شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

نبذة من سيرة الإمام العاشرعلي بن محمّد الهادي (عليه السلام) ـ1ـ

0 المشاركات 00.0 / 5

من سير الأطهار

 نبذة من سيرة الإمام العاشر علي بن محمّد الهادي (عليه السلام)

 ـ2ـ

باسم دبوق

  

مرّ في الحلقة الماضية الحديث عن ولادة الإمام الهادي (عليه السلام) ، وعن نسبه وأولاده ، وبعض كراماته وعلمه وأخلاقه ، وكذلك ذكْر طواغيت عصره ... ونتابع في هذه الحلقة الحديث عن المرحلة الأخيرة من عمره الشريف ، وما جرى له في سامراء...

 

استدعاء الهادي (عليه السلام) من المدينة إلى سامراء

استدعى المتوكِّل  الإمام الهادي في السنة العاشرة من خلافته ، وأشخصه من (المدينة) في الحجاز إلى (سُرّ مَن رأى  ـ سامراء) في العراق ؛ وكان سبب ذلك تهمة افتراها عليه بعض أعداء الإمام (عليه السلام) وحُسّاده . فوجّه المتوكِّل يحيى بن هرثمة ومعه ثلاثمئة رجل إلى المدينة ، ومعه رسالة إلى الإمام (عليه السلام) يدعوه فيها إلى موافاته في (سُرّ مَن رأى) . وأوصى يحيى أن يداهموا الإمام (عليه السلام) في بيته ويفتِّشوا داره ؛ ليضبطوا ما فيها من أسلحة وأدوات وعدَّة حرب . كما أوصاه أن ينقلوا الإمام (عليه السلام) بغاية ما يمكن من الإجلال والتبجيل والاحترام ؛ خوفاً من الشيعة ومن الرأي العام الإسلامي كلِّه.

 

فلمَّا وصل يحيى ودخل دار الإمام (عليه السلام) ، وجده جالساً يقرأ القرآن ، ولم يجد الجُند في بيته سوى مصاحف وكتب أدعية ، فأكبره القوم واحترموه كثيراً . ولمّا سلّمه يحيى كتاب المتوكِّل بالتوجّه إليه ، استمهلهم (عليه السلام) ثلاثة أيَّام استعداداً للخروج.

 

ولمَّا علم الناس في المدينة بغرض يحيى بن هرثمة من زيارة الإمام ، وبعزمه (عليه السلام) على الخروج إلى العراق ، هاجوا هياجاً عظيماً ، وقامت قيامتهم ، وجعلوا يطالبون الإمام (عليه السلام) بعدم الركون إلى الخليفة وعدم الذهاب معه ، فجعل يحيى يُسكّتهم ويُسكّن رَوْعَهم ، ويحلف لهم أنّه لم يُؤمر بمكروه في حقِّه ، وأنّه (عليه السلام) لا بأس عليه . فلمَّا كان بعد ثلاثة أيَّام ، خرج الإمام الهادي (عليه السلام) معهم وظهرت منه في الطريق كرامات كثيرة زادت من احترام هرثمة ومرافقيه له وخجلهم منه ، إلى أن دخل (عليه السلام) سامراء سنة ثلاث وثلاثين ومئتين من الهجرة المباركة.

 

فلمَّا دخل الإمام (عليه السلام) سامراء ، احتجب المتوكِّل عنه ، ولم يُعيِّن في يومه داراً لنزوله (عليه السلام) ، حتى اضطر الإمام إلى النزول في خان يقال له : (خان الصعاليك) ، وهو محلّ نزول الفقراء من الغرباء . فدخل عليه صالح بن سعد ، وقال له : جُعلت فداك! في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك ، والتقصير بحقِّك ، حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع؟ فأومأ (عليه السلام) بيده ، فإذا بروضاتٍ آنفات ، وأنهارٍ جاريات ، وجنَّاتٍ فيها خيرات عطِرات ، وولْدان كأنَّهم اللؤلؤ المكنون ، فحار بَصَرُ صالح وكَثُر عَجَبه ، فقال (عليه السلام) : (هذا لنا يا ابن سعد ، لسنا في خان الصعاليك).

 

الهادي (عليه السلام) يُبكي المتوكِّل

قال المسعودي في "مروج الذهب" : سُعي إلى المتوكِّل  بعلي بن محمد الجواد (عليه السلام) أنّ في منزله كُتباً وسلاحاً من شيعته من أهل قم ، وأنّه عازم على الوثوب بالدولة ، فبعث إليه جماعة من الأتراك ، فهجموا على داره ليلاً ، فلم يجدوا فيها شيئاً ، ووجدوه في بيت مغلق عليه ، وعليه مدرعة من صوف ، (وفي رواية من شعر) وهو جالس على الرمل والحصى ، وهو متوجِّه إلى الله تعالى يتلو آيات من القرآن ، (وفي رواية : يُصلّي ، وهو يترنّم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد) فحُمل على حاله إلى المتوكِّل ، وقالوا له : لم نجد في بيته شيئاً ، ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة . وكان المتوكِّل  في مجلس الشرب ، فدخل عليه (عليه السلام) والكأس في يد المتوكِّل ، فلمَّا رآه هابه وعظّمه ، وأجلسه إلى جانبه ، وناوله الكأس التي كانت في يده ، فقال (عليه السلام) : (والله ، ما يخامر لحمي ودمي قطّ ، فاعفني) ، فأعفاه ، فقال: أنشدني شعراً ، فقال (عليه السلام) : (إنِّي قليل الرواية للشعر) ، فقال: لا بد . فأنشده الإمام (عليه السلام) وهو جالس عنده:

(  بـاتوا عـلى قُـلَلِ الأجـبالَ تحرُسهم      غُـلْـبُ الـرجالِ فـما iiأغـنتهم(1)القُلَلُ
واسـتُنزلوا  بـعد عـزٍّ عـن 
iiمـعاقلهم      فـأُودِعوا(2)  حُـفَراً يـا بئس ما iiنزلَوا
نـاداهمُ  صـارخٌ مـن بعد ما 
iiقُبروا(3)      أيــن الأسـرَّةُ(4) والـتيجانُ iiوالـحُلَلُ
أيــن  الـوجوه الـتي كـانت 
iiمـنعّمةً      مـن  دونـها تُـضرب الأسـتارُ iiوالكُلَلُ
فـأفصح  الـقبرُ عـنهم حـين 
iiساءلهم      تـلك الـوجوه عـليها الـدُّودُ iiينتقلُ(5)
قـد  طـالما أكـلوا دهراً وما شربوا(6)
      فـأصبحوا بـعد طـولِ الأكـلِ قد iiأُكِلوا
وطـالـما عـمّروا دوراً 
iiلـتحصنهم(7)      فـفـارقوا الـدورَ والأهـلينَ iiوانـتقلوا
وطـالـما  كـنزوا الأمـوالَ 
iiوادّخـروا      فـخلَّفوها(8)  عـلى الأعـداءِ iiوارتحلوا
أضـحـت مـنـازلُهم قِـفْـراً 
iiمـعطلةً      وساكنُوها إلى الأجداثِ(9) قد رحلوا(10)

 

قال : فبكى المتوكِّل حتى بلَّت لحيته دموعُ عينيه ، وبكى الحاضرون ، ودَفَعَ إلى علي (عليه السلام) (أي الهادي) أربعة آلاف دينار ، ثُمَّ ردّه إلى منزله مكرَّماً.

دعاء الإمام الهادي (عليه السلام) على المتوكِّل

كان الخليفة العبَّاسي (المتوكِّل) أشدّ الخلفاء عداوة لأهل البيت (عليهم السلام) ، وكان تعامله مع الأئمة (عليه السلام) لا يدل إلاّ على كُره وبغض وحسد ... والتاريخ يشهد بنصْبه العداوة لأهل البيت (عليهم السلام) ، فتارةً كان يُحاربهم بالوسائل التي تمنع عنهم كل أسباب الرزق والعيش! وأخرى تراه وقد هدم قبر الحسين (عليه السلام) والبيوت التي كانت حوله ، كما منع الزائرين عنه ، ناهيك عن سخريته من الإمام علي (عليه السلام) بجعل وسادة على بطنه وربطها ، وهو يقول ساخراً: أنا الأنزع البطين . وهو الذي شتَم علياً وفاطمة (عليها السلام) ، وأمثال ذلك من ضروب التجنِّي.

وظلّ دأبه (أي المتوكِّل) مدة أربع سنوات يعمل التدابير والحِيَل في قتل الإمام الهادي (عليه السلام) ، وازدادت وقاحته وعتوّه حتى دعا عليه الإمام (عليه السلام) ، فقتل في اليوم الثالث من دعائه (عليه السلام) ، والْتَحَق بركب الذين ظلموا الأئمة وآل الرسول (صلَّى الله عليه وآله) من قبله ، وكان هذا الرحيل إلى جهنم في السنة السابعة والعشرين من إمامة الهادي (عليه السلام).

الرواة عن الإمام الهادي (عليه السلام)

قال ابن شهر آشوب في "المناقب" :

بَوَّابُه : محمد بن عثمان العمري.

ومن ثقاته : أحمد بن حمزة بن اليسع ، وصالح بن محمد الهمداني ، ومحمد بن جول الجمَّال ، ويعقوب بن يزيد الكاتب ، وأبو الحسين بن هلال ، وإبراهيم بن إسحاق ، وخيران الخادم ، والنظر بن محمد الهمداني.

ومن وكلائه : جعفر بن سهيل الصقيل.

ومن أصحابه : داوود بن زيد ، وأبو سليمان زنكان ، والحسين بن محمد المدائني ، وأحمد بن إسماعيل بن يقطين ، وبشر بن بشّار النيسابوري الشاذاني ، وسليم بن جعفر الموزوي ، والفتح بن يزيد الجرجاني ، ومحمد بن سعيد بن كلثوم ـ وكان متكلّماً ـ ، ومعاوية بن الحكيم الكوفي ، وعلي بن معد بن معبد البغدادي ، وأبو الحسن بن رجاء العبرتائي.

وروى عنه جماعة ، منهم : إسماعيل بن مهران ، وأبو جعفر الأشعري ، والخيراني.

 

مؤلَّفاته (عليه السلام)

الأول : رسالته (عليه السلام) في الردِّ على أهل الجبر والتفويض ، وإثبات العدل والمنزلة بين المنزلتين.

أوردها بتمامها الحلبي في "تحف العقول" ، واللواساني "في الدروس البهية".

الثاني : أجوبته ليحيى بن أكثم عن مسائله، أوردها الحلبي في "تحف العقول".

الثالث : مجموعة من أحكام الدين ذكرها ابن شهر آشوب من "المناقب" ، عن الخيري أو الحميري في كتاب "مكاتبات الرجال" عن العسكريّين (عليه السلام).

وقد رُوي عنه في أجوبة المسائل في الفقه وغيره من أنواع العلوم الشيء الكثير ممَّا تكفّلت به كتب الأخبار.

من أدعيته (عليه السلام) القصيرة

في "أمالي" الشيخ أبي علي الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي أنَّه (عليه السلام) علَّم بعض أصحابه هذا الدعاء ، وقال :

(هذا الدعاء كثيراً ما أدعو الله به ، وقد سألتُ الله أن لا يخيب من دعا به في مشهدي بعدي ، وهو:

يا عدتي عند العدد ، ويا رجائي والمعتمد ، ويا كهفي والسند ، ويا واحد يا أحد ، يا قل هو الله أحد ، أسألك اللّهم بحق مَن خلقته من خلقك ، ولم تجعل في خلقك مثلهم أحداً ، أن تصلِّي عليهم وتفعل بي : كيت وكيت)(11).

ومن دعائه (عليه السلام) أيضاً: (يا بارُّ ، يا وصُول ، يا شاهد كلِّ غائب ، ويا قريب غير بعيد ، ويا غالب غير مغلوب ، ويا مَن لا يعلم كيف هو إلاَّ هو ، يا مَن لا تُبْلغ قدرتُه ، أسألك باسمك المكنون المخزون ، المكتوم عمَّن شئت ، الطاهر المطهّر ، المقدّس النور ، التام الحيّ القيوم العظيم ، نور السماوات ونور الأرضين ، وعالم الغيب والشهادة ، الكبير المتعال العظيم ، صلِّ على محمد وآل محمد).

ولقد أورَد زيارته (عليه السلام) الشيخ القمّي في "مفاتيح الجنان" في يوم الأربعاء (ص90) ، والزيارة الخاصة (ص581).

 

حِرْزَه (عليه السلام)

ذكره ابن طاووس في "مُهج الدعوات" ، وهو:

(بسم الله الرحمن الرحيم ، يا عزيز في عزّه ، يا عزيز أعزّني بعزّك ، وأيّدني بنصرك ، وادفع عني همزات الشياطين ، وادفع عني بدفعك ، وامنع عني بصنعك ، واجعلني من خيار خلقك ، يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد).

 

ممَّا مُدح به (عليه السلام)

 ذكر ابن شهر آشوب في "المناقب" ، فقال : أنشدني أبو بديل التميمي في الإمام الهادي (عليه السلام):

أنتَ من هاشمِ بنِ عبدِ منافِ ب       ن  قـصيّ فـي سرِّها iiالمختارِ
فـي  اللُّبابِ اللُّبابِ والأرفعِ 
iiالأر      فـعِ  منهمُ وفي النِّضَارِ iiالنِّضَارِ

 ضعف الحكم العبَّاسي

بعد موت المتوكِّل وحكم المنتصر والمستعين ، جاء المعتزّ خليفةً . ويبدو من تاريخ حياة الإمام الهادي (عليه السلام) ، أنّ السنين السبعة التي قضاها في عهد المنتصر والمستعين والمعتز ، لم يشهد فيها ما شهده في عهد المتوكِّل من التحدِّيات والوشايات بين الحين والآخر . وقد اكتفى الحكَّام الثلاثة بفرض الإقامة الجبرية عليه في سامراء . ولو لا ذلك ، لَمَا كان ليختار على مدينة جدّه (صلَّى الله عليه وآله) بلداً غيرها.

ولعلّ مردّ ذلك إلى أنّ سلطة الحكَّام في تلك الفترة من تاريخ خلافة بني العبَّاس ، قد تلاشت تقريباً ، ولم يعد يملك الخليفة منها غير الاسم ، وأصبح الحكم للقوّاد من الأتراك وغيرهم ، فكانوا يأمرون وينهون ، ويعزلون الخليفة أو يقتلونه ـ إذا غضبوا عليه ـ ويولّون غيره ، كما حدث للمستعين بعد ثلاث سنين وتسعة أشهر من ولايته ، حيث اضطروه لاعتزال الخلافة ، وبايعوا المعتز سنة إحدى وخمسين ومائتين ، بعد أن كان معتقلاً مع أخيه المؤيَّد . إلى كثير من الأحداث التي تُؤكِّد ضعف الخلفاء في تلك الفترة من التاريخ.

وقد وصف بعض شعراء عصرهم الحالة التي انتهت إليها الخلافة بقوله:

خـليفةٌ في قفصٍ           بين وصيفٍ وبَغَا
يـقول ما قالا 
iiله            كما تقول iiالببغا 

وقال شاعر آخر ـ قيل : إنّه البحتري ـ كما جاء في مروج الذهب:

 

لـلـهِ درُّ عـصـابةٍ iiتُـركـيةٍ      ردّوا  نـوائبَ دهـرهم iiبالسيفِ
قـتلوا الـخليفةَ أحمدَ بنَ 
iiمحمّدٍ      وكسوا جميعَ الناسِ ثوبَ الخوفِ
وطَـغُوا فـأصبح مُلْكَنا 
iiمتقسِّماً      وإمـامَنا  فـيه شـبيهُ iiالضيفِ 

وفاته ودفنه (عليه السلام)

تُوفِّي الإمام الهادي أبو الحسن الثالث (عليه السلام) في مدينة سامراء التي نقله المتوكِّل  إليها ـ كما أسلفنا ـ ، والتي أبقاه هو والخلفاء بعده فيها عشرين سنة ؛ ليكون قريباً منهم ، خاضعاً لمراقبتهم ، بعيداً عن كل الذين يُحتمل أن يتحرّكوا لطلب الخلافة له . ورغم أنّ الإمام (عليه السلام) كان في الواقع رهينة عندهم ، فإنَّهم لم يتوانوا عن العمل للتخلّص منه نهائياً.(12) 

ويعزو المؤرّخون السبب في وفاته إلى سُمٍّ دسّه له الخليفة المعتز ، الذي تُوفِّي الإمام (عليه السلام) في السنة الثانية من عهده . وقد كانت وفاته في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة ، من السنة الرابعة والخمسين بعد المئتين(13).

ولمَّا حضرته الوفاة ، أحضر ابنه الحسن العسكري (عليه السلام) وسلّم إليه الودائع والمواريث ، وأوصى إليه بالإمامة بعده ، وقضى نحبه شهيداً مسموماً ، فجهّزه ابنه الحسن العسكري (عليه السلام) وصلّى عليه ، وحملت جنازته في تشييع مهيب حافل بكل طبقات الناس ، وخرج الإمام الحسن (عليه السلام) يمشي خلف الجنازة باكياً حزيناً.

وطافوا بالجنازة في بعض شوارع سامراء وأسواقها ، ثمَّ أعادوها إلى الدار ، حيث دُفن (عليه السلام) في منزله الخاص ، وهو مكان قبره وحرمه الشريف القائم اليوم في سامراء . ودُفن فيه بعده ابنه الحسن (عليه السلام) إلى جنبه . وفي هذه الدار ـ أيضاً ـ قبر السيدة حكيمة ، أخت الإمام الهادي (عليه السلام) ، وقبر السيدة نرجس أمّ الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ، وقبور أخرى من أفراد الأسرة المكرَّمة.

ـــــــــــ

(1)  وورد : فلم تنفعهم.

(2)  وورد : فأُسْكِنوا.

(3)  وورد : من بعد دفنهم.

(4)  وورد : الأساور.

(5)  وورد : يقتتل.

(6)  وورد : وقد شربوا.

(7)  وورد : لتسكنهم.

(8)  وورد : ففرّقوها.

(9)  وورد : الأحداث.

(10)  وورد : نزلوا.

(11)  طبعاً تسأل حاجتك.

(12)  وورد أنّه تُوفِّي في الثالث من رجب ، أو الثالث عشر منه.

(13)  لأنّ المعتزّ بُويع في سنة اثنتين وخمسين ومئتين.

من سير الأطهار

نبذةٌ من سيرة الإمام العاشر علي بن محمد الهادي ( عليه السلام )

باسم دبوق

 

ولادته

إنّه الكوكب العاشر من سلسة النور ، المتّصلة بمنبع الضياء والهدى النبي الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله ) ، وهو الإمام الذي لم ينازعه أحد من أهل زمانه في العلم والفضل والمهابة ، رغم حداثة سِنِّه حين تولّى منصب الإمامة ، ورغم مضايقة الحكّام المستكبرين له.

 

ولد الإمام علي بن محمد الهادي (ع) بقرية من نواحي المدينة(1) ، يوم الجمعة أو الثلاثاء ، الثاني أو الخامس أو الثالث عشر من رجب ، أو للنصف من ذي الحجة ، أو السابع منه ، أو السابع والعشرين منه ، سنة اثنتَي عشرة أو أربع عشرة ومائتَين . وتدل بعض الأدعية على ولادته هو وأبوه عليهما السلام في رجب(2) .

والده

تاسع أئمة أهل البيت (ع) الإمام محمد بن علي الجواد (ع) ، خَلَف والده الإمام علي الرضا (ع) وهو فتى ، وقد أعجز في علمه كبار العلماء وحيّر عقولهم ؛ حيث أجاب عن ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد(3) ، وهذا غيض من فيض علمه (ع).

والدته

والدته هي سمانة المغربية (رض) ، تُعرف بالسيدة ، وتُكنّى بأم الفضل . كانت جارية (ع) من خير نساء عصرها ، بل أفضلهن ، ولم يكن أحد مثلها في الزهد والتقوى ، وكانت تقضي أكثر أيَّامها صائمة . وقد شرّفها الله تعالى بأن جعلها وعاءً لسره المكنون ، أُمَّاً لأحد البدور الاثني عشر.

يقول الإمام الهادي (ع) بحق والدته (رض) : ( أمي عارفة بحقي ، وهي من أهل الجنّة ، لا يقربها شيطانٌ ماردٌ ، ولا ينالها كيدُ جبارٍ عنيدٍ ، وهي كانت بعين الله التي لا تنام ، ولا تختلف عن أمَّهات الصدِّيقين والصالحين )(4) .

ألقابه

الإمام الهادي (ع) هو رابع عليٍّ في الأئمة الأطهار ، وثالث أبو الحسن . ألقابه كثيرة ، منها: النقي(5) ، والهادي ، والمرتضى ، والناصح ، والنجيب ، والعالم ، والفقيه ، والأمين ، والمؤتَمَن ، والطبيب ، والعسكري ، والفتَّاح ، والمتوكِّل(6) .

إمامته وطواغيت عصره

تسلَّم الخلافة في مدينة جدِّه محمد ( صلَّى الله عليه وآله ) ، وذلك عند شهادة أبيه الجواد في بغداد ، وكان له من العمر ست سنوات وخمسة أشهر.

والدليل على إمامته (ع) :

[أُوَّلاً :] النصّ عليه من أبيه الجواد (ع) ، وذلك في عدة مناسبات، وأمام العديد من أصحابه الثقات ، حسبما ورد تفصيله في المطوَّلات من كتب السير والتاريخ.

ثانياً : الأفضلية المطلقة في عصره على جميع الناس في جميع الفضائل ، حيث كان كآبائه (ع) : الأفضل ، والأكمل ، والأعلم ، والأكرم والأحلم ، والأزهد ، والأعدل . وكان مثالاً للإنسانية ، والفضائل الخُلُقية ، والصفات الكمالية.

وبقي في المدينة بعد شهادة أبيه الجواد (ع) بقية مُلْك المعتصم ما يقرب من سنتَين ، ثمَّ مُلْك الواثق خمس سنين وسبعة أشهر ، وبعده مُلْك المتوكِّل أربع عشرة سنة . وفي عهده انتقل الإمام (ع) من المدينة إلى مقرِّ سلطة سُرَّ مَن رأى(7) . وبعد وفاة المتوكِّل(8) بُويع ابنه محمد بن جعفر الملقَّب بالمنتصر ، وكان مُلْكه ستة أشهر ومات(9) ، وبُويع بعده أحمد بن محمد المستعين بن المعتصم ، الذي كان أكثر أيَّامه مشتغلاً بالحرب والمنازعة مع المعتزلة ، وكانت مدة مُلْكه أربع سنين وشهراً (10) ، خُلع بعدها وبُويع المعتز بن المتوكِّل ـ واسمه الزبير ـ سنة اثنين وخمسين ومائتين ، وكان ذلك في السنة الثانية والثلاثين من إمامة أبي الحسن الهادي (ع) ، ثمَّ كانت وفاته في السنة الرابعة والثلاثين من إمامته.

كانت مدة إقامته (ع) في سامراء عشرين سنة . وكان مجموع مدة إمامته (ع) بعد أبيه الجواد (ع) ثلاثاً وثلاثين سنة وشهراً . ويكون مجموع عمره (ع) نحواً من أربعين سنة ، أو إحدى وأربعين سنة ، مع السنين التي قضاها مع والده (ع).

صفته في أخلاقه

ورد في "مناقب" ابن شهرآشوب : (كان أطيب الناس مهجةً ، وأصدقهم لهجةً ، وأملحهم من قريب ، وأكملهم من بعيد . إذا صمت علته هيبة الوقار ، وإذا تكلَّم سَمَاه البهاء . وهو من بيت الرسالة والإمامة ، ومقرِّ الوصية والخلافة . شعبةٌ من دوحة النبوَّة ... ، وثمرةٌ من شجرة الرسالة ، مجتناةٌ مجتباةٌ).

 

وصدق مَن قال :

هم أهل ميراثِ النبي إذا اعتزوا(11)      وهـمُ خـيرُ سـاداتٍ وخـيرُ iiحماةِ
إذا لــم نُـناجِ اللهَ فـي 
iiصـلواتِنا      بـأسـمائِهم لـم يَـقْبَل iiالـصلواتِ
فـإنْ  فـخرِوا يـوماً أتـوا 
iiبمحمدٍ      وجـبـريلَ والـفرقانِ iiوالـسُّوراتِ
وعـدُّوا عـلياً ذا الـمناقب 
iiوالـعُلا      وفـاطـمةَ الـزهراءِ خـيرَ iiبـناتِ
مـلامُـك  فـي آلِ الـنبيِّ 
iiفـإنَّهم      أحـبـائي مـاداموا وأهـلُ iiثـقاتِ

أو مَن قال :

إلـيكمْ  كلُّ منقبةٍ iiتؤولُ      إذا ما قيلَ جدُّكمُ الرسولُ
وفيكم  كلُّ مكْرَمةٍ 
iiتجولُ      إذا مـا قيلَ أمُّكم iiالبتولُ
فـلا يبقى لمادِحكم 
iiكلامٌ      إذا  تـمّ الكلام فما iiأقولُ

هيبته ( عليه السلام )

جاء في "إعلام الورى" بسنده عن محمد بن الحسن الأشتر العلوي ، قال : (كنت مع أبي على باب المتوكِّل ، وأنا صبي في جمع من الناس ، ما بين طالبي إلى عبَّاسي وجعفري ، ونحن وقوف ، إذ جاء أبو الحسن ، فترجَّل الناس كلُّهم حتى دخل ، فقال بعضهم لبعض: لمَن نترجَّل؟ لهذا الغلام! وما هو بأشرفنا ، ولا بأكبرنا سنَّاً ، والله لا ترجّلنا له.

 فقال أبو هاشم الجعفري : والله ، لتترجَّلنَّ له صِغْرَة إذا رأيتموه ، فما هو إلاّ أن أقبل وبصروا به ، حتى ترجَّل له الناس كلُّهم.

فقال لهم أبو هاشم : أليس زعمتم أنكم لا تترجَّلون له؟

 فقالوا له : والله ، ما ملكنا أنفسنا حتى ترجَّلنا)(12).

 

أولاده ( عليه السلام )

خَلَف الإمام الهادي (ع) خمسة أولاد: أربعة ذكور ، وأنثى واحدة ، مُسمَّاة : عالية(13).

والذكور هم : الحسن العسكري (ع) ، وهو الإمام بعد أبيه الهادي (ع) . ومحمد صاحب الكرامات الباهرة والآيات الواضحة ، وهو المعروف في عصرنا بالسيد محمد ، والمدفون قريباً من بَلْدة سامراء ، ومزاره مقصود من جميع الفِرق الإسلامية ، مع هدايا وتُحف ونذورات ؛ لِمَا رأوا منه ومن مشهده من نيل المقاصد وبلوغ الآمال بالتوسُّل به (ع) ، والفتك بكل مَن حَلَف به يميناً كاذبة ، وهي من أعظم الشواهد على جلالة قدره وعلوّ شأنه ، وسموّ مقامه عند الله تعالى وعند آبائه المعصومين ( عليهم السلام ) . وإنّ هذا السيد الجليل لكثرة ورعه ووفور علمه ، كان يُظَن انتقال أمر الإمامة والخلافة إليه.

وأمَّا ولده الثالث ، فهو ( الحسين ) . وولده الرابع ( جعفر ) المعروف بالكذّاب . وهذا كان بعكس أخيه السيد الجليل محمد ، فقد ادعى الإمامة لنفسه بعد أبيه الهادي (ع) ، كذباً وافتراءً على الله ورسوله ( صلَّى الله عليه وآله ) ، واجتراءً على الدين.

وقد سعى في إيذاء أخيه الإمام الحسن العسكري (ع) ، وبعده في إيذاء إمام العصر الحجّة المنتظر (عج) . وكان يُلقَّب بزقّ خمر ؛ من كثرة شربه للخمر ، ولعبه بآلات اللهو والقمار . وقد ورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان ( صلوات الله عليه ) في حقِّه : أنَّ سبيله سبيل ابن نوح . وكان أبوه الهادي (ع) يقول فيه: ( تجنّبوا ابني جعفر ، فإنّه مني بمنزلة كنعان بن نوح النبي (ع) ؛ إذ قال (ع): (رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي) (هود : 45) ، فردّ الله عليه بقوله تعالى: ( يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) (هود : 46) ).

وكان أبو محمد الحسن العسكري (ع) يقول : ( الله الله أن يظْهَر لكم أخي جعفر على سرّ ؛ فوالله ، ما مَثَلي ومَثَلهُ إلاّ مثَلُ هابيل وقابيل ابنيْ آدم (ع) ، حين حَسَد قابيل هابيل على ما أعطاه الله تعالى ، ولو تهيَّأ لجعفر قتلي لفعل ، ولكنَّ الله غالبٌ أمرُه ).

وقد أمعن الشيعة بعد أبي محمد (ع) وزادوا في هجره حتى تركوا السلام عليه ، ولكنَّه بعد وفاة أخيه العسكري (ع) ، وبعد مماته هو ، وَرَد النهي من مولانا الحجة (عج) عن سبّ عمِّه جعفر ، ونهى شيعته عن لعنه ، وذكر (عج) لهم أنَّ حاله حال أولاد يعقوب (ع) ؛ بمعنى أنه وفّقه الله في آخر عمره للتوبة والرجوع إلى الحق ، والله بصير بالعباد(14).

 

كراماته

منها : ردُّه على الخليفة العبَّاسي المتوكِّل (أو الواثق) ، حين استدعاه وعرض أمامه جيوشه ، ليدخل الرهبة في قلبه ؛ لأنَّه كان يخاف من الإمام (ع) ، ويخشى أن يخرج عليه ، هو أو أحد أهل بيته ، فقال له الإمام (ع) : ( وأنا أعرض عليك عسكري ) ، فإذا الجو بين السماء والأرض ، من المشرق إلى المغرب ، ملائكة مدجَّجون بالسلاح ، فأُغمي على الخليفة من الهلع ، فلمَّا أفاق ، قال له الإمام (ع) : ( نحن لا ننافسكم في الدنيا ، فنحن مشتغلون عنها بأمر الآخرة، فلا عليك مني ممَّا تظُن ) . كما تُنسب إليه (ع) خوارق لا يأتيها البشر العاديون.

أما الروايات عن إخباره بالغيبيَّات ، فكثيرةٌ وعجيبةٌ ومدهشةٌ ، منها : ما رواه (خيران الأسباطي).

قال خيران : قدمتُ من بغداد على أبي الحسن (ع) في المدينة ، فقال (ع) لي : ( ما خبر الواثق عندك؟ ) ، قلت : جُعلتُ فداك! خلَّفته في عافية ، أنا أقرب الناس عهداً به ، عهدي به منذ عشرة أيَّام ، فقال (ع) : ( إنَّ بعض أهل المدينة يقولون : إنَّه مات ؟) ، فلمَّا أنْ قال لي : ( بعض أهل المدينة ) علمتُ أنَّه هو . ثمَّ قال لي : ( ما فعل جعفر؟ ) (أي المتوكِّل) ، قلتُ: تركته أسوأ الناس حالاً في السجن . فقال : ( أما إنَّه صاحبُ الأمر! . ما فعل ابن الزيّات؟ ) ، قلت : جعلتُ فداك! الناس معه والأمر أمرُه! ، فقال (ع) : ( أما إنَّه شَؤمٌ عليه! ) ، وسكتْ ، ثمَّ قال : ( لا بدَّ أن تجري مقادير الله وأحكامه! يا خيران ، مات الواثق ، وقعد المتوكِّلُ جعفر ، وقد قُتِل ابن الزيّات! ) قلتُ : متى؟ جعلت فداك! ، قال (ع): ( بعد خروجك بستة أيَّام ) . فما كان من الأيَّام إلاّ قلائل حتى وصل قاصدُ المتوكِّل إلى المدينة ، فكان كما قال (ع).

 

علم الإمام الهادي (ع) واختلاف الفقهاء

ـ ممَّا جاء في سِعَة علم أبي الحسن علي بن محمد الهادي (ع) ، ما ذكره ابن شهر آشوب في "المناقب" وغيره ، قال : لمّا سُمّ المتوكِّل ( وفي رواية : مَرِضَ ) نذر لله إنْ عوفي ، أن يتصدَّق بمالٍ كثيرٍ . فلمَّا عوفي ، سأل الفقهاء ، فاختلفوا في المال الكثير ، ولم يجد عندهم فرَجاً ، فقال له الحسن ـ حاجبه ـ : إن أتيتك ـ يا أمير المؤمنين ـ بالصواب ، فما لي عندك؟ قال: عشرة آلاف درهم ، وإلاّ ضربتك مئة مقرعة . قال : قد رضيت . فأتى أبا الحسن علي بن محمد الهادي (ع) ، فسأله ، فقال له: ( قل له يتصدَّق ثمانين درهماً ( وفي رواية : بثلاثة وثمانين ديناراً ) ، فأخبر المتوكِّل ، فسأله : ما العلة؟ قال : ( إنَّ الله تعالى قال لنبيّه ( صلَّى الله عليه وآله ) : ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ) (التوبة : 25) ، فعددنا مواطن رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) ، فبلغت ثمانين موطناً ) ، فرجع إليه فأخبره ، ففرِح المتوكِّل وأعطاه عشرة آلاف درهم.

ـ وجاء في "مناقب" الخوارزمي ، وفي "شرح شافية أبي فراس" ، بسند متَّصل عن محمد بن جعيد ، ما ملَّخصه :

كان عُمْر أبي الحسن الهادي (ع) يوم مات أبوه الجواد (ع) نحواً من ست سنوات ، فقدِم عمر بن الفرج الجمحي إلى المدينة ، موفداً من قبل الخليفة المعتصم العباسي ؛ ليُعيّن رجلاً من أبرز علماء المدينة ، معروفاً بالعداء والنصب لأهل البيت (ع) ، لتربية عليّ الهادي حسب زعمه ، وليُوكِل إليه أمر القيام بإبعاده عن الشيعة ، ومنعهم من الوصول إليه . ووقع اختياره على رجل من أهل الأدب والفقه في المدينة يُكنّى : أبا عبد الله ، ويُعرف بـ ( الجنيدي ) ، وكان يُعرف بالمخالفة والعداوة لأهل بيت رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ).

قال : فكان الجنيدي يُلازم عليّ الهادي (ع) في القصر بصريا ، بضواحي المدينة ، ومكث على هذا مدة . ثمَّ إنِّي التقيت بالجنيدي بعد مدة طويلة ، انقطعتْ الشيعة فيها عن الإمام الهادي (ع) ، فسلّمتُ عليه ، وقلتُ له : ما حال هذا الغلام الهاشمي الذي تُؤدِّبه وتُعلّمه؟

فقال منكراً عليّ ذلك : أتقول الغلام ولا تقول الشيخ الهاشمي؟! ثمَّ قال: هل تعلم في المدينة أعلم مني؟ قلتُ : لا . قال: فإنِّي ـ والله ـ أتعلَّم منه ، ويظُنُّ الناس أنِّي أعلمه . ثمَّ قال: هذا ـ والله ـ خير أهل الأرض ، وأفضل مَن برأ الله . وإن أمره لعجيب ! فلقد مات أبوه بالعراق ، ونشأ هو بين الجدران والجواري السُّود ، فمِن أين تعلَّم كل هذه العلوم؟!

قال الراوي: ثمَّ التقيتُ بالجنيدي بعد مدة أخرى ، فرأيته قد اهتدى وتشيَّع ، ودان بإمامة الهادي (ع) وإمامة آبائه الطاهرين...

ـ وممَّا يُذكر بهذه المناسبة ، أنّ المتوكِّل العباسي خَرَجَ في جسده خُراجٌ خبيث ، أفقده الراحة والنوم ، وأعييت الأطباء عن علاجه . فقال له وزيره الفتح بن خاقان : يا أمير المؤمنين ، لو أرسلت إلى علي بن محمد ؛ فاستوصفته دواءً . ففعل المتوكِّل ذلك ، وبعث إلى الإمام الهادي (ع) يسأله أن يصف له دواءً لذلك الخراج ، فقال ( عليه السلام ) للرسول : ( قل لهم: يأخذوا كُسْبَ الغنم ( وكُسْبَ الغنم يعني : بعض فضلات

الحيوان ) ، ويُديفُوه بماء الورد ، ويضعوه على الخراج ، فإنَّه ينفجر بإذن الله تعالى ... ) ففعل المتوكِّل العبَّاسي ما وصفه الإمام الهادي (ع) ، فانفجر الخراج وبرء تماماً ، فتشكَّر من الإمام الهادي (ع) وحمل إليه الهدايا... .

وممَّا يُذكر من علمه (ع) : أنَّ مسيحياً فَجَر بامرأة مسلمة ، ولمَّا أراد الخليفة العبَّاسي المتوكِّل أن يُقيم عليه الحدَّ ، نَطَق المسيحي بالشهادتَين وأسلم ، فقال قاضي القضاة يحيى بن أكثم : لقد سَقَطَ عنه الحد ؛ لأنَّ الإسلام يجُبُّ ما قبله ( على حدِّ ما ورد في الحديث الشريف ) . وقال بعض القضاة : يُضرب ثلث الحد المفروض على الزاني ، وهو مائة جلدة . فقال المتوكِّل : نكتب إلى أبي الحسن علي الهادي (ع) ونسأله عن ذلك ، فجاء الجواب من الإمام الهادي (ع) : بأن هذا الرجل يُضرب بالسياط حتى الموت ، فأنكر القضاة هذا الحكم ، وأرسلوا إلى الإمام (ع) يطلبون منه الدليل على ذلك ، فكتب (ع) إليهم : إنَّ الدليل هو قوله عزّ وجلّ ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ) (غافر : 84 ـ 85) فأمر المتوكِّل ، فضُرب الرجل النصراني الزاني بالمسلمة حتى مات تحت الضرب ...

 

بـآلِ محمدٍ عُرِفَ iiالصوابُ      وفـي  أبياتهم نزلَ iiالكتابُ
وهمْ حُجَجُ الإله على البرايا      بـهم  وبجدِّهم لا 
iiيُسترابُ 

مواعظه وحكمه (ع)

قال (ع) : ( إنَّ الله جعل الدنيا دار بلوى ، والآخرة دار عُقبى . وجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سبباً ، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا

عوضاً ).

وقال (ع) : ( مَن جمع لك ودَّه ورأيه ، فاجمع له طاعتك ).

وقال (ع) : ( مَن هانت عليه نفسه ، فلا تأمن شرَّه ).

وقال (ع) : ( مَن رضي عن نفسه ، كثُر الساخطون عليه ).

وقال (ع) : ( الغَناء قلَّة تمنيِّك والرضا بما يكفيك ، والفقر شَرَه النفس وشدَّة القنوط ).

وقال (ع) : ( المصيبة للصابر واحدة ، وللجازع اثنتان ).

وقال (ع) : ( الحسد ماحي الحسنات ، والعُجب صارف عن طلب العلم ، والبخل أذمُّ الأخلاق ، والطمع سجيَّةٌ سيئةٌ ).

وقال (ع) : ( السهر ألذُّ للمنام ، والجوع يزيد في طيب الطعام ) ؛ يُريد به الحثّ على قيام الليل وصيام النهار.

وقال (ع) : ( الغضب على مَن تملك لؤم ).

وقال (ع) : ( الحكمة لا تنجح في الطِّباع الفاسدة ).

وقال (ع) : ( خيرٌ من الخير فاعلُه ، وأجمل من الجميل قائلُه ، وأرجح من العلم حاملُه ، وشرٌ من الشر جالبُه ، وأهول من الهول راكبُه ).

وقال (ع) للمتوكِّل في كلامٍ دَارَ بينهما : ( لا تطلب الصفا ممَّن كَدَرت عليه ، ولا الوفا ممَّن غدرت به ، ولا النُّصح ممَّن صرفت سوء ظنِّك إليه ؛ فإنَّما قلبُ غيرك كقلبك له ).

 

وكم يحلو المدح في هذا المقام ، حيث مدح الشاعر أهل البيت (ع) :

 

إذا  مـا بلغتَ الصادقينَ بني iiالرضا      فـحسْبُك مِن هادٍ يَشيرُ إلى iiالهادي
يـنـابيعُ عـلمِ اللهِ أطـوادُ 
iiديـنِه      فـهل  مِـن نفادٍ إنْ علمتَ iiلأطوادِ
نـجومٌ مـتى نـجمٌ خـبا مثلُه 
iiبدا      فصلِّي على الخابي المهيمنِ والبادي

ــــــــــــ

(1) في بصريّا ، وورد أيضاً (صربا) : على ثلاثة أميال من المدينة . هذا قول المفيد والطبرسي وابن شهرآشوب وغيرهم . وأمَّا السيد محسن الأمين ، فيقول : بأنَّه لم يجد عنها شيئاً في المعجم.

(2) الدعاء المروي عن مولانا الحجّة (عج) يُؤيِّد ويُرجِّح أنَّه وُلِد في رجب: (اللَّهُم أسألك بالمولودَين في رجب : محمد بن علي الثاني ، وابنه علي بن محمد المنتجب) . راجع : مفاتيح الجنان / ط دار المنتظر/ الخاصة 1990 / ص189.

(3) والظاهر على أيَّام.

(4) أعلام النساء المؤمنات / ص449 ، الكافي/ ج1 / ص416.

(5) وهما صفة مشتقَّة من النقاوة ، أي الطهارة والخلوص ، ومن الهداية ، أي الإرشاد.

(6) كان يُخفي هذا اللَّقب الأخير ، وينهى أصحابه أن يذكروه به ؛ لكونه لقب الخليفة العبَّاسي المعاصر له ، وهذا ما ذكره الصباغ المالكي في الفصول المهمة.

(7) هي نفسها ما تُسمّى : سامرّاء.

(8) وفاته 4 شوال ، سنة 247هـ.

(9) مات في ربيع الثاني ، سنة 248هـ.

(10) وقيل أقل من هذا.

(11) وقيل : اغتدوا.

(12) المجالس السنية/ ج2 / ص465.

(13) وقيل : عليّة.

(14) الدروس البهية / السيد حسن اللوساني / ص152 ـ 153.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية