شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

قضية الامامة من خلال حديث الامام الصادق عليه السلام

0 المشاركات 00.0 / 5

لقد مثّل مفهوم الإمامة عند عامة أهل البيت عليهم السلام قضية مركزية في حركة الإسلام التاريخية، وليس لدى الإمام الصادق عليه السلام فحسب، إلاّ أن الإمام الصادق عليه السلام كان من أكثر أئمة أهل البيت عليهم السلام إثارة وبلورة لهذه القضية بحكم الظروف الموضوعية التي عاشها والتي مكنته من أن يطرح كثيراً من مفاهيم الإسلام الحنيف علانية بعد أن حاربتها السياسات الزمنية قبل عصره وفي عهده.

فجدير بنا أن نعرف الإمامة الشرعية بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ضوء ما قدّمه إمام المسلمين جعفر بن محمد الصادق عليهم السلام من أحاديث وأفكار طفحت بها كتب المسلمين، ودوّنها المولعون بحفظ أحاديث أهل البيت عليهم السلام.

 

1. مهمة الإمام عليه السلام

من خلال استقراء سريع لأحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام حول حيثيات الإمامة وشروطها وآفاقها العظيمة، نجد الإمام الصادق عليه السلام يسلط أضواء كاشفة على حقيقة المهام الكبرى التي ينهض بها الإمام الحق في دنيا المسلمين، مع ما يتمتع به من صفات رفيعة تؤهله للنهوض بهذه الاعباء الثقيلة.

فمن خطبة للإمام الصادق عليه السلام يصف فيها أئمة الحق من آل محمد صلى الله عليه وآله ويبسط القول في مسؤولياتهم الرسالية السامية نقتطف الفقرات الآتية:

}أئمة من الله يهدون بالحق أَئِمَّةً مِنَ‏ الله‏ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ،‏ حُجَجُ الله وَدُعَاتُهُ وَرُعَاتُهُ عَلَى خَلْقِهِ، يَدِينُ بِهَدْيِهِمُ‏ الْعِبَادُ، وَتَسْتَهِلُّ بِنُورِهِمُ الْبِلاَدُ، وَيَنْمُو بِبَرَكَتِهِمُ التِّلاَدُ، جَعَلَهُمُ الله حَيَاةً لِلأَنَامِ، وَمَصَابِيحَ لِلظَّلَامِ، وَمَفَاتِيحَ لِلْكَلاَمِ، وَدَعَائِمَ لِلإِسْلامِ، جَرَتْ بِذَلِكَ فِيهِمْ مَقَادِيرُ اللهِ عَلَى مَحْتُومِهَا، فَالإِمَامُ هُوَ الْمُنْتَجَبُ الْمُرْتَضَى، وَالْهَادِي الْمُنْتَجَى، وَالْقَائِمُ الْمُرْتَجَى، اصْطَفَاهُ الله بِذَلِكَ، وَاصْطَنَعَهُ عَلَى عَيْنِهِ فِي الذَّرِّ حِينَ ذَرَأَهُ، وَفِي الْبَرِيَّةِ حِينَ بَرَأَهُ ظِلاّ قَبْلَ خَلْقِ نَسَمَةٍ عَنْ يَمِينِ عَرْشِهِ، مَحْبُوّاً بِالْحِكْمَةِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ، اخْتَارَهُ بِعِلْمِهِ وَانْتَجَبَهُ لِطُهْرِهِ … لَمْ يَزَلْ مَرْعِيّاً بِعَيْنِ اللهِ يَحْفَظُهُ وَيَكْلَؤُهُ بِسِتْرِهِ، مَطْرُوداً عَنْهُ حَبَائِلُ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ… مَنْسُوباً إِلَى الْعَفَافِ وَالْعِلْمِ وَالْفَضْلِ عِنْدَ انْتِهَائِهِ، مُسْنَداً إِلَيْهِ أَمْرُ وَالِدِهِ، صَامِتاً عَنِ الْمَنْطِقِ فِي حَيَاتِهِ، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ وَالِدِهِ إِلَى أَنِ انْتَهَتْ بِهِ مَقَادِيرُ اللهِ إِلَى مَشِيئَتِهِ، وَجَاءَتِ الإِرَادَةُ مِنَ الله فِيهِ إِلَى مَحَبَّتِهِ، وَبَلَغَ مُنْتَهَى مُدَّةِ وَالِدِهِ عليه السلام، فَمَضَى وَصَارَ أَمْرُ اللهِ إِلَيْهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَقَلَّدَهُ دِينَهُ، وَجَعَلَهُ الْحُجَّةَ عَلَى عِبَادِهِ، وَقَيِّمَهُ فِي بِلاَدِهِ، وَأَيَّدَهُ بِرُوحِهِ، … رَضِيَ الله بِهِ إِمَاماً لَهُمُ، اسْتَوْدَعَهُ سِرَّهُ، وَاسْتَحْفَظَهُ عِلْمَهُ، وَاسْتَخْبَأَهُ حِكْمَتَهُ، وَاسْتَرْعَاهُ لِدِينِهِ…{.

 

2. لم لا يكتفي المسلمون بإمامة القرآن والسنة؟

إن هذا السؤال قديم جديد، فقد طرحه بعض من المسلمين في الماضي ويطرحه بعض المسلمين في الحاضر.

ففي المهام العظيمة التي تطرح عادة للإمام عليه السلام يأتي هذا السؤال: لم لا نكتفي بالقرآن الكريم وسنة المعصوم عليه السلام إماماً هادياً للعباد بعد غيبة رسول الله صلى الله عليه وآله؟

وهذا السؤال القديم الجديد قد أجاب الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عنه إجابة تعد غرة على جبين الزمان.

فالقرآن الكريم بسبب تركيبة كلامه وأساليبه الخاصة في العرض للأفكار والأحكام والقضايا، تستطيع الخطوط الفكرية والسياسية المختلفة أن تستدل به على صحة توجهاتها وارتباطها بالحق، إذ يستطيع المجبرة أن يستعينوا ببعض الآيات لتبرير الكثير من أفكارهم ومتبنياتهم، كقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} الذي استفادوا من ظاهره في تبرير عقيدتهم في الجبر.

كما أن بمقدور المجسمة أن يستفيدوا من بعض الأيات كقوله تعالى: {…يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ…}، وقوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}.

وهكذا الحال بالنسبة للسنة الشريفة لاسيما‌ بعد‌ شيوع ظاهرة الوضع والتزوير‌ التي‌ طالت المتن والسـند مـعاً، حتى اختُلق لرسول الله(صلى الله عليه وآله) الآف الاحاديث والأسانيد المكذوبة المزورة.

ومن أجل ذلك كان وجود القيم الحي على القرآن الكريم ضرورة‌ لابدّ‌ منها لحـياة هـذا الدين السماوي الخاتم. واليك مـا ورد عـن الامام الصادق جعفر بن محمد(عليه السلام) عن هذا الموضوع.

فقد ورد عليه‌ رجـل مـن أهل الشام، فقال: إنـي رجـل صاحب كلام وفقه وفرائض وقد جئت لمناظرة اصحابك، فقال أبو‌ عبدالله(عليه السلام) … كلم هذا‌ الغلام‌ (يعني‌ هشام بن الحكم وكان أصغر اصحاب الامـام سـناً)، فقال هشام بن الحكم للشامي: يا هذا أربك انظر ‌‌لخلقه‌ أم خلقه لأنفسهم؟ فقال الشامي: بل ربي انظر لخلقه، قال: ففعل بنظره لهم ماذا؟ قال‌: اقام‌ لهم‌ حجة ودليلاً كي لا يتشتتوا أو يختلفوا، يـتألّفهم ويـقيم أودهم ويـخبرهم بفرض ربهم. قال: فمن‌ هو؟ قال: رسول الله(صلى الله عليه وآله). قال هشام: فبعد رسول الله(صلى‌ الله عليه وآله)؟ قال‌: الكتاب‌ والسـنة. قال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة في رفع الاختلاف عنا؟ قـال الشـامي: نـعم. قال: فلم اختلفنا أنا وأنت وصرت الينا من الشام في مخالفتنا اياك؟ قال: فسكت الشامي، فقال أبو عـبد‌ ‌ ‌الله(عـليه السلام) للشامي: ما لك لا تتكلم؟ قال الشامي: إن قلت: لم نختلف كذبت، وإن قلت: إن الكتاب والسنة يرفعان عـنا الاخـتلاف أبـطلت لانهما يحتملان الوجوه، وإن قلت: قد اختلفنا وكل‌ واحد‌ منا يدعي الحق فلم ينفعنا اذن الكتاب والسـنة، إلاّ أن لي عليه هذه الحجة، فقال أبو عبد الله(عليه السلام): سله تجده ملياً، فقال الشـامي: يا هذا، من انـظر للخـلق‌ أربهم‌ أو أنفسهم؟ فقال هشام: ربهم انظر لهم منهم لأنفسهم، فقال الشامي: فهل اقام لهم من يجمع لهم كلمتهم ويقيم أودهم ويخبرهم بحقهم من باطلهم ؟ قال هشام: في وقت رسول الله‌(صلى‌ الله عـليه وآله)أو الساعة ؟ قال الشامي: في وقت رسول الله، والساعة من؟

فقال هشام: هذا القاعد الذي‌ تُشدّ‌ اليه‌ الرحال ويخبرنا بأخبار السماء والارض‌ وراثـة‌ عـن‌ أب عن جد. قال الشامي: فكيف لي أن اعلم ذلك؟ قال هشام: سله عما بدا لك. قال الشامي: قطعت عذري فعلي السؤال‌، فقال‌ أبو‌ عبد الله(عليه السلام): يا شامي، أخبرك كيف‌ كان‌ سفرك وكيف كـان طريقك؟ كـان كذا كذا، فأقبل الشامي يقول: صدقت. أسلمت لله الساعة، فقال أبو عبد الله(عليه السلام‌): بل‌ آمنت‌ بالله الساعة. إن الاسلام قبل الايمان وعليه يتوارثون ويتناكحون، والايمان‌ عليه يثابون، فقال الشامي: صـدقت فـأنا الساعة اشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله(صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله)وأنك وصي الاوصياء.

 

3 ـ من مات وليس له امام هدى‌ مات‌ على ضلال

من مبادئ هذا الدين التي يتبناها المسلمون جميعاً أنه لابد للمـسلم مـن امـام يقتدى‌ به‌ ويسلك‌ دربه ويـستنير بـهداه. ولدى المـسلمين احاديث رووها بطرقهم عن النبي(صلى الله‌ عليه‌ وآله‌) في هذا الشأن. والمسلمون وإن اختلفوا في المصاديق أي فيمن يكون اماماً ويستحق هـذا‌ المـوقع‌ الحـساس‌ في دنيا المسلمين، إلاّ أنهم متفقون على وجود هـذا المـبدأ من الناحية النظرية على‌ الاقل‌.

وهذه الحقيقة الاعتقادية يرسخها ائمة أهل البيت(عليهم السلام) في اذهان المسلمين، لانها‌ جـزء‌ مـن‌ الحـق الذي يحرصون على ارساء دعائمه وقواعده في عقول المسلمين وافكارهم.

وقـد حرص الامام‌ الصادق‌(عليه السلام) على ترسيخ هذه اللبنة في البناء العام لاطروحة الامامة الشرعية في‌ اذهان‌ المـسلمين‌.

فـعن الفـضيل بن يسار قال: «ابتدأنا أبو عبدالله(عليه السلام) يوماً وقال: قـال رسـول الله‌(صلى‌ الله عليه وآله): من مات وليس له امام فميتته ميتة جاهلية، فقلت‌: قال‌ ذلك‌ رسول الله(صلى الله عـليه وآله)؟ فـقال: أي والله قـد قال. قلت: فكل من مات‌ وليس‌ له‌ امام فميتته ميتة جاهلية؟ قال: نـعم».

 

4 ـ الائمة صنفان

وكما‌ أن‌ الرسول الحق يـصده مـدع للرسـالة والنبوة، وهو من الامتحانات التي تعرض لهـا العـباد منذ بدايات عصر‌ النبوة‌ كذاك‌ الحال بالنسبة للإمامة، فمع ظهور امام للحق‌ لابـد‌ أن يظهر‌ امام‌ للباطل‌ يدعو النـاس إلى بـاطله ويتلبس بـلباس الحـق ليـوهم العباد ويصدهم عن الله عزّ وجلّ.

ولهـذا رسـخ‌ أبو‌ عـبد الله الصـادق(عـليه السلام) ابعاد هذا المـفهوم مرشداً ومحذراً بقوله: «إن الائمة في كتاب الله عزّ وجلّ امامان، قال الله تبارك وتعالى: (وجعلناهم‌ أئمةً‌ يـهدون بـأمرنا) لا بأمر‌ الناس‌ يقدمون امر الله قبل امـرهم وحـكم الله قـبل حـكمهم. قـال (وجعلناهم أئمةً يـدعون إلى النـار) يقدمون امرهم قبل امر الله وحكمهم قبل حكم الله ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب‌ الله‌ عزّ وجـلّ).

 

5 ـ ائمـة‌ أهـل‌ البـيت‌ هم الهداة إلى الله عزّ وجلّ

ومـن الخـصائص الذاتـية لائمة أهل البيت‌ (عليهم‌ السلام) أنهم الهداة إلى الله تعالى بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فهم حبل الله‌ المتين‌ وصراطه المستقيم، ومثلهم في هـذه الامـة كـسفينة نوح(عليه السلام) من ركبها‌ نجا‌ ومن تـخلف عـنها غرق وهوى، وهم الصراط‌ المستقيم‌ المتصل‌ بالله عزّ وجلّ بعد النبي(صلى الله‌ عليه‌ وآله) وهم كهف الانام وهم المـلاذ وهم الموئل‌.

وفي هذا الصدد روى أبو بصير عن‌ أبي‌ عبد‌ الله‌ الصادق‌(عليه السلام): أنه‌ قال‌: «قلت لابـي عـبد الله(عـليه السلام) (إنّما أنت منذر ولكل قوم هاد)فقال: رسول‌ الله‌(صلى‌ الله عـليه وآله) المـنذر وعلي الهادي. يا‌ أبا‌ محمد‌، هل‌ من‌ هاد‌ اليوم؟ قالت: بلى جعلت فداك. مـا زال مـنكم هـاد بعد هاد حتى دفعت اليك، فقال: رحمك الله يا أبا محمد. لو كانت إذا نزلت آية على رجـل ثـم‌ مات ذلك الرجل ماتت الآية مات الكتاب، ولكنه حي يجري فيمن بقي كـما جـرى فـيمن مضى».

 

6 ـ الائمة هم خلفاء الله في ارضه وولاة امره في عباده

والائمة من آل‌ البيت‌(عليهم السلام) هـم خـلفاء الله فـي أرضه بعد النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله)، والانبياء والاوصياء السابقون الذين عناهم الله عـزّ وجـلّ بقوله: (إنّي جاعل في الارض خليفة) فخليفة‌ الله‌ تعالى في ارضه وعباده من يحمل مؤهلات الخلافة بـحق لكـي يكون حاملاً لوظيفة (خليفة الله) في الارض، وفي اقامة حدود الله واجراء شرعه‌ في‌ عـباده.

ومـن اجل ذلك لابد لإمام العباد وخـليفة الله تـعالى فيهم أن يكون مـنزهاً مـن الآثام طاهراً من الرجـس مـعصوماً‌ عن‌ الهوى‌ والشيطان ومن اجل ذلك اعلن الائمة(عـليهم السـلام‌) هذه الحقيقة جهاراً حتى قال أبـو عـبدالله الصـادق(عـليه السـلام): «نحن ولاة امر‌ الله وخـزنة عـلم الله‌ وعيبة‌ وحي الله».

 

7 ـ الائمة هم الصادقون

في كتاب الله تعالى آيـة تـدعو المـؤمنين‌ أن يـكونوا مـع الصـادقين، ويقفوا تحت رايتهم، ويتمسكوا بخطهم، ويقتفوا آثارهم. فمن هؤلاء الصادقون الذين يدعى المؤمنون للكون معهم؟

فعن أبي عبد الله الصادق(عليه‌ السـلام‌) قـال: «قال رسول الله(صلى الله عـليه وآله): مـن أراد أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنة عدن التي‌ غرسها‌ الله‌ ربي بيده، فليتولّ علي بن أبي طالب(عليه السلام) وليتولّ‌ وليه وليعادِ عدوه وليسلّم للاوصياء من بعده ، فإنهم عترتي مـن لحـمي ودمي أعطاهم الله فهمي وعلمي. إلى الله‌ أشكو‌ امر‌ أمتي المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي. وايم الله ليقتلُنَّ ابني. لا‌ أنالهم الله شفاعتي».

هذه‌ بعض الحيثيات الهامة التي تعامل من خـلالها ‌ ‌حـديث الامام أبي عبد الله الصادق‌(عليه‌ السلام‌) لايضاح قضية الامامة الشرعية بعد النبي(صـلى الله عـليه وآله).

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية