، بعد موت ابن سلول، ثم ألحقت بها ؟!
والجواب: أن أدنى تأمل في سياق الآية، يدلك على عدم صحة ادعاء نزولها منفصلة، فسياق الآية التي قبلها ينص على أن النبي صلى الله عليه وآله كان في سفر، وهو سفر تبوك الذي نزلت فيه السورة ! قال تعالى:(فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَئْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِىَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِىَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أول مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ. وَلاتُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ). فكيف يكون النبي صلى الله عليه وآله في المدينة ويقول له الله تعالى: فإن رَجَعَكَ اللهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ ؟!!
وهذه هي الآيات مع سياقها لمزيد اطمئنانك بما قلناه، قال الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فإن يَتُوبُوا يَكُ خيراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأرض مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ. فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ. فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ. ألم يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلامُ الْغُيُوبِ. الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لايَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ.
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَالُوا لاتَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أشد حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ. فَلْيَضْحَكُوا قليلاً وَلْيَبْكُوا كثيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. فإن رَجَعَكَ اللهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَئْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِىَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِىَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أول مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ. وَلا تُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ.
وَلاتُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إنما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أنفسهم وَهُمْ كَافِرُونَ. وإذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتئْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ. رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لايَفْقَهُونَ.
لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصيِبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَلاعَلَى الَّذِينَ إذا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أجد مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلايَجِدُوا مَايُنْفِقُونَ. إنما السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَاذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ. يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لاتَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إذا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فإن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فإن اللهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ
). (التوبة :73 –96)
والنتيجة
أن موافقة الوحي المزعومة لعمر في هذه الرواية مكذوبة من راويها. وأن اعتراضات عمر بدأت قبل الصلاة على جنازته عندما أعطاهم النبي صلى الله عليه وآله قميصه ليكفنوه به، ثم واصل عمر اعتراضه بإصرار رغم بيان النبي صلى الله عليه وآله وتوضيحه له !!
وأن النبي صلى الله عليه وآله لم يخطئ لا في فهم حكم الله تعالى، ولا في تطبيقه على حدوده، ولم يحتج الى عمر ولا غيره، ولا الى نزول آية لم تكن نازلة، ولا إلى جر عمر بثوبه صلى الله عليه وآله أو زعمهم أن جبرئيل ساعد عمر وجر بثوبه صلى الله عليه وآله !!

 

مناقشة رأي صاحب تفسيرالميزان

تابع صاحب الميزان رحمه الله النافين من علماء السنة لصلاة النبي صلى الله عليه وآله على جنازة ابن سلول، وردَّ الروايات الواردة في مصادر الطرفين بحجة أنها مخالفة للقرآن !
قال في الميزان:9/366: ( أقول: وقد ورد استغفار النبي(ص)لعبد الله بن أبي وصلاته عليه في بعض المراسيل من روايات الشيعة أيضاً، أوردها العياشي والقمي في تفسيريهما، وقد تقدم خبر القمي. وهذه الروايات على ما فيها من بعض التناقض والتدافع واشتمالها على التعارض فيما بينها، تدفعها الآيات الكريمة دفعاً بيناً لا مرية فيه :
أما أولاً، فلظهور قوله تعالى: إسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْلَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ، ظهوراً بيناً في أن المراد بالآية بيان لغوية الإستغفار للمنافقين دون التخيير، وأن العدد جئ به لمبالغة الكثرة لا لخصوصية في السبعين بحيث ترجى المغفرة مع الزائد على السبعين. والنبي صلى الله عليه وآله أجلُّ من أن يجهل هذه الدلالة فيحمل الآية على التخيير، ثم يقول سأزيده على سبعين، ثم يذكِّره غيره بمعنى الآية فيصرُّ على جهله، حتى ينهاه الله عن الصلاة وغيرها بآية أخرى ينزلها عليه.
على أن جميع هذه الآيات المتعرضة للإستغفار للمنافقين والصلاة عليهم كقوله: إسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، وقوله: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أم لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، وقوله: وَلاتُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً، تعلل النهي واللغوية بكفرهم وفسقهم، حتى قوله تعالى في النهي عن الإستغفار للمشركين: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أصحاب الْجَحِيمِ. آية: 113، ينهى عن الإستغفار معللاً ذلك بالكفر وخلود النار وكيف يتصور مع ذلك جواز الإستغفار لهم والصلاة عليهم ؟!
وثانياً، إن سياق الآيات التي منها قوله: وَلاتُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً. . الآية، صريح في أن هذه الآية إنما نزلت والنبي(ص)في سفره إلى تبوك ولما يرجع إلى المدينة، وذاك في سنة ثمان، وقد وقع موت عبد الله بن أبي بالمدينة سنة تسع من الهجرة ! كل ذلك مسلَّمٌ من طريق النقل، فما معنى قوله في هذه الروايات إن النبي(ص)صلى على عبدالله وقام على قبره، ثم أنزل الله عليه: وَلا تُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً. . الآية ؟!
وأعجب منه ما وقع في بعض الروايات السابقة أن عمر قال للنبي(ص): أتصلي عليه وقد نهاك عن الصلاة للمنافقين ؟ فقال: إن ربى خيرني.. ثم أنزل الله: وَلا تُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ. . الآية.
وأعجب منه ما في الرواية الأخيرة من نزول قوله:سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أم لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ. .الآية، والآية من سورة المنافقون وقد نزلت بعد غزاة بني المصطلق، وكانت في سنة خمس، وعبدالله بن أبي حي عندئذ، وقد حكى في السورة قوله: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ.
وقد اشتمل بعض هذه الروايات وتعلق به بعض من انتصر لها، على أن النبي صلى الله عليه وآله إنما استغفر وصلى على عبدالله ليستميل قلوب رجال منافقين من الخزرج إلى الإسلام. وكيف يستقيم ذلك وكيف يصح أن يخالف النبي صلى الله عليه وآله النص الصريح من الآيات استمالةً لقلوب المنافقين ومداهنةً معهم، وقد هدده الله على ذلك بأبلغ التهديد في مثل قوله:إذا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ.. الآية؟! فالوجه أن هذه الروايات موضوعة، يجب طرحها بمخالفة الكتاب). انتهى.
أقول: من الواضح أن صاحب الميزان رحمه الله لم يستوف التأمل في أحاديث المسألة في مصادر التفسير فضلاً عن الفقه، فقد وردفي صلاة النبي صلى الله عليه وآله على المنافقين وابن سلول روايات عديدة، منها الصحيح بدرجة عليا كما تقدم !
وقوله رحمه الله :(ورد استغفار النبي(ص)لعبد الله بن أبي وصلاته عليه في بعض المراسيل من روايات الشيعة أيضاً) غير دقيق، لأن الرواية المرسلة التي أوردها من تفسير القمي رحمه الله ذكرت صلاته صلى الله عليه وآله على جنازته وأنه استغفر له، ثم نَفَتْ أن يكون دعا له أو استغفر له ! وهذا نصها، الذي أورده في الميزان:9/355، قال: (وفي تفسير القمي في قوله تعالى: إستغفر لهم أو لا تستغفر لهم.. الآية، أنها نزلت لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة ومرض عبدالله بن أبي وكان ابنه عبدالله بن عبد الله مؤمناً فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وأبوه يجود بنفسه فقال: يارسول الله بأبي أنت وأمي إنك إن لم تأت أبي كان ذلك عاراً علينا، فدخل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله والمنافقون عنده، فقال ابنه عبدالله بن عبدالله: إستغفر له فاستغفر له، قال عمر: ألم ينهك الله يا رسول الله أن تصلي على أحد أو تستغفر له؟ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله، فأعاد عليه ! فقال له: ويلك إني قد خيِّرت فاخترت، إن الله يقول: إستغفر لهم أو لاتستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم.
فلما مات عبدالله جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله إن رأيت أن تحضر جنازته، فحضر رسول الله صلى الله عليه وآله فقام على قبره، فقال له عمر: يا رسول الله ألم ينهك الله أن تصلي على أحد منهم مات أبداً وأن تقيم على قبره؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله :ويلك! وهل تدري ما قلت؟ إنما قلت: اللهم احشُ قبره ناراً وجوفه ناراً وأصْلِهِ النار ! فبدا من رسول الله صلى الله عليه وآله ما لم يكن يحب). انتهى.
ويرد على كلامه رحمه الله :
أولاً، أن روايات الباب عندنا متعددة وفيها الصحيح الذي أفتى الفقهاء اعتماداً عليه بجواز الصلاة على جنازة المنافق بدون دعاء له ولا استغفار.
والمرسلة التي ذكرها هي الوحيدة التي ذكرت استغفار النبي صلى الله عليه وآله لابن سلول ! فكان ينبغي أن يقول رحمه الله :اتفقت روايات الشيعة وفتاوي فقهائهم على أن النبي صلى الله عليه وآله صلى على جنازة ابن سلول، وأنه لم يستغفر له، ما عدا مرسلة لاتنهض بالمعارضة في تفسير القمي ورد فيها أن النبي صلى الله عليه وآله فهم من الآية التخيير.
ثانياً، من الواضح أن هذه المرسلة بمجموعها تتفق مع الأحاديث الصحيحة وفتاوى الفقهاء بجواز الصلاة على جنازة المنافق بدون دعاء واستغفار، فختامها صريح في أنه صلى الله عليه وآله لم يستغفر له ولم يدع، بل دعا عليه ! فيحتمل فيها اشتباه الراوي أو الناسخ في قوله إن ابنه قال للنبي صلى الله عليه وآله :( إستغفر له، فاستغفرَ له)، لأن الإستغفار الوارد في أولها لايمكن أن يكون هو المنفي صريحاً في آخرها.
ثالثاً، أما الإشكال على ما ورد فيها من قول النبي صلى الله عليه وآله لعمر: (ويلك إني قد خيِّرت فاخترت، إن الله يقول:إستغفر لهم أو لاتستغفر لهم...) وأنه كيف يصح القول إن النبي صلى الله عليه وآله فهم التخيير من ذلك ؟!
فجوابه: أن النهي عن الصلاة على جنائز المنافقين في قوله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ، نزل قبل موت ابن سلول كما تقدم ! فصلاة النبيي صلى الله عليه وآله على جنازته تدل على أنه غير مشمول للنهي، لعصمة النبي صلى الله عليه وآله، فلا بد أن يكون النهي خاصاً بأناس أو أنواع من المنافقين ولايشمل ابن سلول، أو يكون فيه استثناءً وابن سلول مستثنى، بدليل صلاة النبي صلى الله عليه وآله على جنازته.
وقد تقدم عن أهل البيت عليهم السلام أن النهي عن الصلاة على المنافقين خاص وليس عاماً، قال الصدوق رحمه الله في المقنعة: ( روي عن الصادقين عليهم السلام أنهم قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي على المؤمنين ويكبِّر خمساً، ويصلي على أهل النفاق سوى من ورد النهي عن الصلاة عليهم، فيكبر أربعاً ). انتهى.
كما أن النهي عن الإستغفار للمنافقين نزل قبل وفاة ابن سلول أيضاً، فقد يكون أيضاً خاصاً بأناس أو بأنواع ليس ابن سلول منهم.
فتخييره صلى الله عليه وآله بين الصلاة وعدمها، وبين الإستغفار وعدمه، إن صحت روايته، لا يكون بسبب فهمه صلى الله عليه وآله للآية كما زعم عمر، بل من طريق الوحي مقيداً لإطلاقها.
من أين صارت صلاة الميت عندهم أربع تكبيرات ؟!
عرفت أن مذهب أهل البيت عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي على المؤمنين بخمس تكبيرات، يتشهد بعد الأولى، ويصلي على الأنبياء عليهم السلام بعد الثانية، ويدعو للمؤمنين بعد الثالثة، ويدعو للميت بعد الرابعة، ثم يختم بالخامسة. أما على المنافقين فكان يصلي بأربع تكبيرات، بدون أن يدعو لهم.
ومع أن الصحابة صلوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله على مئات الجنائز، إلا أنهم اشتبه عليهم الأمر واختلفوا في عدد التكبيرات، فأمرهم عمر بالأربع فاتبعوه.
قال المحقق البحراني في الحدائق الناضرة:1 /417:(ولعل الشبهة الموجبة لتركهم التكبير الخامس ماورد في بعض الأخبار عنه صلى الله عليه وآله أنه كان يكبر أربعاً على بعض الأموات، ولم يتفقهوا إلى أن ذلك إنما هو فيما إذا كان الميت منافقاً كما صرحت به أخبار أهل البيت عليهم السلام من أنه صلى الله عليه وآله كان يصلي على بعض خمس تكبيرات، وعلى أناس أربعاً، وأنه إذا كبر أربع تكبيرات اتُّهم بالنفاق.
وربما أكد ذلك عندهم إصرار الشيعة على الخمس، حيث أنهم يتعمدون مخالفتهم، وإن اعترفوا بأن السنة النبوية فيما عليه الشيعة ! بل قد صرح بهذا الوجه بعض شراح صحيح مسلم، على ما نقله بعض أصحابنا رضوان الله عليهم، حيث قال نقلاً عنه: إنما ترك القول بالتكبيرات الخمس في صلاة الجنازة، لأنه صار علماً للتشيع ! وقال عبد الله المالكي المغربي في كتابه المسمى بفوائد مسلم كما نقله بعض أصحابنا أيضاً: إن زيداً كبر خمساً على جنازة، قال وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يكبرها، وهذا المذهب الآن متروك لأنه صار علماً على القول بالرفض.
وقد أوردنا في كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد جملة من مخالفاتهم التي من هذا القبيل !
وقال رحمه الله :(روى الصدوق في كتاب العلل بسنده عن أبي بصير قال:(قلت لأبي عبد الله عليه السلام : لأي علة نكبر على الميت خمس تكبيرات ويكبر مخالفونا أربع تكبيرات؟ قال عليه السلام : لأن الدعائم التي بني عليها الإسلام خمس: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية لنا أهل البيت. فجعل الله للميت من كل دعامة تكبيرة، وإنكم أقررتم بالخَمس كلها وأقر مخالفوكم بأربع وأنكروا واحدة، فمن ذلك يكبرون على موتاهم أربع تكبيرات، وتكبرون خمساً). انتهى. (راجع أيضاً جواهر الكلام:12/31).
وقال البيهقي في سننه:4/37: (عن أبي وائل قال: كانوا يكبرون على عهد رسول الله(ص)سبعاً وخمساً وستاً، أو قال أربعاً، فجمع عمر بن خطاب أصحاب رسول الله، فأخبر كل رجل بما رأى، فجمعهم عمر على أربع تكبيرات ).
وقال ابن قدامة في المغني:2/393: (وروي أن عمر جمع الناس فاستشارهم، فقال بعضهم: كبر النبي سبعاً، وقال بعضهم خمساً، وقال بعضهم أربعاً، فجمع عمر الناس على أربع تكبيرات ). انتهى.
وقد روت مصادرهم الأربع تكبيرات والخمس، كما في مسند أحمد:3/337، و349، و:4/372، والبخاري:2/91، ومسلم:3/54، و56، وابن ماجه:1/482، وأبي داود:2/79، والترمذي: 2/244، وعقد البيهقي في سننه:4/36 باباً بعنوان: (باب من روى أنه كبر على جنازة خمساً ).
وقد أكثروا من رواية أن النبي صلى الله عليه وآله كبر على النجاشي أربعاً، لكن روى الطبراني:17/2 ، أنه صلى الله عليه وآله كبر عليه خمساً، فضعَّفوا حديثه ! وأعرضوا كلياً عن أحاديث أهل البيت عليهم السلام وإجماعهم !
لكن ابن حزم أفتى في المحلى:5/124، بأن أصل التكبير على الجنازة خمس، وأفتى بصحة الأربع، وأورد أحاديث عديدة في أن النبي صلى الله عليه وآله كان يكبر خمساً. وسَخِرَ من ادعائهم الإجماع على الأربع، التي أمر بها عمر وجمع عليها الناس !
الأسئلة
1 ـ ماذا يريد البخاري من تكثير الروايات وتكرارها في اعتراض عمر على النبي صلى الله عليه وآله ؟!
2 ـ لو كنت أنت حاضراً ورأيت أن عمر وثب ووقف في وجه النبي صلى الله عليه وآله وجرَّ ثوبه، وتكلم معه بأسلوبه الفظ، ماذا سيكون موقفك ؟!
3 ـ نص علماء اللغة وأصول الفقه على أن عدد السبعين في مثل قوله تعالى: إسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْلَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ... لا مفهوم له وأن المعنى مهما استغفرت لهم فلن يغفر الله لهم. فهل توافقون على صحة قول عمر إن النبي صلى الله عليه وآله فهم التخيير خطأً من هذه الآية ؟!
4 ـ ما هو موقفكم من كبار أئمتكم كالباقلاني، والجويني، والغزالي، والداودي وعياض، وأمثالهم، الذين ردوا هذا الحديث رغم تصحيح الشيخين له، ونزَّهوا النبي صلى الله عليه وآله عما نسبه اليه عمر، أي كذبوا البخاري ومسلماً أو عمر؟!
5 ـ هل توافقون القرطبي على أن النبي صلى الله عليه وآله أخطأ في فهم التخيير، بينما ألهم الله عمر نهيه عن الصلاة على المنافقين قبل نزول آية النهي ؟!
قال في تفسيره:8/218: (إن قال قائل: فكيف قال عمر: أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه، ولم يكن تقدم نهى عن الصلاة عليهم.
قيل له: يحتمل أن يكون ذلك وقع له في خاطره، ويكون من قبيل الإلهام والتحدث الذي شهد له به النبي(ص)، وقد كان القرآن ينزل على مراده، كما قال: وافقت ربي في ثلاث. وجاء: في أربع، وقد تقدم في البقرة، فيكون هذا من ذلك. ويحتمل أن يكون فهم ذلك من قوله تعالى: إستغفر لهم أو لاتستغفر لهم، الآية. لا أنه كان تقدم نهي على ما دل عليه حديث البخاري ومسلم)؟!!
6 ـ قال الرازي في تفسيره:16/151: (عن ابن عباس أنه لما اشتكى عبدالله بن أبي ابن سلول عاده رسول الله(ص)فطلب منه أن يصلي عليه إذا مات ويقوم على قبره، ثم إنه أرسل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يطلب منه قميصه ليكفن فيه فأرسل إليه القميص الفوقاني، فرده وطلب الذي يلي جلده ليكفن فيه، فقال عمر: لمَ تُعطي قميصك الرجسَ النجس؟!فقال عليه الصلاة والسلام: إن قميصي لايغني عنه من الله شيئاً، فلعل الله أن يدخل به ألفاً في الإسلام، وكان المنافقون لا يفارقون عبد الله، فلما رأوه يطلب هذا القميص ويرجو أن ينفعه، أسلم منهم يومئذ ألف. فلما مات جاء ابنه يعرفه فقال عليه الصلاة والسلام لابنه: صل عليه وادفنه، فقال: إن لم تصل عليه يا رسول الله لم يصل عليه مسلم، فقام عليه الصلاة والسلام ليصلي عليه، فقام عمر فحال بين رسول الله وبين القبلة لئلا يصلي عليه، فنزلت هذه الآية، وأخذ جبريل بثوبه وقال: ولاتصلِّ على أحد منهم مات أبداً ) ! انتهى.
فهل ترون أن من مناقب عمر سوء أدبه مع النبي صلى الله عليه وآله وعدم اقتناعه بكلامه ؟!
وهل تقبلون حديث أن جبرئيل ساعد عمر ومنع النبي صلى الله عليه وآله من الصلاة على ابن سلول، مع أنه صح عندكم أن عمر قال إن النبي صلى الله عليه وآله صلى عليه وصلى هو معه؟!
وهل توثقون يزيد الرقاشي واضع هذا الحديث لمصلحة عمر، مع أنه ضعيف متروك عند علمائكم؟! ( راجع: من له رواية في كتب الستة للذهبي:2/38 ، وإرواء الغليل للألباني:2/59، والكامل لابن عدي:7/258، وتلخيص الحبيرلابن حجر:1/366 والمجموع للنووي:18/68، والمحلى لابن حزم:2/13 ).
7 ـ ثم قال الرازي: (فإن قيل: كيف يجوز أن يقال إن الرسول رغب في أن يصلي عليه بعد أن علم كونه كافراً وقد مات على كفره، وأن صلاة الرسول عليه تجري مجرى الإجلال والتعظيم له، وأيضاً إذا صلى عليه فقد دعا له، وذلك محظور، لأنه تعالى أعلمه أنه لايغفر للكفار البتة، وأيضاً دفع القميص إليه يوجب إعزازه ؟!
والجواب: لعل السبب فيه أنه لما طلب من الرسول أن يرسل إليه قميصه الذي مس جلده ليدفن فيه، غلب على ظن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية