شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

صلح الإمام الحسن(عليه السلام)

0 المشاركات 00.0 / 5

صلح الإمام الحسن(عليه السلام)

(موقع بيّنات)

 تركة ثقيلة يرثها الحسن(عليه السلام):

تسلّم الإمام الحسن(عليه السلام) مقاليد أمور الخلافة بعد استشهاد الإمام علي(عليه السلام)، وورث بذلك تركة ثقيلة حيث كانت البلاد التي يسيطر عليها تعجّ بالفوضى والاضطرابات، وكانت الأنواء والعواصف قد هبّت على هذه الديار من كلّ حدب وصوب، ولا سيما من جانب معاوية بن أبي سفيان، الذي كان قد استأثر ببلاد الشام منذ زمن بعيد وجمع بين يديه أسباب الثروة والقوة. فأعدّ العدّة وجهّز الجيوش لمقارعة الإمام الحسن(عليه السلام)، ولكنّ الإمام(عليه السلام) نهض للأمر بالرغم من ذلك وهو الذي كان قد شارك في العديد من المهام التي كلّف بها من جانب والده، لا سيما بعد ما أصبح خليفة للمسلمين، وذلك عندما انتدبه إلى الكوفة ليمهد الأجواء لخلافته، وهكذا في صفّين وذلك رغم صغر سنه.

أدرك الإمام الحسن(عليه السلام) منذ الأيام الأولى لخلافته أنّ معاوية يضمر له السوء، ويستعد لحربه، ويحاول الإيقاع به، حيث دسّ رجلاً من حَميَر إلى الكوفة، ورجلاً من بني القين إلى البصرة، ليكتبا إليه بالأخبار ويفسدا على الحسن(عليه السلام) أمره، فكشف(عليه السلام) أمرهما وعاقبهما بالقتل، وكتب إلى معاوية ((أمّا بعد، فإنّك دسسّت الرجال للإحتيال والاغتيال، وأرصدت العيون كأنّك تحبّ اللقاء، وما أوشك ذلك، فتوقعه إن شاء الله، وبلغني أنّك شَمَتَّ بما لا يشمت به ذو الحجى)).

 الخلافة بين الحسن(عليه السلام) ومعاوية:

وإزاء ذلك، قام الحسن(عليه السلام) بحملة واسعة في الأقطار والمناطق التي يسيطر عليها من فارس وخراسان واليمن والحجاز والكوفة والعراق، فبعث بعدد من رسله إلى حكّام هذه المناطق يطلب منهم الاستعداد للقتال، وأرسل إلى معاوية كتاباً آخر ينصحه فيه ويبصره عواقب الأمور، ويدعوه فيه إلى الابتعاد عن الحرب والقتال لحفظ الأمّة وصيانتها من التشقق والتشرذم، وقد جاء في كتابه:

((من الحسن بن علي أمير المؤمنين، إلى معاوية بن أبي سفيان، سلام عليك. فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أمّا بعد: فإنّ الله جلّ جلاله بعث محمداً رحمة للعالمين ومنّة للمؤمنين..

يذكّره فيه برسالة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ونبوته التي يجب أن يلتزم بها، فلا يغتصب الخلافة، وهذا ما عبّر عنه بكلامه:فاليوم فليتعجب المتعجب من توبتك يا معاوية على أمر لست من أهله، لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب وابن أعدى قريش لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ولكتابه...

وفي هذا الخطاب، يكشف الإمام الحسن(عليه السلام) أنّ معاوية إضافة إلى أنّه مغتصب للخلافة، كان يقف في الخط المعادي لنهج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وعدم أهليته لتسلّم مثل هذا الموقع وتماديه في الباطل، ويطلب منه الدخول في طاعته كما هو أمر الناس، وهذا ما كان في قوله(عليه السلام): فدع التمادي في الباطل، وأدخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فإنّك تعلم أنّي أحقّ بهذا الأمر منك عند الله وعند كل أواب حفيظ، ومن له قلب منيب، واتق الله ودع البغي، واحقن دماء المسلمين)).

وفي هذا دعوة صريحة منه إلى إيثار السلم على الحرب، لأنّ في ذلك حقناً لدماء المسلمين، ولكن إذا ما تمادى معاوية في غيّه فإنّ الحسن(عليه السلام) مستعد للحرب، ((وإن أبيت إلاّ التمادي في غيّك، سرت إليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا، وهو خير الحاكمين)).

واقع جبهة الحسن(عليه السلام):

ولمّا تبين إصرار معاوية على الحرب، استنفر الإمام الحسن(عليه السلام) الناس للقتال، وأعلن الجهاد في الناس، حيث قال: ((أمّا بعد، فإنّ الله كتب الجهاد على خلقه وسمّاه كرهاً، ثمّ قال لهم: اصبروا، إنّ الله مع الصابرين. إنّه بلغني أنّ معاوية بلغه أنّا كنّا أزمعنا المسير إليه فتحرّك، لذلك اخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم في النخيلة، حتى ننظر وتنظرون ونرى وترون)).

كان معاوية قد أردف تحركه هذا بحملة من التشكيك في نيات الإمام الحسن(عليه السلام) القتالية، وقام بالدسّ إلى القادة والأمراء في جيش الحسن(عليه السلام)، يمنّيهم بالأموال والعطايا، والجاه والمناصب إذا ما ابتعدوا عنه. فقبل هذا العرض كثيرون ونقضوا عهودهم مع الإمام الحسن(عليه السلام)، والتحقوا بمعسكر معاوية.

ويبدو أنّ جيش الإمام الحسن(عليه السلام) كان تعبث به الفرقة والانقسامات، فكان موزع الولاءات بين شيعة له ولأبيه، وخوارج، وأصحاب فتن ومصالح، وأصحاب عصبية، انقادوا لرؤساء قبائلهم وعشائرهم، حتى أنّ جماعة من رؤساء القبائل كتبوا إلى معاوية بالسمع والطاعة له في السرّ، واستحثّوه على المسير نحوهم، وضمنوا له تسليم الحسن(عليه السلام) إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به. كان معاوية قد أحكم خطّة في إرباك مخططات الإمام الحسن(عليه السلام) وأحدث بلبلة في صفوف بيته حيث استطاع إغراء عبيد الله بن العباس، ابن عم الإمام الحسن(عليه السلام)، وكان قد بعثه على رأس جيش من اثني عشر ألفاً نحو معاوية، بينما توجّه هو بجيش إلى المدائن وأقام معسكره هناك، فأرسل معاوية موفداً إلى عبيد الله خفية يعرض عليه ألف ألف درهم (مليون درهم) إن قبل أن ينفض يديه من هذه الحرب، على أن يدفع له نصف المبلغ في معسكره، إذا أتى إليه، والنصف الآخر في الكوفة، فعاش أياماً حالاً من الحيرة والقلق، ولكنّه ما لبث أن حسم أمره والتحق بمعسكر معاوية.

ترك هذا الانسلال أثراً سلبياً على حركة الإمام الحسن، وأحدث إرباكاً في صفوف جيشه، وكان باعثاً على إيجاد حال من التخاذل وعدم نصرة الإمام، وهكذا كانت طريقاً لانسلال عدد من القادة الآخرين مع جنودهم.

استهداف أموي لدور قيس الطليعي:

 حاول قيس بن سعد الذي أوكله الإمام الحسن أن يخلف عبيد الله في قيادة الجيش إن أصيب بمكروه، أن يرأب هذا الصدع، ولكنّ معاوية قام بحملة من التشكيك تناولت قيس ودوره الطليعي في مناهضة معاوية، فنشرت الأجهزة الأموية شائعات تفيد أنّ قيس بن سعد قد صالح معاوية وسار إليه، ووجّه إلى معسكر قيس من يتحدث عن أنّ الحسن قد صالح معاوية وأجابه، ووجّه إلى الحسن المغيرة بن شعبة وعبد الله بن كرئذ وعبد الرحمن بن أمّ الحكم فالتقوه وهو بالمدائن، نازل في مضاربه ثمّ خرجوا من عنده وهم يقولون ويُسمعون الناس: إنّ الله قد حقن بابن رسول الله الدماءّ وسكن الفتنة وأجاب الصلح، الأمر الذي أدّى إلى اضطراب العسكر، وتجرءوا على الحسن، فوثبوا به ونهبوا مضاربه وما فيها.

الصلح وأهم بنوده:

وهنا وجد الإمام نفسه أمام طريقين لا ثالث لهما، فإمّا القتال والتضحية بأولئك الأوفياء المخلصين، وإمّا الرضوخ لشروط الصلح، والصبر على الألم، وأخيراً آثر الصلح الذي كان من بنوده:

ـ تسليم الأمر إلى معاوية، على أن يعمل بكتاب الله وبسنّة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبسيرة الخلفاء الصالحين.

ـ أن يكون الأمر من بعده للإمام الحسن(عليه السلام)، فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين(عليه السلام)، وليس لمعاوية أن يعهد بعده لأحد.

ـ أن يترك سبّ أمير المؤمنين(عليه السلام) والقنوت عليه بالصلاة، وأن لا يذكره إلاّ بخير.

ـ أن يكون الناس آمنين حيث كانوا من أرض الله تعالى في شامهم، وعراقهم، وحجازهم، ويمنهم، وشيعته آمنين على أنفسهم، وأموالهم، ونسائهم، وأولادهم حيث كانوا وعلى معاوية بذلك عهد الله وميثاقه.

ـ  أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين، ولا لأحد من بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) غائلة سواء سرّاً وجهراً، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق.وما إلى ذلك من أمور وردت في مصادر أخرى.

معاوية ينقض الصلح ويستبد بالسلطة:

ولكنّ معاوية لم يلبث أن نقض وثيقة الصلح حيث جاء في خطابه أمام حشد من العراقيين في موقع النخيلة بالقرب من الكوفة،: (إنّي والله ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا، إنّكم لتفعلون ذلك، ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون، ألا وإنّي كنت منّيت الحسن وأعطيته أشياء، وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها).

أحسّ بعض أصحاب الإمام الحسن بالخيبة والخذلان، واحتجّ كثيرون منهم على قبوله الصلح، وصدرت من بعضهم أقوال غير لائقة، وصلت إلى حد اتهامه (عليه السلام) بإذلال المؤمنين.

وتوجه الإمام وأهله بعد هذه الأحداث نحو يثرب، حيث استقروا هناك، وخضعت الأمصار لحكم بني أمية، بحيث تعرّض أهلها وخاصّة شيعة علي والحسن(عليه السلام) لأشدّ أنواع المعاملة قسوة، ولم يف معاوية بشيء من تعهداته.

وأخيراً عندما أدرك معاوية اقتراب أجله، خشي أن تنتقل الخلافة بعده إلى الحسن(عليه السلام)، فعزم على دسّ السمّ له، ونفّذ بما عزم عليه، ومات الحسن مسموماً، وانصرف معاوية بعد ذلك لإكمال خطته، فأخذ البيعة لابنه يزيد، من أهل الشام أولاً، ثم من أهل مكّة والمدينة، ليضمن بذلك استمرار حكم بني أمية. 

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية