شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

عمر والصلاة

1 المشاركات 05.0 / 5

قال الرازي:المسألة الرابعة عشرة إذا ثبت أنّّ قراءة الفاتحة شرط من شرائط الصلاة فله فروع. الفرع الأوّل: قد بيّنا أنّه لو ترك قراءة الفاتحة أو ترك حرفا من حروفها عمدا بطلت صلاته، أمّا لو تركها سهوا قال الشّافعي في القديم: لا تفسد صلاته؛ واحتجّ بما روى أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: صلّى بنا عمر بن الخطّاب(رض)المغرب فترك القراءة[!] فلمّا انقضت الصلاة قيل له: تركت القراءة. قال: كيف كان الركوع والسجود؟ قالوا حسنا! قال فلا بأس. قال الشّافعيّ فلما وقعت هذه الواقعة بمحضر من الصّحابة كان ذلك إجماعا (!)[284] ؛ورجع الشّافعيّ عنه في الجديد وقال: تفسد صلاته لأن الدّلائل المذكورة عامّة في العمد والسّهو، ثمّ أجاب عن قصّة عمر من وجهين: الأوّل أنّ الشعبيّ روى أنّ عمر أعاد الصلاة، والثّاني أنّه لعلّه ترك الجهر بالقراءة لا نفس القراءة. قال الشّافعيّ: هذا هو الظن بعمر[285] !


أقول:

لكنّ الصّحابة المعترضين على عمر لم يقولوا له " تركت الجهر بالقراءة " وإنما قالوا " تركت القراءة " ! فتكلموا عن أصل القراءة لا عن الجهر بها. ولو كان عمر أسرّ القرّاءة لقال لهم بكلّ بساطة:" إنّي قرأت وإنّما تركت الجهر بالقراءة فلم تسمعوني"، لكنّه أقرّهم على ما قالوا، فدلّ هذا على موافقته عليه؛ غير أنّ الشّافعيّ ومن على نهجه من مدرسة المصوّبين مولعون بتبرير أعمال عمر مهما بلغت. وانظر إلى قوله " فلما وقعت هذه الواقعة بمحضر من الصّحابة كان ذلك إجماعا"، وكأن الشريعة تدور وفق مزاج قوم عاشوا في الجاهلية أكثر ممّا عاشوا في الإسلام، وهو يعلم أنّ الصحابة أجمعوا على مخالفة رسول الله في أكثر من موطن، وخير دليل على ذلك امتناعهم من الحلق والنحر يوم الحديبية، وامتناعهم من إنفاذ جيش أسامة!
وفي صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله قال: جاء عمر يوم الخندق فجعل يسبّ كفّار قريش ويقول: يا رسول الله ما صلّيت العصر حتى كادت الشّمس أن تغيب فقال النبي(ص): وأنا والله ما صلّيتها بعد؛ قال: فنزل إلى بطحان فتوضأ وصلّى العصر بعد ما غابت الشّمس، ثمّ صلّى المغرب بعدها[286].

 

أقول:

وأنت ترى أنّ عمر في هذه القصّة كان أحرص على الصّلاة في وقتها من رسول الله (ص)، فإن عمر صلّى العصر قبل أن تغيب الشّمس، وصلاّها رسول الله(ص) بعد ما غابت الشمس!
وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى قال كنا عند عمر بن الخطاب (رض) فأتاه رجل فقال يا أمير المؤمنين إنا نمكث الشّهر والشّهرين لا نجد الماء. فقال عمر: أمّا أنا فلو لم أجد الماء لم أكن لأصلّي حتّى أجد الماء؛ فقال عمار بن ياسر: أتذكر يا أمير المؤمنين حيث كنا بمكان كذا وكذا ونحن نرعى الإبل فتعلم أنا أجنبنا؟ قال: نعم. فأما أنا فتمرغت في التراب فأتينا النبي فقال إن كان الصعيد لكافيك وضرب بكفيه الأرض ثم نفخ فيهما ثم مسح وجهه وبعض ذراعيه فقال اتق الله يا عمار فقال يا أمير المؤمنين إن شئت لم أذكره فقال: لا ولكن نوليك من ذلك ما توليت[287].
وإلى ذلك أشار الغرناطي في التسهيل قال: ولا يجوز التيمّم للجنب وقد قال بذلك عمر بن الخطّاب[288]، والثعالبي حيث قال في تفسيره: قال عمر بن الخطّاب وغيره لا يتيمّم الجنب البتّة بل يدع الصّلاة حتى يجد الماء[289].
أقول: هذا مع أنّ القرآن الكريم يقول: فتيمّموا ، وآية التيمم واضحة{يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلاّ عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمّموا صعيدا طيّبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إنّ الله كان عفوا غفورا }[290].وليت الثّعالبي جاء باسم واحد حين قال: " وغيره "؛
وقال ابن كثير: قال سفيان الثوري: قرأ عمر بن الخطّاب سورة مريم فسجد وقال: " هذا السجود فأين البكي ؟ يريد البكاء " [291].
أقول: إنّما يكون البكاء حين تخشع القلوب.
قال الزمخشري: وروي أن مجمع بن حارثة كان إمامهم في مسجد الضرار فكلّم بنو عمرو بن عوف أصحاب مسجد قباء عمر بن الخطّاب في خلافته أن يأذن لمجمع فيؤمّهم في مسجدهم فقال: لا ولا نعمة عين، أليس بإمام مسجد الضّرار ؟ فقال: يا أمير المؤمنين لا تعجل علي فوالله لقد صلّيت بهم والله يعلم أنّي لا أعلم ما أضمروا فيه، ولو علمت ما صلّيت معهم فيه؛ كنت غلاما قارئا للقرآن وكانوا شيوخا لا يقرؤون من القرآن شيئا! فعذره وصدّقه وأمره بالصلاة بقومه[292].
أقول: يعذر إمام مسجد الضّرار الذي نزل قرآن بذمّه ولا يعذر صبيغ بن عسل الذي كان سيّدا شريفا في قومه قبل أن يعامله بتلك الطّريقة .
وقال ابن عاشور في تفسيره: روي أنّ عمر بن الخطّاب أطال صلاة الضّحى يوما فقيل له: صنعت شيئا لم تكن تصنعه ؟ فقال: إنّه بقي عليّ من وردي شيء فأحببت أن أقضيه وتلا قوله تعالى{وهو الذي جعل اللّيل والنّهار خلفة} الآية[293].
وفي صلاة الضحى هذه كلام. ففي الجمع بين الصحيحين عن مورق العجلي قال: قلت لابن عمر تصلّي الضحى؟ قال: لا. قلت: فعمر؟ قال لا. قلت: فأبو بكر؟ قال: لا . قلت: فالنبي(ص) ؟ قال: لا أخاله . وليس لمورق العجلي في صحيح البخاريّ عن ابن عمر غير هذا الحديث[294].وللسّيوطي بحث مفصل بعنوان " جزء في صلاة الضحى"[295] .
وعن محمد بن سيرين قال: كان عمر بن الخطاب قد اعتراه نسيان في الصلاة، فجعل رجلا خلفه يلقّنه فإذا أومأ إليه أن يسجد أو يقوم فعل[296].

 

أقول:

لقد كان أولى به في هذه الحال أن ينيب غيره يصلّي بالنّاس. ويبقى تصوّر المشهد محيّرا، لأنّه إذا كان الرّجل خلفه فكيف يومئ إليه وعمر ينظر أمامه؟!
وعن يحيى بن عبد الرحمن عن أبيه عن عمر بن الخطّاب أنّه صلّى صلاة العشاء فاستفتح آل عمران فقرأ الم الله لا اله إلاّ هو الحيّ القيّوم فقرأ في ركعة بمائة آية، وفي الثانية بالمائة الباقية[297].

 

أقول:

أهل العلم من مختلف المذاهب على خلاف هذا، فقد رووا أنّ معاذ بن جبل قام فصلّى العشاء فطوّل فقال النّبيّ: (ص) أفتان أنت يا معاذ![298] . بل إنّ عمر نفسه يقول " لا تبغّضوا الله إلى عباده يكون أحدكم إماما
فيطوّل عليهم ما هم فيه "[299].
وأخرج البيهقيّ من طريق سفيان الثوريّ عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير أنّ عمر بن الخطّاب قنت بعد الركوع فقال بسم الله الرحمن الرحيم اللهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم اللّهمّ إيّاك نعبد، ولك نصلّي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى نقمتك إن عذابك بالكافرين ملحق[300].
ذكروا أن كلّ بسملة منهما بداية سورة .
وعن عمر بن الخطّاب أنه قرأ في صلاة المغرب بمكة والتين والزيتون وطور سينين ثمّ رفع صوته فقال: وهذا البلد الأمين[301] .
قال الزّرقاني: وقد قرأ عمر بن الخطّاب في الرّكعة الأولى من الصّبح بالكهف وفي الثانية بيوسف[302].
وفي كتاب الصّلاة من صحيح البخاري باب عنوانه: باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد لقول النبي (ص) لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وما يكره من الصلاة في القبور، ورأى عمر أنس بن مالك يصلي عند قبر فقال: القبر القبر. ولم يأمره بالإعادة[303].
وفي سنن البيهقي الكبرى عن قابوس بن أبي ظبيان أنّ أباه حدّثه قال:
مرّ عمر بن الخطاب في مسجد النبي(ص) فركع ركعة واحدة ثمّ انطلق فلحقه رجل فقال: يا أمير المؤمنين ما ركعتَ إلاّ ركعة واحدة! قال: هو التطوّع، فمن شاء زاد ومن شاء نقص . رواه الشّافعيّ عن بعض أصحابه عن سفيان الثوري عن قابوس[304]. قال الجصّاص بخصوص هذه القصّّة مدافعا عن عمر: فإن قيل قد روي عن أبي الدّرداء وجابر أنّهما كانا لا يريان بالإفطار في صيام التّطوع بأسا وأنّ عمر بن الخطّاب دخل المسجد فصلّى ركعة ثمّ انصرف فتبعه رجل فقال: يا أمير المؤمنين صلّيت ركعة واحدة! فقال: هو التّطوّع فمن شاء زاد ومن شاء نقص، قيل له: قد روينا عن ابن عبّاس وابن عمر إيجاب القضاء على من أفطر في صيام التّطوّع، وأمّا ما روي عن أبي الدّرداء وجابر فليس فيه نفي القضاء وإنّما فيه إباحة الإفطار، وحديث عمر يحتمل أن يريد به من دخل في صلاة يظنّ أنّها عليه ثمّ ذكر أنّها ليست عليه أنّها تكون تطوّعا وجائز أن يقطعها ولم يجب عليه القضاء[305].
أقول:
انظر ـ رحمك الله ـ إلى هذا الفقيه الفاضل يتكلّم على لسان عمر بما لم يخطر ببال عمر. فكلام عمر صريح في أنّه لا فرق بين الواحدة والاثنتين والثلاث..في التّطوّع، ولم يقل إنّي كنت دخلت في الصّلاة وأنا أظنّ أنّها عليّ ـ أي واجبة ـ ثمّ ذكرت أن ليس عليّ صلاة فقطعتها. لم يقل عمر شيئا من هذا، لكنّ الفقيه الفاضل قوّله حتّى لا ينسب إلى عمر التّسامح في قضيّة الصلاة؛ وهنا يقال له: هل صلّى رسول الله(ص) مرّة واحدة ركعة واحدة على النّحو الذي قام به عمر؟ و على فرض أن صلاة عمر تشبه صلاة الوتر، هل صلّى رسول الله (ص)الوتر منفردة بحيث لم يصلّ قبلها شيئا؟!
قال النووي: وقد قرأ عمر بن الخطّاب في الرّكعة الأولى من الصّبح بالكهف وفي الثّانية بيوسف وقد كره جماعة مخالفة ترتيب المصحف[306].

 

أقول:

يهتمّون بما في صلاة عمر من رعاية ترتيب المصحف ولا يهتمّون بما فيه من المشقّة والحرج، فإنّ قراءة الكهف وسورة يوسف جميعا في الصّلاة تأخذ أكثر من نصف ساعة، وفي المأمومين الكبير والمريض وذو الحاجة والمرأة..، وقد كان رسول الله(ص) على خلاف هذا؛ ففي صحيح البخاريّ عن عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري عن أبيه قال: قال رسول الله(ص): " إنّي لأقوم إلى الصّلاة وأنا أريد أن أطوّل فيها فأسمع بكاء الصّبيّ فأتجوّز في صلاتي كراهية أن أشقّ على أمّه "[307]. وقد مرّ بك قول عمر نفسه " لا تبغّضوا الله إلى عباده يكون أحدكم إماما فيطوّل عليهم ما هم فيه "[308]. فلا يحقّ لأحد أن يبغّض الله تعالى إلى عباده بالتّطويل عليهم في الصلاة، لكن إذا فعل ذلك عمر بن الخطاب فلا بأس به، لأنّ لعمر معاملة خاصّة عند ربّ العالمين. وروى الطبراني عن محمد بن سعيد بن عبد الملك عن المغيرة بن شعبة قال: قال عثمان بن أبي العاص وكان شابّا: وفدنا على النبي(ص) فوجدني أفضلهم أخذا للقرآن وقد فضلتهم بسورة البقرة فقال النبي(ص): قد أمّرتك على أصحابك وأنت أصغرهم، فإذا أممت قوما فأمّهم بأضعفهم، فإنّ وراءك الكبير والصّغير والضّعيف وذا الحاجة؛ وإذا كنت مصدّقا فلا تأخذ الشّافع وهي الماخض ولا الربّى ولا فحل الغنم
و حزرة الرجل[309] هو أحقّ بها منك. ولا تمسّ القرآن إلاّ وأنت طاهر، وأعلم أنّ العمرة هي الحجّ الأصغر، وأنّ عمرة خير من الدّنيا وما فيها وحجّة خير من عمرة[310] .ومع ذلك يصرّ عمر بن الخطاب على الإطالة في القراءة، ويخالف رسول الله(ص) في قول في كتاب كتبه إلى عامله أبي موسى الأشعري " صل الظهر حتى تزول الشمس وصل العصر والشمس حية بيضاء نقية وصل المغرب حتى تغيب الشمس أو حين تغرب الشمس وصل العشاء حين يغيب الشفق إلى نصف الليل الأوّل وإن ذلك سنّة. وأقم الفجر بسواد أو بغلس أو بسواد وأطل القراءة "[311]. عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني سليمان بن عتيق أنّ عمر بن الخطّاب قرأ في الصبح سورة آل عمران[312].
أقول: وهو بهذا متعمّد مخالفة النبي(ص) ؛ فرسول الله(ص) يقول:" فإذا أممت قوما فأمّهم بأضعفهم فإنّ وراءك الكبير والصّغير وذا الحاجة"[313]، وعمر يقول " وأطل القراءة ".
وعن ربيعة بن دراج أن علي بن أبي طالب (رض) سبّح بعد العصر ركعتين في طريق مكّة فرآه عمر(رض) فتغيّظ عليه ثمّ قال: أما والله لقد علمت أنّ رسول الله(ص)نهى عنها[314].
وعن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطّاب (رض)كان يعلّم النّاس التّشهّد في الصّلاة وهو يخطب النّاس على منبر رسول الله(ص) فيقول إذا تشهّد أحدكم فليقل بسم الله خير الأسماء التّحيات الزّاكيات الصّلوات الطّيبات لله السّلام عليك أيّها النّبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله. قال عمر: >ابدؤوا بأنفسكم بعد رسول الله(ص) وسلّموا على عباد الله الصالحين». رواه محمد بن إسحاق بن يسار عن الزّهريّ وهشام بن عروة عن عروة عن عبد الرّحمن بن عبد القاري عن عمرو، ذكر فيه التّسمية وزاد وقدّم وأخر[315].

 

أقول:

لاحظ في الرّواية حذف الصّلاة على محمّد وآل محمّد. و لا ينقضي العجب من قولهم " يعلّم الناس التّشهد في الصّلاة! أي يعلّمهم شيئا كانوا يمارسونه مع رسول الله(ص) أكثر من مرّة في كل يوم. ونسي الراوي أنّ في ما يروي طعنا في الصّحابة ومدى قابليّتهم لنقل الأمور البسيطة ممّا كانوا يفعلونه يوميّا في حياة رسول الله(ص)، إذ لا يعقل أن يتشّهد النّاس في صلواتهم تسع مرّات كل يوم مدّة عشر سنين في الفرض دون النّافلة، فيكون عدد التّشهد الذي تلفظوا به 31860 مرة! ثمّ إذا بهم ينسون ذلك فجأة ويحتاجون إلى أن يعلّمهم إيّاه عمر بن الخطاب الذي لا ينسى! هذا مع أنّ التشهّد كلّه لا يتجاوز ثلاثة أسطر.
و عن يزيد بن شريك أنّه سأل عمر عن القراءة خلف الإمام فقال: اقرأ بفاتحة الكتاب. قلت: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا. قلت: وإن جهرت؟ قال: وإن جهرت[316].
وعن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أنّ عمر بن الخطّاب صلّى الصّبح بالنّاس ثمّ غدا إلى أرضه بالجرف فوجد في ثوبه احتلاما فقال: إنّا لمّا أصبنا الودك لانت العروق، فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه من الاحتلام وأعاد الصلاة[317].
و عن أبي الزّبير عن مكحول عن عمر بن الخطّاب أنّه أوتر بثلاث ركعات لم يفصل بينهن بسلام[318].
وعن يحيى بن غسان المرادي عن عمرو بن ميمون أنّ عمر بن الخطّاب لم يقنت في الفجر[319]. و عن أبي الضحى عن سعيد بن جبير أنّ عمر كان لا يقنت في الفجر . وعن وكيع قال حدثنا الأعمش عن إبراهيم أنّ عمر بن الخطّاب كان لا يقنت في الفجر [320].

 

أقول:

مرّة يقنت بسورة اسمها سورة" الحفد " لا وجود لها في المصحف
ومرة لا يقنت أصلا. ولهذا رووا فيما بعد عن وكيع قال: سمعت سفيان يقول:من قنت فحسن ومن لم يقنت فحسن ومن قنت فإنّما القنوت على الإمام وليس على من وراءه قنوت[321] . وإليك بعض روايات القنوت:
عن يحيى بن سعيد عن العوام بن حمزة قال: سألت أبا عثمان عن القنوت فقال بعد الركوع فقلت عمّن فقال عن أبي بكر وعثمان . و عن عوف عن أبي رجاء قال: صليت مع ابن عباس في مسجد البصرة صلاة الغداة فقنت بنا قبل الرّكوع .وعن مروان بن معاوية عن عوف قال: ذكرت ذلك لأبي المنهال فحدّثني عن أبي العالية عن ابن عباس بمثله . وعن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان قال: قنت النبي(ص) أربعين صباحا في صلاة الصّبح بعد الرّكوع .وعن عيّاش العامري عن ابن مغفل أنّ عمر وعليّا وأبا موسى قنتوا في الفجر قبل الرّكوع .وعن مطرف عن أبي الجهم عن البراء أنّه كان يقنت قبل الرّكعة .وعن يزيد بن أبي زياد قال حدّثنا زيد بن وهب أنّ عمر بن الخطّاب قنت في صلاة الصّبح قبل الرّكوع. و أبو عثمان النهدي قال صليت خلف عمر بن الخطّاب صلاة الصّبح فقنت قبل الرّكوع.
وعن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السّلمي أنّ عليّا كان يقنت في صلاة الصّبح قبل الرّكوع .وعن عطاء عن عبيد بن عمير قال صلّيت خلف عمر الغداة قال فقنت فيها قبل الرّكوع . وعن عطاء عن عبيد بن عمير عن عمر مثله . وعن سفيان عن نسير بن ذعلوق قال صلّيت خلف ربيع بن خثيم فقنت قبل الرّكعة . وعن وكيع قال حدثنا سفيان عن النعمان بن قيس قال صليت خلف عبيدة الفجر فقنت قبل الرّكعة [322].
وعن وكيع بن الجراح قال حدثنا سفيان عن مخارق عن طارق بن شهاب أنه صلى خلف عمر بن الخطّاب الفجر فلما فرغ من القراءة كبّر ثمّ قنت ثمّ كبّر ثم ركع[323].
وعن عبد الرحمن بن الأسود قال: كان عمر بن الخطّاب يقتل القملة في الصّلاة حتى يظهر دمها على يده[324].
عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر قال حدثنا محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطّاب صلى صلاة فلم يقرأ فيها فقيل له ذلك فقال أتممت الركوع والسجود؟ قالوا: نعم؛ قال فلم يعد تلك الصلاة[325].
أقول: لم يعد عمر بن الخطّاب الصّلاة لأن الرّكوع في نظره يغني عن القراءة.
وروى عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني عكرمة بن خالد أنّ عمر بن الخطّاب صلّى العشاء الآخرة بالجابية فلم يقرأ فيها حتى فرغ فلمّا فرغ دخل فأطاف به عبد الرحمن بن عوف وتنحنح له حتى سمع عمر بن الخطّاب حسّه وعلم أنّه ذو حاجة فقال: من هذا؟ قال: عبد الرحمن بن عوف. قال ألك حاجة؟ قال: نعم. قال: فادخل؛ فدخل فقال: أرأيت ما صنعت آنفا عهده إليك رسول الله(ص) أم رأيته يصنعه؟ قال: وما هو؟ قال: لم تقرأ في العشاء. قال: أو فعلت؟ قال: نعم. قال فإني سهوت جهزت عيراً من الشّام حتّى قدمت المدينة! قال: من المؤذن؟ فأقام الصّلاة ثمّ عاد فصلّى العشاء للنّاس، فلمّا فرغ خطب فقال: لا صلاة لمن لم يقرأ فيها. إنّ الذي صنعت آنفا إنّي سهوت، إنّي جهّزت عيرا من الشّام حتى قدمت المدينة فقسمتها[326].
و عن جابر وابن عون عن الشعبي أنّ عمر صلّى المغرب فلم يقرأ فأمر المؤذّن فأعاد الأذان والإقامة ثمّ أعاد الصلاة.
أقول:
أمّا إعادة الصّلاة فلا كلام فيها، وأما إعادة الأذان فما هو الوجه فيها؟! هل بطل الأذان الأوّل لأنّ عمر نسي القراءة في الصّلاة؟! ما علاقة الأذان بهذا وأمثاله؟!
وروى عبد الرّزاق أيضا عن مجاهد قال: مرّ عمر بن الخطّاب على ابن له وهو يصلّي ورأسه معقوص فجبذه حتى صرعه[327].

 

أقول:

هذا مبلغ احترامه للصّلاة، لم ينتظره حتّى يفرغ من صلاته، بل عامله بعنف وهو في الصّلاة و قد كان يكفيه أن يحدّثه.
أمّهم وهو جنب
و عن جابر عن القاسم بن عبد الرحمن أنّ عمر بن الخطّاب أمّهم وهو جنب أو على غير وضوء فأعاد الصلاة ولم يعد مَن وراءه[328].
و عن عمران بن موسى عن أبي الصعبة أنّ عمر بن الخطّاب قال لرجل وهو على المنبر يوم الجمعة: هل اشتريت لنا وهل أتيت لنا بهذا وأشار بأنملة من أصابعه يعني حبّا[329].
و عن الأعمش عن مسيب بن رافع أنّ عمر بن الخطّاب قال: " من اشتدّ عليه الحرّ يوم الجمعة في المسجد فليصلّ على ثوبه، ومن زحمه النّاس فليسجد على ظهر أخيه[330].
لم يبيّن عمر إن كان سمع هذا من رسول الله(ص) أم أنه من اجتهاداته!
وعن يحيى بن سعيد قال: اخبرني يوسف بن عبد الله بن سلام قال: أوّل من بدأ بالخطبة قبل الصّلاة يوم الفطر عمر بن الخطّاب لما رأى النّاس ينقصون فلمّا صلّى حبسهم في الخطبة[331].ولم يثبت أن النبي(ص) قدّم الخطبة في العيد على الصّلاة؛ ففي شرح الزركشي قوله: " قد تضمّن هذا الكلام أنّ خطبة العيد تكون بعد الصّلاة وهذا كالإجماع، وقد استفاضت به الأحاديث عن صاحب الشرّع وعن خلفائه الراشدين[332] . وقال ابن مفلح: " ويبدأ بالصّلاة قبل الخطبة قال ابن عمر: كان النبي (ص) وأبو بكر وعمر وعثمان يصلون العيدين قبل الخطبة. متفق عليه. فلو قدّم الخطبة عليها لم يعتدّ بها قول الأكثر وكما لو خطب في الجمعة "[333].وفي المجموع: "ويستحب للناس استماع الخطبة وليست الخطبة ولا استماعها شرطا لصحّة صلاة العيد، لكن قال الشّافعي: لو ترك استماع خطبة العيد أو الكسوف أو الاستسقاء أو خطب الحجّ أو تكلّم فيها أو انصرف وتركها كرهته ولا إعادة عليه [334]. وفي روضة الطّالبين: ´ ولو خطب الإمام قبل الصّلاة فقد أساء وفي الاعتداد بخطبته احتمال لإمام الحرمين. قلت الصّواب وظاهر نصّه في الأمّ أنّه لا يعتدّ بها كالسنّة الرّاتبة بعد الفريضة إذا قدمها والله أعلم " [335].
وثبت أنّه (ص) خيّر النّاس بين البقاء والانصراف بعد الصّلاة يوم العيد.
و عن ضمرة بن سعيد قال سمعت عبيد الله بن عتبة يقول خرج عمر بن الخطّاب في يوم عيد فسأل أبا واقد الليثي بأي شيء كان رسول الله(ص) يقرأ في الصلاة يوم العيد؟ فقال: بقاف واقتربت.
أقول: هذا مع أنّ عمر بن الخطاب صلّى مع رسول الله(ص) صلاة العيد عشر سنين!! فهل كان يشكو مشكلة في أذنيه؟ أم أنّه ذاكرته أعجز من أن تتذكّر ما يتذكره أبو واقد الليثي بسهولة؟
وعن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنّه حضر عمر بن الخطّاب يوم الجمعة قرأ على المنبر سورة النّحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد النّاس معه حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأها حتى إذا جاء السّجدة قال يا أيّها النّاس إنّما نمرّ بالسّجدة فمن سجد فقد أصاب وأحسن ومن لم يسجد فلا إثم عليه. قال: ولم يسجد عمر . قال ابن جريج: وزادني نافع عن ابن عمر أنّه قال لم يفرض السّجود علينا إلا أن نشاء[336].
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنّف عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: كان عمر يعجبه أن يقرأ سورة آل عمران في الجمعة إذا خطب[337].
أقول: سواء كانت القراءة على المنبر أم في الصلاة فإن سورة آل عمران تستغرق وقتا ليس بالقصير، وهو ما يشقّ على المصلّين، وعمر نفسه هو القائل لا تبغضوا الله إلى عباده..!
قال أبو رافع: كان عمر كثيرا ما يقرأ سورة يوسف وسورة الأحزاب في الصّبح فكان إذا بلغ {يا نساء النبي} رفع بها صوته فقيل له فقال: أذكّرهن العهد[338].
قال ابن عبد البرّ: و بقول عائشة قال ابن عمر و غيره وهو مذهب زيد بن خالد الجهني أيضا لأنه رآه عمر بن الخطّاب يركع بعد العصر ركعتين فمشى إليه و ضربه بالدّرّة فقال له زيد: يا أمير المؤمنين اضرب فوالله لا أدعها بعد أن رأيت رسول الله(ص) يصلّيهما، فقال له عمر: يا زيد لولا أنّي أخشى أن يتّخذها النّاس سلّما إلى الصّلاة حتى اللّيل لم أضرب
فيهما[339].
أقول: ولم يكن رسول الله(ص) يضرب أحدا لا في مثل هذه الأمور ولا في غيرها، لعلمه بحرمة المسلم، وقصّة كشفه بطنه للصّحابي في الحرب معلومة، وكذلك قصّة الأعرابي الذي بال في المسجد؛ ولو أنّ ذلك الأعرابي بال في المسجد على عهد عمر لنكّل به!
قال ابن حجر العسقلاني: قوله وقرأ عمر الخ وصله بن أبي شيبة من طريق أبي رافع قال: كان عمر يقرأ في الصّبح بمائة من البقرة ويتبعها بسورة من المثاني . والمثاني قيل ما لم يبلغ مائة آية أو بلغها[340].
قال ابن تيمية: وكان عمر بن الخطاب يقرأ في الفجر بسورة يونس
و يوسف والنحل فمرّ بهذه الآية في قراءته فبكى حتى سمع نشيجه من آخر الصفوف[341].
وقد ذكروا أنّ علي بن أبي طالب(ع) كان أشبه النّاس صلاة برسول الله(ص)، ولم يكن يطول في الصّلاة لا الصّبح ولا غيرها؛ روى ابن أبي شيبة عن أبي إدريس قال صلّيت خلف على الصبح فقرأ بـ " سبح اسم ربك الأعلى "[342].
وقال ابن حجر:كان عمر إذا أراد أن يصلّي على أحد استتبع حذيفة فإن مشى معه وإلا لم يصلّ عليه[343].
وقال ابن تيمية: ويروى أنّ عمر بن الخطّاب لم يكن يصلّي على أحد حتّى يصلّي عليه حذيفة لئلا يكون من المنافقين الذين نهي عن الصّلاة عليهم[344].


___________________________
[284] [ كأنّ الصحابة جميعا يوحى إليهم فردا فردا] .
[285] التفسير الكبير، فخر الدين، ج1 ص177.
[286]صحيح البخاري ج1ص321. الحديث رقم903 .
[287] تفسير الطبري ج5 ص113 وسنن النسائي الكبرى ج1ص133وسنن النسائي المجتبى) ج1ص168.
[288] التسهيل لعلوم التنزيل ج1ص143 .
[289] تفسير الثعالبي ج 1 ص 449 .
[290] النساء: 3.
[291] مختصر ابن كثير، ج 2 ص 648. قال ابن كثير: رواه ابن أبي حاتم وابن جرير.
[292] الكشّاف، الزمخشري، ج 1 ص 504 .
[293] التحرير والتنوير، ج 1 ص 2984.
[294] الجمع بين الصحيحين، الحميدي، ج2ص294 رقم 1490 .
[295] طالع " الحاوي للفتاوي، ج 1 ص 59 إلى 73 .
[296] الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، ج3 ص286 .
[297] معاني القرآن، ج 1 ص340 .
[298] صحيح ابن حبان ج6ص160 و صحيح ابن خزيمة ج3ص51 و سنن البيهقي الصغرى ج1 ص323و سنن البيهقي الكبرى ج3ص85و مسند الشافعي ج1 ص56 و مصنف ابن أبي شيبة ج1 ص315 و مسند الحميدي ج2ص524 .
[299] مصنف ابن أبي شيبة، ج5 ص321 .
[300] الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، ج1 ص 178 .
[301] الإتقان في علوم القرآن، ج1 ص298 .
[302] مناهل العرفان، الزرقاني، ج 1 ص 248 .
[303] صحيح البخاري، ج1ص165
[304] السنن الكبرى، البيهقي، ج 3، ص 24 .
[305] أحكام القرآن، الجصاص، ج 1 ص 298 .
[306]التبيان في آداب حملة القرآن، النووي، ج1 ص37.
[307] . صحيح البخاريّ، ج1 ص296 الحديث رقم 830.
[308] مصنف ابن أبي شيبة، ج5 ص321 .
[309] حزرة المال : خياره . يقال : هذا حزرة نفسي. الصحاح - الجوهري - ج 2 ص 629و تاج العروس - الزبيدي - ج 6 ص 270 ـ 273.
[310] المعجم الكبير، الطبراني، ج9ص44 رقم 8336 .
[311] مسند الحارث زوائد الهيثمي)، ج1ص242 رقم 113 .
[312] مصنف عبد الرزاق، ج2ص115 رقم 2718.
[313] مجمع الزوائد، الهيثمي، ج3ص74 و والمعجم الكبير ج9ص44 رقم 8336 .
[314] مسند أحمد، ج، 1 ص 17.
[315] السنن الكبرى، البيهقي، ج 2 ص142.
[316] السنن الكبرى، البيهقي، ج2 ص167.
[317] السنن الكبرى، البيهقي، ج 1ص170.
[318] مصنف ابن أبي شيبة، ج2ص90 رقم 6831 .
[319] مصنف ابن أبي شيبة، ج2ص101تحت رقم6962 .
[320] مصنف ابن أبي شيبة، ج2ص102 رقم 6972 و6973 .
[321] مصنف ابن أبي شيبة، ج2ص105. رقم 7011 .
[322] مصنف ابن أبي شيبة، ج2ص105 و106 . الأحاديث: 7012..إلى 7024.
[323] مصنف ابن أبي شيبة، ج2ص107 رقم 7033 .
[324] مصنف ابن أبي شيبة ج2ص144 رقم 7478 .
[325] مصنف عبد الرزاق ج2ص122 رقم 2748.
[326] مصنف عبد الرزاق، ج2ص123 رقم 2752.
[327] مصنف عبد الرزاق ج2ص184 رقم 2992.
[328] مصنف عبد الرزاق، ج2ص348 رقم 3649.
[329] مصنف عبد الرزاق، ج3ص216 رقم 5388.
[330] مصنف عبد الرزاق، ج3ص234 رقم 5469.
[331] مصنف عبد الرزاق، ج3ص283 رقم 5644.
[332] شرح الزركشي، ج1 ص289 .
[333] المبدع، ابن مفلح، ج2ص183.
[334] المجموع، ج5ص29.
[335] روضة الطالبين، ج2 ص74 .
[336] مصنف عبد الرزاق، ج3ص341 رقم 5889.
[337] مصنف ابن أبي شيبة ج1 ص450 .
[338] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج4ص381 .
[339] الإجابة لما استدركت عائشة، ج1ص84 .
[340] فتح الباري ج2ص256.
[341] مجموع الفتاوى ج 10، ص 184.
[342] مصنف ابن أبي شيبة، ج1 ص311 رقم3558 .
[343] فتح الباري ج8ص338.
[344] مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج 7، ص 470.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية