شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

حديث ضياع أحكام الشريعة المقدسة - دلالة الحديث - لفت نظر

0 المشاركات 00.0 / 5

حديث ضياع أحكام الشريعة المقدسة - دلالة الحديث - لفت نظر

 

لقد دلت الأحاديث الصحيحة عند أهل السنة على أن شعائر الإسلام بعد زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد غيرت .

 

ماذا بقي من شعائر الإسلام صحيحا عند أهل السنة ؟

تمهيد :

لقد دلت الأحاديث الصحيحة عند أهل السنة على أن شعائر الإسلام بعد زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد غيرت ، وأحكام الدين قد حرفت ، فلم يبق من الدين شئ إلا وطالته يد التحريف والتغيير ، حتى الصلاة التي هي عمود الدين فإنها قد ضيعت كما ضيع غيرها .

ومن تلك الأحاديث ما أخرجه البخاري في صحيحه عن الزهري أنه قال : دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ فقال : لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة ، وهذه الصلاة قد ضيعت .

وفي رواية أخرى ، قال : ما أعرف شيئا مما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم . قيل : الصلاة ؟ قال : أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها ؟ ! ( 1 ).

وأخرج الترمذي في سننه ، وأحمد بن حنبل في المسند عن أنس أنه قال : ما أعرف شيئا مما كنا عليه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم . فقلت : أين الصلاة ؟ قال : أولم تصنعوا في صلاتكم ما قد علمتم ؟ ( 2 )

وأخرج مالك بن أنس في الموطأ عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه قال : ما أعرف شيئا مما أدركت عليه الناس إلا النداء للصلاة ( 3 ) .

وأخرج أحمد في المسند عن أم الدرداء أنها قالت : دخل علي أبو الدرداء وهو مغضب ، فقلت : من أغضبك ؟ قال : والله لا أعرف منهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم شيئا إلا أنهم يصلون جميعا ( 4 ). وفي رواية أخرى قال : إلا الصلاة ( 5 ).

وأخرج أحمد في مسنده عن أنس أيضا أنه قال : ما أعرف شيئا مما عهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم . فقال أبو رافع : يا أبا حمزة ، ولا الصلاة ؟ فقال : أوليس قد علمت ما صنع الحجاج في الصلاة ؟

وأخرج أحمد في المسند ، والبغوي في شرح السنة ، والبوصيري في مختصر الإتحاف عن أنس قال : ما أعرف فيكم اليوم شيئا كنت أعهده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قولكم : لا إله إلا الله . قال : فقلت : يا أبا حمزة ، الصلاة ؟ قال : قد صليت حين تغرب الشمس ، أفكانت تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . ( 6 )

وأخرج الطيالسي في المسند ، والبوصيري في مختصر الإتحاف عن أنس أنه قال : والله ما أعرف اليوم شيئا كنت أعرفه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يا أبا حمزة ، والصلاة ؟ قال : أوليس أحدثتم في الصلاة ما أحدثتم ؟ ( 7 )

دلالة الحديث قوله : لا أعرف شيئا مما أدركت أو مما كنا عليه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، يدل على أن كل معالم الدين التي جاء بها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد حرفت وبدلت ، فلم يبق شئ على ما كان عليه في عهده صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى الصلاة التي يتعاهدها المسلمون كل يوم خمس مرات هي أيضا لم تسلم من التبديل والتغيير ، وإن بقيت لها صورة الصلاة الظاهرية ، وهذا العموم استفيد من دلالة وقوع النكرة في سياق النفي في كلام أنس . وقوله : أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها ؟ وقوله : أو لم تصنعوا في صلاتكم ما قد علمتم ؟

وقوله : أو ليس أحدثتم في الصلاة ما أحدثتم ؟ كلها تدل على أن الناس أحدثوا في خصوص الصلاة ما لم يكن معروفا في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن الحجاج أيضا قد أحدث فيها ما أحدث .

ثم إن سؤال القوم عن خصوص الصلاة مع أن كلامه دال على العموم ظاهر في أن القوم كانوا يعلمون بتبدل أحكام الدين وتحريفها ، ولذلك لم يعجبوا من قول أنس ، ولم يسألوه عنها ، وأما الصلاة فكانوا يظنون أنها لا تزال سالمة من أي تحريف أو تغيير .

وقوله في حديث البخاري : إلا هذه الصلاة ، يدل على أن الصلاة سلمت نوعا ما من التغيير ، ولم تسلم بالكلية ، بدليل قوله بعد ذلك : ( وهذه الصلاة قد ضيعت ) .

ثم إن القوم أغفلوا أو تغافلوا عن الشطر الأول من هذه الأحاديث ، الدال على أن كل أحكام الدين قد حرفت وبدلت ، ووجهوا الأنظار إلى الشطر الثاني فحسب ، وهو تضييع الصلاة ، وجعلوا تضييعها تأخيرها عن وقتها ، ولأجل ذلك أدرج البخاري هذين الحديثين في كتاب مواقيت الصلاة ، باب تضييع الصلاة عن وقتها .

قال ابن حجر : المراد أنه لا يعرف شيئا موجودا من الطاعات معمولا به على وجهه غير الصلاة ، وقوله : ( وهذه الصلاة قد ضيعت ) قال المهلب : المراد بتضييعها تأخيرها عن وقتها المستحب لا أنهم أخرجوها عن الوقت . كذا قال وتبعه جماعة .

ثم رده بأنه تضييع للصلاة عن وقتها الواجب ، واستدل بالأحاديث المشهورة التي تدل على أن الوليد بن عبد الملك والحجاج كانا يؤخران الصلاة إلى أن يمضي وقتها ( 8 ) .

إلا أن التأمل الصحيح في هذه الأحاديث يقضي بأن يكون المراد هو أن أحكام الدين التي كانت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنها الصلاة قد تبدلت وحرفت ، بدليل قوله : أو ليس أحدثتم في الصلاة ما أحدثتم ؟ وتأخير الصلاة عن وقتها لا يسمى إحداثا فيها .

ثم إن بكاء أنس بالشام لا يكون إلا لأمر عظيم جليل ، وهو تحريف أحكام الدين ، والعبث بشريعة سيد المرسلين ، وأما تأخير الولاة أو الخلفاء للصلاة فإنه لا يستدعي منه كل ذلك ، لأنه كان يرى منهم الظلم والفسق والفجور والمجون ، ولم يبك لشئ من ذلك ، فكيف يبكي لتأخير الصلاة عن وقتها ؟ !

لفت نظر : إن أكثر الأحاديث التي مر ذكرها مروي عن أنس بن مالك ، والقليل منها مروي عن أبي الدرداء ، ولعل السبب في ذلك هو أن أنس بن مالك كان من أواخر الصحابة موتا ، فهو قد عاش إلى سنة تسعين من الهجرة ، أو ثلاث وتسعين على اختلاف الآراء ، وعمره تجاوز المائة أو نقص عنها قليلا ( 9 ) ، فأدرك كثيرا من الفتن والأهواء والآراء التي حدثت بعد زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فهو قد رأى ما لم ير غيره ( 10 ) .

 

=========================

(1) صحيح البخاري 1 / 133 كتاب مواقيت الصلاة وفضلها ، باب تضييع الصلاة عن وقتها .

(2) سنن الترمذي 4 / 633 ، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع . قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب . مسند أحمد بن حنبل 3 / 101 ، 208 .

(3) الموطأ ، ص 42 .

(4) مسند أحمد بن حنبل 6 / 443 ، 5 / 195 .

(5) المصدر السابق 6 / 443 .

(6) مسند أحمد بن حنبل 3 / 270 ، شرح السنة 14 / 394 ، مختصر إتحاف السادة المهرة 2 / 307 .

(7) مسند أبي داود الطيالسي ، ص 271 ، مختصر إتحاف السادة المهرة 2 / 307 .

(8) فتح الباري 2 / 11 .

(9) راجع أسد الغابة 1 / 296 ، تهذيب الكمال 3 / 376 - 377 ، النجوم الزاهرة 1 / 224 ، تهذيب التهذيب 1 / 330 وغيرها .

(10) قال ابن عبد البر في الإستيعاب 1 / 111 : يقال إنه آ

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية