شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

رد الشمس لعلي عليه السلام

1 المشاركات 05.0 / 5

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين..
فهذا بحث مقتضب حول موضوع (رد الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام) قد جاء رداً على سؤال وردني حول هذا الموضوع. وقد دعاني إلى نشره أمران:
أحدهما: تعريف القارئ بأن ثمة أناساً يسعون لوضع علامات استفهام حول كل ما له أدنى ارتباط بعلي (عليه السلام)، مما يؤكد جهاده، ويثبت إمامته، ويظهر موقعه في الإسلام، وذلك منهم بحجة البحث العلمي، والتحقيق، وادعاء الإنصاف، والركون إلى الدليل والبرهان!!
ثم هم لا يدعون فرصة تفوتهم إلا ويوجهون فيها التهم والإهانات لمحبي علي (عليه السلام)، بعد أن اتخذوا وصفهم بالرافضة مبرراً لنسبة العظائم والموبقات إليهم، وإلصاق التهم بهم، حتى إنهم لا يتحرجون من أن يصموهم بالشرك، وبالكفر، وبالزندقة، وبالكذب والتزوير، وما إلى ذلك..
ولكن اللآفت هو أن أدنى تأمل فيما يثيره هؤلاء مما يزعمون أنه حقائق، كفيل بأن يظهر مدى زيفها وبطلانها، وبوارها. بل إن الكثير منه مخجل، ومهين، ومشين لنفس قائله، إن لم نقل: إنه لدى أهل العلم والمعرفة يبعث على الغثيان والقرف، والشعور بالخزي والعار.
فأردت في بحثي هذا أن أقدم إلى القارئ الكريم مفردة واحدة، تكشف له هذه الحقيقة وتكون عنواناً لما سواها، وذلك من أجل أن لا تغره المظاهر، ولا تخدعه الادعاءات العريضة، ولا تؤثر عليه الطنطنات والعنعنات، والانتفاخات الفارغة، والمدائح الجزافية، والأوسمة البراقة، التي يمنحها المداحون لهذا ولذاك برعونة وطيش، ومن دون أي حساب أو كتاب، دونما من رادع من دين، أو وازع من وجدان.. لتكون سبباً في ضياع الناس في متاهات عمياء وفي دواهي دهياء، وفي ظلمات دكناء.. إذا أخرج الساري يده فيها لم يكد يراها..
الثاني: لقد أردت أيضاً: أن أثير أمام القارئ الكريم نقطة ربما تكون مهمة أو حاسمة في أمر الإيمان والاعتقاد الذي يؤهل الإنسان لنيل الدرجات، وبلوغ أسمى المقامات.
وهي أن حقائق الدين، وقضايا الاعتقاد، لابد من الاستناد فيها إلى الفكر الصحيح، والعقل السليم، والفطرة القويمة، حيث يتلمس الإنسان الحقائق الإيمانية بوجدانه، وتسكن إليها نفسه، وتفرح بها روحه، وتغمر كل جهات وجوده بالحنان والسلام.. وهذا هو الإيمان الأرقى والأبقى، والأعمق والأصفى، وهو الأكثر أصالة وثباتاً. والأبعد أثراً، والأعظم عند الله خطراً..
ومن هذا القبيل كان إيمان علي، وفاطمة (عليهما السلام)، وكذلك جعفر، وخديجة.
وأما إذا جمح بالعقل جامح الغرور، ولوثت الفطرة، أو شوهت بعوارض الهوى، ودواعي الشهوات، وهيمن على هذا أو ذاك عنفوان الغرائز، فإن استكبار هذا الإنسان، وجحوده، وعناده يكون هو النهاية لتلك البداية..
وسوف لا يقتصر الأمر على هذا، بل هو سوف يتعداه إلى توظيف كل الطاقات والقدرات التي تقع تحت يده في الإغواء، وفي إثارة الشبهات، وإشاعة الأضاليل، والتسويق للترهات والأباطيل، ومواجهة الدعوة الإلهية بالحرب، والسعي إلى إطفاء
نور الله، وإضلال عباده، وإفساد بلاده..
وهذا بالذات هو ما يحتم العمل على إقامة الحجة على هذا النوع من الناس، وتعريته التامة أمام الآخرين، وإسقاط دعاواه الفارغة، وكشف براقعه الزائفة.. ليصبح ذلك المنافق، الذي يعرف الحق، ولكنه يختار طريق العناد، والجحود، والمكابرة..
كما أن تعريته أمام الآخرين الذين باء بإثم تضليلهم، وتعمية الحقائق عليهم، تصبح ضرورية، ليعينهم ذلك على العودة إلى صوابهم، وليتحملوا بأنفسهم مسؤولية الاختيار في قضايا الإيمان: {ليَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ..}(1).
ولأجل ذلك نلاحظ: أن إيمان الذين جاءت المعجزات لترد تحديهم، وتظهر عنادهم لم يكن ذلك الإيمان الصافي، ولا الثابت والعميق، وإن حاولوا هم إخفاء هذه الحقيقة..
فتأتي المعجزة لتفضح أولئك، ولكي تعطي الفرصة للمخدوعين بهم لإعادة النظر في الأمور، بعيداً عن أجواء الخداع والتضليل.
أضف إلى ذلك: أنه قد تكون هناك مصلحة في أن يرى هذه المعجزة أناس آخرون ليسوا في موقع التحدي، إذا أوجب
ذلك زيادة إيمانهم ويقينهم بما هم عليه، إذا كانوا أهلاً لرؤيتها، وحيث لايكون لها أي أثر سلبي على إيمانهم هذا..
ولكن من الواضح: أنه لا يصح أن تأتي المعجزة لتوقع الناس في رعب وهلع يضطرهم إلى إعلان الإيمان والتسليم، والاستسلام للأمر القاهر، وصوناً لأنفسهم من خطر يتهددهم، ومن كارثة يمكن أن تحيق بهم، ومن دون أن يكون لعقولهم أي دور في إدراك الحقائق الإيمانية، ولا لفطرتهم أي أثر في إثارة الشعور لديهم بتلك الحقائق، وفي انسياقهم إليها، ونيلهم لها، ووقوفهم عليها.
إن إيماناً كهذا لا يسعى إليه الإسلام، ولا يرضى به، ولا يجعله مقياساً للمثوبة والعقوبة، ولا وسيلة لنيل المنازل الرضية والمقامات العلية عند الله سبحانه..
ومن هنا نقول: إن معجزة شق القمر، ومعجزة رد الشمس، بل وكذلك ما جرى لموسى (عليه السلام). من انقلاب العصا إلى حية، ونظائر ذلك. لا يجب أن يراها البشر جميعاً، بل يجب أن يراها المعاندون الذين يراد إظهار زيفهم، ورد التحدي الآتي من قبلهم.. وأن يراها أيضاً المخدوعون بهم، والواقعون تحت تأثيرهم.. وقد يراها بعض آخر من أهل الدين والإيمان الذي تزيدهم رؤيتهم لها إيماناً وتسليماً.
وأما سائر الناس إذا كان ذلك يمثل نحواً من أنحاء الإلجاء لهم، فأن ذلك يفقد إيمانهم معناه، ويثير أمامهم أكثر من سؤال حول معنى العدل والحكمة والرأفة الإلهية.
فلا معنى لأن يقال: إن أمثال هذه الحوادث يجب أن يراها البشر جميعاً، ويجب أن تنقلها لنا جماعات كثيرة من المؤمنين ومن الكافرين.
لأننا نقول: إنه كلام لا معنى له إذا كانت هذه الرؤية الموجبة للهلع، وللخوف والرعب، من شأنها أن تبطل التكليف، كما أنها ـ كما قلنا ـ لا تنسجم مع السياسة الإلهية للبشر، وتناقض العدل الإلهي. وتتعارض مع حكمته تبارك وتعالى..
وبعد.. فإنني أرجو أن أكون قد وفقت فيما قصدت إليه، من ذلك في بحثي هذا. وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.
وما أبرئ نفسي عن القصور، ولا عن التقصير، ومن الله أستمد العون والقوة، وأطلب منه السداد والرشاد، إنه ولي قدير.
21 صفر 1425 هـ. ق.
13 نيسان 2004 م.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية