شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

عمر يعترف أن القرآن كان أضعاف هذا الموجود

0 المشاركات 00.0 / 5

في الدر المنثور : " أخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف فمن قرأه صابرا محتسبا فله بكل حرف زوجة من الحور العين " ( 1 ) .
وما نسبه عمر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واضح بسقوط أكثر من ثلثي القرآن الكريم لأن عدد أحرف القرآن الموجود بين أيدي المسلمين اليوم هو ثلاثمائة ألف وثلاثة وعشرون حرفا وستمائة وواحد وسبعون حرفا ! وسيتضح أن عمر حاول تأكيد فكرة وقوع التحريف في آيات القرآن بمقولات كثيرة ستأتي بإذنه تعالى ، ومنها ما أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في المصنّـف :
" عن يوسف بن مهران أنه سمع ابن عباس يقول : أمر عمر بن الخطاب مناديا ، فنادى : إن الصلاة جامعة . ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أيها الناس لا يجزعن من آية الرجم فإنـها آية نزلت في كتاب الله وقرأناها ولكنها ذهبت في قرآن كثير ذهب مع محمد ! " ( 2 ) .
فأين ذهبت كل هذه الجموع من الآيات التي اختص الله علمها بابن الخطاب ؟ ، وكيف ذهب قرآن كثير حينما ذهب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يحفظه غيره حتى فُقد قدر مجلدين وبقي مجلد واحد وهو مصحفنا ؟!

ملاحظة : لا مجال هنا للقول بخزعبل نسخ التلاوة كما ذهب له بعض علماء أهل السنة ، وهو ما ذكره السيوطي : " قال بعض العلماء : هذا العدد باعتبار ما كان قرآنا ونسخ رسمه وإلا فالموجود الآن لا يبلغ هذه العدة " ( 3 ) .

فهذه الموارد خارجة عن نسخ التلاوة ، إذ أن نسخ التلاوة يعني رفع آية وإحلال آية أخرى محلّها لصريح ما استدلوا به من قوله تعالى {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}(البقرة/106) وواضح أن هذا العدد الذي ذكره عمر لم يحل محله آخر وإلا لما نقص ( 4 ) ، فأين ذهبت ؟!

* القرآن ذهب منه الكثير !
وبسند صحيح عن ابن عمر قال :" لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كلّه وما يدريه ما كلّه ! قد ذهب منه قرآن كثير ، ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر " ( 5 ) .
وكلام ابن عمر هذا نصٌ صريح في سقوط كثير من آي القرآن وفقدانـها ، وهو التحريف المقصود بحدّه وحدوده .
ولكن بعض علماء أهل السنة حاول ستر ريح ما جاءهم به ابن عمر فقالوا مؤولين متلكئين : إنه قصد بالذي ذهب من القرآن منسوخ التلاوة !

 

وهذا الكلام باطل بلا ريب ، لأمور :

1- قوله ( وما يريه ما كله؟! ) هو استفهام استنكاري يفيد النفي والتعجب من قول من يقول إنه قد أخذ القرآن كاملا وهذا لا يمكن تفسيره بنسخ التلاوة ، لأن الله عز وجل في نسخ التلاوة – كما زعموا- يلغي الآية وينسخها فيحل محلها ويسد نقصها بآية أخرى مكانـها فلا ترفع آية أو تمحى إلا وتنـزل مثلها أو خير منها تقوم مقامها لذا لا تنقص الآيات وإنما تتبدل ، وهذا لم يقصده ابن عمر وإنما قصد النقص وذهاب كثير من القرآن وليس في نسخ التلاوة نقص للقرآن وإنما تبديل وإحلال .
ولنذكر بعض كلمات علماء أهل السنة في هذا المجال ، قال الشنقيطي في مذكرة أصول الفقه : " فالعجب كل العجب من كثرة هؤلاء العلماء وجلالتهم من المالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم القائلين بجواز النسخ لا إلى بدل ووقوعه مع أن الله يصرح بخلاف ذلك في قوله تعالى {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا }(البقرة/106).
فقد ربط بين نسخها وبين الإتيان بخير منها أو مثلها بأداة الشرط ربط الجزاء بشرطه ومعلوم عند المحققين أن الشرطية إنما يتوارد فيها الصدق والكذب على نفس الربط ولا شك أن هذا الربط الذي صرح الله به بين هذا الشرط والجزاء في هذه الآية صحيح لا يمكن تخلفه بحال فمن ادعى إنفكاكه وأنه يمكن النسخ بدون الإتيان بخير أو مثل فهو مناقض للقرآن مناقضة صريحة لا خفاء بـها ومناقض القاطع كاذب يقيناً لاستحالة اجتماع النقيضين ، صدق الله العظيم وأخطأ كلام من خالف شيئاً من كلامه جل وعلا "
وقال : " وقول المؤلف – ابن قدامة - رحمه الله فأما الآية فإنـها وردت في التلاوة وليس للحكم فيها ذكر ، ظاهر السقوط كما ترى لأن الآية الكريمة صريحة في أنه مهما نسخ الآية أو أنساها أتى بخير منها أو مثلها " ( 6 ) .
وقال العلامة العضُد : " والظاهر أن مراد القائلين بوجوب البدل في النسخ هو إثبات حكم آخر متعلق بذلك الفعل الذي ارتفع عنه الحكم المنسوخ كالإباحة عند نسخ الوجوب أو الحرمة على ما ذهب إليه صاحب الكشاف من أن النسخ هو الإذهاب إلى البدل والإنساء هو الإذهاب لا إلى بدل واعترض عليه بأن الآية تدل على وجوب البدل فيهما جميعا ، والجواب أن المراد بالبدل حكم آخر متعلق بذلك الفعل والآية الأخرى لا يلزم أن تكون كذلك بل قد تدل على ما لا تعلق له بذلك الفعل هذا والحق أنه يجوز النسخ بلا حكم بأن يدل الدليل على ارتفاع الحكم السابق من غير إثبات حكم آخر فلا يحتاج إلى تقييد البدل بالتكليف " ( 7 ) .
وقال الشيخ الخضري بك في أصول الفقه : " احتج الذين حتموا أن يكون في النص الناسخ حكم شرعي بدلا عن الحكم المنسوخ بقوله تعالى {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا }(البقرة/106). فلا بد إلا إذا أحللنا محلها آية من حكم هو خير . والجواب أن المراد بالبدل إنما هو اللفظ يعني إنا لا نرفع آية هي خير منها في الفصاحة والبلاغة والإعجاز والآية مسماها لفظ لا حكم ، وليس النـزاع نسخ الألفاظ بلا بدل أو ببدل وإنما الكلام في نسخ الأحكام " ( 8 ) .

2- لنغلق عقولنا ولنسلم جدلا بأن ابن عمر قصد نسخ التلاوة ، فهذا أيضا يدل على أنه يرى تحريف المصحف !
لأنه يعتقد أن المصحف الكامل هو ما كان مشتملا على المنسوخ تلاوة ، مع أن أهل السنة يرون أن المنسوخ تلاوة ليس من القرآن ، بل هو ملغي لا يصلى به ولا يترتب عليه أحكام القرآن ويحرم قراءته كقرآن ، وعلى هذا فإما ابن عمر حرف القرآن لأنه زاد فيه ما ليس منه ، وإما أهل السنة أنقصوا من القرآن ما هو منه !
3- ظاهر اللفظ حجة وخلافه يحتاج إلى دليل ، فأين الدليل على أن ابن عمر قصد بقوله السابق منسوخ التلاوة ؟! ، لا دليل .

______________________
( 1 ) الدر المنثور ج6ص422 ، الإتقان في علوم القرآن ج2ص70 ، ملاحظة : هذه الرواية عن عمر ذكرها الدكتور محمد سالم محيسن في كتابه رحاب القرآن الكريم ص132 لبيان عدد حروف القرآن الكريم ،     واقتصر عليها ولم يعلّق عليها بكلمة ، ولم يشر إلى أن القرآن الموجود بين أيدينا اليوم أقل من هذا الرقم بكثير ، وهذا الأمر لو صدر من عالم من علماء الشيعة لكان في نظر الوهابية ممن يقول بتحريف القرآن      جزما   ولطبلوا ولزمروا ولرموا الشيعة كلهم بتـهمة تحريف القرآن ، وحتى لو تأسف وأقر بخطئه وقال هذا من سهو القلم ، لقالوا : إنـها التقية ! ، فلا يقف تـهريج الوهابية عند حد !.    
( 2 ) المصنف للصنعاني ج7ص345ح13329 .
( 3 ) الدر المنثور ج6ص422 ، أقول : وهذا يدل على أن الرواية معتمدة عند هؤلاء العلماء ولكن الذهبي تفرد بخدش الراوي على مزاجه ، وهذا التفرد أشار له ابن حجر كما قلنا .
 ( 4 ) وأنا إنما أذكر هذه التأويلات السخيفة والفاسدة حتى يتضح لدى القارئ الكريم أن لدى أهل السنة مهمة رئيسية وحاجة ملحة تشغل حيزا كبيرا من فكرهم وعقائدهم وهي التأويل والتوجيه للمصائب والرزايا التي ابتلوا بـها بسبب أفعال سلفهم الصالح وآرائهم في الدين ، فهم دائما يحاولون تقويم آرائهم وأفعالهم المعوجة ، وللأسف فإن هذا التقويم يكون في الغالب على حساب الدين .
( 5 ) الدر المنثور ج2ص298.
( 6 ) مذكرة أصول الفقه للشيخ محمد الشنقيطي ص49.
( 7 ) شرح العلامة العضد على مختصر المنتهى الأصولي ، وهي بـهامش حاشية العلامة التفتازاني وحاشية الهروي على حاشية الجرجاني ج2ص193 .
( 8 ) أصول الفقه ص259 ط إحياء التراث العربي لمفتش الأزهر الشيخ الخضري بك .

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية