شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

وفاة السيدة خديجة سلام الله عليها

0 المشاركات 00.0 / 5

وقبل نزول الأجل وحلول زمن الفراق والتوجه إلى العالم الأعلى ظهرت لخديجة الطاهرة من مبدأ المراحم الإلهية الخاصة، من الألطاف والمراحم ما لا يعد ولا يحصى حتى كانت مسلية لخاطر النبي الرۆوف. ومنذ البعثة والنبوة لم يقبض عزرائيل وعماله روح أحد له تلك الألطاف المتواترة والأفضال المتكاثرة، ولم يكن يومها على وجه الأرض امرأة بل حتى رجل بصلابة الإيمان وحسن الإسلام الذي كانت عليه خديجة. حيث كان في ذلك الزمان أربعة نفر; رجلان وامرأتان من كل ما أظلته السماء من شيوخ وشبان ورجال ونسوان، كانوا أركان العالم وقوام الشرع، أما الرجلان فأمير المۆمنين علي(ع) وأبوه أبو طالب الذي توفي في عام الحزن، وأما النساء فخديجة الطاهرة وبنتها فاطمة المطهرة. والآن انظر إلى ما داخل السيد المختار من فقدان هذين الركنين.

حينما تستكمل النفس نصيبها من دنيا أفراحها، وتتجاوز تلك المعاناة والآهات في شعب ابي طالب في اختبار أحزانها تلألأت في صفحات عمرها بالخير شاكرة منفقة، وفي البۆس والحرمان صابرة فتأرجح الخير فرحا في نفقاتها وتعالت الآهات والأحزان افتخارا في صبرها، فلازمها المرض لكي يتمم سعادتها الأزلية في الآخرة.

ولما مرضت مرضها الذي توفيت فيه دخل عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) والدمع يتغرغر في عينيه، فقال لها:

بالكره مني ما أرى منك يا خديجة، وقد يجعل الله في الكره خيرا كثيرا، أما علمت أن الله قد زوجني معك في الجنة مريم بنت عمران، وكلثم أخت موسى، وآسية امرأة فرعون.

قالت: وقد علم الله ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم. قالت: بالرفاء والبنين.

فلما تمت لها كل الكمالات، وتوطنت فيها الرتب العالية، وشع نور إنفاقها وحلاوة كلامها وصدق إيمانها، توفيت خديجة قبل الهجرة بثلاث سنين (لعشر خلون من رمضان) وكان عمرها خمسا وستين سنة بناء على أن عمرها حين تزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعين سنة، وأما على القول بأن عمرها حين الزواج ثماني وعشرين سنة فيكون عمرها ثلاث وخمسون سنة. ومهما يكن من ذلك فإن وفاتها كانت في السنة التي خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الشعب.

والذي عليه مسار الشيعة في إحياء ذكرى وفاة خديجة (رضي الله عنها) هو العاشر من شهر رمضان من كل سنة.

 والرواية المشهورة على أن ملائكة الرحمة جاءت بالكفن لخديجة، وأن النبي(ص) خرج في جنازتها وهو في غاية الحزن، ونزل في قبرها ووسدها بيده الشريفة في لحدها، وقبرها المطهر في الحجون من مكة في مقبرة المعلى قبالة قبر آمنة بنت وهب أم النبي(ص)، وقد بني على قبرها قبة سنة سبعمائة وسبع وعشرين، ولا زال أهل مكة يزورون تلك التربة الزاكية والبقعة السامية لإظهار الخلوص والمحبة، فينشدون الأشعار وينظمون القصائد ويعلقونها هناك، ويخرجون يوم ولادة الرسول من بيت خديجة إلى مزارها، يحتفلون ويبتهجون، وقد أثبتت التجربة أن زيارتها ترفع الهم وتكشف الغم وتدفع المصائب والنوائب الدنيوية والأخروية، رزقنا الله محبتها، وثبتنا على مودتها، وجعلنا من خيار زائريها، وخاصة مواليهم إن شاء الله تعالى. لا يخفى: أن هناك اختلافا شديدا في سنة وفاة أبي طالب وخديجة، وأيهما المتقدم؟ فقد ذكر صاحب المناقب أن أبا طالب عاش إلى تسع سنين وثمانية شهور بعد النبوة. وروى في كتاب المعرفة: أن خديجة ماتت بعد أبي طالب بثلاثة أيام. وقيل: مات أبو طالب قبل خديجة بشهر وخمسة أيام. فلما ماتا(ع) حزن النبي(ص) حزنا شديدا، وجلس في بيته إلى أن هاجر إلى الطائف فبقي فيها شهرا ثم عاد إلى مكة، وكان غالبا ما يعتزل في شعب مكة المعروف بمقبرة المعلى (شعب أبي طالب)، ثم أنه أمر جماعة بالهجرة إلى الحبشة. فنزل قوله تعالى: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ» ( الرعد: 38، غافر: 78)، «فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ» ( التوبة: 129). وفي الحديث: اجتمعت على رسول الله(ص) مصيبتان واشتد عليه البلاء ولزم بيته وأقل الخروج (40). ونالت منه قريش ما لم تكن تنال ولا تطمع حتى نزل عليه جبرئيل قائلا: يا محمد اخرج من مكة فليس لك بها ناصر... فخرج هاربا حتى جاءه جبرئيل إلى جبل بمكة يقال له الحجون فيها قبر خديجة وكانت له وزيرة صدق على الإسلام وكان يسكن إليها.

روي ولما توفيت خديجة جعلت فاطمة تتعلق برسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي تبكي وتقول: أين أمي؟ فنزل عليه جبرئيل فقال: قل لفاطمة إن الله تعالى بنى لأمك بيتا في الجنة من قصب (كعابه من ذهب) لا نصب فيه ولا صخب بين آسية ومريم ابنة عمران.

المصدر:

1- البحار 19/ 21 ح 11 باب 5.

المصدر: الخصائص الفاطمية: الشيخ محمد باقر الكجوري، ترجمة: سيد علي جمال أشرف. ط1، انتشارات الشريف الرضي، 1380ش. ج1.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية