شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

عدم تحريف القرآن

0 المشاركات 00.0 / 5

تحریف الکتب الدینیة و تغییرها من أکثر الأمور شیوعاً فی الأدیان الإلهیة حتى صارت مقاومة هذا التحریف من أبرز أهداف الأنبیاء الجدد (1) و أما بالنسبة إلى الإسلام باعتباره آخر الأدیان و خاتمها، فإنه بعیدٌ عن کل ألوان التحریف و التغییر.

و أما بالنسبة إلى السؤال القائل (کیف یمکننا أن نطمئن إلى أن القرآن لم یطله التحریف لمدة 14 قرناً من الزمان)، فمن الممکن أن یطرح على عدة أسس و قواعد مختلفة، حیث خطر فی ذهن السائل المحترم على شاکلة الاستبعاد التاریخی.

و الجواب عن هذا السؤال یمکن أن یکون من داخل دائرة الدین و من خارجه. و نحن هنا لا نعتمد الإجابة من داخل دائرة الدین، و لذلک لا نورد الروایات الکثیرة الصادرة عن المعصومین فی هذا المیدان و التی تثبت عدم وقوع التحریف فی القرآن الکریم و بشکل قاطع، و إنما تعتمد فی الجواب على ما هو خارج دائرة الدین.

 

الدلیل الأول:

استدل العلامة الطباطبائی (ره) على عدم تحریف القرآن بإعجاز القرآن، حیث یقول: من ضروریات التاریخ أن النبی العربی محمداً (ص) جاء قبل أربعة عشر قرناً تقریباً و ادعى النبوة و انتهض للدعوة و آمن به أمة من العرب و غیرهم و أنه جاء بکتاب یسمیه القرآن و ینسبه إلى ربه، ثم إنا نجد القرآن یتحدى بأوصاف ترجع إلى عامة آیاته و نجد ما بأیدینا من القرآن أعنی ما بین الدفتین واجداً لما وصف به من أوصاف تحدى بها من غیر أن یتغیر فی شیء منها أو تفوته و لو طرأ علیه تغییر لما بقیت تلک الأوصاف (2) ، فنجده یتحدى بالبلاغة و الفصاحة و نجد ما بأیدینا مشتملاً على ذلک النظم العجیب البدیع لا یعدله و لا یشابهه شیء من کلام البلغاء و الفصحاء المحفوظ منهم و المروی عنهم من شعر أو نثر أو خطبة أو رسالة أو محاورة أو غیر ذلک و هذا النظم موجود فی جمیع الآیات على السواء کتاباً متشابهاً مثانی تقشعر منه الجلود و القلوب، و نجده یتحدى بقوله: ( َفَلا یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَ لَوْ کَانَ مِنْ عِنْدِ غَیْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِیهِ اخْتِلافاً کَثِیراً(3) بعدم وجود اختلاف فیه و نجد ما بأیدینا من القرآن یفی بذلک أحسن الوفاء. ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلَى أَنْ یَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لا یَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ کَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِیرًا).(4) و نحن لم نشاهد أی اختلاف فی آیات القرآن التی بین أیدینا الآن.(5) و کذلک فکل الأوصاف المختلفة التی کان یتمتع بها القرآن الذی نزل على النبی (ص) نظیر الإخبار بالغیب و قصص الأنبیاء و المعارف و العلوم الإلهیة و .. موجودة فی القرآن الذی بین أیدینا بشکل کامل (6) .

 

الدلیل الثاني:

و یتشکل هذا الدلیل من عدة مقدمات:

1- الدین مجموعة أمور مرسلة من الله تعالى من أجل هدایة البشر عن طریق إرسال الأنبیاء و الرسل.

2- کل دین مرسل یطابق مقتضیات زمانه قبل أواخر عهده، و إنه ینطوی على مقدار من تعالیم الدین الکامل (الدین عند الله) لأجل هدایة البشر.

3- أما الحکمة فی تعدد الأدیان فبالإضافة إلى احتوائها على قوانین جدیدة (للدین الکامل عند الله)، فإنها تصحح الجزء الذی ناله التحریف بالنسبة إلى الشریعة السابقة.

4- تنتهی سلسلة الأدیان الإلهیة و تتجلى فی دینٍ واحد بعنوان الدین الخاتم و من اللازم أن یکون کاملاً

أولاً: بکیفیة لا یغیب فیها عنصر من عناصر الهدایة إلا و یبین فی تعالیم هذا الدین.

و ثانیاً: لابد و أن یکون هذا الدین الخاتم مصوناً من التحریف على مدى حقب التاریخ و امتداده، فإذا انتفى أی عنصر من هذین العنصرین فإن العقل یحکم مباشرة بأن هذا الدین لیس هو الدین الخاتم و بالتوجه إلى هذه المقدمات نحصل على النتیجة التالیة (الدین الخاتم مصون من التحریف) (7) و هذا یعنی أن کتاب الدین (و هو المنبع الأصلی للدین) لابد و أن یکون مصاناً من التحریف، و هذا شرط ملازم لمصونیة الدین عن التحریف(8) .

إلى هنا فإن هذه الکبرى العقلیة تثبت الآتی: إن کتاب الدین الخاتم مصون من التحریف، و إذا تجاهلنا هذه الکبرى العقلیة یمکن أن نعتمد على نتیجة لمقدمتین أخریین. ألف. القرآن کتاب الإسلام. ب. ان الدین الإسلامی هو الدین الخاتم، فالقرآن کتاب الدین الخاتم. إذن فالنتیجة هی: أن القرآن مصونٌ من التحریف و التغییر(9) .

و بعد قبول خاتمیة النبی (ص) و أن الدین الإسلامی آخر الأدیان الإلهیة و أن رسالة القرآن باقیة إلى نهایة العالم، فکیف یمکن قبول عدم وجود الحمایة الإلهیة للقرآن باعتباره الرکیزة الأساسیة للإسلام و لرسالة النبی الخاتم، فهل یمکن أن ینسجم مفهوم استمرار الإسلام و خلوده إلى نهایة العالم مع القول بتحریف القرآن؟!

 

الدلیل الثالث:

إذا نظرنا بدقة إلى الموضوع التالی و هو أن القرآن یمثل کل شیء بالنسبة إلى المسلمین، قانونهم الأساسی، فهم حیاتهم، نظام حکمهم، کتابهم السماوی المقدس، و رمز عبادتهم، فمن الواضح أنه لا یمکن أن یکون فیه زیادة أو نقصان.

فالقرآن کتاب المسلمین و قد صاحب حیاة المسلمین الأوائل فی کل میادین حیاتهم، صلاتهم فی المساجد، و فی منازلهم، و فی میادین القتال و عند لقاء العدو، و اعتمدوه کدلیل على أحقیة دینهم عند احتدام الجدل مع الآخرین، و قد ورد فی التاریخ أن البعض منهم جعل تعلیمه مهوراً لنسائهم، و القرآن هو الکتاب الوحید المتواجد فی کل المحافل، و الذی یتعلمه الأطفال منذ نعومة أظفارهم، و کل من یرید أن یتعلم شیئاً من الإسلام. لابد و أن یتعلم من القرآن، فإذا أخذنا بنظر الاعتبار کل هذه الحقائق فهل من الممکن لأحد أن یحتمل وقوع التحریف فی هذا الکتاب السماوی المقدس (10) .
الدلیل الرابع:

إن القرآن جمع فی عهد الرسول الأکرم (ص) کمجموعة واحدة بهذا الشکل الحالی الموجود بین أیدینا (11) .

و إذا لم یقبل أحد هذا الکلام فلیعلم أن أولئک الذین اختلفوا فی ترتیب السور و… لا یوجد لدیهم شک فی أن القرآن لم یزد فیه کلمة و لم ینقص منه، لأن تعلق المسلمین شدید فی تعلمه و حفظه، و إن شخصیة الفرد المسلم فی ذلک الوقت تقاس بمقدار ما تعلمه و حفظه من آیات القرآن الکریم.

و قد بلغ عدد قراء القرآن من الکثرة العددیة إلى حد ما نقرؤه فی بعض التواریخ ان من قتل منهم فی عهد الحروب التی وقعت فی زمن أبی بکر قد بلغ أربعمائة قارئ (12) .

و أما فی قصة بئر معونة (قریة قرب المدینة) و ما وقع فیها فی حیاة النبی الأکرم (ص) فإن التاریخ یذکر أن عدد القراء الذین نالوا الشهادة فی هذا المکان بلغوا السبعین قارئاً(13).

و هذه الأعداد تدل على العدد الکبیر لحفاظ القرآن و قراءه حتى بلغ عدد المستشهدین منهم هذا العدد الکبیر.

لم یکن القرآن کتاباً متروکاً على الرفوف فی المساجد و البیوت لتعلوه طبقات الأتربة و الغبار حتى یتمکن أحد من تحریفه زیادةً أو نقصاناً.

إن مسألة حفظ القرآن بین المسلمین هی مسألة عبادیة و من صمیم السنة کانت و ستبقى، و حتى بعد أن بلغ طبع القرآن و نشره و تکثیره هذا الانتشار الواسع حیث أصبح الکتاب الأول بالنسبة إلى طبعه و نشره فی العالم الإسلامی و مع ذلک فإن مسألة حفظه و صیانته ما زالت على تلک الأهمیة باعتبارها سنة عریقة فی الوسط الإسلامی، فلا تخلو مدینة أو حاضرة من قراء القرآن و حفاظه.

أما الآن فقد أنشأت مدارس فی بعض الدول الإسلامیة بعنوان مدارس تحفیظ القرآن و دراسته و تعلیمه، حتى أن بعض الذین یمارسون التدریس فی هذه المؤسسات هم من الحفاظ بمختلف الأعمار و البعض منهم لم یتجاوزوا سن الطفولة و الصبا (14) .

و قد تحدثت التقاریر عن وجود الملیون و نصف الملیون من حفظة القرآن فی دولة باکستان وحدها (15) .

و أن أحد شروط القبول فی جامعة الأزهر الدینیة فی مصر حفظ القرآن الکریم بالکامل، و على الطالب أن یحصل على عشرین علامة من أربعین حال الامتحان(16)  و… و بجملة واحدة، فإن سنة حفظ القرآن امتدت منذ عصر الرسول (ص) و تأکیده على ذلک و إلى یومنا الحاضر مروراً بکل القرون و العصور، فهل یمکن لمثل هذا الوضع أن یقبل القول فیه بتحریف القرآن؟!

 

الدلیل الخامس:

کان لرسول الله عدد کبیر من الکتاب یدونون له ما یتلقاه من الوحی، و قد بلغ عددهم 43 نفراً (17) و الخلفاء الأربعة من أشهر الشخصیات و لکن الأشهر منهم أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب و کذلك زید بن ثابت و هما الأکثر ملازمة لرسول الله (ص)(18) .

و الکتاب الذی یکون له هذا العدد من الکتاب لا یمکن أن تمد إلیه ید التحریف!

 

الدلیل السادس:

إن دعوة أئمة الإسلام جمیعاً إلى الأخذ بالقرآن الموجود (19) تشکل دلیلاً على أن هذا الکتاب السماوی یمثل مجموعة واحدة لم تمس بالزیادة و النقصان على مدى هذه القرون منذ صدر الإسلام و إلى یومنا الحاضر.

و إن خطبة الإمام علی (ع) فی نهج البلاغة شاهد على صدق هذا الإدعاء فی الخطبة 133: «وَ کِتَابُ اللَّهِ بَیْنَ أَظْهُرِکُمْ نَاطِقٌ لا یَعْیَى لِسَانُهُ وَ بَیْتٌ لا تُهْدَمُ أَرْکَانُهُ وَ عِزٌّ لا تُهْزَمُ أَعْوَانُه» (20) . (اعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِی لا یَغُشُّ وَ الْهَادِی الَّذِی لا یُضِلُّ) (21) .

و کذلك فقرة فی هذه الخطبة: ( وَ مَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلاَّ قَامَ عَنْهُ بِزِیَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ زِیَادَةٍ فِی هُدًى وَ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى) (22) .

و قد ورد فی الکتب من التعابیر المماثلة فی کلام الإمام (ع) و سائر الأئمة.

فهل من الممکن أن نجد مثل هذه الدعوات للأخذ بالقرآن و الرجوع إلیه مع فرض وجود التحریف؟.

و لا یمکن أن ینسجم وصفه بالنهج المبین و المصباح المنیر الذی لا یخبو و حبل الله المتین و السبب الأمین مع کونه محرفاً(23) .

و بالتوجه إلى الأدلة، الستة المتقدمة لا یبقى شک فی أن القرآن الکریم کتاب منزه عن التحریف و التغییر منذ نزوله و إلى یومنا هذا.

______________________
(1)  انظر: رسالة القرآن، مکارم الشیرازی.
(2) انظر: تفسیر المیزان، الطباطبائی، ج 2، ص 150- 155 ، 157.
(3)  الإسراء، 88.
(4)  النساء، 86.
(5) للإطلاع الأکثر، انظر: هادوی الطهرانی، الأسس الکلامیة للاجتهاد، ص 54- 55.
(6)  انظر: ترجمة المیزان، ج 12، ص150- 154.
(7)  الأسس الکلامیة للاجتهاد، هادوی الطهرانی، ص 67.
(8)  المصدر نفسه.
(9)  المصدر نفسه.
(10)   التفسیر الأمثل، ج 11، ص 22.
(11)  من الطبیعی وجود آراء مختلفة بخصوص جمع القرآن، انظر: موضوع جمع القرآن، سؤال 71.
(12)   منتخب کنز العمال، نقلاً عن البیان فی تفسیر القرآن، ص260.
(13)   سفینة البحار، ج 1، ص 57.
(14)   و من الطریف فی هذا الموضوع حیاة و خواطر الدکتور محمد حسین الطباطبائی الذی حفظ القرآن منذ الصغر و نال درجة الدکتوراه.
(15)  التفسیر الأمثل، ج11، ص24، و هذا التعداد یرتبط بالسنوات الماضیة و من الطبیعی أن یکون الآن حفاظ القرآن أکثر عدداً فی هذا القطر.
(16) المصدر نفسه، طبقاً لدائرة المعارف فرید وجدی.
(17) ذکر المؤرخون أن العدد یترواح بین 14 إلى 43 شخص.
(18) تاریخ القرآن، أبو عبد الله الزنجانی، ص 24.
[19]  یعنی أن مطالعة کلمات عظماء الإسلام تدل على أنهم یدعون الناس وبلسان واحد إلى التلاوة و العمل بالقرآن الکریم الموجود بین أیدینا الآن.
[20]  نهج ‏البلاغة، ص 191، خطبة رقم 133.
[21]  غررالحکم ص 111، رقم الحکمة1973.
[22]  نهج‏ البلاغة ص 252، رقم الخطبة 176.
[23]  راجع: التفسیر الأمثل، ج 11، ص 24- 26.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية