مشيئة اللّه تعالى وإرادته 1
- نشر في
-
- مؤلف:
- الشيخ علاء الحسون
- المصدر:
- التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
المبحث الأوّل: مراتب صدور الفعل من الله تعالى
1 ـ العلم
2 ـ المشيئة
3 ـ الإرادة
4 ـ القدر
5 ـ القضاء
6 ـ الإمضاء
حديث شريف : قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام)
“عَلِم وشاء وأراد وقدّر وقضى وأمضى
… بعلمه كانت المشيئة
وبمشيئته كانت الإرادة
وبإرادته كان التقدير
وبتقديره كان القضاء
وبقضائه كان الإمضاء
والعلم متقدّم على المشيئة
والمشيئة ثانية
والإرادة ثالثة
والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء…
فبالعلم علم الأشياء قبل كونها
وبالمشيئة عرف صفاتها وحدودها، وأنشأها قبل إظهارها
وبالإرادة ميّز أنفسها في ألوانها وصفاتها
وبالتقدير قدّر أقواتها، وعرّف أوّلها وآخرها
وبالقضاء أبان للناس أماكنها، ودلّهم عليها
وبالإمضاء شرح عللها وأبان أمرها
وذلك تقدير العزيز العليم”(1)
معنى مراتب الفعل الإلهي :
قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): “… لا يكون إلاّ ما شاء الله وأراد وقدّر وقضى”
ثمّ عرّف الإمام(عليه السلام) هذه المراحل كما يلي:
المشيّة: الذكر الأوّل.
الإرادة: العزيمة على ما شاء.
القدر: وضع الحدود.
القضاء: إقامة العين(2).
وفي حديث آخر عنه(عليه السلام):
المشيّة: همّه بالشيء.
الإرادة: إتمامه على المشيّة.
القدر: الهندسة من الطول والعرض والبقاء.
ثمّ قال(عليه السلام): إنّ الله إذا شاء شيئاً أراده، وإذا أراده قدّره، وإذا قدّره قضاه، وإذا قضاه
أمضاه(3).
وجاء في حديث آخر عنه(عليه السلام):
المشيّة: ابتداء الفعل.
الإرادة: الثبوت عليه.
القدر: تقدير الشيء من طوله وعرضه.
وإذا قضى أمضاه، فذلك الذي لا مردّ له(4).
وجاء في حديث آخر عنه(عليه السلام):
المشيّة: الاهتمام بالشيء.
الإرادة: إتمام ذلك الشيء(5).
المبحث الثاني: معنى وأقسام مشيئة الله تعالى
معنى المشيئة : المشيئة عبارة عن الاهتمام بفعل تمهيداً للقصد والميل القاطع نحو ذلك الفعل(6).
أقسام مشيئة الله تعالى :
1 ـ مشيئة حتمية (مشيّة حتم).
2 ـ مشيئة غير حتمية (مشيّة عزم).
حديث شريف : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): “إنّ لله مشيّتين: مشيّة حتم، ومشيّة عزم…”(7).
المبحث الثالث: خصائص مشيئة الله تعالى
1- العلم الإلهي بوجود الحكمة والمصلحة في فعل معيّن هو الذي يدعو الله إلى مشيئة هذا الفعل.
فالمشيئة ـ في الواقع ـ منبعثة من العلم، ولكن لا يمكن القول بأنّ هذا العلم هو المشيئة; لأنّ ماهية “العلم” غير ماهية “المشيئة”.
ولهذا جاز القول: “إن شاء الله”.
ولم يجز القول: “إن علم الله”(8).
2 ـ إنّ مشيئة الله مُحدثة، وهي من صفات الله الفعلية.
أحاديث أهل البيت(عليهم السلام) حول حدوث المشيئة :
قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): “المشيئة والإرادة من صفات الأفعال، فمن زعم أنّ الله تعالى لم يزل مريداً شائياً فليس بموحّد”(9).
قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): “المشيئة مُحدثة”(10).
وعنه(عليه السلام): “خلق المشيّة قبل الأشياء، ثمّ خلق الأشياء بالمشيّة”(11).
وعنه(عليه السلام): “خلق الله المشيئة بنفسها، ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة”(12).
تنبيه : ذكر العلاّمة المجلسي في بيان معنى “خلق الله المشيئة بنفسها” عدّة وجوه، منها:(13)
أوّلاً: “أن يكون المشيئة بنفسها كناية عن كونها لازمة لذاته تعالى غير متوقّفة على تعلّق إرادة أُخرى بها، فيكون نسبة الخلق إليها مجازاً عن تحقّقها بنفسها منتزعة عن ذاته تعالى بلا توقّف على مشيئة أخرى”.
ثانياً “لمّا كان ههنا مظنّة شبهة هي أنّه إن كان الله عزّ وجلّ خلق الأشياء بالمشيئة فبمَ خلق المشيئة، أبمشيئة أخرى؟ فيلزم أن تكون قبل كلّ مشيئة مشيئة إلى ما لا نهاية له.
فأفاد الإمام(عليه السلام): أنّ الأشياء مخلوقة بالمشيئة، وأمّا المشيئة نفسها فلا يحتاج خلقها إلى مشيئة أُخرى بل هي مخلوقة بنفسها…”
نظير ذلك:
1- “إنّ الأشياء إنّما توجد بالوجود، فأمّا الوجود نفسه فلا يفتقر إلى وجود آخر، بل إنّما يوجد بنفسه”.
2- “الشهوة في الحيوان مشتهاة لذاتها، لذيذة بنفسها، وسائر الأشياء مرغوبة بالشهوة”.
المبحث الرابع: معنى الارادة (لغة واصطلاحاً)
معنى الإرادة (في اللغة) :
الإرادة هي القصد والميل القاطع نحو الفعل(14).
معنى الإرادة (في الاصطلاح العقائدي) :(15)
الإرادة صفة توجب ترجيح أحد طرفي ما يقع في دائرة القدرة.
توضيح ذلك: من يمتلك القدرة يكون بين أمرين:
1 ـ إجراء القدرة (ترجيح جانب الفعل).
2 ـ عدم إجراء القدرة (ترجيح جانب الترك).
وترجيح أحد هذين الأمرين يحتاج إلى “مخصّص”.
وهذا “المخصّص” هو “الإرادة”.
أضف إلى ذلك: يجد كلّ من يمتلك القدرة على الفعل أنّه قادر على أن:
1 ـ تصدر منه بعض الأفعال دون البعض الآخر.
2 ـ تصدر منه الأفعال في وقت دون غيره من الأوقات.
3 ـ تصدر منه الأفعال بصورة وكيفية دون صورة وكيفية أخرى.
فلابدّ من أجل صدور الفعل ـ في وقت دون غيره وبصورة دون أخرى ـ إلى “مخصّص”، وهذا المخصّص هو الذي يطلق عليه “الإرادة”.
تنبيه : لا يخفى بأنّنا لا يمكننا اعتبار “القدرة” من الأمور:
1 ـ المخصّصة والمرجّحة لأحد طرفي الفعل والترك.
2 ـ المتمكّنة من تخصيص الفعل بوجه دون غيره وبوقت دون غيره.
لأنّ “القدرة” شأنها “الإيجاد” فقط، وليس من شأنها “التخصيص”(16).
المبحث الخامس: أقسام ارادة الله تعالى
1 ـ إرادة الله لأفعال الإنسان الاختيارية.
وتسمّى هذه الإرادة: “الإرادة التشريعية”.
2 ـ إرادة الله تعالى لأفعال نفسه.
وتسمّى هذه الإرادة: “الإرادة التكوينية”(17).
مثال إرادة الله التشريعية في القرآن : قوله تعالى: { كونوا قوامين بالقسط } [ النساء: 165 ]
إرادة الله هنا إرادة تشريعية، أي: طلب الله من مخاطبيه في هذه الآية أن يكونوا قوّامين بالقسط.
مثال إرادة الله التكوينية في القرآن : قوله تعالى: { كونوا قردة خاسئين } [ البقرة، 65 ]
إرادة الله هنا إرادة تكوينية، ولهذا انقلب أصحاب السبت بعد هذا الخطاب إلى قردة خاسئين.
المقارنة بين الإرادتين في هاتين الآيتين :
لو أراد الله أن يكون مخاطبيه في قوله تعالى: { كونوا قوامين بالقسط } كما أراد الله أن يكون مخاطبيه في قوله تعالى: { كونوا قردة خاسئين } لكانوا كلّهم قوّامين بالقسط شاؤوا أم أبوا، ولكنّه لو فعل ذلك ما استحقّوا أجراً ولا ثواباً إزاء طاعتهم، ولهذا أراد الله أن يكون مخاطبيه (من العباد المكلّفين) قوّامين بالقسط باختيارهم، فتكون الإرادة في هذه الآية مغايرة للإرادة في الآية الأخرى.
دليل وجود إرادة الله التشريعية (أي: دليل كونه تعالى مريداً لبعض أفعال عباده): أمر الله العباد ببعض الأفعال، فيلزم ذلك أنّه يريد قيامهم بهذه الأفعال; لأنّ الحكيم لا يأمر إلاّ بما يريد(18).
دليل وجود إرادة الله التكوينية (أي: دليل كونه تعالى مريداً لأفعال نفسه):
1 ـ إنّ الله تعالى
صدرت منه بعض الأفعال دون غيرها.
وصدرت منه الأفعال في أوقات دون غيرها.
وصدرت منه الأفعال بصورة وكيفية دون غيرها.
وهذا يدل على لزوم وجود “مخصّص” قام بتحديد وقوع هذه الأفعال، وجعلها تقع في أوقات معيّنة وبصورة وكيفية خاصّة.
وهذا المخصّص هو “الإرادة”، فثبت كونه تعالى مريداً لأفعال نفسه(19).
2 ـ يتضمّن كلام الله أوامر ونواهي وإخبارات و…
ولا يقع الكلام على أحد هذه الوجوه إلاّ بعد إرادته تعالى له، وهذه الإرادة هي التي تخصّص كلام الله ليكون أمراً أو نهياً أو إخباراً و… ولولا كونه تعالى مريداً لما وقع منه الأمر أمراً ولا الخبر خبراً، فوقوع الكلام على إحدى هذه الوجوه يدل على كونه تعالى مريداً(20).
____________
1- الكافي، الشيخ الكليني: ج 1، كتاب التوحيد، باب البداء، ح 16، ص 148 ـ 149.
2- الكافي، الشيخ الكليني: ج 1، كتاب التوحيد، باب الجبر والقدر، ح 4، ص 158.
3- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج 5، ب 3، ح 69، ص 122.
4- المصدر السابق: ح 68، ص 122.
5- المصدر السابق: ح 75، ص 126.
6- هذا المعنى مقتبس من الأحاديث الشريفة التي ذكرناها في المبحث السابق.
7- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج 5، ب 3، ح 73، ص 124.
8-هذا المعنى مقتبس من حديث شريف للإمام الصادق(عليه السلام).
انظر: الكافي، الشيخ الكليني: ج 1، كتاب التوحيد، باب الإرادة أنّها من صفات الفعل، ح 2، ص 109.
9- التوحيد، الصدوق: باب 55: باب المشيئة والإرادة، ح 5، ص 329.
10- الكافي، الشيخ الكليني: كتاب التوحيد، باب: الإرادة…، ح 7، ص 110. التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 11، ح 18، ص 143.
11- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 55: باب المشيئة والإرادة، ح 8 ، ص 330.
12- الكافي، الشيخ الكليني: كتاب التوحيد، باب الإرادة … ، ح 4، ص 110. التوحيد، الشيخ الصدوق: باب11، ح 19، ص 143.
13- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج 4، ب 4، ذيل ج 20، ص 145 ـ 147.
14- انظر: الملخّص في أصول الدين، الشريف المرتضى: الجزء الثاني، باب: الكلام في الإرادة وما يتعلّق بها، ص 355.
15- انظر: المصدر السابق، ص 372 ـ 373.
كنز الفوائد، أبو الفتح الكراجكي: ج 1، فصل في المقدّمات في صناعة الكلام، ص 317.
المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج 1، القول في كونه تعالى مريداً، ص 63. تجريد الاعتقاد، نصيرالدين الطوسي: المقصد الثالث، الفصل الأوّل، ص 192.
تلخيص المحصّل، نصيرالدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثاني، ص 285.
قواعد العقائد، نصيرالدين الطوسي: الباب الثاني، إرادته تعالى، ص 55 ـ 56.
قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث الرابع، ص 88 ـ 89 . كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثاني، الإرادة. ص 179 ـ 180.
مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج الرابع، البحث السابع، ص 171. نهج الحق وكشف الصدق، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث (11) المطلب (15): في الإرادة، ص 131.
إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، إثبات الإرادة لله تعالى، ص203.
اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع الخامس، الفصل الثاني، البحث الثالث، ص 136.
16- انظر: تلخيص المحصّل، نصيرالدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثاني، ص 283.
قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث الرابع، ص 89 .
كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثاني، الإرادة، ص 179.
كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثاني، المسألة الرابعة، ص 402.
مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج الرابع، البحث السابع، ص 171. نهج الحق وكشف الصدق، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث (11)، المطلب (15): في الإرادة، ص 131. إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، إثبات الإرادة لله تعالى، ص 204.
اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع الثامن، المرصد الثاني، الفصل الأوّل، ص 201.
17- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: 25.
18- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: 26 ـ 27.
الملخّص في أصول الدين، الشريف المرتضى: الجزء الثالث، باب الكلام في الإرادة وما يتعلّق بها، ص385 ـ 386.
19- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: 26.
تلخيص المحصّل، نصيرالدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثاني، ص 281 تجريد الاعتقاد، نصيرالدين الطوسي: المقصد الثالث، الفصل الأوّل، ص 192.
قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث الرابع، ص 89 .
كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثاني، المسألة الرابعة، ص 401 ـ 402.
اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع الثامن، المرصد الثاني، الفصل الأوّل، ص 201.
20- انظر: الملخّص في أصول الدين، الشريف المرتضى، الجزء الثالث، باب: الكلام في الإرادة، ص 357.
رسائل الشريف المرتضى: ج 1، رسالة (8)، المسألة الرابعة، ص 376.
شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: كونه تعالى مريداً وكارهاً، ص 56.
الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الأوّل، الفصل الثاني، ص 58.
المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج 1، القول في كونه تعالى مريداً، ص 64.
المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الأوّل، المطب الثاني، ص 50 .