شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

الإحساس بالجمال في ضوء القرآن الكريم

0 المشاركات 00.0 / 5

يقول الحق سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} الإسراء: 9.

تحدد هذه الآية الكريمة ماهية القرآن الكريم في منهاجه ورسالته وغايته.

فمنهاجه أنه يهدي: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي}؛ ومعنى انه يهدي الإنسان أن ما جاءه به من عقيدة وشريعة يختلف عما تواضع عليه الناس وتوارثوه وعما الفوه واطمأنوا إليه من عقائد دينية ونظم اجتماعية وما ينشأ عنهما من أخلاق وآداب. وهذا يقتضي – بغير شك – الجهاد والمجاهدة على شريعة من أمر الله. فالاهتداء تخير وتفضيل ثم هو اطمئنان وإيمان؛ وتلك من مقومات أو خصائص الهداية القرآنية.

وحين تقول الآية الكريمة: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} فإنها تكون قد أوضحت غاية المنهاج او غاية العقيدة والشريعة معاً. فغاية المنهاج هو الاهتداء ومعرفة الحق ومقاومة الضلال في كل جوانب الوجود الإنساني سواء ما تعلق منها بالذات أو بالمجتمع أو بالأمة أو بالناس أجمعين. فإذا اهتدى الإنسان للتي هي أقوم فإنه يكون قد اهتدى إلى لباب رسالته التي كلفه بها الله سبحانه. وما رسالته إلا العمل بالأقوم والعمل للأقوم. وهنا يأتي قوله سبحانه: {وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}، وكأنه تأكيد وتجسيد لثلاثة جوانب أساسية في حياة الوجود الإنساني أو الوجود الحضاري بعامة، وهي:

أولاً: أن الأقوم يفرض واجب الإيمان بالله وحده.

ثانياً: أن الأقوم يفرض واجب العمل بشريعة القرآن الكريم.

ثالثاً: أن الأقوم في آداب السلوك والأخلاق والظواهر الاجتماعية هو ما اكتملت له أسباب التكوين الداخلي السليم الذي يهدي الى خير الإنسان في ذاته وحياته؛ وما اكتملت له أسباب التكامل الظاهري الذي يبعث على الاطمئنان إليه والرضاء به بل والإيثار له. وذلك هو نضار الإحساس بالجمال.

فهل لنا أن نقول إن القرآن الكريم إذ يهدي للتي هي أقوم فهو إنما يهدي الإنسان خيالاً وإحساساً وفكراً إلى ما هو أجمل؟ وذلك على اعتبار أن الأجمل هو الأقوم من حيث قيمته في ذاته وقيمته بالنسبة للغير.

نعم، وهو كذلك، وهذا ما دعانا إلى الاقتناع بأن الإحساس بالجمال هو إحدى القيم الإنسانية الكبرى التي عمل القرآن الكريم على إحيائها وتزكيتها وتربيتها في نفس الفرد والمجتمع حتى يستقيم أمر الوجود الإنساني وحضارته؛ وحتى يستقيم الفكر الإنساني في نظرته إلى ماضيه وتطلعه إلى مستقبله وتقديره لحاضره وواقعه.

وإذا كنا قد اقتنعنا بان الإحساس بالجمال هو إحدى القيم الإنسانية الكبرى فإننا قد تصورنا له ماهية قرآنية لا كفؤ لها بين فلسفات المفكرين، ومنهاجاً قرآنياً رتبناه من واقع الروح الشمولي للقرآن الكريم فيما جاءت به آياته البينات وذلك بما يجسد الشمول بآفاقه ومظاهره في الكون والحياة والفكر والشعور. بحيث يعطي فكرة كاملة ومتكاملة في مقوماتها عن الإحساس بالجمال في ضوء القرآن الكريم.

فكيف جاءت ماهية الإحساس بالجمال في ضوء القرآن الكريم بعقيدته وشريعته؟ ثم كيف جاء تصورنا لمنهاج بحثنا في عرض وتصوير مواقف ومشاهد الإحساس بالجمال في ضوء القرآن الكريم؟

ولبيان ماهية الإحساس بالجمال في ضوء القرآن الكريم، نقول: إنه لابد أولاً من أن نعرف موقفه من الإنسان من حيث الغاية من خلقه ووجوده ومن حيث رسالته وعمله في هذا الوجود.

لقد قال سبحانه: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } البقرة: 30.

فهذا الجزء من الآية الكريمة يوضح مقام الإنسان ورسالته في آن واحد؛ فهو خليفة الله سبحانه إذن فقد فرضت عليه أعباء الخلافة وتكاليفها التي سيقوم بها في الأرض. فهنا المسؤولية وجودية وشمولية في آن واحد.

وإذا كان الإنسان خليفة ربه بناء على الأعباء والتكاليف التي توجبها مرتبة الخلافة فإن هذا معناه أن الخلافة في ذاتها أمانة. إنها أمانة الوجود الإنساني في ذاته وأمانة المجتمع والناس أجمعين ومن ثم فقد قال سبحانه: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} الأحزاب: 72.

وإذا كان الوجود الإنساني في ذاته يجسد معاني الخلافة في الأرض، وأن الخلافة في ذاتها مسؤولية وأمانة، فإن معنى هذا أن الحفاظ على الأمانة وأداءها وحسن القيام عليها هو الالتزام المصيري أو الواجب المطلق الذي لا يستطيع الإنسان أن يتهرب منه أو يتحايل عليه.

وهنا تأتي الأمانة فريضة ملزمة لكل فرد من ذكر أو انثى؛ فقال سبحانه: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} الإسراء 13.

ولقد تظن السطحية العقيمة والإمعية السائرة وراء كل ناعق أن خلافة الإنسان في الأرض إذ تكون أمانة ملزمة لكل إنسان وعلى هذا النحو من الوجوب المطلق فإن فيها القضاء الكامل الشامل على حرية الإنسان وإرادته بل ووجوده الحضاري في آن واحد. وفات هؤلاء المشفقين ثلاث بديهات أساسية وهي:

أولاً: أنه لا وجود للإنسان إلا بتحقيق إمكاناته. فما لم يقم الإنسان بتحقيقها بما يضمن له الاستقرار والاستمرار والازدهار المتسامي على أمسه فلا كيان له ولا وجود.

ثانياً: أن الوجود الإنساني يفترض الحرية فبغي الحرية لن يستطيع الإنسان أن يحقق إمكانية واحدة من إمكاناته.

ثالثاً: أن الحرية الكاملة للإنسان تقتضي القواعد التي يسير عليها والفروض التي يهتدي بها القوانين التي خطاء.. وليس في هذا شيء من الاستعباد لإرادة الإنسان. ومن واقع هذه الخصائص الفطرية للطبيعة البشرية فقد نص القرآن الكريم صراحة وتأكيداً على حرية الفرد حرية كاملة؛ فقال سبحانه: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} الاسراء: 15.
القرآن والتفسير
الإحساس بالجمال في ضوء القرآن الكريم

ووفق معاني الحرية التي تشي بها هذه الآية الكريمة فإن على الإنسان وقد ألزم بهذه الأمانة الكونية الوجودية ان يعيش في يقظة دائمة، وعي دائم وفكر دائم وشعور دائم. وتلك هي خصائص الكيان الإنساني التي يستطيع الإنسان أن يحقق بها وجوده في واقع حضاري له نفعه للفرد والمجتمع والناس أجمعين. فإذا كان الإنسان هو خليفة الرحمن في الأرض فإن هذا يؤكد أن الخلافة فوق كونها قوامة فهي في نفس الآن تقدير وتقييم. وليست القوامة هنا – والأمر إلزام بحمل الأمانة – مجرد رئاسة شرفية لا تخدم شيئاً ولا تحقق شيئاً؛ ولكن القوامة هي الإيجابية الواعية التي تصون وتحفظ ما حققت وتجاهد وما وسعها الجهاد وبقدر ما يسعفها الفكر والشعور في دعم وتأصيل ما تقوم عليه حياة الإنسان ويكفل تحقيق وجوده.

وكذلك التقييم فهو لا يعني التقدير السطحي الذي لا يتجاوز العبارات الشائعة التي تقال عند ابداء الاستحسان او الاستهجان. فحقيقة التقويم انه معنى من معاني الحرية الفكرية في النقد والتفضيل اللذين يقتضيان تقصي الاسباب وتحديد الدوافع.

ثم إن التقويم يقتضي أيضاً العمل الايجابي لتغيير البواعث التي أدت الى النتائج القائمة وذلك لإحداث نتائج جديدة يكون فيها تحقيق ما ينبغي تحقيقه أو ما يجب تحقيقه.

نخرج مما سبق بنتائج لها خطورتها في تقدير القرآن الكريم وتقييمه لماهية الإحساس بالجمال.

أولاً: أو الوجود الإنساني وجود حضاري.

ثانياً: ان الالتزام بأمانة الوجود الحضاري فريضة اخلاقية.

ثالثاً: ان نظرة الالتزام بأمانة الوجود الحضاري نظرة انسانية قبل كل شيء.

رابعاً: أن وجود الإنسان في الأرض يفرض وجود علاقات إنسانية بينه وبين ظواهر الأرض وما يتصل بها من ظواهر طبيعية كونية.

خامساً: هذه العلاقات تفرض وجود خصائص إنسانية عامة من حيث الفكر والشعور والاحساس يشترك فيها الناس اجمعون.

سادساً: أن هذه الخصائص الإنسانية العامة لا تكتسب نضجها إلا بالعمل والتجربة من خلال الأطر الفكرية والوجدانية والاخلاقية المتكاملة تكاملاً عضوياً.

سابعاً: أن القرآن الكريم وقد جعل من الإحساس بالجمال مدخلاً الى تقييم الفكر والاخلاق فإنه قد تهادى بالإنسان في تربيته الجمالية ليكون الإحساس بالجمال برهاناً عقلياً ووجدانياً على وجود الله سبحانه. وبرهاناً عقلياً ووجدانياً على أنه لا استقامة للوجود الحضاري وللمجتمع الإنساني إلا في الإيمان بالله والعمل بشريعته.

لكل هذا فإنه لأمر منطقي أن يكون إحياء القرآن الكريم للإحساس بالجمال في وجدان الإنسان وفكره وخياله شمولياً متكاملاً في خصائصه، وصدق الحق سبحانه حيث يقول: { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} الإسراء 89.

فمن خصائص الماهية القرآنية لبعث الإحساس بالجمال أن لغة القرآن الكريم في بيانها وبلاغتها قد كفلت كفالة إعجازية للصور التي صورت بها المشاهد الكونية والطبيعية والاجتماعية والمشاهد النفسية الغائرة في سواء اللاشعور. بل والمشاهد التاريخية الغائرة في سواء الماضي الذي احتجب عن الحاضر بستار من الأساطير والأراجيف. كل تلك المشاهد وما احتوته من مواقف ومناظر، وقد جاءت في تصوير لغوي فإن البيان القرآني قد كفل لها ما يحتاجه المشهد المصور من تجسيم أو تجسيد للمعاني والأحداث. وفضلاً عن هذا فإنه يمازج بين الأضواء والظلال ويناسب بين الحركات تناسباً متكاملاً يبعث الحياة في كل لمحة من لمحات المشهد وفي كل جانب من جوانبه.

بل إن البيان القرآني ليستجيش الانفعالات والخواطر النفسية بالموسيقى النوعية التي تنبعث من تراكيبه وألفاظه. وكل هذا مما يجعل للمشهد المصور بيانياً تفرداً متمايزاً على فن التصوير.

فالمشهد القرآني يحرك الكيان الإنساني نحوه. فخيال الإنسان يتحرك مع مناظره، ويلحقه في تحركه أو انطلاقه وفكره وشعوره يخالجه في أثنائها شعور بانفعال تام على رتابة الحياة العادية.

ولقد يقال: (إن الطبيعة في ذاتها ليس لها قيمة استطيقية إلا عندما ينظر إليها من خلال فن من الفنون عندما تكون قد ترجمت إلى لغة أو إلى أعمال ألفتها عقلية أو شكليها تكنيك معين).

وهذا صحيح.. وصحيح أيضاً؛ أن موضوعات الطبيعة كالأشجار والبحار والأزهار والحشرات وإن كانت تحدث في الإنسان لذة وشعوراً جمالياً إلا أنها لا تخضع للنقد الفني وهي لا تكتسب قيمة إلا من خلال عين الفنان المدربة لأن الجمال الذي يظهر للعين العادية مثله مثل الحقيقة التي تظهر لنا في الإدراك العادي.

ومع هذا فإن بالإنسان فطرة أولية للإحساس بالجمال. هذه الفطرة قد اكتسبت دربة على رؤية المشاهد الطبيعية وتقديرها تقديراً جمالياً أو الاستمتاع بها استمتاعاً جمالياً. فعندما ينظر المرء إلى منظر طبيعي وليكن نهراً تحف به الأشجار والنباتات فإنه لا يقول: ما أجمل هذا النهر أو ما أجمل هذه الشجرة. ولكنه بحركة ذهنية انفعالية واعية يكون في مخيلته صورة محددة تقوم بين عناصرها علاقات متناسبة تجعله يقول: (حقاً إنه لمنظر جميل).

فكأن بالإنسان (العادي) إذن إمكانية تكوين العلاقات الجميلة في صور ذات إطار معلوم.

وهذا يختلف – بغير ريب – عن الصورة التي يكونها الفنان: (فالصورة الفنية تمتاز بأنها ثمرة انتقاء وتهذيب للمادة المحسوسة المستمدة من الطبيعة أو الحياة الإنسانية. وغاية هذا الانتقاء هو إثارة التأثير أو الانفعال الجمالي).

فالقرآن الكريم وقد جاء بصورة البيانية في مشاهد طبيعية أو إنسانية في تكوين معجز في التركيب والتنسيق وتساوق الرموز في وحدة عضوية تتمايز وفق المشاهد المعروضة والسياق العام للآية والمحور الرئيسي للسورة. القرآن الكريم وقد جاء بهذا التكوين الفني الجمالي للمشاهد فإنه يكون قد أكد حقيقة أساسية من حقائق الفطرة الإنسانية وهي أنها فطرة ذواقة للجمال وقادرة على الاحتكام إليه.. وهذا معناه – وقد أشرنا إلى هذا من قبل – أن الإحساس بالجمال من المقومات الرئيسية للوجود الإنساني.

وإذا كان: (تاريخ الفن يبين لنا ارتباط الفن دائماً بالحياة ونظمها الاجتماعي والاقتصادية وارتباطه بالافكار والايديولوجيا إذ ليس هناك يا يفصل الفن ولا التجربة الفنية عن سائر تجارب الحياة الأخرى). إذا كان تاريخ الفن يبين لنا ذلك فإن الاحساس بالجمال لا يتوقف عند مجرد الانفعال الجمالي ولكنه يرتفع منه الى الإدراك الجمالي ثم الى التقييم الجمالي الذي يكون له تأثيره في احداث تغيير في التكوين الفكري والنفسي والخيالي عند الإنسان.

ولهذا فإن القرآن الكريم في إحيائه وتربيته وتزكيته للإحساس بالجمال عند الإنسان فإنه يعتمد على التصور الخيالي والتصور الفكري وكلاً من الوعي والشعور في الارتفاع بالإنسان عن جمود الالف الذي يحجر الفكر ويخدر الإحساس ليصبح من ثم في موقف وجودي منزه عن شواغل المعيشة. ولئن كانت المشاهد تربطه بواقعه الاجتماعي أو بواقعه الاجتماعي أو بواقعه الطبيعي إلا أنه في تساميه الوجودي يصبح في موقف الإدراك المباشر للجمال.

وتلك هي التجربة الجمالية المباشرة التي لا يصبح الإنسان فيها مجرد مستمتع بلذة الجمال المصور بياناً ولكن إحساسه بالجمال يرتفع الى مرتبة الفكر الايجابي الملتزم اخلاقياً بأن يغير ما بنفسه حتى تستقيم نفسه ويستقيم شأن مجتمعه.

وإننا حين نتدبر الآيات الكريمة التي جاءت مصورة للمشاهد الطبيعية والإنسانية فإننا نجد أربعة أمور هي من صميم الإحساس بالجمال وهي:

أولاً: أن القرآن الكريم يأمر الإنسان بضرورة النظر الى المشهد الذي يعرضه عليه وإلى ضرورة تدبره والتفكر فيه فكأن التقييم الجمالي واجب اخلاقي وفكري.

ثانياً: أن القرآن الكريم إذ يأمر بضرورة النظر والتفكر في المشاهد الجمالية فهو من ثم يحرر الإنسان من الجمود الذي أصاب وعيه ومن التحجر الذي صار إليه فكره فكأن الدعوة الى تذوق آيات الجمال وفق ما جاءه به القرآن الكريم دعوة الى الحرية أو الزام بفريضة الحرية.

ثالثاً: انه من خلال فريضة النظر وفريضة الحرية يصبح تذوق الانسان لآيات الجمال التي جاءت بها المشاهد القرآنية طبيعة أخلاقية ذات فاعلية ايجابية يسعى بها الى تحقيق الاتساق والتوازن والناصر مع ذاته في أعمالها وشؤونها الخاصة، ومع المجتمع في أعماله وشؤونه التي توجب على الفرد ان يشارك فيها مشاركة عملية أو التي توجب عليه المشاركة في الرأي وتحديد موقفه مما يحدث من مواقف.

رابعاً: أن هذا التذوق الجمالي وقد اصبح قدرة ايجابية تمكن الفرد من أن يحقق الانسجام والتوافق بين خصائصه الذاتية – الشعورية واللاشعورية – من ناحية، وبين ذاته ومجتمعه من ناحية أخرى، فإنه من خلاله – أي من خلال التذوق الجمالي والاحساس بالجمال تتكون لدى الفرد مزية الادراك الكلي او النظرة الكلية في تقدير المواقف والاعمال الاقوال. فلا يصبح من ثم انساناً جزئياً – إن أجيز هذا التعبير – بل يصبح إنسانياً وجودياً متعالياً في فكره وشعوره وخياله بغير أن يفقد الصلة الانسانية الاجتماعية التي تربطه بالناس.

نأتي بعد هذا الى الشق الثاني من المقدمة وهو المنهاج الذي اتخذناه في تبيان الكيفية التي عالج بها القرآن الكريم قضية الوجود الإنساني من حيث رسالته وغايته. وذلك على أساس احياء الاحساس بالجمال في فكر الانسان ووجدانه من واقع المشاهد الطبيعية والانسانية التي عرضها على الانسان فكراً وضميراً وشعوراً.. حتى يكون الفكر الانساني والاحساس الإنساني والعمل الإنساني ايجابياً بناء.

وفي هذا المجال يتضح أن قيمة الانسان في عقيدته وأن التوحيد الذي جاء به القرآن المجيد له منهج متميز في تبيان ماهية الوجود الانساني ورسالته التي خلق من اجلها. وكيف ان الوجود الانساني والشخصية الانسانية لا قوام لها ولا كيان إلا بشريعة القرآن الكريم التي تعرف طبيعة الفطرة الانسانية وما يصلح لها حتى تقوم بأداء الأمانة التي كلفه بهاء الله سبحانه.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية