شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

اثبات وجود الله سبحانه وتعالى برهان الوجوب والإمكان

0 المشاركات 00.0 / 5

هذا البرهان في اثبات وجود الله سبحانه وتعالى ينسب للفيلسوف المسلم المعروف (ابن سينا) و له شواهد في القرآن الكريم سنذكرها لاحقاً.

و يعتمد هذا البرهان على تقسيم الأشياء الموجودة في الكون أو التي يمكن للعقل أن يتصورها و يتعقلها إلى ثلاثة أقسام.

1- واجب الوجود

2- ممكن الوجود

3- ممتنع الوجود

 

1- واجب الوجود:

و تعني ذلك الموجود الذي يكون وجوده ضرورياً دائماً و أبداً ، فلا يخلو من وجوده زمان أو مكان ، و لأنّ وجوده واجباً فهو موجود باستمرار، ولا يمكن تصوّر عدمه ، لأنّ الوجود نابع من ذاته ، وهو من صفاته الذاتية . ولأنّ العدم صفة عرضيه، والصفات العرضية لا يمكنها أن تلغي الذات ، لذلك لا يمكن للعدم أن يلغى وجوده سبحانه وتعالى ، لأننا فرضنا أنّ وجوده جلّ وعلا واجباً حسب التعريف . و لا يوجد شيئ في الكون (واجب الوجود) سوى الله سبحانه و تعالى ، لأنّه موجود منذ الأزل ، و لم يسبق وجوده العدم فيقال ما العلة في وجوده ، و لم يخل منه زمان فيقال متى وجد . وقد كان ولا يزال موجوداً قبل خلق الزمان و المكان . وهو الذي خلق الزمان و المكان فلا بدّ أن يكون موجوداً قبلهما .

ولما كانت الموجودات الأخرى بحاجة إلى خالق وموجد ، فلا بد أن يكون هذا الخالق موجوداً قبل كلّ موجود، ووجوده من ذاته لا من موجد آخر. فإنّ الوجود للموجودات صفة عرضية ، والصفات العرضية لا بدّ أن ترجع إلى من يتصف بها بالذات . فيكون وجوده سبحانه وتعالى ذاتيا.

 

2- ممكن الوجود:

و يشمل هذا كلّ الموجودات في الكون من سماء و أرض و بحار و أشجار وملائكة و جنّ و أنس و حيوانات و غيرها . و تسمى ( ممكنة الوجود) لأنّ وجودها ممكن بمعنى أنّه ليس مستحيلاً . كما أنّ عدمها ممكن ، لأنّ وجودها ليس واجباً . فهي في حالة وسط بين الوجود و العدم . فإن وجد سبب لخلقها و ايجادها وجدت. و إن لم يوجد سبب لخلقها أو بقائها ظلت في العدم .

و الدليل على أنّ الموجودات (سوى الله سبحانه و تعالى) كلها (ممكنة الوجود) لأنّّّها لم تكن موجودة في يوم من الأيام ثُمّ وجدت بعد أن خلقها الله سبحانه و تعالى و أفاض عليها نعمة الوجود. فلو كانت واجبة الوجود لكانت أزلية سرمدية ، و نعلم بالبداهة أنّها ليست كذلك . فالإنسان و الحيوان و النبات لهم عمر محدود . و للمجموعة الشمسية عمر معين . و لخلق الكون زمن معين يقدره العلماء بحوالي 14 مليار سنة . إذن قبل ذلك لم يكن الكون موجوداً . و هذا يعني أنّ وجوده ليس واجباً ، بل ممكناً ، و لذلك أمكن إيجاده وإخراجه من حالة العدم إلى حالة الوجود.

 

3- ممتنع الوجود:

و هي الأمور التي يمكن أن يتعقلها العقل و لكن يستحيل وجودها في الخارج مثل جمع النقيضين أو اجتماع المثلين في زمان و مكان واحد و بالشروط الأخرى لذلك. و هذه الأمور لا يمكنها أن تنعم بنعمة الوجود ، لأنّ وجودها ممتنع أي مستحيل و غير ممكن .

و من هنا يتبين أنّ الموجودات في الواقع هي على قسمين أمّا واجبة الوجود أو ممكنة الوجود ، و القسم الثالث ليس من أقسام الوجود، بل من الأمور التي يتعقلها العقل، ولكن يستحيل وجودها في الخارج .

 

الممكنات بحاجة إلى علة لوجودها:

عرفنا أنّ الكون بكلّ ما فيه من موجودات هو من نوع ( ممكن الوجود) و يحتاج إلى علة و سبب يفيض عليه الوجود لكي يوجد . و السؤال هنا هل أنّ العلة لوجود الكون هي (ممكنة الوجود) أيضاً ؟ فان كانت كذلك فإنّها ستحتاج بدورها إلى علة أخرى تخرجها من العدم إلى الوجود .

ونتسلسل هكذا إلى أن نصل إلى (العلة الأولى) لكلّ المخلوقات و التي يجب أن تكون (واجبة الوجود) و لا تحتاج في وجودها إلى علة ، لأنّ علة وجودها نفسها حسب التعريف السابق .

و لو تسلسلت العلل و المعلولات الممكنة الوجود إلى ما لا نهاية فسوف يؤدي ذلك إلى (التسلسل) الباطل فلسفياً ، و هو ما لا يمكن . أو يؤدي إلى (الدور) و هو باطل أيضاً.

فلا خيار لنا في هذه الحالة سوى الإقرار بأنّ المخلوقات (الممكنة ) لها علل مختلفة تؤدّي بالنهاية إلى (علة واجبة).

و لكي تتوضح الفكرة لنفكر في وجودنا نحن ، فإنّا من نوع ( ممكن الوجود) و لذلك وجدنا قبل خمسين سنة مثلاً . و السبب في وجودنا هو آباءنا . و لما كان آباءنا أيضا من نوع (ممكن الوجود) فإنّ وجودهم كان بسبب آباءهم و هكذا نستمر في سلسلة العلل و المعلولات حتى نصل إلى آدم (عليه السلام) و الذي خلقه الله سبحانه و تعالى من التراب ، و التراب كان من الأرض ، و الأرض انفصلت من الشمس ، و الشمس تكونت من الانفجار العظيم (حسب النظرية العلمية المعروفة) . فإذن كلّ مخلوق له سبب و علة لوجوده لأنّه ( ممكن الوجود) و لكن بالتالي سنصل إلى الموجود الذي خلق المادة الأولى التي هي سببت الانفجار العظيم ومنه خلقت السماوات و الأرض ، و من ثُمّ الكائنات الحية . و هذا الموجود الأول هو (علة العلل) و (العلة الأولى) و(واجب الوجود) الذي لا يحتاج لوجوده إلى علة خارجة عن ذاته ، وهو الله سبحانه و تعالى.

 

من خلق الله ؟:

هذا السؤال يدور في ذهن بعض الناس ، إذ يقولون ما دام كلّ شيء بحاجة إلى خالق ، اذن من خلق الله ؟ والجواب على ذلك :

أوّلاً : إنّ الله سبحانه وتعالى ( قديم ) أى غير مسبوق بالعدم فهو أزلي سرمدي ، كان منذ الما لانهاية ، قبل أن يكون الزمان أو المكان ، وهو الذي خلقهما فيما بعد . ولأنّ وجوده كان دائماً ، ولم يسبقه عدم أو زوال، فلذلك لا يحتاج إلى خالق أو موجد ،لأنّ وجوده نابع من ذاته . أمّا المخلوقات الأخرى فهي (حادثة ) لأنّها وجدت في زمان معين ، حتى لو كان هذا الزمان قبل أربعة عشر مليار سنة . ولأنّها لم تكن ثُمّ كانت فهي تحتاج إلى مكون وموجد لها .

ثانياً : اتضح من الشرح السابق أنّه ليس كلّ الموجودات بحاجة إلى خالق و موجد و إنّما (الموجود الممكن) يحتاج إلى علة لوجوده ، أمّا الله سبحانه و تعالى فإنّه (واجب الوجود) فلا يحتاج إلى علة خارجية لوجوده ، فهو موجود دائماً و أبداً ، و كان و لم يزل و لا يزال موجوداً ، وهو القديم الأزلي السرمدي الذي وجوده نابع من ذاته و ليس عارضاً عليها .

و لزيادة توضيح الفكرة من المفيد أن نتعرف على معنى الصفة الذاتية و الصفة العرضية و الفرق بينهما لكي يحل الإشكال بشكل كامل.

 

الصفات الذاتية و الصفات العرضية:

الصفات الذاتية هي الصفات الضرورية للذات الموجودة ، وبدونها لا يمكن لها أن تبقى موجودة .

أمّا الصفات العرضية فهي الصفات التي تطرأ على الموجود وبذلك تكون زائدة على الذات . وبما أنّ وجودها ليس أساسياًَ ، لذلك يمكن أن تسلب منه أو تستبدل بغيرها من دون أن يؤثر ذلك على وجود الموجود .

ومن خصائص الصفات الذاتية أنّها لا تحتاج إلى علة لوجودها سوى الذات نفسها. أمّا الصفات العرضية فهي بحاجة إلى علة أخرى ذاتية تستمدّ وجودها منها وهذا ما يعبر عنه في الفلسفة بأنّ ( ما بالعرض ينتهي إلى ما بالذات ) . فالقطن الأبيض لا يحتاج إلى سبب لبياضه سوى ذاته البيضاء لأنّا افترضنا أنّه أبيض. وبدون صفة البياض سوف يفقد القطن الأبيض وجوده كأبيض . أمّا لو صبغ القطن الأبيض باللون الأحمر- مثلاً – فيصحّ لنا أن نسأل لماذا صار القطن أحمراً ؟ لأنّ اللون الأحمر عارض عليه وليس ذاتياً له . ولكنّ اللون الأحمر بدوره يجب أن ينتهى إلى ما هو أحمر بالذات مثل الدم مثلاّ لأنّ طبيعة الدم أن يكون أحمراً .

ومثال آخر فأنّ كلّ شئ حلو يستمدّ حلاوته من وجود السكّر فيه ، أمّا السكّر نفسه فإنّه حلو لذاته ، ولا يحتاج إلى سكر آخر لتحليته. وهكذا بالنسبة إلى النور فإنّ كلّ شيء مضاء بسبب وجود النور وانعكاسه عليه ، أمّا النور نفسه فإنّه مضيء بنفسه وليس بسبب آخر خارج عن ذاته . وكذلك بالنسبة إلى الماء فإنّه رطب بذاته ولا يصحّ أن نسأل لماذا الماء رطباًَ أو سائلاً . ولكن لو كانت يديّ مبتلة أوالطاولة مبتلة فإنّه يمكن الاستفهام عن سبب البلل فيهما، لأنّ يدىّ والطاولة جافان ذاتياً ، والبلل عارض عليهما، ولذلك من حقنا أن نسأل عن السبب في بللهما . وحينما نجيب بأنّ سبب البلل هو سكب الماء عليهما فلا يسأل أحد ولماذا صار الماء مبتلاً؟ لأنّه يعلم أنّ البلل من الصفات الذاتيه للماء و ( الذاتي لا يعلل ) لأنّ علته نابعة من ذاته وليست عارضة عليه .

وبعد أن عرفنا معنى الصفات الذاتية يتوضح لدينا الجواب بأنّ وجود الله سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى علة خارجة عن ذاته ، لأنّ علة وجوده هي ذاته المقدسة جلّ وعلا لأنّه (واجب الوجود)وذاته كانت ولا تزال موجودة ولا يمكن تصوّر العدم بشانها مهما تغيرت الظروف .

لذلك يمكن القول بأنّ كلّ شيىء موجود بالله سبحانه وتعالى ، والله موجود بنفسه .

 

الدليل من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة:

تعرّض القرآن الكريم إلى هذا الدليل وغيره من أدلة اثبات وجود الله سبحانه وتعالى في آيات كثيرة ، منها قوله تعالى :

1- ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ  ) سورة الطور ، آية35.

والسؤال في الآية الكريمة يحمل الجواب معه ، لأنّه اذا كان من غير الممكن أن نخلق من لا شيىء إذ لابدّ لكلّ معلول من علة توجده ، ولم نخلق نحن أنفسنا ، فلا خيار سوى الايمان بأنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقنا .

2- ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ  ) سورة فاطر ، آية15 .

وهنا تشير الآية إلى الفقر المطلق لكلّ الناس ، وهذا الفقر على قسمين : أولاً هم فقراء في وجودهم ويحتاجون إلى علة تفيض عليهم نعمة الوجود لكي يخرجوا من ظلمات العدم إلى نور الوجود . وثانياً فإنّ الناس فقراء لحاجتهم إلى علة مبقية لهم تكون سبباً في استمرار بقائهم أحياء وموجودين ولولاها لفنوا ورجعوا إلى العدم ثانية . وما ذلك إلاّ لأنّ الناس من نوع (ممكن الوجود) الذي يحتاج إلى علة لخلقه واستمرار وجوده.

أمّا الله سبحانه وتعالى فهو الغنيّ المطلق لأنّه (واجب الوجود ) فلا يحتاج لعلة توجده أو تبقيه ، وهو غني عن العالمين .

3- (وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ ) سورة محمد ، آية 38 . وغيرها آيات كثيرة .

4- وروى الامام الصادق (عليه السّلام) عن أبيه ، قال : (قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض خطبه : الحمد لله الذي كان في أوليته وحدانيا ، وفي أزليته متعظما بالالهية ، متكبراًَ بكبريائه وجبروته . ابتدأ ما ابتدع ، وأنشأ ما خلق على غير مثال كان سبق بشيء مما خلق) .

5- وفي توحيد الصدوق ، جاء يهودي إلى علي بن ابي طالب(عليه السّلام) فقال : يا أمير المؤمنين متى كان ربنا ؟ فقال له علي (عليه السلام): (إنّما يقال : متى كان لشيء لم يكن فكان ، وربنا تبارك وتعالى هو كائن بلا كينونة كائن ، كان بلا كيف يكون ، كائن لم يزل بلا لم يزل ، وبلا كيف يكون ،كان لم يزل ليس له قبل . هو قبل القبل بلا قبل وبلا غاية ولا منتهى . غاية ولا غاية اليها . غاية انقطعت الغايات عنه ، فهو غاية كلّ غاية) .

6- وورد في الدعاء و عن الامام الباقر ( عليه السلام ) : ( يا ذا الذي كان قبل كلّ شيء ، ثُمّ خلق كلّ شيء ، ثُمّ يبقى ويفنى كلّ شيء . ويا ذا الذي ليس في السماوات العلى ولا في الأرضين السفلى ولا فوقهن ولابينهن ولا تحتهن اله يعبد غيره ) .

والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين .

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية