شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

الرجعة عند الشيعة الإمامية

1 المشاركات 05.0 / 5

إنَّ الذي تذهب إليه الإمامية أخذاً بما جاء عن أهل البيت ( عليهم السلام ) ، هو نفس المعنى المحقّق في اللغة ، وهو أنَّ الله تعالى يُعيد قوماً من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة في صورهم التي كانوا عليها ، فيعزُّ فريقاً ويذلُّ فريقاً آخر ، وينصر المُحِقِّين على المبطلين ، والمظلومين على الظالمين .

ويكون ذلك عند قيام مهدي آل محمد ( عليه وعليهم السلام ) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً ، فتُعدُّ الرجعة مظهراً يتجلى فيه مقتضى العدل الإلهي بعقاب المجرمين على نفس الأرض التي ملأوها ظلماً وعدواناً .

ولا يرجع إلاّ من عَلَت درجته في الإيمان ، أو من بلغ الغاية من الفساد ، ثم يصيرون بعد ذلك إلى الموت ، ومن بعده إلى النشور ، وما يستحقونه من الثواب أو العقاب .

كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم تمنِّي هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع ، فنالوا مقت الله ، أن يخرجوا ثالثاً لعلهم يصلحون ، فقال تعالى : ( قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَينِ وَأَحْيَيتَنَا اثنتينِ فاعتَرفنَا بِذُنُوبِنَا فَهَل إلى خُروجٍ مِنْ سَبِيلٍ ) غافر : ۱۱ .

 

إمكان الرجعة

إنَّ الرجعة من نوع البعث والمعاد الجسماني ، غير أنها بعث موقوت في الدنيا ومحدود كمّاً وكيفاً ، ويحدث قبل يوم القيامة ، بينما يُبعث الناس جميعاً يوم القيامة ليلاقوا حسابهم ويبدأوا حياتهم الخالدة ، وأهوال يوم القيامة أعجب وأغرب ، وأمرها أعظم من الرجعة .

وبما أنَّ الرجعة والمعاد ظاهرتان متماثلتان من حيث النوع ، فالدليل على إمكان المعاد يمكن أن يكون دليلاً على إمكان الرجعة ، والاعتراف بإمكان بعث الحياة من جديد يوم القيامة يترتب عليه الاعتراف بإمكان الرجعة في حياتنا الدنيوية .

ولا ريب في أن جميع المسلمين يعتبرون الإيمان بالمعاد من أُصول عقيدتهم ، إذن فجميعهم يذعنون بإمكانية الرجعة.

يقول السيد المرتضى ( قدس سره ) : إعلم أن الذي يقوله الإمامية في الرجعة لا خلاف بين المسلمين ـ بل بين الموحدين ـ في جوازه ، وأنه مقدور لله تعالى ، وإنما الخلاف بينهم في أنه يوجد لا محالة أَوَ ليس كذلك ؟ ولا يخالف في صحة رجعة الأموات إلا خارج عن أقوال أهل التوحيد ، لأنَّ الله تعالى قادر على إيجاد الجواهر بعد إعدامها ، وإذا كان عليها قادراً ، جاز أن يوجدها متى شاء .

 

أدلة الرجعة

إن أهم ما استدل به الإمامية على الرجعة هو الأحاديث الكثيرة المتواترة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة ( عليهم السلام ) المرويَّة في الكتب المعتمدة ، وكذلك إجماع الطائفة المحقة على ثبوت الرجعة .

فأصبحت الرجعة من ضروريات مذهب الإمامية عند جميع العلماء المعروفين ، والمصنفين المشهورين ، كما استدلوا أيضاً بالآيات القرآنية الدالَّة على وقوع الرجعة في الأمم السابقة ، أو الدالة على وقوعها في المستقبل ، إمَّا نَصّاً صريحاً ، أو بمعونة الأحاديث المعتمدة الواردة في تفسيرها .

وفيما يلي نسوق بعض الأدلة القرآنية :

 

الدليل الأول

قوله الله تعالى : ( ألم تَرَ إلى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيارِهِم وَهُم أُلُوفٌ حَذَرَ المَوتِ فَقَالَ لَهُم اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أحيَاهُم إنَّ اللهَ لذُو فَضلٍ على النَّاسِ وَلَكِنَّ أكثَرَ النَّاسِ لايَشكُرُونَ ) البقرة : ۲۴۳ .

فجميع الروايات الواردة في تفسير هذه الآية المباركة تدل على أنَّ هؤلاء ماتوا مدة طويلة ، ثم أحياهم الله تعالى ، فرجعوا إلى الدنيا ، وعاشوا مدة طويلة ، فهذه رجعة إلى الحياة الدنيا بعد الموت .

وقد سأل حمران بن أعين الإمام الباقر ( عليه السلام ) عن هؤلاء ، قائلاً : أحياهم حتى نظر الناس إليهم ، ثم أماتهم من يومهم ؟ ، أو ردَّهم إلى الدنيا حتى سكنوا الدُّور ، وأكلوا الطعام ، ونكحوا النساء ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( بل ردَّهم الله حتى سكنوا الدُّور ، وأكلوا الطعام ، ونكحوا النساء ، ولبثوا بذلك ما شاء الله ، ثم ماتوا بآجالهم ) .

 

الدليل الثاني

قوله تعالى : ( وإذا وقعَ القولُ عَليهم أخرَجنا لَـهُم دابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُم أنَّ الناسَ كانُوا بآياتِنا لا يُوقِنُونَ * ويومَ نَحشُرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجاً ممن يُكذِّبُ بآياتِنا فَهُم يُوزعُونَ * حتَّى إذا جاءُوا قال أكذّبتُم بآياتي ولم تُحيطُوا بها عِلماً أمَّاذا كُنتُم تَعملُونَ ) النمل : ۸۲ – ۸۴ ، إلى قوله تعالى : ( ويومَ يُنفخُ في الصُّورِ فَفَزِعَ من في السَّماواتِ ومن في الأرض إلاّ من شاءَ اللهُ وكلٌّ أتوهُ داخرينَ ) النمل : ۸۷ .

فمن أمعن النظر في سياق الآيات المباركة وما قيل حولها من تفسير ، يلاحِظ أنَّ هناك ثلاثة أحداث مهمة تدلُّ عليها ، وهي بمجموعها تدلُّ على علامات تقع بين يدي الساعة .

فالآية الأولى تتحدث عن وقائع تحدث قبل يوم القيامة ، والآية الثانية تتعلق بالأولى ، حيث أنها تتحدث عن الحشر الخاص الذي يقع قبيل يوم القيامة ، وهذا الحشر قد وقع بين آيتي ( الدابة ) و ( النفخة ) وهي الآية الأخيرة.

فإذن هناك حشران ، حشر يجمع فيه من كل أمة فوجاً ، وهو ( الرجعة ) ، وحشر آخر يشمل الناس جميعاً ، وهو ( يوم القيامة ) .

 

الإجماع

نقل جماعة من علمائنا إجماع الإمامية على اعتقاد صحة الرجعة ، وإطباقهم على نقل أحاديثها وروايتها ، وعلى أنها من اعتقادات أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وكل ما كان من اعتقاداتهم فهو حقٌّ ، وَأُوِّلُوا مُعارضُوهَا على الشذُوذ والنُّدور .

فقال الشيخ ابن بابويه ( رحمه الله ) ، في كتاب ( الاعتقادات ) ، وفي باب الاعتقاد بالرجعة : ( اعتقادنا – يعني الإمامية – في الرجعة أنَّها حقٌّ ) .

وقال الشيخ المفيد ( رحمه الله ) : ( اتفقت الإمامية على رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة ، وإن كان بينهم في معنى الرجعة اختلاف ) .

ونقل الإجماع السيد المرتضى علم الهدى ( رحمه الله ) في أكثر من موضع من رسائله ، فقال في كتابه ( الدمشقيات ) : ( قد اجتمعت الإمامية على أنَّ الله تعالى عند ظهور القائم صاحب الزمان ( عليه السلام ) يعيد قوماً من أوليائه لنصرته والابتهاج بدولته ، وقوماً من أعدائه ليفعل بهم ما يستحق من العذاب .

وإجماع هذه الطائفة – قد بيَّنَّا في غير موضع من كتبنا – أنّه حجة ، لأن المعصوم ( عليه السلام ) فيهم ، فيجب القطع على ثبوت الرجعة مضافاً إلى جوازها في القدرة ) .

 

الرجعة بين السنة والشيعة

قال الآلوسي – وهو من علماء السنة – في كتابه ( روح المعاني ) : وكون الإحياء بعد الإماتة والإرجاع إلى الدنيا من الأمور المقدورة له عزَّ وجلَّ مما لا ينتطح فيه كبشان ، إلا أن الكلام في وقوعه .

إذن فلماذا الشكّ والاستغراب لوقوع الرجعة ؟ ولماذا التشنيع والنبز بمن يعتقد بها لورود الأخبار الصحيحة المتواترة عن أئمة الهدى ( عليهم السلام ) بوقوعها ؟

ويقول الشيخ محمد رضا المظفر : لا سبب لاستغراب الرجعة ، إلا أنها أمر غير معهود لنا فيما أَلِفنَاه في حياتنا الدنيا ، ولا نعرف من أسبابها أو موانعها ما يُقرُّ بها إلى اعترافنا أو يبعدها .

وخيال الإنسان لا يسهل عليه أن يتقبَّل تصديق ما لم يألفه ، وذلك كمن يستغرب البعث فيقول : ( مَن يُحيي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) يس : ۳۶ ، فيقال له : ( يُحييها الَّذِي أنشَأها أوَلَ مَرةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلقٍ عَلِيمٌ ) يس : ۷۸ – ۷۹ .

نعم في مثل ذلك ، مما لا دليل عقلي لنا على نفيه أو إثباته ، أو نتخيَّل عدم وجود الدليل ، يلزمنا الرضوخ إلى النصوص الدينية التي هي من مصدر الوحي الاِلهي ، وقد ورد في القرآن الكريم ما يثبت وقوع الرجعة إلى الدنيا لبعض الأموات ، كمعجزة النبي عيسى ( عليه السلام ) في إحياء الموتى .

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية