شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

المقداد أبن الأسود الكندي الفارس الأول في الإسلام

0 المشاركات 00.0 / 5

المقداد أبن الأسود الكندي

الفارس الأول في الإسلام

محمد طراد

اسمه ونسبه:

اسمه الحقيقي المقداد بن عمرو البهرائي, ولكن له اسم آخر اشتهر به وهو المقداد بن الأسود الكندي . وسبب هذه التسمية والشهرة هو عمروا بن ثعلبة أصاب دما في قومه فاضطر إلى الرحيل عن قومه إلى حضر موت حفاظا على نفسه حيث حالف قبيلة كندة وتزوج امرأة منهم فولدت له المقداد الذي نشأ شجاعا مقداما, ووقع بينه وبين أبي شمر بن حجر الكندي ـ أحد زعماء كندة ـ خلاف , فضرب المقداد رجله بالسيف وهرب إلى مكة , وهناك حالف الأسود بن عبد يغوث الزهري فتبناه وكتب إلى أبيه بذلك, فقدم عيه مكة , ومنذ ذلك اليوم صار اسمه المقداد بن الأسود نسبه الحليفة والكندي نسبه لحلفاء أبيه.

وقد غلب عله هذا الاسم , واشتهر به حتى إذا نزلت الآية الكريمة : (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ) قيل له: المقداد بن عمرو(1).

وكان يكني أبا الأسود , أبا عمروا, أبا سعيد , وأبا معبد. ومن أهم ألقابه : ( حارس الرسول الله , فارس رسول الله  صلى الله عليه وآله  ).

صفاته وأخلاقه:

كان فارع الطول , صبيح الوجه , أبيض اللون , كثير شعر الرأس , ضخم الجثة , واسع العينين مقرون الحاجبين, جيمل الصورة وكان فارسا شجاعا ومن الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وآله  وهو أول فارس في الإسلام , نجيبا , خيرا ,سريع التلبية لداعي الجهاد حتى عندما كبر سنه , وقد قال في ذلك : ( أتت علينا سورة البعوث ( سورة التوبة ) (انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً) ولا أجدني إلا خفيفا (2).

وكان صبورا , طيب القلب , يتودد إلى أعدائه أملا في خطب ودهم نحو الإيمان والتقوى , ثابت الجنان, قوي اليقين , لا يزعزعه شئ , وقد ورد في الأثر: ( ما بقي أحد إلا وقد جال جولة إلا المقداد بن الأسود فإن قلبه كان مثل زبر الحديد) , وهو ممن ساروا على درب النبي محمد  صلى الله عليه وآله  ولم يبدلوا ولم يغيروا, عظيم القدر, شريف المنزلة ,هاجر الهجرتين , وشهد بدرا وما بعدها من الغزوات.

إسلامه:

من السلمين القدماء . وذكر أبن مسعود أن أول من أظهر إسلامه سبعة وعد المقداد واحدا منهم(3), وكان يخفي إسلامه عن سيده الأسود بن عبد يغوث خوفا على حياته ,شانه في ذلك شأن بقية المستضعفين المسلمين الذي كانوا تحت قبضة قريش عامة, وحلفائهم وساداتهم خاصة , أمثال عمار وأبيه وبلال الذين كانوا يلاقون أشد أنواع التعذيب والتنكيل لا لشيء إلا لأنهم قالوا ربنا الله ثم استقاموا , فما الذي يمنع الأسود بن يغوث من أن يعاقب حليفة أشد العقوبة إن شعر بأنه أسلم, ولا سيما ,أن الأسود كان أحد جبابرة قريش والمعاندين لمحمد صلى الله عليه وآله  والمتهزئين به وبما جاء .

لذلك كان المقداد يتحين الفرص للهروب من الحلف المزعوم الذي ما هو إلا عبودية مقيتة . وفي السنة الأولى للهجرة حصلت له الفرصة السانحة للالتحاق بركب النبي محمد  صلى الله عليه وآله  ليكون واحدا من كبار صحابته المخلصين , فقد عقد رسول الله  صلى الله عليه وآله  لعمه حمزة لواء أبيض في ثلاثين رجلا من المهاجرين ليعترضوا قوافل قريش ويأخذوا حقوقهم المسلوبة منها , وكان هو وصاحب له اسمه (عمرو بن غزوان ) لا يزالان في صفوف المشركين, فخرجا معهم يتوصلان بذلك , فلما التقيا بالمسليمن انضما إليهم (4). فكانت بداية الجهاد المقدس.

في القرآن الكريم:هناك آيات كثيرة نزلت في بعض أصحاب الرسول  صلى الله عليه وآله  تعظيما من الله سبحانه وتعالى لمواقفهم الكرمية والحث الأمة في السير على هداهم . عن أبي عبد الله (ع) قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) [الانشقاق : 25] قال: هم المؤمنون : سلمان. والمقداد , وعمار , وأبو ذر لهم أجر غير منون .

في غزوة بدر الكبرى: كانت هذه العزوة أول معركة تقع بين جيش الإسلام بقيادة النبي محمد  صلى الله عليه وآله  وقريش القوة الكبرى المتجبرة التي خرجت مستعدة للحرب بينما لم يخرج جيش النبي  صلى الله عليه وآله  الضعيف القليل للحر ب بل ليحصل على أموال المهاجرين ـ من القافلة ـ التي جردتهم منها قريش .

والقرآن الكريم يقول في ذلك: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ) [الأنفال : 7] .

فوجدة قريش أنها فرصة سائحة لتقضي على هذا الدين وتستعيد هيبتها بين العرب , وعلم الرسول صلى الله عليه وآله  بتحرك قريش فأعلم أصحابه واستشارهم ليكونوا على بصيرة في ذلك قام المقداد فقال : ( يا رسول الله , امض لأمر الله فنحن معك , والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن اذهب أنت ورب فقاتلا أنا معكم مقاتلون.

الذي بعثك بالحق, لو سرت بنا إلى الغماد لدجدنا معك من دونه حتى تبلغه) . وبرك الغماد : موضع وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر , وقيل بلد في يمن وقيل في الحبشة فجزاه النبي صلى الله عليه وآله  خيرا , ثم جلس(5) .لقد بعت هذه الكلمات الأمل في نفوس المسلمين بالنصر على عدوهم , وزرعت في قلوبهم الصبر على صعوبات الحرب. وقد قال ابن مسعود في ذلك: ( لقد شهد مع المقداد مشهدا لأن أكون صاحبه أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ـ ثم ذكر المقداد ـ ثم قال : فرأيت رسول الله  صلى الله عليه وآله  يشرق وجهه بذلك وسره وأعجبه. ثم قال رسول الله  صلى الله عليه وآله  : سيروا بنا على بركة الله , فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين, والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم.

ثم سار حتى نزل وادي بدر ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان , وكان النصر للمؤمنين بحول الله وقوته .

زواج المقداد أبن الأسود:

لقد هدم الإسلام بتعاليمه الراقية كل أنواع تمييز العنصري فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بتقوى , ولا لأبيض على أسود إلا بمقدار القرب من الله سبحانه وتعالى بالإيمان الصادق والعمل الصالح والخلق الفاضل والسلوك المستقيم. وكان من عادات الجاهلية أنهم لا يزوجون إلا الأكفاء من بني العم , وهذا الأمر خطير للغاية على البنية الاجتماعية لأنه يقلل الزواج في المجتمع فيكثر بذلك الفساد. لقد زوج النبي محمد صلى الله عليه وآله  المقداد بن الأسود أبنة عمه الزبير بن عبد المطلب ـ ضباعة وقد كان عبد المطلب أفضل رجل في قريش بلا منازع, وقري أفضل قبائل العرب بلا نظير وأراد الرسول صلى الله عليه وآله  أن يعلم الناس بأن المسلم كفؤ المسلمة بصرف النظر عن الاختلافات الطبقية العرقية , فلا تفاضل إلا بالتقوى وأشرف الشرف الإسلام.

وقد أوضح الإمام زين العابدين(ع) ذلك في كتاب بعثه إلى هشام بن عبد الملك حين لامه على زواجه من أمته , كتب يقول: (ولنا برسول الله أسوة , زوج زينب بنت عمته زيدا مولاه , وتزوج مولاته بنت حيي بن أخطب) .وكتب إليه أيضا: ( إنه ليس فوق رسول اله  صلى الله عليه وآله  مرتقى في مجد ,ولا مستزاد في كرم). وضباعة كنيتها أم حكيم , وقد ولدت لمقداد عبد الله ,وكريمة , وكانت تروي عن النبي صلى الله عليه وآله  وعن زوجها المقداد. وروى عنها ابن عباس , وعائشة ابنتها كريمة بنت المقداد , وابن المسيب وعروة , والأعرج وغيرهم.

من مواقفه:

قام رجل يثني على أمير من الأمراء ,فجعل المقداد(رض) يحثوا عليه التراب وقال: امرنا رسول الله أن تحثو في وجوه المداحين التراب.

كلمات في المقداد:

قال أمير المؤمنين علي(ع) : ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد بن عمرو(6)

ـ وقال أبو ذر :أول من قاتل على فرس في سبيل الله المقداد .

ـ قال القاسم بن عبد الرحمن : أول من عدا فرسه في سبيل الله المقداد, وكان في الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله 

ـ قال الإمام الصادق(ع) : إنما منزلة المقداد في هذه الأمة كمنزلة ألف في القرآن , لا يلزق بها شيء (7).

ـ مما كتبه الإمام الرضا (ع) للمأمون في محض الإسلام , وشرائع الدين ,والولاية لأمير المؤمنين (ع) : ـ والذين مضوا على منهاج نبيهم  صلى الله عليه وآله  ولم يغيروا , ولم يبدلوا , مثل: سلمان الفارسي, وأبي ذر الغفاري , والمقداد بن الأسود(8).

ـ قال أبو جعفر احمد بن أبي عبد الله البرقي: من الأصفياء من أصحاب أمير المؤمنين (ع) ؟ سلمان الفارسي , المقداد.

ـ قال أبو نعيم الأصبهاني : السابق في الإسلام , والفارس يوم الحرب والإقدام, , ظهرت له الدلائل والأعلام . . أعرض عن العمالات , وآثر الجهاد والعبادات , معتصما بالله من الفتن والبليات(9).

ـ قلا ابن عبد البر: وكان من الفضلاء النجباء الكبار الخيار.

وفاته (رض):

لقد قضى المقداد نيفا ًوثلاثين سنة فارسا في ساحات الجهاد المقدس بدءا من عزوة بدر وانتهاء بفتح مصر ! وكانت سنين التأسيس صعبة ومرة قاسية جاهد فيها وكابد لم تخل منه ساحة جهاد . فقد ورد في ذلك أنه شهد أحدا والمشاهد كلها مع رسول الله  صلى الله عليه وآله  حتى وافته المنية في سنة 33هـ أو أقل ـ على اختلاف الروايات ,بعد أن شهد فتح مصر , وقد بلغ عمره سبعين سنة . فقد كانت له أرض في مكان قريب من المدينة يقال له الجرف وكان يتعاهدها زراعة وسقيا يقضي فيها أوقات فراغه ما لم يؤذن بجهاد! وذات يوم تناول زيتا ( الخروع) فأضر به ومات منه , فنقل على أعناق الرجال حيث دفن بالبقيع وكان قد أوصى إلى عمار بن ياسر بالصلاة عليه. رحمك الله يامقداد لقد جاهدت في سبيل الله حق جهاده وصبرت على الأذى في جنب الله حتى أتاك اليقين فسلام من الله عليك ورحمته وبركاته.

ـــــــــــــ

1ـ الإصابة,ج3ص454.
2ـ البيهقي , السنن الكبرى, ج 9ص 21
3ـ الطبقات الكبرى3/162.
4ـ ابن الأثير: أسد الغابة , ج4 ص410ـ 411.
5ـ تفسير ألقمي ج2 ص259( كل كتب السير ذكرت هذا الموقف).
6ـ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج2, ص162 .
7ـ الاختصاص: ص 10.
8ـ عيون أخبار الرضا, باب 35, ج2 ص134 .
9ـ حلية الأولياء, ج1 ص172.

---------------------------------

مراجعة وضبط النص شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي .

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية