شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

مرسى سفينة نوح(ع) بين النجف وأرمينيا

0 المشاركات 00.0 / 5

المقدمة

كتب السيد سامي البدري دراسته المعنونة (النجف مرسى سفينة نوح (ع)) التي استلت من مجلة (تراث النجف) العدد (1) لسنة 1430 هـ – 2009م الصادرة عن مؤسسة تراث النجف الحضاري والديني, وقد تضمنت الدراسة بعض الأخطاء والسلبيات المنهجية والعلمية, مع عدم الدقة في النقل عن المصادر, مع ضعف أدلته التي استدل بها على أن النجف هي مرسى سفينة نوح (ع).

كما أن هناك أدلة أخرى تشير إلى أن سفينة نوح (ع) قد استوت في مكان آخر بعيد عن النجف، وقد استعرض الباحث بعضها ولكنه ضعفها أو جعل منها أدلة تؤيد ما ذهب إليه من رأي أعتمده مسبقا، فأعتقد أن من أعتمد ذلك الدليل قد أخطأ في ذلك وأنه غير مصيب في التحليل واستنتاج ما ذهب إليه من آراء.

عندما طالعت الدراسة لأول مرة وجدت أن بعض المصادر التي أعتمدها الباحث, هي نفسها قد اعتمدتها فيما كتبته عن الطوفان واستواء السفينة, ولكنني فوجئت بأن ما نقله الباحث عن هذه المصادر لم يكن موجودا فيها, أو أنه غير دقيق في النقل عن المصادر التي أشار إليها في المتن أحيانا وفي الهامش أحيانا أخرى, مما دفعني إلى أعادة الاطلاع على هذه المصادر والبحث عن سبب الاختلاف في ذلك, فاكتشفت أن الباحث لم يكن دقيقا في تحديد المصادر التي أعتمدها في النقل عنها, مع عدم الدقة فيما نقله عنها.

ولكن الغريب في الأمر أن الباحث لم يذكر سنة الطبع لمعظم مصادره, وهي مهمة جدا للمتتبع لأن هناك الكثير منها قد طبعت أكثر من مرة, ولكنه في المصدر (64) قال: (لا توجد سنة طبع).

نقل الباحث عن المهندس أحمد سوسة في جوابه عن سؤال وجهه إليه المرحوم الحاج محسن شلاش, وبعد انتهاء ما نقله عن المهندس سوسة كتب في الهامش ما يلي: أنظر كتاب فيضانات بغداد في التاريخ تأليف أحمد سوسة وهو ينقل عن جواب سؤال وجهه إليه الوجيه الحاج محسن شلاش منشور في كتاب أسبوع الإمام علي /185- 192 الذي طبع في النجف سنة 1946(ص: 35). وفي قائمة المصادر نجد الباحث قد ذكر أسم المصدر في التسلسل (58) دون ذكر مكان وسنة الطبع.

راجعنا كتاب (فيضانات بغداد في التاريخ: 171) فلم نجد ما ذكره الباحث في دراسته ضمن الكتاب, بل كان ما كتبه الدكتور سوسة يختلف كليا عما جاء في الدراسة, وفي هامش الكتاب نقرأ ما يلي: راجع المقال الذي نشر للمؤلف في كتاب (أسبوع الإمام (ع)) عن موطن الطوفان واستقرار فلك نوح، طبع في النجف الأشرف سنة 1946 ص 185- 192.

راجعنا كتاب (أسبوع الإمام (ع)) في أحدى المكتبات العامة في النجف الأشرف فوجدناه ضمن مجلد واحد مع كتاب آخر, ولم نجد الغلاف الأول لنحدد سنة الطبع, ووجدنا صفحة العنوان الداخلية تحمل المعلومات التالية: المجمع الثقافي الديني/ أسبوع الإمام (ع)/ وهو مجموعة المحاضرات التي ألقيت في دار منتدى النشر بمناسبة ذكرى الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام/ مطبعة الراعي. وفيه مقدمة كتبها (السيد) محمد تقي الحكيم. وكانت المحاضرة الأولى (من مجموع محاضرتين) التي ألقيت في الليلة السابعة تحمل عنوان: خلود الإمام لمعالي الحاج عبد المحسن شلاش.

كان جواب (الدكتور السيد أحمد سوسة المهندس الأخصائي في علم الري) كما جاء في المحاضرة, قد ابتدأ بتوجيهه إلى معالي الحاج محسن شلاش (ص: 185). وقمت بمقارنة ما كتبه الباحث السيد البدري بما جاء في الجواب فوجدت أنه قد نقل بعض ما جاء في الجواب بإيجاز وتصرف مع حذف بعض الفقرات (ص: 188- 189).

نلاحظ مما جاء أعلاه بأن الباحث السيد البدري قد نقل ما جاء في متن الدراسة عن كتاب (أسبوع الإمام (ع)) وليس عن كتاب (فيضانات بغداد في التاريخ) كما أنه عنون الكتاب (أسبوع الإمام علي) رغم أن عنوانه (أسبوع الإمام (ع)), وأن الحاج شلاش نقل جواب الدكتور سوسه ضمن محاضرته التي ألقيت بالمناسبة.

سمى الباحث مجلة (البذرة) باسم (البذرة النجفية) فإذا كان يقصد, كما في المتن (ص: 17), بأن أسمها (البذرة) وأن (النجفية) بمعنى صدورها في النجف, إلا أنه في قائمة المصادر قد أشار إليها في التسلسل (143) هكذا: البذرة النجفية / النجف مما يشير إلى أن أسمها (البذرة النجفية) وأنها صادرة في النجف, وهو خطأ أخر وقع فيه الباحث. وقد ذكر الباحث أسم المجلة وتاريخها في المتن ولم يذكر الصفحات التي نقل عنها, لا في المتن ولا يوجد هامش بذلك, وقد أوجز بعض ما جاء في المقال المترجم, ونقلنا المقال كاملا في كتابنا (تراث الرسول (ص) يتجلى في عصر العلم: 219- 221).

ذكر الباحث بعض المعلومات قائلا بأنه نقلها عن مجلة (البذرة), إلا أنها غير موجودة فيها, ولكن الظاهر أنه نقلها من مصدر آخر, فلم يرد في المجلة بأن المقال المترجم قد نقل عما نشرته (الجمعية الخيرية الإسلامية في كربلاء), ولم يرد ذكر (الحكيم السيالكوتي) فيها.

كذلك لم يذكر المقال أن الباحث قد التقى ببعض المسافرين الذين شاهدوا اللوحة الموجودة في متحف الآثار القديمة في موسكو. ولم يتضمن المقال أية صورة تقريبية لخطوط اللوحة المذكورة. ولم يذكر المقال أسماء المجلات التي نشرت الخبر(ص: 17).

هذه الأخطاء وعدم الدقة في نقل المعلومات عن مصادرها جعلتنا مضطرين لنعيد البحث والتحقيق عما نقله الباحث من أخبار وروايات ومعلومات عن كتب التراث الإسلامي قدر الاستطاعة وحسب الإمكانات المتوفرة, بهدف الوصول إلى الحقيقة كاملة التي حاول الباحث عمدا أو سهوا إخفاءها عن القراء.

 

(الْجُودِيِّ) في القرآن الكريم

وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ هود: 44

قال الباحث بأن ورود أسم (الْجُودِيِّ) في القرآن الكريم حقيقة, لأن القرآن الكريم وحي إلهي وليس نتاجا بشريا (ص: 8), وأصر بوجود رواية تشير إلى أن(الْجُودِيِّ)هو النجف وأن السفينة استوت على بقايا جبل بعد (أن قطع قطعا قطعا إلى جهة الغرب) وذلك (ضمن طار كربلاء وطار النجف)(ص: 38).

فالقرآن الكريم لم يتضمن أية أشارة أو نص بأن السفينة قد استوت على أرض الكوفة أو النجف أو كربلاء, فالجودي لفظ أختلف في تحديد موقعه المفسرون والباحثون ولم يتفقوا على ذلك منذ نزول النص حتى الآن, لذا لا ينبغي لأي باحث أو دارس أن يزعم أن القرآن الكريم يؤيد نظريته ورأيه الذي تبناه بناء على أدلة لا يتقنع بها الآخرون. فالقرآن الكريم كتاب مقدس لا يجوز أن يتخذ البعض من بعض كلماته المبهمة بالنسبة إلى البشر, دليلا على صحة رأيه وبهدف قبول اجتهاده الخاطئ.

ولكن ربما هناك دلائل أخرى قد نجد بعضها في نصوص أخرى من القرآن الكريم, توضح معنى اللفظ وتحدد موقعه الذي أختلف المختصون في الاتفاق على رأي واحد.

هكذا تم دحض أول دليل أعتمده السيد البدري في أثبات صحة ما يراه, وهو كما أرى, قد أتخذ رأيه مسبقا, ثم بحث عن أدلة تؤيد ما أتخذه مسبقا من رأي.

 

أحاديث المعصومين (ع)

أشرت إلى أحاديث المعصومين (ع) في تحديد موقع (الْجُودِيِّ) بصورة موجزة مع الإشارة إلى المصادر في الهوامش, ضمن الدراسة التي نشرتها لنا مجلة (مآب) الفصلية, بعنوان (طوفان نوح (ع) بين القرآن الكريم والتوراة وملحمة كلكامش: قراءة علمية: 14/ العدد السادس/ آذار 2008) وقد تم تحديد الموقع بين جبل بالموصل وفرات الكوفة, ولم أحدد صحة أي منهما, وذلك اعتمادا على الدلائل الأخرى التي يمكن أن تحدد موقع (الْجُودِيِّ), وقد استعرضت ما أراه من دلائل ضمن الدراسة المذكورة.

وكنت قد نقلت بعض أحاديث المعصومين (ع) في الطوفان وتحديد موقع (الْجُودِيِّ) ضمن موضوع (طوفان نوح (ع)) في (معجزات الأنبياء (ع) في القرآن الكريم والفكر الإسلامي) المطبوع في بيروت سنة 2003م.

وقد أثار الباحث مشكلة, بهدف عدم اعتماد الأحاديث التي تحدد موقع (الْجُودِيِّ) بالموصل, وذلك (ص: 16) عندما زعم أن لفظ (بالموصل) لم ترد في كلام الإمام أبي الحسن موسى (ع) وقال: واحتمال أنها زيادة توضيحية في التفسيرين (يقصد تفسير القمي وتفسير العياشي) من النساخ أو الرواة أقوى من احتمال سقط العبارة من نساخ كتاب الكافي, والأصل هو تقديم رواية الكافي ونظرائه من الكتب الأربعة على غيرها لاهتمام العلماء بضبطها ومقابلتها بغيرها من النسخ.

راجعنا بعض كتب الحديث والتفسير للإطلاع على مزيد من الأحاديث المنقولة عن المعصومين (ع) في تحديد موقع (الْجُودِيِّ), فوجدت في كتاب (الروضة من الكافي: 281) حديثا طويلا عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (ع) وكانا بالكوفة جاء فيه: ثم استوت على (الْجُودِيِّ)وهو فرات الكوفة.

وفي (تفسير العياشي: 311/ الجزء الثاني) ثلاثة أحاديث تحدد موقع (الْجُودِيِّ), كان الثاني منها منقولا عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (ع) قال: الجودي هو فرات الكوفة. أما الحديث الأول فقد نقله أبو بصير عن أبي الحسن (ع) جاء فيه قوله (ع): وتواضع جبل عندكم بالموصل يقال له الجودي. بينما تم نقل الحديث الثالث عن أبي بصير عن أبي الحسن موسى (ع) جاء فيه قوله (ع): فتطاولت الجبال وشمخت غير الجودي وهو جبل بالموصل فضرب جؤجؤ السفينة الجبل.

نلاحظ أن الحديث الأول سمى أبو بصير الأمام الكاظم (ع) بكنيته فقط (أبي الحسن) بينما سماه في الحديث الثالث بكنيته وأسمه (أبي الحسن موسى), وقد وردت كلمة (عندكم) في الحديث الأول ولم ترد في الحديث الثالث.

في (الميزان في تفسير القرآن: 246- 247/ المجلد العاشر) وجدت حديثين في ذلك, أولهما عن أبي الحسن موسى (ع) قال بأن (الْجُودِيِّ): وهو جبل بالموصل, وثانيهما عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (ع) قال بأن (الْجُودِيِّ) هو: فرات الكوفة. فالحديثين هما من ضمن الأحاديث المذكورة أعلاه, ونلاحظ انفراد المفضل بن عمر بنقله حديث حدد فيه موقع (الْجُودِيِّ) بفرات الكوفة نقلا عن الإمام الصادق (ع).

في (النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين: 57) هناك حديث طويل نقلا عن (تفسير الطبرسي) و(تفسير علي بن إبراهيم) عن أمير المؤمنين (ع) وعن أبي عبد الله (ع) جاء فيه: واستوت السفينة على جبل الجودي وهو بالموصل جبل عظيم .. فنزل نوح عليه السلام بالموصل من السفينة مع الثمانين وبنوا مدينة الثمانين.

وفيه (ص: 62) حديث آخر عن أبي الحسن (ع) قال: إن الله أوحى إلى الجبال أني واضع سفينة نوح على جبل منكن في الطوفان فتطاولت وشمخت, وتواضع جبل بالموصل يقال له الجودي فمرت السفينة تدور في الطوفان على الجبال كلها حتى انتهت إلى الجودي فوقعت عليه….الخ.

وفي (تفسير القمي: 328/ الجزء الأول) حديث طويل عن أبي بصير عن الإمام أبي عبد الله (ع) جاء فيه: واستوت السفينة على جبل الجودي وهو بالموصل جبل عظيم. إن هذا النص موافق لما نقله السيد الجزائري والمشار إليه في الفقرة السابقة, وهو يتناقض مع ما ذكره الباحث (ص: 15) من أن الحديث نقله أبو بصير عن أبي الحسن وهو الإمام الكاظم (ع). وإنما نقله أبو بصير عن الإمام الصادق (ع).

إذن, وجدنا الباحث السيد البدري غير دقيق في نقل الأحاديث, فهو أولا لم ينقل الحديث الثالث عن تفسير العياشي الذي نقله عن أبي بصير عن أبي الحسن موسى (ع) لأنه, حسب الظاهر, بسبب عدم ورود لفظ (عندكم) فيه, وثانيا أنه نسب حديث أبي عبد الله (ع), الذي ورد في تفسير القمي, إلى أبي الحسن موسى (ع).

نلاحظ مما ذكر أعلاه أن المفضل بن عمر هو المصدر الوحيد لحديث الإمام أبي عبد الله (ع) الذي ذكر فيه أن (الْجُودِيِّ) هو فرات الكوفة, بينما هناك حديث آخر عن الإمام أبي عبد الله (ع) يذكر فيه أن (الْجُودِيِّ) هو جبل بالموصل, إضافة إلى حديث الإمام الكاظم (ع) الذي لم ترد في بعضها لفظ (عندكم).

قال الباحث (ص: 16): واحتمال أنها زيادة توضيحية في التفسيرين من النساخ أو الرواة أقوى من احتمال سقط العبارة من نساخ كتاب الكافي.

مع أني لا أتفق مع الباحث فيما ذهب إليه, ولكن لنفترض أنه كان مصيبا في ذلك, ولكن ما هو الدليل على أن الإمام الكاظم أراد بلفظ (عندكم) الكوفة, وهي مدينة أبي بصير, بل أني أعتقد أنه عنى بذلك العراق, وهى الدولة أو الولاية التي تقع فيها الكوفة والموصل, بدليل أنه لا توجد جبال بالكوفة منذ عرفها أو سكن حولها العرب قبل الإسلام ولحد الآن, فلو أراد الإمام الكاظم (ع) الكوفة, لأوضح (ع) لأبي بصير معنى وجود جبل بالكوفة, ولو عرف أبو بصير أن الكلام يعني أن السفينة استوت على جبل بالكوفة لأستفسر من الإمام (ع) عن هذا الجبل ليحدد له مكانه, ولو كان يعرف المعنى لحدد أبو بصير المراد بذلك.

ولكن الظاهر أن أبا بصير كان قد علم مسبقا أن الجبل بالموصل مما سمعه عن الإمام أبي عبد الله الصادق (ع), كما في تفسير القمي, فلم يستفسر من الإمام أبي الحسن موسى (ع) عن معنى (جبل عندكم), كما في أصول الكليني, لأنه عرف أن الإمام الكاظم (ع) يقصد بذلك العراق وليس الكوفة. فإذا علمنا ذلك فلا صحة للرأي الذي زعم فيه قائله بعد حوالي (13) قرنا بأنه لا يراد بالجبل المعنى اللفظي واللغوي والمتعارف عليه بين العرب, وإنما يراد به طار النجف وطار كربلاء وهضبة النجف.

قال الباحث (ص: 16) بأنه لا ينبغي تصديق كل خبر ورد في الكتب والوثائق القديمة قبل التأكد من عدم تنافي مضمونه مع الحقائق الثابتة دينيا وعلميا, مشيرا بذلك إلى ما نشر قبل أكثر من خمسين سنة عن قصة اكتشاف لوح عليه أسماء النبي (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (ع) كان نوح (ع) قد توسل بهم.

الظاهر أن الباحث لم يطلع على ما نقل عن رسول الله (ص) والإمامين الصادق والرضا (ع) المنقولة في بحار الأنوار والبرهان في تفسير القرآن للبحراني وآمالي الصدوق ومفاتيح الجنان وغاية المرام للبحراني, المتضمنة أن النبي نوح (ع) قد توسل بمحمد وآل محمد لكي ينجيه الله والسفينة من الغرق, ولعل أهمها ما ورد في زيارة الإمام علي (ع) المخصوصة في يوم ميلاد رسول الله (ص) المنقولة عن الإمام الصادق (ع): السلام عليك يا من أنجى الله سفينة نوح باسمه وأسم أخيه حيث ألتطم الماء حولها وطمي.

قال الباحث (ص: 16): في حالة افتراض القول بتعارض الروايتين عن أبي بصير فأن رواية الكافي عن أبي بصير تنسجم مع المرتكز الشيعي, مضافا إلى روايات أخرى مؤيدة, منها رواية أبن قولويه (إن كربلاء هي البقعة التي نجى الله عليها نوحا والذين آمنوا), ومنها المرتكز الشيعي والروايات الشيعية التي تنص على أن قبر نوح (ع) هو قبر أمير المؤمنين (ع) نفسه, وإن النبي يدفن حيث يقبض. ومنها رواية المفضل نفسه (أن الجودي فرات الكوفة). هذا مضافا إلى أن أصل رواية الموصل مما انتشر عن أهل الكتاب قبل عهد الإمام الصادق والكاظم (ع), عن مجاهد ووهب بن منبه وشكلت رواياتهما الاتجاه العام لدى عامة الناس.

 

لنا على ما كتبه الباحث عدة ردود وتعليقات يمكن إيجازها في النقاط التالية:

1- لا أعرف المقصود بالمرتكز الشيعي, وهو مصطلح مبهم لا يدل على شيء محدد, ومع ذلك نقول بأن قوله بأن رواية الكافي عن أبي بصير تنسجم مع المرتكز الشيعي, لا يعد دليلا على ما يراه, فقد أوضحنا سابقا احتمال أن يكون المراد بـ (جبل عندكم) هو جبل بالموصل, لعدم وجود أي جبل بالكوفة.

2- أما رواية أبن قولويه, فأرى أن معناها: إن كربلاء هي البقعة التي ركب فيها نوح (ع) والذين آمنوا معه, السفينة, فكانت أرض كربلاء هي بداية رحلة النجاة, وليس بمعنى هبوطهم من السفينة بعد انتهاء الطوفان. ومما يؤكد ذلك قوله تعالى:

فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ المؤمنون: 28.

فالاستواء على الفلك, بمعنى ركوب السفينة, هي بداية رحلة النجاة من القوم الظالمين, وليست نهاية الرحلة, بمعنى استواء السفينة وهبوط ركابها منها.

3- ليست هناك أية علاقة بين موت ومدفن (قبر) أي نبي وبين ولادته ومسكنه وبعثته ومقامه, فالنبي نوح (ع) يمكن أن يهبط من السفينة أو ترسو أو تستوي سفينته في أي منطقة من الأرض ثم يسافر إلى منطقة أخرى, فلا مانع عقلا ومنطقا وشرعا أن تستوي السفينة على جبل بالموصل ويبني هناك مدينة الثمانين, ثم يهاجر وحده أو مع مجموعة من الناجين إلى الكوفة أو إلى أي منطقة أخرى, إلا أن يكون الباحث قد أطلع على أمر إلهي يمنع نوحا (ع) من الهجرة والسفر, فعليه أن يطلعنا عليه.

4- لأول مرة أقرأ بوضع شرط إضافي لقبول (صحة) الروايات, هو أن لا تكون مروية بنفس المعنى, عن أهل الكتاب الذين أسلموا, إن ذلك يثير تساؤلات مهمة جدا لعل من أهمها: كيف وصلت هذه الروايات إلى كتب الشيعة؟ ومن نسبها إلى المعصوم؟

أما ما أراه فأن التوراة والإنجيل والقرآن منزلة من إله واحد, وقد أكد القرآن الكريم ذلك:

وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللهِ المائدة: 43

وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فِيهِ المائدة: 47

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ الأعراف: 157

رغم أنهم حرفوهما عما أنزله الله تعالى:

وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ البقرة: 75

لذا ينبغي التأكد مما في التوراة والإنجيل ومما نقل عن أهل الكتاب الذين أسلموا, بعرضه على نصوص القرآن أولا وعلى ما ثبت لدينا من الروايات الصحيحة ثانيا, فإذا كانا متفقين في المعنى, فيمكن القول بصحة تلك النصوص الواردة في التوراة والإنجيل وما نقل عن أهل الكتاب, وإذا كانا متناقضين فنحكم بالتحريف, أما إذا لم نجد في الفكر الإسلامي ما يتفق معه أو يناقضه فنترك أمره إلى الله, أو نترك الحكم عليه للمختصين بعد تقديمهم الأدلة التي يقتنع بها الآخرون.

أستدل الباحث (ص: 15) على أن مرسى سفينة نوح (ع) هو الكوفة (النجف) بسبب ما نقل عن الإمام الصادق (ع) بأن أمير المؤمنين (ع) قال في مسجد الكوفة: منه سارت سفينة نوح (ع), ونقل عن الحميري عن علي (ع) قال: كانت الكوفة منزل نوح (ع), وقال بأنها: قضية مصدرها الإمام علي (ع)……الخ.

يظهر واضحا تلاعب الباحث بالألفاظ والأدلة, فليس هناك من يقول بوجود علاقة بين مكان صنع السفينة وبدء مسارها وموضع منزل نوح (ع) وبين موضع مرساها بعد نهاية الطوفان. فالإمام علي (ع) لم يقل أن الكوفة أو النجف هي مرسى سفينة نوح (ع). هكذا تنهار كل أدلة الباحث المستمدة من أحاديث المعصومين (ع) في كون الكوفة مرسى سفينة نوح (ع).

 

هل تم العثور على آثار سفينة نوح (ع) ؟

عد الباحث (ص: 17) الخبر التي نشرته مجلة (البذرة) في العثور على آثار سفينة نوح (ع), محض اختلاق, وإن المجلات التي قيل بأنها ذكرت الخبر, لم تنشر الخبر, وتم التأكد من ذلك من قبل أحد الباحثين, وإنما ذكر بعضها خبر مدعيات اكتشاف السفينة في آرارات, حيث أستغله الكاتب الباكستاني وأضاف إليه ما شاء.

وقال بأن حروف الصورة هجائية وليس كتابة مسمارية, والمفترض, كما قال, أن تكون الكتابة مسمارية أو شبه تصويرية لأن الثابت لدى الآثاريين إن أصل الكتابة في العراق, وبدأت بالكتابة شبه الصورية منذ الألف الرابع قبل الميلاد, ثم بالعلامات المسمارية المقطعية ثم العلامات المسمارية الهجائية ثم….الخ, مضافا إلى الرأي السائد لدى الآثاريين إن طوفان نوح وقع في حدود الألف الرابعة قبل الميلاد……, على إننا نراه أقدم من ذلك.

وقال بأنه تحدى, في لندن, أحد المواقع الإسلامية التي زارها لكل من يحصل على نسخة الخبر المزعوم في أي عنوان جدير بالثقة, فتبرع أحد الحاضرين للبحث, ثم أخبره بعد شهر بأنه لم يجد شيئا مما كتبه الكاتب الباكستاني.

وقال بأن خبر اكتشاف اللوحة المزعومة لو صح, لأعقبته حركة علمية نشيطة جدا لدى المهتمين بعلم الآثار عالميا لأنه سيغير التصورات التي بناها علماء الآثار عن تاريخ الكتابة, بل كان يتسبب في حركة علمية ومتابعة وسعي للتحري لدى الشيعة وفيهم العلماء والمثقفون والمخلصون الذين يبذلون من أموالهم من أجل عقيدتهم بأهل البيت (ع) ما لا يتصوره أحد, وشيء من هذا القبيل لم يقع تماما.

وقال في الهامش من نفس الصفحة بأن أحد الوجوه في الباكستان قد أخبره أن مؤلف الكتاب رجل لا حظ له من العلم, وكتب المقال ليتكسب من ورائه (ص: 18).

هناك تعليقات وملاحظات كثيرة على كلام الباحث أعلاه, بعضها يمكن إيجازه, ويحتاج البعض الآخر إلى تفاصيل كافية لتوضيحه, يمكن تأشير ذلك في النقاط التالية:

1- إن المقال المنشور في مجلة البذرة للكاتب الباكستاني لا يمكن أن يكتبه من لا حظ له من العلم, وإن عدم صحة حروف اللوحة لأسباب تاريخية, إذا صح ما قاله الباحث, إنما يشير إلى جهله في هذا الموضوع فقط, فبقية المعلومات في المقال تؤكد سعة المعلومات لدى الباحث. أما الكسب من نشر المقال فهو سمة عامة للكثير ممن يكتبون, وهناك بعض أصحاب الأموال والعلم يتبرعون لنشر المطبوعات (الكتب والمجلات) فتوزع بعضها مجانا ويتم بيع البعض الآخر بأسعار مخفضة (مدعومة), بينما تباع بعض المطبوعات بأسعار عالية أو تهدى لأصحاب النفوذ والأموال أملا في الحصول على هدايا مادية, ولا يستطيع المثقفون العاديون الحصول عليها بسبب كلفتها العالية, ولابد أن الباحث يعرف ذلك جيدا لأنه المشرف العام على مجلة (تراث النجف).

2- هناك أحاديث منقولة عن بعض الأئمة (ع), لا تحضرني مصادرها وأسماء قائليها, تشير إلى أن النبي إدريس (ع) هو أول من خط بالقلم ودرس الكتب, وقد بعثه الله عز وجل قبل نوح (ع), فالكتابة عرفت قبل الطوفان بفترة طويلة وكان يسكن الكوفة, وعدم العثور على آثار تؤكد ذلك لا ينفي صحة هذه الأحاديث, وربما كانت حروف اللوحة من نوع الحروف التي لم يعثر عليها الآثاريون لحد الآن.

3- إن الشيعة حتى بداية العقد التاسع من القرن العشرين لم يتمكنوا من التحرك بحرية لنشر عقائدهم فضلا عن البحث والتنقيب عما يؤيدها علميا وتاريخيا, بسبب ما تعرضوا له من حروب إبادة وحصار ثقافي وفكري واضطرابات وفتن فرضها عليهم أعداؤهم, وقد عانيت بعض المشاكل بسبب ما قدمته من كتب إلى دائرة الرقابة في وزارة الإعلام خلال العهد المباد.

إن ذلك يؤكد عدم توفر الظروف الملائمة لقيام الشيعة بنشاطات كبيرة وكثيرة, سوى نشر الخبر المذكور, وقد ذكره أيضا الأستاذ أحمد أمين في كتابه (التكامل في الإسلام), ويؤكد ذلك نشر الخبر وانتشاره خلال العقد الأخير من القرن العشرين, حتى أني سمعته مرة من أحد خطباء المنبر الحسيني, ويؤكده ما ذكره الباحث (ص: 18) بأن أحد المواقع الإسلامية في لندن التي زارها الباحث سنة 2001, لخصوا فكرة الخبر المذكور وترجموها إلى الإنكليزية في (فولدر) إلا أن الباحث قد اعترض عليهم بعدم صحة الخبر.

ولا يخفى ذلك على المثقفين, خصوصا بعدما شبه كل من المرجع الديني الكبير السيد محمد سعيد الحكيم والمرجع الديني الشيخ بشير النجفي أمام جموع من المثقفين, الشيعة وقيامهم بممارسة شعائرهم الدينية ونشر عقائدهم يالسبرنك (الحلزون المعدني أو البلاستيكي) فكلما تم الضغط على السبرنك تقلص حجمه إلى حد معين أو محدد, وبعدها يحافظ على حجمه الأدنى مهما زاد الضغط, وإذا تم إزالة الضغط يرجع السبرنك إلى حجمه الطبيعي دون أدنى تغيير.

كذلك الشيعة ففي حالة تسلط الظالمين والطغاة, فأنهم يمارسون شعائرهم وينشرون عقائدهم بالحد الأدنى الذي تسمح به الظروف المحيطة بهم, حتى لو زاد الضغط عليهم إلى الحد الأقصى فأنهم لا يتنازلون عن ممارسة شعائرهم بالحد الأدنى الذي يمليه عليهم تكليفهم الشرعي, وإذا توفرت الحرية وتحسنت الظروف المحيطة بهم عادوا إلى ممارسة شعائرهم الدينية ونشر عقائدهم الإسلامية والدفاع عنها, كما تحدده الأحكام الشرعية الملزمة لهم.

4- إن عدم العثور على الخبر لا يعني عدم نشره أصلا, فيجوز أنه كان منشورا ثم تم إخفاؤه أو إتلافه من قبل أعداء الشيعة والتشيع, فالأعداء كثيرون ولهم إمكانات مادية هائلة جدا, يمكن اتخاذ ما يلي للتأكد من أن المجلات المذكورة لم تنشر الخبر:

أ- بما أن الإتحاد السوفيتي السابق كان يسيطر عليه الشيوعيون, وكانوا يعدون (الدين أفيون الشعوب), فإخفاء اللوحة أو إتلافها أمر محتمل. لذا ينبغي الرجوع إلى ملفات الدوائر المشار إليها في المقال والتأكد من أسماء الأشخاص, بأنهم لم تسند إليهم المناصب المؤشرة إزاء كل منهم, مع مراجعة الصحف الصادرة خلال تلك الفترة والتأكد من عدم نشر الخبر وعدم وجود تلف أو نقص فيها, لأن وجود التلف أو النقص ربما يشير إلى أن الخبر كان منشورا ثم تم إتلافه, وكذلك يتم مراجعة المتحف والتأكد من عدم وجود اللوحة أصلا فيه ومنذ بداية النصف الثاني للقرن العشرين, بالرجوع إلى السجلات الرسمية والتأكد من عدم وجود تلف أو نقص فيها. فكل شيء محتمل حتى يتم تقديم الدليل الوثائقي القوي على نفي أو تأييد (صحة) الخبر.

ب- بما أن أتباع السلفية والوهابية كثيرون, وإمكاناتهم المادية هائلة جدا وتأثيرهم على ضمائر المسئولين وقراراتهم واضحة, لذا ينبغي مراجعة المراكز الوثائقية التي تحتفظ بالصحف القديمة في لندن, والبحث عن الصحف المشار إليها في بعض الكتب والمجلات, بموجب التواريخ المؤشرة إزاء كل منها, والتأكد من عدم وجود تلف أو نقص فيها, لأن ذلك يؤشر احتمال التلاعب وإزالة خبر العثور على آثار سفينة نوح (ع). وكذلك القول بالنسبة إلى مجلة (الهدى) الصادرة في القاهرة.

ج- مراجعة جامعة مانجستر في بريطانيا والبحث في ملفاتها ومكتبتها عن أستاذ الألسن القديمة ايف ماكس الذي ترجم نص الدعاء إلى اللغة الإنكليزية, وتقريره عن الترجمة.

لو افترضنا جدلا عدم صحة الخبر الذي نشرته مجلة (البذرة) أو عدم إمكانية التحقق من صحة الخبر, فهناك خبر آخر نشرته الصحف الإيرانية في ربيع الأول 1382هـ- أيلول 1962م, ونقله السيد الطباطبائي في تفسيره, وقد تضمن خبرا عن (لندن آسوشتيدبرس) موجزه: إن بعض العلماء من أمريكا عثروا في جبل في شرقي تركيا على أخشاب متلاشية من سفينة قديمة تعود إلى (2500) سنة قبل الميلاد, وقد نقلت الأخشاب إلى سان فرانسيسكو للدراسة والتحقيق, وهل تعود إلى سفينة نوح (ع)؟

إن تفسير الميزان كان من مصادر الباحث التي أعتمدها في دراسته, فهل اختفى عنه الخبر أم تعمد عدم نقله؟ والخبر منقول عن وكالة أنباء غربية, لذا فهو, لو صح, حجة على الجميع, لأن الخبر لا يخدم أهداف الوكالة وأصحابها, فهل يقتنع الباحث بذلك أم أنه لا يثق بالصحف الشرقية ومنها الإيرانية, أو يقول إن عدم الإعلان عن نتائج الدراسة والتحقيق ينفي صحة الخبر, بدلا من أن يقول بأن ذلك يؤكد صحة ما يراه البعض بأن الإعلام الغربي لا ينشر إلا ما كان في صالحه؟

 

الجودي أم فرات الكوفة؟

أستدل الباحث من تسمية نهر الفرات بلفظ (كادو) في العهد البابلي الحديث وتغييرها إلى الجودي على صحة ما يراه ودليلا على أن أهل البيت (ع) هم ورثة تراث الرسول (ص), فقد نقل ما جاء في القاموس الآشوري بأن (كادو) – ك كما تلفظ باللهجة المصرية – هو أسم للفرات في العهد البابلي الحديث, وإن لفظة (كادو) أو (جادو) أصابها التغيير بالإعراب أو بالإقلاب تبعا للهجة لتصبح (الجودي).

ثم قال بأن الجودي أسم لنهر الفرات لم يكن مألوفا عند أحد من البلدانيين قبل اكتشاف الألواح المسمارية في القرن التاسع عشر, فيكون ذكره من قبل الكليني رواية عن الإمام الصادق (ع) أمرا مثيرا يستحق التأمل, ويفسر على أن أهل البيت (ع) ورثوا تراث النبوة بإذن إلهي خاص, فهو دليل على صدق دعوى أهل البيت (ع) أنهم ورثة تراث النبي (ص) (ص: 19).

أستغل الباحث الأحاديث المتواترة التي تؤكد أن الأئمة من أهل بيت الرسول (ص) هم ورثة تراث أو علوم الرسول (ص), ليقول بأن الجودي تعني تاريخيا فرات الكوفة, كما في رواية المفضل بن عمر. وهناك ملاحظات وتعليقات وتساؤلات مهمة على ما كتبه, يمكن إيجازها في النقاط التالية:

1- إن نهر الفرات يمتد في الأراضي التركية والسورية والعراقية, ف الْجُودِيِّ, إذا صح أنه نهر الفرات فعلا, فلا مسوغ لتخصيصه بالكوفة, وإذا قال بأن البابليين سموا الجزء المار بأراضيهم ب الْجُودِيِّ, وإن أجزاءه في غير بابل تسمى بأسماء أخرى, فكل قوم يسمون الجزء المار بأراضيهم باسم يختارونه, فالفرات يمر بأكثر من مدينة بابلية, فلا مسوغ أيضا لتخصيصه بالكوفة.

لذا لا يمكن أن يكون ما نقله المفضل بن عمر عن الإمام الصادق (ع), منسجما بالمعنى مع ما جاء في الألواح المسمارية المكتشفة خلال القرن التاسع عشر. كما أن هناك تساؤل مشروع يطرح نفسه, وهو لماذا لم يذكر اسم النهر بالاسم الشائع أثناء نزول القرآن؟

2- يعد فرات الكوفة, لغويا جزء من نهر الفرات أو الجودي, كما أن فرات الكوفة يعني نهر الفرات في الكوفة, ولا يعني الأراضي التي تمتد حول نهر الفرات في منطقة الكوفة, لذا يكون معنى ما نقله المفضل عن الإمام الصادق (ع): إن سفينة نوح (ع) قد استوت على نهر الفرات في الكوفة.

3- للأئمة (ع) نصوص كثيرة أكدتها أبحاث العلم الحديث, مما يؤكد أنهم ورثوا علوم الرسول (ص) حصرا دون غيرهم, ولا حاجة لألواح أثرية مترجمة لا يعرف مدى صحة الترجمة أو دقتها, وللتأكد من صحة هذه الأحاديث, يمكن مراجعة كتابنا (تراث الرسول (ص) يتجلى في عصر العلم), ففيه من أحاديث المعصومين (ع) عدد كبير مما أكدته الأبحاث العلمية الحديثة, ولم ينقل عن غيرهم ما يشير إلى نفس المعنى.

4- لأول مرة أقرأ بوجود كلمة ذات أصول بابلية في القرآن الكريم الذي نزل باللغة العربية, وإذا زعم البعض بوجود كلمات فيه بلهجات من عدة قبائل (عربية), فقد أضاف الباحث رأيا آخر أو نظرية أخرى تقول بوجود كلمات غير عربية من أصول قديمة لأقوام عاشوا في الأراضي العربية, وهو أمر لا أعتقد أن أحدا يقبله.

5- من المتفق عليه أن جميع أسماء الأماكن والمواضع المذكورة في القرآن الكريم, معروفة من قبل العرب عند نزول النصوص الخاصة بها ولم يحصل أي خلاف فيها أو حولها عدا لفظ (الْجُودِيِّ), فإذا كان الْجُودِيِّ من الأماكن العربية فالمفروض أن يعرفه العرب فور نزول النص.

وقد كتبنا في (معجزة القرآن والطوفان: 109) صدر قبل أكثر من (14) سنة بما موجزه بأن الْجُودِيِّ: (كلمة معربة لموضع في بلد غير عربي) بسبب أن العرب (أثناء نزول القرآن وما بعده لم يعرفوا موضعا في بلد عربي أو غير عربي يقال له (الْجُودِيِّ), وإلا لما حصل اختلاف في تحديد هذا الموضع بين المفسرين) وغيرهم.

ولا زلنا نحمل هذا الرأي ونؤيده بسبب عدم إطلاعنا على ما يدحض الأدلة التي قدمناها, وعدم قناعتنا بما قدمه الآخرون من أدلة لتأييد الرأي الآخر, إضافة إلى تقديم ما لدينا من أدلة لدحض الرأي الآخر القائل بأن السفينة قد رست في النجف الذي ينشر من قبل البعض بين حين وآخر, إضافة إلى الأدلة التي قدمناها لدحض المزاعم الأخرى.

 

المنزل المبارك

وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ المؤمنون: 29

قال الباحث (ص: 38- 39): وهذه المنطقة لا زالت تعرف بـ (الكفل) أي الأرض المباركة, وهي وادي (طُوًى) المشار إليها في قوله تعالى: (إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) طه: 12, الذي عرفه الله تعالى لنبيه موسى لما اختاره للنبوة. وكان الباحث قد ذكر بأن الجبل هو النجف ثم قال: وورد أيضا عنهم (ع) (إن الجبل تقطع قطعا قطعا إلى جهة الغرب).

ثم أضاف بأن السفينة استوت: على بقايا هذا الجبل ضمن طار كربلا وطار النجف, ثم ذكر حدود المنطقة وقال بأن العراق يعني لغويا: (شاطئ البحر), ثم قال: وبرزت اليابسة وتشخص نهر الفرات في مجراه الجديد وهو المجرى الحالي. ثم استأنف نوح ومن معه من المؤمنين الحياة على الشاطئ الأيمن للفرات, وهو الشاطئ المبارك قال تعالى:

فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ المؤمنون: 28

ثم ذكر الآية المشار إليها في أول هذه الفقرة, وعلق عليها بما ذكرناه سابقا.

 

نوجز ملاحظاتنا في النقاط التالية:

1- نؤكد ما قلناه سابقا من أن الاستواء على الفلك, يعني ركوب السفينة في بداية الطوفان, وليس الهبوط منها بعد انتهاء الطوفان, لذا فأن النجاة من القوم الظالمين تعني نهاية الظلم الواقع على المؤمنين بلجوئهم إلى السفينة, وبداية استئصال الظالمين ببقائهم على الأرض ريثما تصل إليهم مياه الطوفان فيغرقوا جميعا دون أن يتمكنوا من النجاة, لذا فركوب السفينة في الكوفة, لا يلزمنا أن نقول أن مرساها ينبغي أن يكون في الكوفة.

2- أما دعاء نوح (ع): رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا

فلا يراد به الهبوط من السفينة, كما يتوهم البعض, فقد وردت الصيغ المختلفة للفعل (نزل) في القرآن الكريم, بمراجعة سريعة للمعجم المفهرس, تنحصر تقريبا بما أنزله الله تعالى من الكتب على أنبيائه ورسله (ع) والماء والملائكة والرحمة والحديد والآيات مثل المائدة والمن والسلوى….. الخ. بينما وردت الصيغ المختلفة للفعل (هبط) فيه بأمور تخص بعض ما على الأرض, مثل هبوط الحجارة

وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ البقرة: 74

وهبوط آدم وإبليس إلى الأرض, وهبوط بني إسرائيل مصرا, وهبوط نوح (ع) ومن معه من السفينة:

قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ هود: 48

فيجوز أن يهبط نوح (ع) ومن معه من السفينة, أو بمعنى نزولهم منها في أي موضع ترسو أو تستوي عليه السفينة, ولا يشترط أن يكون هذا الموضع مباركا أو مقدسا, كما أن السفينة لا تجعل من الأماكن المحيطة بها مباركة أو مقدسة, وإن كانت السفينة بنفسها مباركة كما سنرى ذلك لاحقا.

فالمنزل المبارك يمكن أن يهاجر إليه نوح (ع) من أي مكان آخر ترسو عليه السفينة, فليس هناك أي دليل يلزمنا أن نقول بأن المنزل المبارك ينبغي أن يكون هو نفسه موضع مرسى السفينة.

3- أما الجبل التي تقطع قطعا قطعا إلى الغرب, واستواء السفينة على بقاياه ضمن طار كربلاء وطار النجف, كما يرى الباحث. فقد ورد في (المزار: 84) للمجلسي بصيغة أخرى عن الإمام الصادق (ع) ضمن حديث ورد فيه قوله (ع): هو الجبل الذي اعتصم به أبن جدي نوح …. فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: يا نجف أيعتصم بك مني فغاب في الأرض وتقطع إلى متر الشام. فأنه يتناقض مع نصوص القرآن الكريم, نوجز أسباب ذلك بما يلي:

أ- قال تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى الأنعام: 164

فالجبل لم يؤمر بمنع صعود العاصين عليه, وليس هناك عبرة من تقطيع الجبل إلى الغرب أو إلى متر الشام, كما في الحديث الذي نقلناه, وفيه مخالفة صريحة للنص المبارك أعلاه من القرآن.

ب- إن الحيوانات تهرب من أي خطر يداهمها, فقوم نوح لا يشذون عن بقية البشر في الهروب من مياه الطوفان في محاولة للنجاة, فقول أبن نوح بالإيواء إلى جبل لكي يعصمه من الماء, لا يعني أن بقية الكافرين استسلموا للهلاك ولم يقوموا بمحاولة للهروب من مياه الطوفان, فمحاولة الإيواء إلى جبل من أجل النجاة لم تقتصر على أبن نوح فقط, فربما هرب الباقون أو حاولوا الهروب إلى نفس الجبل أو إلى جبل آخر أو جبال أخرى من الجبال القريبة مثل جبال حمرين في محافظة ديالى, وربما غرقوا بمياه الطوفان قبل أن يصل أحد منهم أو كلهم إلى الجبال, وهو أمر غير مستبعد, فعملية تقطيع أو هدم جبل لا يعجز الله عز وجل عنها, ولكن إذا ذهب العاصون إلى جبال متفرقة فهل يتم هدم كل هذه الجبال, في حين أكد القرآن الكريم أنهم غرقوا بالطوفان؟

ج- في كل مفردات الانتقام الإلهي في استئصال العاصين الواردة في القرآن الكريم, لم يرد في أي نص من القرآن أو السنة تحميل الأرض أو الدور أو الجبال إثم العاصين, وكل ما قيل في ذلك هو إصدار الأمر التكويني لإنجاز عذاب الاستئصال, مثل يا بيداء أبيدي القوم, كما في بعض الروايات عند وصول جيش السفياني إلى بيداء المدينة المنورة متوجها إلى الحجاز لمواجهة جيش الإمام المهدي (عجل) في بداية ظهوره.

د- الظاهر أن الذي أضاف هذا النص إلى قول المعصوم (ع) ظن عدم إمكانية صعود المياه إلى قمم الجبال, فهو يظن, إذا أحسنا الظن به, أن كل شيء يسير بموجب النظام الطبيعي دائما, ناسيا أو متناسيا الأمر التكويني الذي خص الله تعالى به ذاته المقدسة إذا أراد ما يخرق به النظام الطبيعي, وقد قال الإمام الصادق (ع): أرتفع الماء على كل جبل وعلى كل سهل (15) ذراعا.

هـ- حتى لو افترضنا جدلا عدم صعود الماء إلى قمم الجبال خلال الطوفان, فأن غرق الأفراد بمياه الأمطار الغزيرة وفيضانات الأنهر ليس بالأمر العسير, فكثيرا ما تنقل وسائل الأعلام المختلفة غرق أعداد كبيرة من الأفراد وفي مناطق متعددة من العالم أثناء سقوط الأمطار وحدوث الأعاصير وفيضانات الأنهر, لذا أن احتمال غرق أبن نوح وغيره من العاصين في المناطق غير الجبلية بمياه الطوفان, وقبل وصولهم إلى الجبال أمر لا ينكره أحد, فلا مبرر لقطع أي جبل من الجبال.

و- خبر قطع الجبل يتناقض مع النص القرآني:

قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ هود: 43

ففيه نص صريح أن أبن نوح (فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) كما هو حال بقية العاصين. وإذا تم قطع الجبل قبل موعد انتهاء فترة الطوفان, فكيف يمكن للسفينة أن ترسو على قمته وهو غير موجود؟

 

هضبة النجف والذكوات البيض

توسع الباحث (ص: 32- 34) بالتفاصيل الجغرافية لهضبة النجف والذكوات البيض الثلاث الموجودة في مدينة النجف القديمة وقدم الأدلة على وجودها من خرائط وصور جوية قديمة وصور حديثة, كأنما هناك من المثقفين من ينكر وجودها, ولكن الباحث لم يذكر علاقتها بمرسى السفينة. وقال بأن الروايات الإسلامية تسمي الهضبة بظهر الكوفة وفيها دفن أمير المؤمنين (ع) وتطرق إلى سور مدينة النجف ومحلاتها القديمة مبينا مواضع الذكوات وأسماءها التي وصفها بأنها (ثلاثة جبال صغيرة متواضعة) وهي تحيط بمرقد الإمام علي (ع), وقد تم بناء البيوت عليها, وقد تم إزالة أحدها من قبل النظام البائد ولم يوضح علاقة ذلك بالجودي وموضعه.

إذا كان المقصود بوجود جبال في النجف, وإن كانت صغيرة, هو تأكيد وجودها في النجف, لكي يستدل منها الباحث على أن النجف هي مرسى السفينة, فالقرآن الكريم ورواية المفضل بن عمر عن الإمام الصادق (ع) لم نجد فيهما لفظ (الجبل), فالنص القرآني هو (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) والمفضل قال بأن الجودي هو (فرات الكوفة).

أما الجبل فقد ورد في روايات أخرى وقال بذلك كل أو معظم المفسرين, ولم يقل أحد بأن الجبل يقع في النجف, فالظاهر أن الباحث لا زال غير مقتنع برأيه, فأكد وجود جبال في مدينة النجف القديمة. وقال بأن أعلى موضع في طار النجف يرتفع (150) مترا عن سطح البحر (ص: 31), فأراد أن يقول بوجود الجبال في النجف, فالسفينة رست على جبل فيها.

وإذا كان المقصود اعتماد نصوص التوراة والروايات الأثرية القائلة بأن السفينة رست على جبل, فأن كل مدينة أو منطقة فيها جبال يمكن أن يزعم الزاعمون أنها مرسى سفينة نوح (ع), ويرفض كل الباحثين فكرة الباحث لأنه لا توجد في النجف الأشرف جبال بالمعنى اللغوي والمعنى العرفي المتعارف عليه بين علماء اللغة والمثقفين والباحثين, وإن قوله بأنها جبال صغيرة متواضعة يؤكد ذلك, فوجود الجبال لا تعد دليلا على تعيين المرسى.

 

كل الأسماء تعني الكوفة!

في رأي الباحث, وهو من الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها, أن كل أسماء مواضع (مرسى) السفينة الواردة في مختلف المصادر الدينية والتاريخية تعني الكوفة, وأن كل المدن القريبة تعني الكوفة, فمدينة (كيش) أو (كوش) هي الكوفة, وأن (جيحون) هو نهر الفرات القديم. وقال بأن كيش تقع على الجهة الغربية من نهر كوثي, أي شرق مدينة بابل, وهذا معناه أن مدينة كيش في القرن الأول ما بعد الطوفان يجب أن تكون غرب فرات الكوفة, أي في موضع الكوفة الحالية (ص: 21- 22).

استنتاج غريب جدا ذهب إليه الباحث, فالكوفة تقع جنوب بابل, وقد روي أن كيش أول مدينة أنشئت في سومر بعد الطوفان (فيضانات بغداد في التاريخ: الهامش ص: 172), وتظهر في الخارطة أنها شرق بابل. شمال شرق الحلة, غرب مدينة الكوت, شرق مدينة كربلاء وشمال مدينة الديوانية وشرق الفرات القديم (فيضانات بغداد: 183).

ولا نريد أن نرد على كل ما كتبه الباحث في ترجمة أسماء مواضع (مرسى) السفينة, ولكننا نشير إلى بعض استنتاجاته الخاطئة وهي أمثلة بسيطة تؤكد ضعف أدلته, بالرغم من أنه عد التوراة والكتب التاريخية محرفة.

في ملحمة جلجامش, توقف الباحث (ص: 53- 54) عند هذين السطرين: واستقرت السفينة على جبل نصر – لقد أمسك جبل نصر السفينة ولم يدعها تتحرك, وقال بأن الترجمة الأصح و الأكثر دقة هي: والى بلاد نصر أتت السفينة – وجبل بلاد نصر, السفينة أمسك بها ولم يدعها تتحرك.

وعلق على ذلك قائلا: إن الجزيرة التي برزت هي نجوة وهي نجفة وهي هضبة برز الجزء الأكثر ارتفاعا منها ثم اتسعت وظهر أنها تحوي على جبل متواضع بدليل أنه كان تحت الماء لما برزت النجوة أو النجفة و أمسك الجبل المغمور بالسفينة ثم لما تناقصت مياه الطوفان برزت السفينة على الجبل وهو جزء من الهضبة أو النجوة أو النجف.

يقول الباحث: (بدليل أنه كان تحت الماء لما برزت النجوة أو النجفة), لا أعرف من أين جاء بهذا الدليل, بينما لا يتضمن النص الذي ترجمه أي إشارة إلى مثل هذا المعنى! ولا أعرف السبب الذي دعاه لكي يقول بأن الجبل يعني النجوة أو النجفة أو النجف, أو إنه جزء من الهضبة, فالجبل لا يعد جزء من الهضبة مطلقا. ومن قال بأنها هضبة النجف؟ وكيف عرف الباحث من خلال العبارتين: (والى بلاد نصر أتت السفينة – وجبل بلاد نصر, السفينة أمسك بها ولم يدعها تتحرك) أن الجزيرة, وهي هضبة النجف, برزت أولا ثم ظهر أنها تحوي على جبل متواضع بدليل أنه كان تحت الماء لما برزت النجوة وأمسك الجبل المغمور بالسفينة؟ فقد تم معرفة أن السفينة أتت إلى بلاد نصر بعدما هبطوا من السفينة وتم تعيين المنطقة وحددوا موقع الجبل, ولم يرد في النص المشار إليه بأن الجزيرة برزت بظهورها بينما كانت قمة الجبل لا زالت مغمورة بمياه الطوفان.

وقد حلل الباحث (ص: 62) لفظ (أرمينيا) إلى أصولها الأولية, فكان: معناها مدينة سفينة نوح أو مدينة نوح, وقال بعد كلام أخر بأنها تعني: مدينة نوح أو طوفان نوح ويكون نهر الفرات (الجودي) معناه نهر طوفان نوح أو نهر مدينة نوح, والجبل الذي عنده هو جبل مدينة نوح وهو جبل الكوفة.

لا يعد هذا دليلا على أن جبل الكوفة هو مرسى سفينة نوح, وإنما هو نتيجة فيما إذا تم الاتفاق على صحة البراهين المقدمة على أن جبل الكوفة هو مرسى السفينة, وأين هو جبل الكوفة؟ ما زال مجهولا حتى بالنسبة إلى الباحث, فهناك ثلاث جبال متواضعة فلو تم تحديده لتمكن الباحث من تحديد مرسى السفينة بدقة متناهية.

وبما أن ذلك لم يحصل فيكون معنى (أرمينيا) هو أن (أرمينيا) المعروفة حاليا الواقعة شمال تركيا, والتي أشرها الباحث ضمن الشكل (4), هي مدينة سفينة نوح وقد رست عليها السفينة فعلا ثم هاجر منها نوح (ع) إلى الكوفة.

أما قوله أن نهر الفرات هو نهر طوفان نوح (ع), فذلك ما يقوله أصحاب المزاعم القائلة بالطوفان المحلي, فلم يرد في المصادر التي نقلت إلينا خبر الطوفان (القرآن الكريم والتوراة وملحمة كلكامش) أن الطوفان نتج عن فيضان الأنهر أو عن فيضان نهري دجلة والفرات وروافدهما, فكل هذه المصادر أجمعت أن الطوفان نتج عن سقوط الأمطار الغزيرة وانفجار ينابيع الأرض, فمن أين جاء الباحث بتلك المعلومة؟

 

طوفان نوح: محلي أم عالمي؟

إن السبب الرئيسي للمزاعم القائلة بأن النجف هي مرسى سفينة نوح (ع), هو أن أصحاب هذه المزاعم لا يستطيعون إدراك قدرة الله تعالى على إغراق البشر جميعا حتى لو كانوا على قمم الجبال, فصعود مياه الطوفان (15) ذراعا على قمم الجبال أمر لا تجيزه عقولهم, فليكن الطوفان محليا, وليكن فيضان الفرات سببه, ولتكن النجف مرسى السفينة لكي لا يتناقض ذلك مع النظام الطبيعي الذي اعتادوا التعايش تحت قوانينه التي ألفوها.

الباحث السيد البدري لم يقل ذلك, ولكن هناك أشارات في دراسته تجعل القارئ المحايد يراه متبنيا الرأي القائل بأن الطوفان كان محليا, لعل من أهمها دفاعه بأدلة غير قوية وأكثرها ضعيفة, عن أن مرسى السفينة هو النجف, يضاف إلى ذلك, إضافة إلى ما ذكر أعلاه, أقواله التالية:

1- إن السفينة خطط لها: لتحمل نوحا ومن معه من المؤمنين والحيوانات الأليفة التي لا تستطيع أن تقاوم الطوفان (ص: 38).

قال تعالى: قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ هود: 40

فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ المؤمنون: 27

لم يذكر الباحث (ص: 51) ضمن ملحمة جلجامش حمل (بذرة كل مخلوق حي) في السفينة, فقد ذكر فيها: أترك المال وأنشد الحياة – أنبذ الملك وأنقذ النفس – أما السفينة التي ستبني, بينما جاء في النص الذي نقله الدكتور أحمد سوسه (فيضانات بغداد: 158) وأترك ما تملك, وأنقذ حياتك – وتخل عن أملاكك, وأنج بحياتك! – وخذ معك إلى السفينة بذرة كل مخلوق حي – والسفينة التي ستبني, ولا مشكلة لنا باختلاف النصين فذلك أمر لا غبار عليه خصوصا إذا كانت المعاني متقاربة, ولكن حذف بيت أو عبارة كاملة من النص أمر غريب.

ترجم الدكتور نائل حنون ملحمة جلجامش من النص المسماري الأكدي مباشرة إلى اللغة العربية, (ملحمة جلجامش: 220- 222) وقد جاء فيها: أهدم البيت, أبن فلكا – أنبذ الثروة, أنشد الحياة – ذر الأملاك وأحفظ الحياة – أحمل ذرية الحياة كلها إلى قلب الفلك – الفلك التي تبنيها أنت. وجاء في مكان أخر من الملحمة: صعدت حيوانات الحقل, كائنات البرية, أرباب الحرف كلهم.

قال السيد الطباطبائي بأن نبوة نوح (ع) كانت عامة, وإن عموم دعوته (ع) تقضي بعموم العذاب, ثم استشهد بأنه (ع) أمر أن يحمل من كل زوجين أثنين, فمن الواضح أنه لو كان الطوفان مخصصا بصقع من أصقاع الأرض وناحية من نواحيها, كالعراق (كما قيل) لم تكن أية حاجة إلى أن يحمل في السفينة من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين أثنين وهو ظاهر.

فقول الباحث بأن السفينة خططت لكي تحمل (الحيوانات الأليفة التي لا تستطيع أن تقاوم الطوفان) يناقض المعنى الظاهر للنصين المذكورين أعلاه من القرآن الكريم دون وجود سبب يلزمه بذلك, كما أن التوراة والملحمة تتضمنان نفس المعنى, حيث أكدت التوراة أن نوحا (ع) حمل في السفينة (زوج من كل صنف من حيوان أو طير ومن كل ما يدب على الأرض) حسب ما قال الدكتور سوسه.

2- قال الباحث (ص: 40): وحين ندرس روايات طوفان نوح (ع) وسفينته في التراث المسماري, ندرسها على أنها تتحدث عن أحداث جرت في منطقة الفرات الأوسط, وحين تذكر أسماء أماكن إنما تذكر أسماء منطقة الفرات الأوسط. وهذا هو الذي أسسته لنا روايات التراث الديني …حين بينت أن (الجودي) / فرات الكوفة/ هو محور الحدث وأن السفينة استقرت على جبل من جبال منطقة الفرات الأوسط وليست هي سوى طارات النجف.

اعتراف آخر للباحث بأنه يتبنى فكرة الطوفان المحلي, فروايات التراث الديني لا تؤكد أن الجودي هو فرات الكوفة, كما أوضحنا سابقا, أما التراث المسماري فمن الطبيعي أن يتحدث (عن أحداث جرت في منطقة الفرات الأوسط) لأنهم عايشوا أحداث المنطقة ولم يتمكنوا من الإطلاع على أحداث المناطق الأخرى, لأنه لا توجد وسائل اتصال سريعة تمكنهم من معرفة أحداث بقية المناطق, كما هو الوضع الحالي.

ولكن ذلك لا يمنع من كون الطوفان عالميا, فيمكن لكل قوم أن يتحدثوا عن الطوفان الواقع في أراضيهم, وهو ما تحدث عنه بعض المفسرين والباحثين, فقد قال صاحب تفسير المنار (محمد رشيد رضا) بأن الطوفان نقل عن كهنة المصريين وقدماء اليونان وقالوا بأنه غمر الأرض كلها, كما ذكره قدماء الفرس والمجوس وقدماء الهنود وقيل وقع في اليابان والصين والبرازيل والمكسيك, وإن كان بعض هؤلاء أنكر عموم الطوفان وقال أنه خاص بإقليم العراق.

وقال الدكتور أحمد سوسه (فيضانات بغداد: 152) بأن من جملة الأدلة التي تقدم بها أحد الباحثين على أن الطوفان شمل الأرض كلها انتشار قصص الطوفان لدى أهل المكسيك والصين وبلاد أخرى.

أما الأدلة التي تؤكد أن الطوفان كان عالميا, فقد فصلناها في كتاب مطبوع ودراسة منشورة وهي بإيجاز:

    قال تعالى: فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ يونس: 73

فقد انحصرت خلافة البشر بمن كان في السفينة دون غيرهم لأن الباقين قد غرقوا جميعا. وقال البعض بأن المقصود بالنص هم قوم نوح حصرا, لأنه أمر أن يبلغ رسالته لقومه فقط, ويدفعه أن أمثال هذه العبارات وردت في قصة نوح (ع) حصرا رغم وجود أقوام آخرين تم استئصالهم جميعا باستثناء أنبيائهم والمؤمنين بهم.

2- إن حمل زوجين من كل حيوان يتطلب زيادة حمولة السفينة, الناتجة عن حمل الحيوانات وحمل ما تحتاجه من غذاء, وذلك يؤدي إلى زيادة حجمها, فلولا هلاكها لو بقت على الأرض لما كان هناك مبرر لحملها.

3- قال تعالى: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ الصافات: 77

وهو نص صريح أن البشر بعد الطوفان قد كانوا من ذرية نوح حصرا, لذا أعتبر نوح (ع) هو الأب الثاني للبشر بعد آدم (ع). ويضاف إليها قوله تعالى: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ الإسراء: 3, وقوله تعالى: وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ مريم: 58, حيث لم ترد مثل هذه النصوص لأي نبي أخر تم استئصال قومه. إضافة إلى أدلة أخرى ذكرت سابقا, وردود على الزاعمين بالطوفان المحلي.

 

التوراة: كتاب سماوي أم إنتاج بشري؟

يكرر الباحث (ص: 36- 37) ما يراه بعض الباحثين من أن قصة الطوفان في التوراة لم تكن من الوحي الإلهي, وإنما نقله اليهود من التراث البابلي أثناء مكوثهم في بابل بعد السبي البابلي لهم في سنة 586 (ق.م.) وقال بأن الله تعالى أحيا لهم (عزير) وأعاد لهم كتابة التوراة وكتابة السنن التي بلغها موسى (ع) بعد رجوعهم من السبي البابلي.

لذا فأن الباحث المسلم يدرس التراث المسماري وتراث أهل الكتاب على أنه تراث نبوي تعرض للتحريف في قليل أو كثير. وقال في (ص: 65) بأن التوراة العبرية والآرامية استمدت معلوماتها عن مرسى السفينة من التراث السومري والبابلي في مدينة بابل أيام السبي البابلي في عهد نبوخذنصر وخلفائه ……. .

إذا كانت التوراة قد استمدت معلوماتها عن مرسى السفينة من التراث السومري والبابلي, فلماذا عد الباحث هذه المعلومات صحيحة, وترجمها إلى العربية, فكانت هي أدلته التاريخية على أن النجف هي مرسى السفينة؟

الباحث لم يقدم أدلته أو دليله على أن التوراة العبرية والآرامية قد استمدت معلوماتها عن مرسى السفينة من التراث السومري والبابلي …. الخ. فإن وجودهم في بابل لا يعد دليلا على صحة ما يراه. كما أن قوله بأن (عزير) أعاد لهم كتابة التوراة, يشير إلى أنها لم تكن محرفة. ففي بعض الأخبار أن (عزير) كان نبيا, والنبي لا يكتب التوراة محرفة, لأنه مأمور من الله تعالى أن يكتبها كما أنزلها على موسى (ع).

هناك تشابه كبير في بعض تفاصيل قصة الطوفان في القرآن الكريم والتوراة, مما يرجح أن قصة الطوفان في التوراة هي من الوحي الإلهي غير المحرف, ولم يأخذها اليهود من التراث البابلي, فليس كل ما تشابه في التفاصيل أو بعضها, أن تكون معلومات اللاحق قد استمدها من السابق, وإلا فيكون زعم القائلين بأن القرآن قد أخذ معلوماته من أهل الكتاب صحيحة, فقد أوضحنا نقاط التشابه في دراسة لنا منشورة, وهي بإيجاز:

1- إن سبب الطوفان يرجع إلى آثام الإنسان وعدم إيمانهم برسولهم.

2- إن الله تعالى هو الذي أخبر نوحا (ع) بالطوفان وأمره ببناء السفينة وعلمه صناعتها.

3- إن الله تعالى أمر نوحا (ع) أن يحمل في السفينة زوجين من كل صنف من الحيوانات.

4- اقتصرت عوامل الطوفان على سقوط الأمطار الغزيرة وتفجير ينابيع الأرض.

5- استواء السفينة بعد انتهاء الطوفان على جبل.

6- انحصار النجاة بمن ركب السفينة مع نوح (ع) وهلاك كل الباقين.

7- صعود مياه الطوفان فوق قمم كل الجبال.

8- وردت عبارة (وَفَارَ التَّنُّورُ) في القرآن الكريم والتوراة حصرا دون المصادر المسمارية التي اشتركت مع القرآن والتوراة في النقاط السبع السابقة.

يضاف إلى ذلك اهتمام التوراة ببعض التفاصيل التاريخية وغيرها التي لا يهتم بها القرآن الكريم, ولم نجد في هذه التفاصيل, في حدود ما اطلعنا عليه, ما يتناقض مع الفكر الإسلامي.

 

أين رست السفينة؟

قال تعالى: فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ العنكبوت: 15

وقال: وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ القمر:15

قال السيد الطباطبائي بأن الله تعالى قد أبقى: السفينة التي نجينا بها نوحا والذين معه, وجعلناها آية يعتبر بها من أعتبر, فهل من متذكر يتذكر بها وحدانيته تعالى … ولازم هذا المعنى بقاء السفينة إلى حين نزول هذه الآيات علامة دالة على واقعة الطوفان مذكرة لها. أما السيوطي فقد نقل عن قتادة قوله: أبقى الله سفينة نوح على (الْجُودِيِّ)حتى أدركها أوائل هذه الأمة.

لم يقل قتادة ولا السيوطي من هم أوائل هذه الأمة الذين أدركوا سفينة نوح (ع), ولكن المهم في النصين المباركين أعلاه أن المفسرين فهموا المعنى الظاهر للنصين بأن الله عز وجل جعل السفينة آية ولابد للآية أن تكون علامة للناس أي وجود آثارها في المرسى التي رست عليه, فأين الآثار إذن؟

وهنا لابد من تفصيل القول في تاريخ وقوع الآية أو مرحلة العثور عليها ونشرها بين الناس, فهل أن الآية عرفت قبل نزول النص أي قبل عصر الرسالة أم خلالها وحتى عصور لاحقة قريبة أم بعد عصر الرسالة بفترة طويلة؟ وقد تأكدنا عدم حصول الآية خلال عصر الرسالة وحتى عصور لاحقة قريبة لأنه لم يرد في كتب التراث الإسلامي أي قول بذلك.

فأما قبل عصر الرسالة فهناك أقوال في وجود آثار دالة عليها نقلها الدكتور أحمد سوسه عن بعض الباحثين, فقد قال (فيضانات بغداد: 169): والظاهر أن فكرة شمول الطوفان عموم الأرض مأخوذة بالأصل من رواية بروسس وأبيدينس وهي الرواية القائلة بأن بقايا الفلك قد وجدت في أحد جبال أرمينية الفاصل بين أرمينية والعراق وأسمه باليونانية, (Gordyoei) , فذكر الأول أنه لاحظ أن كثيرا من الناس كانوا يقصدون هذا المكان ليحصلوا على بعض القار من بقايا الفلك فيتخذونه حرزا لإبعاد الشر عنهم. كما ذكر الثاني أن خشب الفلك كان يستعمل في معالجة كثير من الأمراض بنجاح.

وقد قيل أيضا أن الإمبراطور الروماني (هرقل) ذهب من (بلدة الثمانين) إلى جبل(الْجُودِيِّ) فشاهد بقايا الفلك. كما قيل أنه كان في الجبل الذي يقع فيه مكان الفلك دير مشهور ومعروف.

ومن المهم ذكره في هذا الصدد هو أن نظرية استقرار سفينة نوح في جوار جبال أرمينيا جاءت بالتواتر كما يؤيد بروسس ويوسيفوس عن اعتقاد سائد قديم يرجع إلى ما قبل العهد الكلداني ثم قبلته الكنائس المسيحية الشرقية وأشاعته بين الناس.

ولكن الدكتور أحمد سوسه والذي نقل عنه ذلك (مولوي محمد علي لاهور) لم يعلقا على ما جاء فيه من أخبار في كيفية وصول السفينة إلى أحد جبال أرمينيا, وهل كانت الأخبار صادقة أم كاذبة؟ ولكنهما, مع ذلك, تبنيا فكرة الطوفان المحلي, وتم استعراض آراءهما والرد عليهما في كتاب مطبوع لنا فلا مبرر للتكرار.

إذا صح ما نقله الدكتور سوسه, وربما كان ذلك صحيحا, فأن الآية في النصين المقدسين أعلاه, تعني أنها وقعت أو حصلت قبل عهد الرسالة, ومما يؤيد ذلك:

1- إن أسم الجبل باليونانية يلفظ (جوردي), وهو قريب من لفظ (جودي) بزيادة حرف الراء في اللفظ الأول وعدم وجوده في الثاني, فهل أن هذا الحرف ورد خطأ, أي أنه خطأ مطبعي, أم أنه يكتب ولا يقرأ أم أنه كتب ليقرأ؟ وفي كل الحالات فأن اللفظين متقاربان حتى لو كتب حرف الراء ليقرأ وهذا الدليل أقرب إلى القبول من الدليل القائل بأن الجودي تطورت من لفظ (كادو).

2- إن قيام البعض بالحصول على بعض القار وخشب السفينة بهدف الحرز ومعالجة الأمراض يشير إلى أن جسم السفينة بنفسه كان مباركا ومقدسا, وهو اعتقاد لا زال شائعا بين الناس في استعمال القرآن الكريم وبعض نصوصه المباركة (قراءة وحملها) وغير ذلك في الحرز والشفاء والحفظ والآمان من كل بلاء ومحذور.

3- أما قوله بأن نظرية استقرار السفينة في جوار جبال أرمينيا جاءت بالتواتر عن اعتقاد سائد قديم يرجع إلى ما قبل العهد الكلداني ثم قبلته الكنائس…….الخ, فالكنائس كانت تدار من قبل الأنبياء من أوصياء المسيح (ع) قبل الإسلام أو أن الأنبياء (ع) كانوا موجودين وربما كان لهم تأثير على الكنائس المسيحية, فإذا كان كذلك فما انتشر بين الناس عن طريق الكنائس يعد صحيحا لا غبار عليه, ولا يمكن نفي ذلك إلا بدليل واضح وقوي. لذا تعد هذه النظرية أكثر قبولا, وهي تنسجم مع القول بالطوفان العالمي إلى أن يتم نقضها بأدلة قوية.

4- يضاف إلى ذلك, إن الاعتقاد السائد القديم الذي يرجع إلى ما قبل العهد الكلداني, ربما يعني أن الناس الذين عاشوا قبل العهد الكلداني, قد أخذوا هذه العقيدة بصورة مباشرة أو عبر أجيال متلاحقة قليلة من الذين نجوا من الطوفان مباشرة, فسادت هذه العقيدة في المجتمع, فعرفوا أن موضع استواء أو مرسى السفينة في الجبل المذكور, فكان جسم السفينة مصدرا للحصول على ما ينفع في الحرز والشفاء فاستخدموا القار والخشب لأجل ذلك, فالاعتقاد السائد في أي زمان ومكان لا يأتي من فراغ.

هكذا يمكن ترجيح الرأي القائل بأن الآية قد وقعت قبل عصر الرسالة, وإذا أضفنا إلى ذلك الخبر الذي نشرته بعض الصحف الإيرانية والمشار إليه سابقا, وربما كان الجبل المقصود في الصحف الإيرانية هو نفس الجبل الذي كان الناس يأخذون منه القار والخشب في العصور القديمة قبل عصر الرسالة, فإذا كان كذلك فيمكن القول بأن الآية قد جعلها الله تعالى تقع مرتين: قبل عصر الرسالة مرة, وأخرى بعد أكثر من (13) قرنا من نزول آخر آية من القرآن الكريم, ولكن كان للإعلام المعادي دوره المؤثر في إخفاء الآية لأسباب لا تخفى عن ذوي الخبرة من العلماء والمختصين.

 

المطلوب

فإذا كان الباحث السيد البدري يبغي الحقيقة فعلا, معتقدا أن مرسى السفينة لا يجعل من موضع المرسى وما جاوره من مناطق ذا قدسية ولا يجعل منها أمكنة مباركة, فالنجف بوركت وشرفت وقدست بكونها أصبحت مثوى لأبي البشر آدم وأبي البشر الثاني نوح وللنبيين هود وصالح ولسيد الأوصياء علي بن أبي طالب عليهم وعلى نبينا محمد أفضل الصلوات والسلام. كما أنها شرفت بمسجد الكوفة الذي كان مصلى لعدد كبير من الرسل والأنبياء, ومنهم خاتمهم محمد (ص).

وما التوفيق إلا من عند الله عليه توكلت واليه أنيب. ومجرد حبر على ورقوالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية