التوحيد هو أس الديانات السماوية وأساسها
قاعدة الحوار بين الأديان
يعتبر الحوار بين الأديان مظهراً حضارياً نظراً لما يمثل من إرساء قواعد للتعايش والاحترام والتعاون في مختلف مجالات الحياة، لذا فهو يحتل موقعاً متقدماً في أذهان المفكرين، ومكانة سامية في نفوس العديد من رجالات الدين الإسلامي الحنيف والديانة المسيحية.
ومما يؤكد ذلك الدعوات المتكررة التي يطلقها علماء ومفكرون مسلمون ومسيحيون في هذا الاتجاه، والتي تقابل بالتقدير والاحترام من قبل العامة، والتفاعل والاهتمام من قبل الخاصة، ولكن يؤخذ عليها أنها تفتقر إلى الشفافية والوضوح في المرتكزات والآليات، ويتضح ذلك من خلال اللجوء إلى تشريعات وقوانين البشر كقرارات الشرعية الدولية وبعض الأسس الأخلاقية كالتسامح والمحبة وما أشبه، في حين تمتلك هذه الأديان من المرتكزات والتشريعات ما لو تمسكت البشرية به لعاشوا جميعاً في سعادة ورخاء.
ولو أنهم عادوا إلى تعاليم الأنبياء عليهم السلام لوجدوا “التوحيد” هو القاعدة الصلبة والمرتكز الأساس في أي حوار بناء بين الأديان السماوية، فهو الجامع المشترك بين جميع الأديان وهو أس الديانات السماوية وأساسها فمنه يصدر كل خير وإليه يعود.
وبالرغم من بروز عنصر التكامل بين الأديان السماوية وما يتبعه من ضرورة نسخ الدين اللاحق للسابق باعتباره الأكمل والأنسب لزمان نزوله، وهذا يفرض على الإنسان – بأمر الناسخ والمنسوخ – التخلي عن الدين السابق والالتزام بالدين اللاحق، إلا أننا نجد الدعوة إلى الحوار والتعاون لمن لم يوفق في اللحوق بالدين الجديد .
ومن هذا المنطلق نقرأ في القرآن الكريم أمر الباري تعالى لنبيه الكريم محمد (ص) بضرورة التلاقي بين أصحاب الديانات على أساس التوحيد.
قَالَ تَعاَلَى:﴿قُلْ يَآ أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ اَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّواْ فَقُولُوا اشْهَدُواْ بِاَنَّا مُسْلِمُونَ(64)﴾. سورة آل عمران
فبنود هذه الدعوة تبدأ من أهمية التعايش والتعاون والاتفاق والاجتماع على كلمة والعمل بمضمونها كقول القائل اتفقت كلمة القوم على كذا .
وينبغي أن تكون هذه الكلمة متساوية من حيث الأخذ والعمل بما توجبه، وجوهرها التوحيد وهو المتفق عليه في جميع الأديان، وعمقها عبادة الله ونفي الشركاء نظرياً وعملياً، ولعل تفصيل الآية في هذا الأمر يشير إلى التوحيد العملي، ويؤكد ذلك ما روي عن عدي بن حاتم أنه قال لرسول الله (ص): إن الله يقول في كتابه العزيز ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ﴾ مع أن النصارى لا يعبدون الأحبار والرهبان … فقال له الرسول (ص): ﴿ما كانوا يحللون لكم ويحرمون، فتأخذون بأقوالهم ؟﴾ قال عدي: نعم. ﴿قال (ص) هو ذاك﴾.
وهذا يؤكد ضرورة حاكمية التوحيد وما ينبثق منه لأي حوار أو تعاون بين الأديان، وذلك لأن الأديان السماوية انطلقت بالإنسان من التوحيد نحو القسط والعدل والمساواة في الحقوق والحريات والأعمال الخيرة ولا يتأتى ذلك إلا بقطع جذور الاختلاف والبغي بغير الحق واستخدام القوي واستعباده للضعيف وتحكمه فيه.