شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام ومكانتها السامية

1 المشاركات 05.0 / 5

يوافق العاشر من شهر ربيع الثاني ذكرى وفاة فاطمة المعصومة بنت الإمام الكاظم (علیه السلام)، وبهذه المناسبة الأليمة نسلط الضوء على الروايات الواردة في وفاتها، ومن ثم دفنها.
ومرت أيام بطيئة ثقيلة وما أصعب الانتظار. لقد كانت تشعر بدنوّ رحيلها عن هذه الدنيا الزائفة، وكانت تستعجل الأيام، فليس وراء لقاء الله ولقاء الآباء والأجداد مطمع، وليس بين عالم نوري علوي وآخر مظلم سفلي قياس.. هكذا كانت السيدة فاطمة في أيّامها الأخيرة.
ولئن لم تحظ بلقاء أخيها منذ غاب عنها، وكان لقاؤه من أغلى الأماني، ولكن لن يطول غيابه، عمّا قريب سيرحل هو الآخر إليها في عالم غير هذا العالم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
فما خلق أهل البيت للدنيا ولم تخلق الدنيا لهم، وإنّما جاءوا إلى الدنيا ليكونوا منائر هداية، وعلائم حق، ومنابع فيض، وسحائب غيث، ومهابط رحمة، ومصادر علم ومعرفة.
ولئن أعرض أبناء الدنيا عنهم وما عرفوا لهم قدراً فلحظهم ضيّعوا ولبنيانهم خرّبوا، ولآخرتهم أفسدوا، وما كان ذلك يضير بشأن أهل البيت (عليهم السلام) ومكانتهم، فإنهم آل الله وأهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله) وعند الساعة يخسر المبطلون.
ولئن جرّت الدواهي عليهم تشتت شملهم وتفرّقهم في أطراف البلدان، وكان ذلك عند الله عظيماً، ولكن لعلّ في ذلك سرّاً خفيّاً حيث تكون مراقدهم الشريفة مواطن الرحمة، والخير والبركة، يلجأ إليها العاني، ويقصدها المحتاج، ويلوذ بها المضطرّ.
وهكذا كانت كريمة أهل البيت (عليهم السلام) السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) فقد شاءت المقادير الإلهية أن ترحل عن هذه الدنيا في بلدة نائية عن موطن الآباء والأجداد لتكون باباً من أبواب الرحمة إلى العباد، وملاذاً يؤمّها ذوي الحاجة والاضطرار، وسبباً من أسباب اللطف الإلهي للمؤمنين والأخيار.
وأسلمت روحها إلى بارئها راضية مرضيّة، ولم يتجاوز عمرها الشريف ـ على أقصى التقادير ـ الثلاثين ربيعاً، وكان ليوم موتها شأن عظيم.
وما أفلت تلك الشمس التي أطلت على مدينة قم بعد سبعة عشر يوماً من دخولها إليها إلا لتشرق من جديد، وليكون مثواها موئلاً وملاذاً ومطافاً، وتصبح السيدة فاطمة علامة تحول في تاريخ هذه البلدة وأهلها، ويكون حرمها مصدر خير وبركة لهم ولمن يقصدها من سائر البلدان من شتّى بقاع الأرض، منذ يوم وفاتها وإلى يوم الناس هذا.
وذكر بعض الرواة أنّها لما توفيت أمر موسى بتغسيلها وتكفينها وصلّى عليها ودفنها في أرض كانت له، وهي الآن روضتها.(1)
وذكر آخرون أنّه لما توفيت فاطمة رضي الله عنها وغسلت وكفنت حملوها إلى مقبرة (بابلان) ووضعوها على سرداب حفر لها، فاختلف آل سعد في من ينزلها إلى السرداب، ثم اتفقوا على خادم لهم صالح كبير السّن، يقال له (قادر).
فلمّا بعثوا إليه رأوا راكبين مقبلين من جانب الرّملة وعليهما لثام، فلمّا قربا من الجنازة نزلا وصلّيا عليها ثم نزلا السرداب وأنزلا الجنازة ودفناها فيه ثم خرجا، ولم يكلّما أحداً وركبا ولم يدر أحد من هما..(2)
واعتقد بعض الباحثين أن هذين الراكبين هما الإمامان المعصومان الرضا والجواد (عليهما السلام)، وجاءا ليتوليا أمر الصّلاة عليها وإنزالها في قبرها ودفنها، وكان حضورهما عن طريق الإعجاز، وقد طويت لهما الأرض من خراسان حيث كان الإمام الرضا (عليه السلام)، ومن المدينة حيث كان الإمام الجواد (عليه السلام).(3)
واستشهد الباحث بحضور الإمام الكاظم (عليه السلام) من المدينة إلى نيشابور ليصلّي على جنازة امرأة من شيعته تدعى شطيطة في قصّة طويلة ذكرها الرواة، وفي آخرها قال الإمام (عليه السلام): إنني ومن جرى مجراي من أهل البيت لابدّ لنا من حضور جنائزكم في أيّ بلد كنتم، فاتقوا الله في أنفسكم وأحسنوا الأعمال لتعـــينونا على خـــلاصكم وفـــكّ رقــــابكم من النار.(4)
أقول: ومما يؤيّد ما ذكره الباحث أن للأئمة (عليهم السلام) مقامات شامخة، قصرت عقول الناس عن أن تحوم حولها فضلاً عن أن تدرك كنهها، فهم المجالي التامة لعظمة الله وقدرته وسلطانه، ومنحهم الولاية التكوينية المطلقة يتصرّفون بها في هذا الكون بما تقتضيه الحكمة والمصلحة وهم الترجمة العمليّة للقرآن الكريم.
يقول سيدنا الأستاذ آية الله الحجة السيد محمد الرجائي دام ظله في كتابه المنهج القويم: الرابع: قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى)(5).
قيل: جواب (لو) محذوف، أي: كان هذا القرآن. فإذا كان صدر النبي (صلّى الله عليه وآله) والإمام المعصوم (عليه السلام) قرآناً، فهم قادرون على تسيير الجبال، وتكليم الموتى، وتقطيع الأرض، ويحتمل أن تكون القدرة على المذكورات بعض ما يكون من الآثار للقرآن، ويكون المراد القدرة على كلّ تصرّف في الكون، فإذا كان صدر النبي (صلّى الله عليه وآله) والإمام المعصوم (عليه السلام) قرآناً كذلك، فلهم التصرّف كذلك، ويسمّى ذلك بالولاية التكوينية.
والنبي (صلّى الله عليه وآله) يقدر على الإتيان بالمعجزات من رد الشمس وشقّ القمر على ما روي وغيرهما، وفي القرآن ذكر بعض من له بعض الولاية التكوينية، فقال عزّ من قائل: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ)(6). فأحضر عرش المرأة التي حكى الله تعالى عنها في كتابه، وكان عنده علم بعض الكتاب على ما يقتضيه كلمة من، فكيف بمن كان عنده علم الكتاب كلّه..(7)
واستشهد سيدنا الأستاذ ـ على هامش ما ذكره ـ بما رواه الكليني في الكافي بإسناده عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك أخبرني عن النبي (صلّى الله عليه وآله) ورث النبيّين كلهم؟ قال: نعم، قلت: من لدن آدم حتى انتهى إلى نفسه؟ قال: ما بعث الله نبيّاً إلا ومحمد (صلّى الله عليه وآله) أعلم منه، قال: قلت: إنّ عيسى ابن مريم كان يحيي الموتى بإذن الله. قال: صدقت، وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطير، وكان رسول الله يقدر على هذه المنازل، قال: فقال: إنّ سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشكّ في أمره: (فَقَالَ مَا لِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ)(8) حين فقده فغضب عليه، فقال: (لأَعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ)(9). وإنّما غضب لأنّه كان يدلّه على الماء. فهذا وهو طائر قد أعطي ما لم يعط سليمان، وقد كانت الريح والنّمل والإنس والجنّ والشياطين والمردة له لطائعين، ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء، وكان الطير يعرفه. وإنّ الله يقول في كتابه (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى)(10).
وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسيّر به الجبال، وتقطّع به البلدان، وتحيى به الموتى، ونحن نعرف الماء تحت الهواء، وإنّ في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلا أن يأذن الله به، مع ما قد يأذن الله ممّا كتبه الماضون جعله الله لنا في أم الكتاب إن الله يقول: (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِلاَ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)(11). ثم قال: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)(12). فنحن الذين اصطفانا الله عزّ وجلّ وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شيء.(13)
وبعد، فليس من البعيد حضور الإمامين المعصومين (عليهما السلام) إلى قم للصلاة على جنازة السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)، فإنّها أهل لذلك، وقد حفظ الرّواة لنا نظير ذلك، كما في حضور أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى المدائن يوم وفاة سلمان، وكذا حضور الإمام الكاظم (عليه السلام) إلى نيشابور كما ذكرنا، وغيرهما من الحوادث المشابهة.
وبملاحظة ما تقدّم من الإشارة إلى مقام السيدة فاطمة (عليها السلام) الشامخ ومنزلتها العالية عند الأئمة (عليهم السلام) حتى أشاد ثلاثة من المعصومين (عليهم السلام) بمكانتها، وبما ذكرناه من القول بعصمتها لا يبقى بعد ذلك مجال للتشكيك، ولا غرو في ذلك فإنّ لها عند الله شأناً من الشأن.

***************************

1 - منتهى الآمال: ج2، ص378-379.
2 - تاريخ قم، ص213، وبحار الأنوار: ج48، ص290.
3 - كريمة أهل البيت (عليهم السلام)، ص38.
4 - كريمة أهل البيت (عليهم السلام)، ص178-179.
5 - سورة الرعد: 31.
6 - سورة النمل: 40.
7 - المنهج القويم في إثبات الإمامة من الذكر الحكيم، ص193-194.
8 - سورة النمل: 20.
9 - سورة النمل: 21.
10 - سورة الرعد: 31.
11 - سورة النمل: 75.
12 - سورة فاطر: 23.
13 - الأصول من الكافي: ج1، باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم الحديث 7، ص226 والمنهج القويم في إثبات الإمامة من الذكر الحكيم، ص193-194.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية