شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

من يستحق الخمس

0 المشاركات 00.0 / 5

يقسّم الخمس ستّة أسهم على الأصحّ: سهم للّه سبحانه، وسهم للنبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، و سهم للإمـام ـ عليه السَّلام ـ ـ وهـذه الثلاثـة الآن لصاحـب الزمـان أرواحنا له الفداء و عجّل اللّه تعالى فرجه ـ ، و ثلاثة للأيتام و المساكين وأبناء السبيل.

ويشترط في الثلاثة الأخيرة: الإيمان، وفي الأيتام: الفقر، و في أبناء السبيل: الحاجة في بلد التسليم، وإن كان غنيّاً في بلده، ولا فرق بين أن يكون سفره في طاعة أو معصية، ولا يعتبر في المستحقّين العدالة و إن كانالأولى ملاحظة المرجّحات، والأولى أن لا يعطى لمرتكبي الكبائر خصوصاً مع التجاهر بل يقوى عدم الجواز إذا كان في الدفع إعانة عليالإثم، ولاسيّما إذا كان في المنع الردع عنه، و مستضعف كلّ فرقة ملحق بها.

 

تقسيم الخمس ستة أسهم

المشهور عند الإمامية هو قول واحد وهو أنّ الخمس يُقسّم أسداساً، نعم حكى المحقّق في الشرائع قولاً آخر ولكن اعترف في المسالك(1) أنّه لم يعرف قائله وهو أنّه يقسم خمسة أقسام بحذف سهم اللّه، وأنّ ذكر اللّه تعالى مع الرسول، إنّما هو لإظهار تعظيمه، وقال في المسالك وهذا القول مع شذوذه لا يعلم قائله.

نعم دلّت صحيحة ربعي بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ عليه، وستوافيك دراسته، هذا ما عندنا بقول واحد.

وأمّا عند أهل السنّة فقد ذكر الشيخ الطوسي أقوالهم فخرج بالأقوال التالية:

1- ذهب أبو العالية الرياحي(2) إلى ما ذهبنا إليه من أنّ الغنيمة والفيء مقسوم على ستة أسهم: سهم للّه تعالى، وسهم لرسوله،وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل.

2- ذهب الشافعي إلى أنّ خمس الغنيمة يقسم على خمسة أسهُم: سهم لرسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى،وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل; فأمّا سهم رسول اللّه فيُصرف في مصالح المسلمين، وأمّا سهم ذي القربى فانّه يصرف إلى ذوي القربى على ما كان يصرف إليهم على عهد رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم .

3- ذهب أبو حنيفة إلى أنّه يقسم ثلاثة أسهم: سهم لليتامى، وسهم للمساكين،وسهم لأبناء السبيل; وكان أبو حنيفة يقول: إنّ ذلك كان مقسوماً على عهد رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ على خمسة أسهم إلاّ أنّه لما مات سقط سهمه وسهم ذي القربى الذين كانوا على عهده وبقي الأصناف الثلاثة فيصرف إليهم.

ثمّ إنّ أصحابه بين من يقول: باستحقاق ذي القربى بالقرابة ثمّ سقط بموتهم و من يقول: ما كانوا يستحقون وإنّما كان رسول اللّه يتصدّق عليهم لقرابتهم.

4- وذهب مالك إلى عدم التقسيم وأنّه مفوّض إلى اجتهاد الإمام ليصرفه إلى من رأى أن يصرفه إليه، وهذه هي أقوالهم المأخوذة من الخلاف.(3)

 

بالإمعان فيما ذكرنا يظهر أنّ الخلاف في مجال التقسيم في الأُمور التالية:

1- الاختلاف في كيفية التقسيم فنحن على قول واحد وهو أنّه يقسّم على ستة، وهؤلاء بين القول بستة أسهم، وخمسة أسهم، وثلاثة أسهم وسهم واحد.

2- عدم سقوط سهم ذي القربى بعد رحيل الرسول إلى يومنا وعليه أيضاً قول الشافعي، وسقوطه على رأي أبي حنيفة.

3- إنّ سهم ذي القربى عندنا للإمام المعصوم، وعند الشافعي لجميع ذوي القربى. يستوى فيه القريب والبعيد والذكر والأُنثى والصغير والكبير إلاّ أنّه للذكر مثل حظّ الأُنثيين، نعم قال المزني وأبو ثور: الذكر والأُنثى فيه سواء.

4- الأسهم الثلاثة التي هي لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من الخمس يختصّ بها من كان من آل الرسول ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ دون غيرهم، وخالف في ذلك جميع الفقهاء فقالوا: لفقراء المسلمين وأيتامهم وأبناء سبيلهم دون من كان من آل الرسول خصوصاً.

وهذه فتاواهم، والأصل في ذلك قوله تعالى :(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَانَّ للّهِ خُمُسهُ وَللرَّسُول وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالمَساكينَ وَابْن السَّبيل) ودراسة الآية تؤيد مواقف الإمامية في النقاط السابقة.

وأمّا لزوم التقسيم على ستة أسهم لأنّ اللام للملك أو الاختصاص والعطف بالواو يقتضي التشريك فيجب صرفه في الأصناف الستة.

فإن قلت: ما الفرق بين الخمس حيث صار فيه التقسيم على ستة أسهم أمراً مسلّماً ، دون الزكاة حيث أفتوا بعدم وجوب تقسيمها على المصارف الثمانية الواردة في الآية الكريمة، قال سبحانه: (إِنَّما الصَّدقات لِلْفُقَراءِ وَالمَساكين وَالعامِلين عليها…) .

قلت: لولا النصّ(4) الدال على عدم وجوبه لقلنا فيها مثل ما قلنا في الخمس، أضف إلى ذلك اختلاف لسان الآيتين حيث إنّ الزكاة أُضيفت إلى العناوين الكلية بخلافها في آية الخمس حيث أُضيف في الأسهم الثلاثة، الأُولى إلى الأشخاص وقال: (للّه وللرَّسول ولذي القربى)معبّراً بصيغة الإفراد، لا ذوي القربى بصيغة الجمع المشعر بأنّ المستحق شخص واحد.

وأمّا الثاني، أي عدم سقوط سهم ذي القربى برحيل الرسول فانّه من قبيل القضايا الحقيقية التي يتجدد مصداقها عبر الزمان، وليست من قبيل القضايا الخارجية البعيدة عن مجال التقنين.

وأمّا الثالث، أي انّ المراد من ذي القربى أقرباء الرسول فهو مجمع عليه بين المفسرين، مضافاً إلى أن تقدم الرسول قرينة على أنّ المراد منه ذلك، ولولاه لحمل على مطلق الأقربين.

وليس المراد من ذي القربى مطلق القريب منه بل شخص واحد وهو الإمام القائم مقامه ويدلّ عليه نفس الآية ـ مضافاً إلى ما يأتي من الروايات وذلك ـ لأنّ المراد من الأصناف الثلاثة، بقرينة الرسول، أقرباؤه ولو أُريد من ذي القربى، مطلق الأقرباء كانت الأسهم حينئذ خمسة لا ستة فلا مناص من إرادة الإمام ليمتاز أحد السهمين عن الآخر. نعم هذا الاستدلال يتم، إذا قلنا بأنّ المراد من الأصناف الثلاثة، هم المنتمون إلى الرسول، دون مطلقهم كما عليه فقهاء العامّة جميعاً.

وأمّا الثالث، أعني: أنّ المراد من الأصناف الثلاثة، هم المنتمون إلى الرسول، فالدليل هو ذكر الرسول، فهو قرينة على أنّ المراد يتيم ذلك الباب ومسكينه. نعم خالف في ذلك فقهاء العامة قالوا: المراد فقراء المسلمين وأيتامهم وأبناء سبيلهم دون من كان من آل الرسول خصوصاً (5).

 

وأمّا ما يدل على تلك الأُمور من الأخبار فلنذكر منها ما يلي:

1- ما رواه في الموثّق عن عبد اللّه بن بكير عن بعض أصحابه عن أحدهما عليمها السَّلام في قول اللّه تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ للّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُول وَلِذِي القُربى وَاليَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْن السَّبيل) ، قال: «خمس اللّه للإمام، وخمس الرسول للإمام، وخمس ذوي القربى لقرابة الرسول، الإمام، واليتامى، يتامى آل الرسول والمساكين منهم وأبناء السبيل منهم فلا يخرج منهم إلى غيرهم» (6) .

2- ما رواه في الصحيح عن أحمد بن محمد قال: حدّثنا بعض أصحابنا: رفع الحديث قال: «الخمس من خمسة أشياء ـ ثمّ ساق الحديث ـ إلى أن قال: فأمّا الخمس فيقسّم على ستة أسهم: سهم للّه وسهم للرسول ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وسهم لذوي القربى، وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل; فالذي للّه، فرسول اللّه أحقّ به فهو له خاصّة، والذي للرسول هو لذي القربى والحجّة في زمانه فالنصف له خاصة والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد الذين لا تحلّ لهم الصدقة ولا الزكاة عوضهم اللّه مكان ذلك،بالخمس، فهو يعطيهم على قدر كفايتهم، فإن فضل منهم شيء فهو له، وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمّه لهم من عنده كما صار له الفضل كذلك لزمه النقصان».

3- ذما رواه في الصحيح عن حمّاد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح في حديث: «وتقسّم الأربعة أخماس بين من قاتل عليه وولي ذلك، ويقسّم بينهم الخمس على ستة أسهم: سهم للّه، وسهم لرسول اللّه، و سهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل; فسهم اللّه وسهم رسول اللّه لأُولي الأمر من بعد رسول اللّه وراثة وله ثلاثة أسهم: سهمان وراثة، وسهم مقسوم له من اللّه، وله نصف الخمس كملاً، و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته فسهم ليتاماهم، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم، يقسم بينهم على الكتاب والسنة(الكفاف والسعة) ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل عنهم شيء فهو للوالي، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون».

4- صحيحة البزنطي عن الرضا ـ عليه السَّلام ـ قال سئل عن قول اللّه عزّ وجلّ: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ للّهِ خُمُسهُ وَلِلرَّسُول وَلِذِي القُربى) ، فقيل له فما كان للّه فلمن هو؟ فقال: «لرسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، وما كان لرسول اللّه فهو للإمام» (7) .

إلى غير ذلك ممّا يفيد لزوم التقسيم إلى ستة (8) .

ثمّ إنّ صاحب المدارك أشكل على هذه الروايات بالإرسال، وهو حقّ، لافي الأخير، ولكن الضعف منجبر بعمل الأصحاب، بل نعلم بصدور بعضها إجمالاً.

بقي الكلام في دليل من قال : يقسم على خمسة أسهم من الأصحاب، فقد نسب إلى ابن الجنيد، واستدل له بما رواه في الصحيح عن ربعي بن عبد اللّه بن الجارود، عن أبي عبد اللّهعليه السَّلام قال: «كان رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم :- إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له، ثمّ يقسم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه ثمّ يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه، ثمّ قسّم الخمس الذي أخذه، خمسة أخماس يأخذ خمس اللّه عزّ وجلّ لنفسه ثمّ يقسم الأربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل يعطي كلّ واحد منهم حقّاً، وكذلك الإمام أخذ كما أخذ الرسول» (9) .

والظاهر منه إسقاط حقّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ لا حقّ اللّه، وحمله الشيخ على أنّه قنع بما دون حقّه ليتوفر على المستحقين. وبعبارة أُخرى أنّه حكاية عمل وليس له ظهور في سقوط حقّه، إذا كان هناك احتمال آخر.

ثمّ إنّ صاحب الحدائق اعترض على الحمل بأنّ قوله في ذيل الحديث وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول اللّه» ينافي ذلك الحمل، والأظهر عندي حمله على التقية فإنّ التقسيم إلى خمسة أقسام مذهب جمهور العامة (10) .

يلاحظ عليه: مضافاً إلى أنّه مذهب الشافعي لا جمهورهم، أنّ المراد، التشبيه في أصل الأخذ لا في كيفيته واللّه العالم.

وعلى أيّ تقدير ففي الروايات الماضية غنى وكفاية لإثبات الأُمور الأربعة التي أشرنا إليها وقلنا إنّها محور الخلاف بيننا وبين غيرنا فلاحظ.

 

في اشتراط الإيمان في مستحق الخمس

اختلفت كلمتهم في شرطية الإيمان ـ الاعتقاد بالولاية للأئمّة الاثني عشر ـ عليهم السَّلام ـ ـ في مستحق الخمس. بعد اتفاقها في مستحق الزكاة حيث يمنع المخالف منها بفضل الروايات المتضافرة، فتردّد المحقّق في الشرائع حيث قال: السادسة: الإيمان معتبر في المستحق على تردد. وذهب العلاّمة في الإرشاد إلى الاشتراط قال:

وثلاثة لليتامى والمساكين وأبناء السبيل للهاشميين المؤمنين.وقال المحقّق الأردبيلي في شرحه على الإرشاد: اشتراط كونهم من بني هاشم واشتراط الإيمان في الأصناف الثلاثة هو المشهور عندنا ـ إلى أن قال: ـ وأمّا اعتبار الإيمان فما نجد له بخصوصه شيئاً، نعم ما يدلّ على اشتراطه في الزكاة من الإجماع والأخبار قد يشعر بذلك مع كونه عوضاً، ولا نجد مخالفاً بخصوصه ولكن الأصل وظاهر الأدلة يقتضيه (11) .

ولكن المحقّق جزم في المعتبر بالاشتراط، وتردّد صاحب المدارك والذخيرة تبعاً للمحقق(12) والكلام إنّما هو بعد الحكم بإسلام المخالف ووجوب أحكام الإسلام عليه، وإلاّ فيمنع كما هو واضح.

 

هذا ويمكن الاستدلال على شرطية الإيمان بوجوه:

1- اصطياد القاعدة الكلية في أداء الفرائض المالية وأنّها لا تدفع إلاّ إلى أهل الولاية، ففي صحيح إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا ـ عليه السَّلام ـ قال: سألته عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال: «لا ولا زكاة الفطرة».

وفي رواية علي بن بلال قال: كتبت إليه أسأله هل يجوز أن أدفع زكاة المال والصدقة إلى محتاج غير أصحابي؟ فكتب: «لا تعط الصدقة و الزكاة إلاّ لأصحابك».

وفي بعض الروايات:«لا واللّه إلاّ التراب إلاّ أن ترحمه». أو : «ما لغيرهم إلاّ الحجر» (13) .

إنّ اصطياد القاعدة الكلية ممنوع، لورود الروايات في خصوص الزكاة، وعطف الخمس عليه، لا يصحّ إلاّ بالقياس، أو بادّعاء العوضية كما هو مفاد الدليل الثاني.

2- ما دلّ على أنّ الخمس يجري مجرى الزكاة وأنّه سبحانه حرّمها على الهاشميين وأعطاهم الخمس، ففي مرسل أحمد بن محمد عن بعض أصحابنا رفع الحديث«… فالنصف له خاصه والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد ـ عليهم السَّلام ـ الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة عوّضهم اللّه مكانَ ذلك بالخمس».وما يدل على أنّ الخمس عوض الزكاة أكثر ، فلاحظ روايات الباب (14).

3- ما دلّ على أن تخصيص الخمس من باب الكرامة والتعزير ولا يستحقّ به إلاّ المؤمن، وفي رواية حمّاد بن عيسى: «إنّما جعل اللّه هذا الخمس لهم خاصة…

دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم وسألهم من صدقات الناس تنزيهاً من اللّه لهم لقرابتهم برسول اللّه وكرامة من اللّه لهم من أوساخ الناس فجعل لهم ما يغنيهم به عن أن يصيّرهم في موضع الذّل والمسكنة» (15) .

الانصاف أنّ الوجه الثاني أوثق ما يمكن الاستناد إليه والتفكيك بينهما في الحكم يحتاج إلى الدليل، ومع غضّ النظر عنه، فهل يصحّ التمسك بالإطلاقات لنفي شرطية الإيمان، أو لا؟وعلى فرض عدم الصحّة ما هو الأصل المحكّم في المقام؟

الظاهر هو صحّة التمسّك بها، إذ من البعيد أن لا تكون واحدة من هذه الروايات الكثيرة في مقام البيان، وعلى فرض التسليم، فالأصل المحكّم هو أصل البراءة، للشك في شرطية الأمر الزائد على الهاشمية.

وأمّا ما أفاده السيد الحكيم من كون الأصل هو الاشتغال لدوران الأمر بين التعيين والتخيير، وذلك لدوران الأمر بين الدفع إلى زيد الهاشمي المؤمن فقط، أو التخيير بينه وبين عمرو الهاشمي غير المؤمن، والأصل في مثله التعيين لتحصيل البراءة القطعيّة، فغير تام، إذ ليس الخارج متعلّق الأمر، بل متعلّقه هو العناوين الكليّة المرددة بين الأقل والأكثر ففي مثله المرجع البراءة.

وإن شئت قلت: الشك في التعيين والتخيير مسبب عن كون الواجب هو العنوان المطلق أو العنوان المقيد، فمع جريان الأصل في جانب العنوان وأنّ الموضوع هو الأقل يرتفع الشكّ عن الخارج.

نعم الأحوط عدم إعطائه إلاّ للمؤمن.

 

اشتراط الفقر في الأيتام

لا خلاف في أنّه لا يشترط في ابن السبيل الفقر، بل المعتبر احتياجه في بلد التسليم وإن كان غنياً في بلده، ولعلّ في استخدام لفظة:«ابن السبيل» إشارة إلى ذلك أي المحتاج في أثناء سفره، وأنّه توقّف عن السير لأجل فقد المال، وهو أعم من أن يكون له مال في بلده أو لا، وأمّا المساكين فالفقر مقوّم لصدق المسكين، إنّما الكلام في شرطيته في اليتيم، أي الذي فقد أباه، ويدلّ على اشتراط الفقر أنّ الخمس عوض الزكاة فلا يعطى منها إلاّ لليتيم الفقير دون الغني فهكذا الخمس، ويؤيده ما في مرسل حمّاد حيث قال: «يقسم بينهم على الكفاف والسعة ما يستغنون في سنتهم فإن فضل عنهم شيء فهو للوالي إلى أن قال: وجعل للفقراء قرابة الرسول نصف الخمس».

 

اشتراط كون السفر في غير معصية

هل يشترط في ابن السبيل أن يكون سفره مباحاً، أو لا؟ يقول السيد الطباطبائي في المقام: ولا فرق بين أن يكون سفره في طاعة أو معصية، ولكنّه يشترط في دفع الزكاة لابن السبيل أن يكون سفره في غير المعصية.

وجه عدم الاشتراط هو دلالة الإطلاقات عليه، كما أنّ وجه الاشتراط هو كون الخمس عوضاً عن الزكاة وقد ورد النص على شرطية كون السفر غير معصية.(16)

ويمكن المنع بوجه آخر، وهو أنّه إذا عدّ الدفع مصداقاً للإعانة على الإثم، يحكم عليه بالبطلان لا لامتناع اجتماع الأمر والنهي، بل لأجل امتناع أن يكون المبغوض مقرّباً، ولذلك ذهبنا إلى بطلان الصلاة في الدار المغصوبة، وإن قلنا بصحّة اجتماع الأمر والنهي.

 

اعتبار العدالة في المستحقين

اختلفت كلمتهم في اعتبار العدالة في الزكاة، وقد ذكر الشيخ في الخلافقولين من أصحابنا قال: الظاهر من مذهب أصحابنا أنّ زكاة الأموال لاتعطى إلاّ العدول من أهل الولاية دون الفساق منهم، وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: إذا أُعطي الفاسق برئت الذمة; وبه قال قوم من أصحابنا.(17)

وقال السيد الطباطبائي: والأقوى عدم اشتراط العدالة، ولا عدم ارتكاب الكبائر، ولا عدم كونه شارب الخمر، فيجوز دفعها إلى الفساق ومرتكبي الكبائر وشاربي الخمر بعد كونهم فقراء من أهل الإيمان، وإن كان الأحوط اشتراطها، بل وردت رواية بالمنع من إعطائها لشارب الخمر.

فإذا كان الاشتراط مورد الخلاف في الزكاة فلا يمكن الاستدلال على الشرطية بالعوضية، ومقتضى الإطلاقات عدم اشتراطها.

نعم يستثنى ما إذا كان إعانة على الإثم على ما مرّ في الفرع السابق.

لا يجب البسط على الأصناف، بل يجوز دفع تمامه إلى أحدهم. وكذا لا يجب استيعاب أفراد كلّ صنف بل يجوز الاقتصار على واحد، ولو أراد البسط لا يجب التساوي بين الأصناف أو الأفراد.

 

هنا فرعان:

1- وجوب البسط بين الأصناف الثلاثة، فيجب على من تعلّق الخمس بماله، أن يدفع من الشطر الثاني إلى جميع الطوائف الثلاث.

2- وجوب استيعاب أفراد كلّ صنف، فسواء قلنا بالبسط أو لا، فعلى من تعلّق الخمس بما له أن يستوعب أفراد كلّ صنف دون أن يقتصر على فرد أو فردين منه.

أمّا وجوب البسط وعدمه فالمعروف بين الأصحاب كما اعترف به صاحب الحدائق(18) هو جواز تخصيص صنف من الأصناف الثلاثة بالإعطاء، خلافاً للحلبي في الكافي و الشيخ في المبسوط .

قال الأوّل: ويلزم على من وجب عليه الخمس إخراج شطره للإمام والشطر الآخر للمساكين واليتامى وأبناء السبيل لكلّ صنف ثلث الشطر.(19)

وقال الشيخ : ولا يخصّ فريقاً منهم بذلك دون فريق، بل يعطى جميعهم على ما ذكرنا من قدر كفايتهم.(20) وفي دلالة عبارة الكافي على لزوم البسط تأمّل.

استدل لقول الشيخ بأنّ اللام المقدرة في الأصناف الثلاثة الأخيرة إمّا للتمليك أو للاختصاص، وعلى كلّ تقدير، فلا يجوز دفع ما يملكه كلّ صنف أو يختص به، إلى صنف آخر، أخذاً بمفاد اللام المقدرة فيها.

يلاحظ عليه: أنّ الاستدلال مبني على كونها إمّا للتمليك أو للاختصاص، مع أنّه يحتمل أن تكون لبيان المصرف كما هو الحال في آية الزكاة، ولذا اتفقوا على عدم البسط فيها.

 

استدل لقول المشهور بوجوه:

1- ما في صحيح البزنطي… فقيل له : أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقلّ ما يصنع به؟ قال: «وذاك إلى الإمام، أرأيت رسول اللّه كيف يصنع» أليس إنّما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام.(21)

يلاحظ عليه: أنّ السؤال منصب إلى ما إذا كان أفراد صنف أكثر من أفراد صنف آخر، فهل يجب التساوي والحال هذه؟ فأجاب الإمام بأنّ ذلك للإمام، والكلام في المقام في حرمان صنف دون صنف، ولا صلة للسؤال به، إذ هو فيما إذا دفع إلى جميع الأصناف لكن عدة أحد الصنفين قليل والآخر كثير، فعندئذ قال ذلك إلى الإمام لو رأى فيه المصلحة لعمل بها، وأين هو مما نحن فيه؟

أضف إليه أنّ جوازه للإمام لا يكون دليلاً على جوازه للعامي، لأنّ الإمام يتكفل لترميم ما نقص، على ما في مرسلة حمّاد بن عيسى: فإن فضل عنهم شيء فهو للوالي ،وإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون عنه دون العامي.

2- لو وجب البسط وجب ادّخار سهم ابن السبيل لقلّة وجوده بالنسبة إلى سهمه، وهو كما ترى.

يلاحظ عليه: أنّ القدر المتيقن من البسط صورة وجود الصنف لدى الدفع دون عدمه.

3- عدم وجوبه في الزكاة كما نطقت به صحيحة الهاشمي عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ :« كان رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر، ولا يقسّمها بينهم بالسوية، وإنّما يقسّمها على قدر ما يحضرها منهم وما يرى، وليس في ذلك شيء مؤقّت موظّف دائماً، يصنع ذلك بما يرى، على قدر من يحضرها منهم».(22)

 

هذا ويمكن الاستدلال على عدم البسط بوجهين آخرين:

1- لو وجب البسط، لوجب الاستيعاب فالتالي باطل بالاتفاق، فالمقدّم مثله.

بيان الملازمة: أنّ مبنى الاستدلال كون اللاّم المقدرة في الأصناف الثلاثة للتمليك أو الاختصاص، ولكن الجمع المحلّى باللام الداخلة عليه يفيد الاستغراق، فمعناه تملّك كلّ فرد فرد من كل صنف، ثلث الشطر الثاني الملازم بوجوب الاستيعاب، الذي اتفقوا على عدم وجوبه فيدلّ بالملازمة على عدم صحّة المبنى، أعني: ملكية الطوائف الثلاث، أو اختصاص ثلث الشطر الثاني لهم.

2- إنّ الموضوع الواقعي للشطر الثاني من الخمس ليس إلاّ المحتاجون من أقرباء النبي، المتجسدون في اليتامى والمساكين و ابن السبيل، والجامع بينهم، هو وجود الصلة بينهم وبين النبي، أعني: صلة القرابة النسبية بشرط الافتقار والحاجة.

والذي يشهد بذلك، أنّ الأيتام داخل في المساكين، لأنّ المراد منها، هو الأعم من المسكين الذي أسوأ حالاً، والفقير الذي هو أحسن حالاً منه، واليتيم الفقير داخل تحت المساكين فهو قسم منهم مع أنّه عدّ قسيماً وما ذلك إلاّ للتنبيه على أهميته وبذلك يعلم عدم موضوعيّة واحد منهم، وإنّما الموضوع هو الجامع بينهم، أعني القريب المحتاج وعلى ذلك، فلو دفع الكلي إلى اليتيم فقد صرفه في محلّه، لأنّه مصداق للموضوع الواقعي، أعني: القريب المحتاج.

مستحقّ الخمس من انتسب إلى هاشم بالأُبوّة، فإن انتسب إليه بالأُمّ لم يحلّ له الخمس، وتحلّ له الزكاة، ولا فرق بين أن يكون علويّاً أوعقيليّاً أو عباسيّاً و ينبغي تقديم الأتمّ علقة بالنبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ على غيره ، أو توفيره كالفاطميّين.

المشهور بين الأصحاب ـ رضوان اللّه عليهم ـ أنّه يعتبر في الطوائف الثلاث انتسابهم إلى هاشم بالأُبوة فلو انتسبوا بالأُمّ لم يعطوا من الخمس شيئاً وإنّما يعطون من الزكاة.

فإن قلت: فعلى القول بعدم البسط، يلزم حرمان بعض الأصناف.

قلت: أمّا إذا كانت حكومة إسلامية جامعة للحقوق في صندوق واحد فلا يتصوّر الحرمان، وفي غير هذه الصورة ربّما ينجرّ عدم البسط إلى الحرمان، فاللازم في هذه الصورة البسط، إذا كان المال متوفراً، نعم لو لم يستلزم الحرمان، كما لو دفع واحد إلى الأيتام والآخر، إلى المساكين وهكذا، فلا يلزم البسط لا بالعنوان الأوّلي ولا بالعنوان الثانوي.

وذهب السيـد المرتضــى ـ رضي اللّه عنـه ـ إلى أنّه يكفي في الاستحقاق الانتساب بالأُمّ ويكون الحكم فيه حكم المنتسب بالأب من غير فرق.

وجعل صاحب الحدائق منشأ الخلاف أنّ أولاد البنت أولاد حقيقةً أو أولاد مجازاً؟ فالمرتضى ومن تبعه على الأوّل، والمشهور على الثاني.

قال العلاّمة في المختلف: يستحق الخمس من أبوه هاشمي وإن كانت أُمّه غير هاشمية بالإجماع، وتحرم عليه الزكاة، واختلف في استحقاق من أُمّه هاشميّة وأبوه غير هاشمي، فاختار الشيخ في المبسوط والنهاية المنع من الخمس ويجوز له أن يأخذ الزكاة واختاره ابن إدريس وابن حمزة.

وذهب السيد المرتضى إلى أنّ ابن البنت، ابن حقيقة، ومن أوصى بمال لولد فاطمه ـ عليها السَّلام ـ دخل فيه أولاد بنيها وأولاد بناتها حقيقة، وكذا لو وقف على ولده دخل فيه ولد البنت لدخول ولد البنت تحت الولد.(23)

أقول: إنّ القول المنسوب إلى السيّد غير موجود في كتبه من الانتصار وغيره، وإنّما نقله العلاّمة في المختلف ونسبه المعلّق إلى المجموعة الرابعة من رسائل الشريف ولم تحضرني حتى أراجعها، وما نقله العلاّمة من العبارة لا يدل على ما نسب إليه لما ستعرف من إمكان عدّ ولد البنت ولداً حقيقة، ومع ذلك لا يستحقّ الخمس.

قال المحقّق في الشرائع: ولو انتسبوا بالأُمّ خاصّة لم يعطوه،وقال الشهيد الثاني في شرحه: خالف في ذلك المرتضى رحمه اللّه فاكتفى بالانتساب إلى الأُمّ، واستعمال أهل اللغة حجّة عليه، ولا حجّة له في قوله ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ للحسنين عليمها السَّلام : «هذان ابناي»، لأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة، وحمله على المجاز أولى من الحقيقة لاستلزامه الاشتراك، والمجاز خير منه، وللرواية عن الكاظمعليه السَّلام .(24)

الحقّ أنّه لو كان أساس النزاع في أنّ ولد البنت، ولد حقيقة أو لا؟ فالحقّ مع السيد، وصاحب الحدائق الذي أتعب نفسه في هذه المسألة وأقام دلائل من اللغة وكلمات الفقهاء على أنّ ولد البنت، ولد لكن النزاع ليس مبنيّاً عليه، وذلك لأنّ هنا مسألتين .

الأُولى: أنّ ولد البنت ولد حقيقة أو لا؟

الثانية: ما هو الموضوع لاستحقاق الخمس، فهل يعمّ ولد البنت ـ مع الاعتراف بأنّه ولد ـ أو لا، إذ يمكن أن يكون الموضوع أخص من الولد الحقيقي؟

أمّا الأُولى: فلا شكّ أنّه ولد حقيقة لا مجازاً، ومن قال إنّه ليس بولد، فقد تأثر من الحكم الرائج في الجاهلية حيث كانوا يعدّون أولاد الأبناء، أولاداً بالحقيقة، دون أولاد البنات، وعلى هذا الأساس يقول الشاعر:

بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا بنوهن أبناءُ الرجال الاباعد

ومن زعم أنّ أبناء البنت ليسوا أبناء فقد جعل ا لأُمّ وعاء لنشوء النطفة كالأُمّ الصناعية لانتاج الدواجن وهو أمر مردود علما أوّلاً، ونقلاً ثانياً.

أمّا الأوّل فإنّ الولد، نتيجة تركيب لقاح بين جزءين أحدهما من الأب باسم الحيمن والآخر من الأُمّ باسم البويضة وهذا أمر مسلّم في العلوم الطبيعية، فكيف تكون الأُمّ (بنت الإنسان في المقام) وعاء للولد وتنقطع صلته عن آباء الأُمّ؟

ولعلّه إلى ذلك اللقاح يشير قوله سبحانه: (إِنّا خَلَقْنَا الإِنْسان مِنْ نُطْفَة أَمْشاج) ، والأمشاج جمع المشج وهو الخليط حيث إنّ النطفة مخلوطة من جزءين أحدهما للزوج والآخر للزوجة فالولد منتسب إليهما حقيقة، كما يكون منتسباً إلى والد الزوجين كذلك.

وأمّا الثانية: فالأحكام المترتبة على الولد، مترتب على ولد البنت كترتبها على ولد الأب في أبواب النكاح والميراث والوقف، وغير ذلك:

1- قال سبحانه: (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساء). فيحرم نكاح زوجة الجدّ على الحفيد و السبط، لأنّها منكوحة الأب.

2- (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتكُمْ وَبَناتكُمْ) .

فيحرم على الجدّ نكاح بنت الولد، وبنت البنت بحكم هذه الآية، لأنّها بنت الجد.

3- (وَحَلائِل أَبْنائكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ).

فيحرم على الجد، نكاح زوجة الحفيد والسبط بعد الطلاق.

    ( وَلا يُبْدينَ زِينَتهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولتهنَّ أَوْ أَبْنائهن).

فيجوز للجدّة إبداء زينتها للحفيد والسبط، بحكم هذه الآية.

هذا كلّه في باب النكاح ومثله باب الميراث والأوقاف.

أمّا الميراث فلقوله تعالى: (وَلأَبَويْهِ لِكُلِّ واحِد مِنْهُمَا السُّدُس مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلد) فإنّ ولد البنت يحجب الأبوين عن الزيادة بالاتفاق، و(وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزواجكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَد فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبع مِمّا تَرَكْن) فانّ ولد البنت للزوجة يحجب الزوج عن الزيادة على الربع وهكذا في جانب الزوج.

وأمّا الأوقاف فقد صرّحوا باشتراك الأولاد مطلقاً في الموقوف، قال الشهيد في اللمعة: إذا وقف على أولاده، اشترك أولاد البنين والبنات بالسوية، إلاّ أن يفضل. وأمّا قوله بعد: «ولو قال على من انتسب إليّ لم يدخل أولاد البنات» فلأجل أنّ الانتساب ينحصربالاتصال بالولد الذكر دون الأُنثى، فلا يقال تيمي إلاّ من كان أبوه منهم.

هذا ما يرجع إلى المسألة الأُولى وقد عرفت أنّ أولاد البنت أولاد حقيقة، وبقي الكلام في المسألة الثانية.

المسألة الثانية: ما هو موضوع للشطر الثاني من الخمس، فهل الموضوع ولد هاشم أو من يعدّ في العرف هاشمياً ومن بني هاشم؟

أقول: إنّ العناوين الواردة في الروايات مختلفة.


1- أهل البيت

قد ورد هذا العنوان في غير واحد من الروايات كقوله في رواية زكريا: «واليتامى أهل بيته» .

وقوله في مرسلة إبراهيم بن عثمان عن سليم بن قيس الهلالي :«وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس» .

وقوله في مرسلة حمّاد: «ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته» .

وقوله في رواية الريان بن الصلت(25): «ونزّه أهل بيته».


2- التعبير بالقرابة

جاء التعبير بالقرابة في مرسلة حمّاد: «وهؤلاء الذين جعل اللّه لهم الخمس، هم قرابة النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ الذين ذكرهم اللّه فقال: (وَأَنْذِرْ عَشِيرتَكَ الأَقْرَبين) وهم بنو عبد المطلب أنفسهم الذكر منهم والأُنثى ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد». وأمّا ما رواه محمد بن مسلم في تفسير آية الخمس(26) ونقلها في الوسائل في مواضع مختلفة فهو تفسير لقوله: (وَلِذي القُربى) ولا صلة له بتفسير الأصناف الثلاثة، فلاحظ.


3- التعبير بالآل

وقد ورد التعبير بالآل في غير واحد من الروايات، كما في مرسلة أحمد بن محمد: «وأبناء السبيل من آل محمد ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ».ومرسلة تفسير النعماني: «ثمّ قسّم الثلاثة السهام الباقية بين يتامى آل محمد».و مرسلة أبي جميلة عن أحدهما قال: «فرض اللّه في الخمس نصيباً لآل محمد».(27)


4- التعبير «لنا»

وقد أخذ الموضوع في غير واحد من الروايات لفظة:«لنا» ففي رواية محمّد ابن مسلم:«والخمس للّه وللرسول ولنا».(28)

أقول: إنّ مقتضى هذه التعابير، هو عدم اختصاص الخمس بالأحفاد، بل يعمّ الأسباط أي من انتسب إلى هاشم من جانب الأُم، ولكن هناك أُموراً تصدّنا عن الأخذ بعموم هذه العناوين.

1- إنّ الموضوع لحرمة الزكاة بنو عبد المطلب أو بنو هاشم، ففي رواية عيص

ابن قاسم عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ : «يا بني عبد المطلب إنّ الصدقة لا تحلّ لي ولا لكم». و في رواية الفضلاء:«أنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطلب».

و في رواية عبد اللّه بن سنان : «لا تحلّ الصدقة لولد العباس ولا لنظرائهم من بني هاشم». وفي رواية زرارة : «لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة».

فقد اتخذ الانتساب إلى القبيلة موضوعاً للحرمة ومن المعلوم أنّ الشخص لا ينتسب إلى قبيلة إلاّ إذا كان أبوه منها، دون أُمّه خاصّة، ولا مانع من أن يكون ولد البنت ولداً حقيقة ولا يعدّ عند الانتساب إلى قبيلة إلاّ إذا كان والده منهم. وكأنّه اصطلاح خاص، وهذا هو المتبادر من قولهم: بني سعد، بني بكر، بني تميم، بني كنانة. فلا يدور الحكم مدار صدق الولد وعدمه، بل يدور على صدق إضافته إلى هاشم بحيث يطلق عليه أنّه هاشمي، أو مطلبي.

2- ما ورد في مرسلة حمّاد:ومن كانت أُمّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش، فانّ الصدقات تحلّ له، وليس له من الخمس شيء لأنّ اللّه يقول: (ادعوهم لآبائهم).(29)

وأمّا الاستدلال بالآية في المقام مع ورودها في الأدعياء الأجانب الذين يفتقدون النسبة بتاتاً ولا صلة له بمن لا يفقد الصلة من جانب الأُم فإنّما هو من باب الاستئناس، لا الاستدلال، على أنّ وجود الإشكال في موضع من الرواية لا يسقطها عن الحجّية.

3- لو كان الانتساب بالأُمّ كافياً في صدق الموضوع لزم دخول قسم كبير من المسلمين ممّن يحلّ له الخمس وتحرم عليه الصدقة، وبما أنّ العادة جرت على حفظ النسب من جانب الأب، لا من جانب الأُم، لا يجوز دفع الزكاة إلاّ إذا أُحرز عدم انتسابه إلى هاشم ولو في مراتب عالية وهو أمر متعذّر، فيلزم حرمان كثير من الفقراء من الزكاة لكون الشبهة مصداقية.

وربّما يورد على السيّد بأنّه لو كان الانتساب بالأُمّ كافياً في الاندراج في موضوع الهاشمي فليكن انتسابه بالأب إلى القبائل الأُخر سبباً لاندراجه تحت سائر القبائل، كتيم وعدي ، فمثل هذا الشخص هاشمي من جانب الأُمّ ، تحرم عليه الصدقة، تيمي من جانب الأب يجوز له أخذ الصدقة، مع أنّهما متنافيان لا يجتمعان.

والظاهر : أنّ الإشكال مبني على أنّ لكلّ من حلّية الخمس والصدقة موضوعاً خاصّاً، فالخمس للهاشمي والزكاة للتيمي والبكري مثلاً ، فإذا صدقا يلزم التنافي، وأمّا إذا قلنا بأنّ الزكاة تحلّ لكلّ الناس إلاّ إذا كان هاشمياً، فإذا صدق العنوان المخصص تحرم عليه الصدقة، ويحلّ له الخمس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المسالك:1/470.
2- وصفه الشيخ الطوسي في الخلاف: 4/211 بأنّه من ثقات التابعين .
3- الخلاف:4/209، كتاب الفيء، المسألة 37.
4- الوسائل: الجزء 6، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة.
5- الخلاف:4/217، كتاب الفيء، المسألة 41.
6- الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 2.
7- الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 9.8
8- لاحظ الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 10، 11، 12.
9- الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 3.
10- الحدائق: 12/373.
11- مجمع الفائدة:4/328ـ 329 .
12- الحدائق:12/389.
13- الوسائل: الجزء 6، الباب 5 ، الحديث 1، 4، 6، 7.
14- الوسائل: الجزء 6، الباب 1 ، الحديث 9و 8.
15- لاحظ الباب 1 ، الحديث 8; والباب 1 من أبواب قسمته ، الحديث1، 4، 7، 8، 10.
16- الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8و7
17- الخلاف: 4/224، كتاب الصدقات، المسألة 3.
18- الحدائق: 12/379.
19- الكافي: 174.
20- المبسوط: 1/262.
21- الوسائل: الجزء 6، الباب 2 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 1.
22- الوسائل: الجزء 6، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.
23- مختلف الشيعة: 3/332.
24- المسالك: 1/470،
25- الوسائل: الجزء 6، الباب 1 الحديث 1، 7، 8، 10. ولاحظ الباب 3 من تلك الأبواب، الحديث1.
26- الوسائل:ج6، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8، 5، 17. .
27- الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 9، 12، 16.
28- الوسائل: الجزء 6، الباب 1من أبواب قسمة الخمس، الحديث 4، 5، 7، 20.
29- الوسائل: الجزء 6، الباب 29 و33 و1من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1، 2، 3.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية